رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
شكر وصراخ استغاثة
المزمور الأربعون 1. يُقسم المزمور الأربعون إلى قسمين متباينين تفصل بينهما آ 13. القسم الأول (آ 1- 12) هو صلاة شكر يتلوها المرتّل بعد أن نجا من خطر الموت. القسم الثاني (آ 14- 18) نقرأه حرفيًا في المزمور 70 وحو صلاة توسّل يتلوها المرتّل في ضيقه. 2. شكر لله المخلّص تتبعه صرخةُ استغاثة للخلاص من ضيق جديد. آ 2- 6: توسّل المرتّل إلى الله بثقة، فكان الجواب خلاصًا عظيمًا. آ 7- 12: سيقدّم المؤمن ذبيحته تعبيرًا عن طاعته وعرفانًا بالجميل آ 13: آية تربط بين قسمي المزمور فتصوّر حالة المؤمن في ضيقه. آ 14- 18: يطلب المؤمن لنشمه النجاة ولأعدائه الخزي، وهو واثق بأن صلاته ستُستجاب. نحن في جماعة المصلّين خلال عيد من الأعياد. يأتي أحد الناس، فيروي أمام الجماعة كيف نجّاه الله، ويطلب إليها أن تشاركه شكره ومديحَه للرب. ترجَّى الرب في ضيقه بعد أن وصل إلى أبواب الموت (جب الهلاك). فنجّاه الرب. هل مرض المرتّل، أو كان في السجن مدة طويلة؟ هل كان ملكًا أبعد عن الملك ثم أعيد إليه؟ هذه الظروف تبدو قليلة الأهمية بالنسبة إلى ما عمله الله من أجل حبيبه الذي جاء إلى الهيكل ليرفع ترنيمه إلى الرب ويعلن أمام الناس سعادته: طلب الخلاص من عند الرب، لأن أعماله أكثر من أن تحصى. لم يتكّل إلاّ عليه، فكان له الخلاص. الذبيحة ترافق الشكر، وبعد النجاة يأتي دورُ الاعتراف بفضل الرب داخل ليتورجية العيد. ولكننا نقرأ في هذا المزمور: في ذبيحة وتقدمة لا ترغب... هل يعني هذا الكلام رفضًا للذبائح، أم أنه يعني أن الذبيحة الحقيقيّة هي ذبيحة القلب، وأن الذبيحة الخارجيّة ليست إلاّ تعبيرًا عمّا في القلب؟ وتفرض هذه الروح على المؤمن أن تكون أذنه مفتوحة ليسمع كلام الرب ويعمل به. وبعد أن يشكر المرتّل لله رحمته، يطلب إليه أن تدوم له عطاياه ومراحمه. ويقرّ المرتّل بضعف إرادته أمام خطاياه: قلبه قد تركه فصار على حافة اليأس، ولكن يبقى له الرب: أسرع يا رب واهزم أعدائي. ثم يعود فيذكّر الرب بحالته التعيسة ويطلب منه أن يسرع: لا تبطئ يا إلهي. فإن تدخَّل الله، فرحَ محبّوه وتأكّدوا مرّة أخرى من خلاصه الحاضر. 3. في القسم الأول ينظر المرتّل إلى الربّ نظرة كلها رجاء (أش 7: 17). أحسّ بنفسه على حافة القبر، فصوَّر حالته مستعينًا بما كتبه إرميا (38: 6) الذي رأى الموت بعينيه عندما وُضع في تلك البئر المُوحلة. ولكن الرب استجابه وانتشله من هناك (30: 4؛ يون 2: 7). في القسم الثاني يذكر المرتّل آلامه بسبب خطاياه، وينظر إلى الأعداء وكأنهم يحيطون به. من جهة، نجد جوقة المستكبرين المستهزئين الذين يريدون موت حبيب الله. ومن جهة أخرى، نجد جماعة أتقياء الرب الذين يجتمعون وهم يهتفون: ما أعظم الرب. 4. الرسالة إلى العبرانيين (10: 5- 6) جعلت آ 7- 10 على فم يسوع عندما جاء إلى العالم: "ما أردت ذبيحة ولا قربانًا، لكنك هيّأت لي جسدًا". ونقرأ نحن معاني هذا المزمور في ساعات يسوع الأخيرة: إنتظار للرب الذي يقدر أن ينجّيه، خوف من الموت، وثقة بالرب وأعماله العظيمة، تقدمة قلبه إلى الرب واستعداد للعمل بما يرضيه: سيبشّر بإله العهد الحامل الخلاص. أما القسم الثاني من المزمور، فهو يرفع أنظارنا إلى كائن متألّم وبائس ومسكين. نقرأ فيه ملامح يسوع، رجل الآلام، الذي دعا الآب إلى معونته ساعة كان قريبًا من الموت. 5. شكرًا للرب يسوع، لابن الله الوحيد، لفادينا. أراد أن يغفر لنا كلَّ خطايانا، فنزل من السماء، وانتشلنا من الهوّة وطين هذا العالم، من المستنقع الموحل ومن جسد الموت. ثبّت في جسدنا رجلين داخليتين لنفسنا. وهكذا بعد أن تقوّينا بكلمة الله، ونجونا بالصليب الذي تألّم عليه جسد الرب، نستطيع أن نمشي لا في ذلّ العار، بل في حالة الخاطئين الذين نالوا المغفرة. فالذي تقوّى وتجذّر في المسيح، يجب أن يتذكّر أن رجليه تثبتّتا على صخرة متينة. وهذا ما يقوله الرسول: "وكانوا يشربون من صخرة تتبعهم، وهذه الصخرة هي المسيح" (1 كور 10: 4). فالصخر الذي يتبع العطاش يقوّي الذين يزلّون. وهكذا لم تنقص المياه العطاشَ، ولم ينقص السند للذين يزلقون. إنتظرتَ أيها الرب يسوع، وجئتَ إليّ في أحد الأيام. قدتَ خطاي على طريق الانجيل. ووضعتَ في فمي نشيدًا جديدًا، نشيدَ العهد الجديد. وها نحن نُنشد بفرح مديحًا لإلهنا الذي عرّفنا بفرائض الفضائل الجديدة: أن نترك كل مقتنياتنا، ونتبع المسيح، ونحبّ أعداءنا. لقد تعلّمنا عادات جديدة. تجاه الذين يضطهدوننا نقدّم للرب صلاتنا. ونبارك الذين يلعنونا. ولا نعرف أن نفتخر بأعمالنا الصالحة أو نخفي خطايانا. وعلى طريقة الكهنة نرفض الزواج. فلماذا نُطيل الحديث؟ فالخاطئ البائس صار رجلاً سعيدًا لا ينظر بعد إلى المظاهر الباطلة في هذا العالم الدنيء: "باطل الأباطيل وكل شيء باطل". هذا هو عالمنا. وهكذا تكلّم سليمان (جا 1: 2). أليس باطلاً أن نلاحق خيرات زائلة تهرب كالظلّ؟ أليس جنونًا كاذبًا هذا الصراع المسلّح الذي تُهرق فيه الدماء من أجل ممتلكات زمنيّة؟ وهذه الخصومات التي تلد بمناسبة جدالات عن المسرح أو الألعاب (والشهوة في هذه الأمور تقرب من الجنون)، وهذا التعلّق بتعاليم الهراطقة وحركات وأقوال الأنبياء الكذبة الذين يقلّدون أقوال الله؟ هذا ما يتكلّم عنه المزمور هنا: طوبى للرجل الذي وضع رجاءه في اسم الرب، الذي لم يوقف نظره على أباطيل وجنون كاذب. ولكنّ هناك جنونًا حقيقيًا هو جنون الأنبياء. حين كانوا يتنبّأون كان عقلهم ينتقل ويمتلئون من روح الله فيبدون للبعض مجانين. نسوا أمنهم الشخصي، فراحوا مرّات مثل أشعيا القديس عراة وحفاة (أش 20: 2). ركضوا وسط الجموع، وصرخوا لا حسب ما أرادوا، بل حسب أمر الرب. فمنهم ظهر كالضياء دواء الخلاص، لأن الذي انتظروه هو هنا. إنتظره آدم المطرود من الفردوس، ونجا بعد حياة طويلة في المنفى. وانتظره نوح البار الذي حُفظ كبذار للكائنات الآتية. فمنه سينتشر عند البشر بذارُ البر. كان يمكن أن يُحسب مؤسّس الخلاص العام، لأنه استحقّ أن يبقى حيًا في الطوفان، وأول حكيم لأنه زرع الكرمة وسكر من ثمرها. والكرمة هي الحكمة. فقد قال داود المفسّر الملهم: "زوجتك تكون مثل كرمة خصبة في قلب بيتك" (مز 128: 3). وهذه الحكمة الفيّاضة انتظرناها في المسيح الذي امتلأ تعليم حكمة وكشفه لنا وحيًا خارقًا: ما لم تره عين ولم تسمعه أذن... وكان انتظارُ المخلّص في موسى الذي فلقَ أمواج البحر، وهو عمار يتجاوز قوى البشر، وفتح وسط الامواج طريقًا للراجلين. وتبعهم صخرٌ يُخرج المياه التي تروي جسد آبائنا اليابس حين مسيرتهم وسط البرّية. وكان انتظار الخلاص أيضًا في هارون، الكاهن الأعظم الذي وقف وسط الأحياء والأموات، وقرّر أن يسقط الوباء على الحيّة لكي لا ينتقل الموت بعد من الأموات إلى الأحياء. وهذا ما يميّز المسيح الذي يقف أمام الله الآب محاميًا للشعوب، فيقدّم موته عنهم جميعهم ويغلب هذا الموت، ويخلق الحياة للذين سيموتون. وكان انتظاره في يشوع. جاء في الحقيقة في ذلك الذي قبلَ اسمَه وقدرته، فأدخل الشعب إلى أرض الميعاد وسُمّي حقًا يسوع. نشّف مجرى الماء، وأصعد الأمواج إلى ينابيعها، وأوقف الشمس إلى أن قاد إلى النهاية ذاك النصر العجيب. ولكن هذا النصر كان رمزًا لا حقيقة. بعدها تجلّى أمام عينيه القائدُ الحقيقي لجند السماء، فسجد يشوع أمامه (يش 5: 13- 15). ولكن يسوع الحقيقيّ لم يكن بعدُ قد قام في جسد، بل في الرمز. فمتى جاء إذن المخلّص الحقيقيّ؟ لنسمعه يتكلّم: "أردت أن أعلن عجائب الله. إنها لا تُحصى. ما أردتَ ذبيحة ولا تقدمة، بل كوّنتَ لي جسدًا. حينئذ قلت: ها أنا آت فقد كتب عني في بداية الكتاب أنه يجب عليّ أن أتمّم إرادتك. لقد أردت ذلك يا إلهي". الأمر واضح. جاء يسوع الحقيقيّ لأجلنا مع عطيّة انجيله. بدأ يتكلّم، فتجمّعت شعوب المؤمنين العديدة بعد أن كان المؤمنون قلّة قليلة. جاء مع جسد، فصارت ذبائح اليهود بدون جدوى. صارت بلا فائدة التقدّمةُ عن الخطيئة، لأنه وصل ذلك الذي يغفر الخطايا. لم يعد من حاجة إلى دواء الشريعة بعد أن حضر باري الشريعة. وكُتب في بدء الكتاب: افرزوا حملاً لا عيب فيه كاملاً تامًا، ذكرًا ابن سنة. يُذبح أمام الجماعة كلها (خر 12: 5). من هو هذا الحمل؟ سمعتم القول: هذا هو حمل الله. هذا هو الذي يزيل خطيئة العالم (يو 1: 29). هذا هو الذي قتلَه كلُّ شعب اليهود، ويلاحقونه اليوم ببغض شيطاني. في الحقيقة، وجب عليه أن يموت من أجل كلّ البشر. وجب أن يُتم على صليبه غفران الخطايا، وأن يغسل بدمه العالم من أوصابه. ولكن ما أتعس الذين انكروا باري خلاصهم الشخصي. (أمبروسيوس). |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
مزمور كل يوم / المزمور الأربعون |
صلاة الساعة الثالثة المزمور الأربعون|تصميم| |
المزمور الأربعون |
المزمور الأربعون |
المزمور المائة و الأربعون |