يلزمنا من البداية أن نؤكد أن "الأيقونة" تختلف عن "الصورة الدينية", فليست كل صورة دينية هي أيقونة.
الصورة يشدنا فيها الألوان والمناظر وإتقان الرسم والخطوط والنسب الفنية, وهي باستمرار تعكس صورة "إنسان" أو منظر طبيعي.
أما الأيقونة هي صورة قد تدشنت بمسحة الميرون المقدس وبنفخة من فم الأسقف أو البطريرك حضوراً للروح القدس وتقديساً للأيقونة.
نفس الزيت الذي تقدس به أعضاء الإنسان في سر الميرون تدشن به الأيقونة (قدس للرب).
هنا تدخل الأيقونة ضمن حياة الكنيسة الليتورجية, ضمن العمل السرائري العام للكنيسة والذي ينقل العالم والمادة والإنسان من الحقيقة (المادية) إلى الحقيقة (الروحية).
والأيقونة حين تواضع داخل مبنى داخل الكنيسة ليست للزينة وليست هي مرتبة في متحف وإنما تمثل عضواً في جسد واحد متكامل لإعلان "السر" سر التقديس, سر الليتورجية, سر حضور المسيح, سر تحول كل شئ للمسيح. ونحن نؤمن أن نعمل أن العمل الليتورجي يجعل الحادثة موجودة وحاضرة معنا, وهذا ما تقوم به الأيقونة في حياة المؤمنين.
+التجسد:
التجسد جعل الله غير المنظور مرئياً ومنظوراً لنا, جعلنا ننظر مجد الله في مجد الله في وجه إبنه يسوع المسيح, التجسد كان دخول مرة وإلى الأبد ما هو إلهي فيما هو إنساني "الله لم يره أحد قط الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبر" (يو18:1). "الابن هو بهاء مجد الأب ورسم جوهره" (عب3:1),
فالمسيح هو صورة (أيقونة) الله غير المنظور بكر كل خليقة (كو15:1) وكلمة أيقونة هنا تعني المشاركة في الحقيقة والجوهر لأنه كيف يمكن تصوير ما هو غير مرئي ما لم تكن الصورة نفسها هي الحقيقة ذاتها والجوهر ذاته. هكذا يكون ما إتحد بطبيعتنا وظهر في جسد بشري هو الله ذاته "عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد" (1تي16:3). هذا حقيقة ظهور ما هو إلهي فيما هو إنساني.
والليتورجية مع كل أسرار الكنيسة هي تقديس الزمان والمكان والمادة والحياة. والتقديس يعني حضور الله, ليحول ويجلي ويخصص, ويعلن حضوره. من هنا كانت (الأيقونة) بعيدة تماماً عن أي مفهوم مادي materialization لأنها لا تصور المادة بل تعكس حقيقة روحية وتضع أمام أعيننا ما هو (مقدس) و(إلهي).
والملاحظ أننا في كنيستنا لا نقبل وضع (تماثيل) لأن التمثال يجسد ما هو مادي بالأبعاد الثلاثة (تجسيم), هكذا بغياب الأبعاد الثلاثة التي تميز المادي, إلى بعدين فقط (الأيقونة) يستبعد أي إحساس مادي وتكون الأيقونة انتقال هادئ لحقيقة روحية خالية من أي معنى أو انطباع عاطفي أو جسداني.
موضوع الأيقونة:
الأيقونة يكون موضوعها إما رب المجد يسوع المسيح نفسه أو لأحد القديسين الذين انتقلوا إلى السماء. بالنسبة لأيقونات رب المجد يسوع المسيح دائماً يظهر المسيح الإله الممجد المحاط بهالات المجد والنور حتى صور الصليب يرسم فيها المسيح محاطاً بمجد عظيم وملائكة, فالأيقونة القبطية (عكس الفن الغربي) لا تصور المسيح كإنسان يتألم وإنما إله ممجد حتى في وسط الآلام (قدوس القوي الذي أظهر بالضعف ما هو أعظم من القوة) "لحن الجمعة العظيمة".
+الأيقونة لا تبرز مشاعر الألم الجسدي بل مجد الإله الذي يتألم ,لأنها تحضر لنا آلام المسيح الشافية والمحيية.
وبالنسبة لأيقونات القديسين, لا يمكن أبداً أن نرسم (الأيقونة) لإنسان قديس مازال يعيش بيننا. فمن ناحية هو نفسه (أيقونة) روحية ومن ناحية أخرى (الأيقونة) تصور لنا تصور لنا ما لم يكن أن نراه من عالم الروح (القداسة) وتعكس لنا بهاء ومجد القديسين (في السماء). هكذا تعكس الأيقونة مجد (عدم الفساد) كما عبر عنه القديس بولس (1كو15).
+ترسم أيقونات القديسين بها هالة كبيرة تحيط برأس القديس والجزء الأعلى من جسده, هذه الهالة ليست (تاجاً) يوضع على رأس القديس وإنما هي النور يشع من وجهه وجسده, كقداسة داخلية.
النور هنا يأتي ولا يضاف إلى الأيقونة من الخارج لأن جسد الإنسان القديس يشارك في النعمة مثل روحه تماماً, هكذا تعكس الأيقونة وتصور وتحضر لنا حالة القديسين في المجد.
+الأيقونة لا يوجد بها ظلال أو مصدر للنور (كالشمس مثلاً) لأن الحياة والحقيقة التي تحضرها لنا الأيقونة لا يوجد فيها ظلمة ولا تحتاج إلى نور خارجي يضيئها, العالم الذي تعكسه لا يوجد فيه ظلمة. "والمدينة لا تحتاج إلى الشمس ولا إلى القمر ليضيئا فبها لأن مجد الله قد أنارها والخروف سراجها وتمشي شعوب المخلصين بنورها ... وأبوابها لن تغلق نهاراً لأن ليلاص لا يكون هناك" (رؤ21: 23-25).
"ولا يكون ليل هناك ولا يحتاجون إلى سراج أو نور شمس لأن الرب الإله ينير عليهم" (رؤ5:22).
+الأيقونة لا يظهر فيها القديس فيها وضع جانبي profile أو في وضع حركة وإنما في سكون مصلياً رافعاً نظره إلى السماء أو ناظراً إلينا, أن الأيقونة لا ما هو بشري بل ما هو إلهي وسماوي, تعكس الحقيقة التي يعيشها القديسون الآن, مسبحين الله أو مصلين من أجلنا لذلك فإننا في بعض الأيقونات نجد تفاصيل تبدو غريبة للوجه أو مختلفة عما نراه في الطبيعة لأن القصد ليس إبراز ما هو طبيعي ولكن ما لا يستطيع الجسد أن يلحظه, لأنه حقيقة روحية.
+الأيقونة إعلان عن شركة وحضور القديسين, وتعبير عن حضورهم في وسطنا وخدمتهم لنا, خدمة الشفاعة والمعونة والشركة في الجسد الواحد. هكذا تكتسب الأيقونة قيمتها ليس من مادتها في حد ذاتها كخشب وألوان وإنما في هذه المشاركة في الإعلان عن الحضور الإلهي.
هكذا يبخر الكاهن أمام الأيقونة تمجيداً وإكراماً لوجه الله وحضوره في هذا القديس مثلما يبخر أمام زخائر القديسين تمجيداً أو إكراماً للنعمة التي سكنت فيهم بغنى مثلما يبخر أمام أفراد الشعب الحاضرين في الكنيسة إعلاناً عن حضور الله في صورته, الإنسان, الشخص البشري المخلوق على صورة الله والوارث لمجد المسيح.
المركز الليتورجي للأيقونة:
قلنا أن الأيقونة تتكامل مع المبني الكنسي ومع العبادة الطقسية لإعلان حضور الله وسط شعبه, ولإدخال الشعب المؤمن الحاضر في الكنيسة إلى هذا الحضور, فكما أن الكلمة واللحن والصلاة عن طريق السمع فالصورة تقدس عن طريق العينين والتي عند الأباء أهم حواس الإنسان (مت22:6). أنها تستحضر القداسة وتعلنها أمام أعيننا, أنها تقديس عيون المؤمنين, لأنه كما عاشت النعمة مع القديسين أثناء حياتهم على الأرض فهي لا تفارق أرواحهم,
وأن الأيقونة كتاب مفتوح للرؤية والعين مثل الكتاب المقدس للعقل, أنها كتاب كلماته وجمله من ألوان وخطوط مثل الكتاب المقدس الذي تتكون كلماته من حروف ونقط, ما يقوله الكتاب المقدس في كلمات تعلنه الأيقونة في الألوان والخطوط وتجعله حاضراً معنا. هكذا ما يشدنا في الأيقونة ليس (الجمال) وإنما (الحضور).
فنان الأيقونات:
لا يوجد شئ في الكنيسة (مادي) بحت ولا يوجد (بشري) فقط, الفنان الذي يرسم الأيقونة لا يكفيه أن يلم بقواعد الرسم والنسبة الفنية إنما لابد أن يكون (موهوباً), لابد أن يكون روحياً وملماً بحياة الكنيسة وقداسة أعضائها في حياته.
"وكلم الرب موسى قائلاً أنظر قد دعوت بصلئيل بن أوري بن حور من سبط يهوذا باسمه وملأته من روح الله بالحكمة والفهم والمعرفة وكل صنعة الاختراع مخترعات ليعمل في الذهب والفضة والنحاس وتعيش حجارة ونجارة الخشب ليعمل في كل صنعة" (خر31: 1-6).
راسم الأيقونة لابد أن يكون تقياً لأن ما يعبر عنه بالرسم هو القداسة ذاتها. هكذا الأيقونة المدشنة بالميرون تعلن حضور الروح القدس, تنقل العابدين إلى محيط روحاني هائل, يشع قداسة ونور.
(الصورة) تعكس صورة الإنسان. (الأيقونة) تعكس صورة الإنسان المتحد بالله أو إذا شئت صورة الله في وجه إنسان!
الأيقونة تعكس الحقيقة التي ظهرت على جبل التجلي ليتنا إذاً ندقق فيما يوضع داخل كنائسنا فليس الأمر تزين للمكان والحوائط بصور دينية وإنما ليتورجية وعبادة, وتقديس وحضور إلهي.