اختبار صعب، ذلك الذي يجتازه المؤمن في بعض أوقات حياته، حين يشعر أن منابعه قد جفَّت، وطاقته النفسية قد فرغت، وهو أمر طبيعي، فالواقع العملي يؤكِّد أن حياتنا الروحية، لا تسير فقط في مرتفعات الشكر والتسبيح، لكنها قد تهبط أحيانًا إلى وديان الفراغ والخواء. وللأسف، فبدلاً من أن نجاهر بحالتنا هذه كما هي، وأن نعترف أننا “شطَّبنا” في بعض المراحل، وأننا نحتاج إلى إعادة الملء من جديد؛ فإننا نُصِرّ على أن تسير حياتنا بلا قوة، وتستمر خدماتنا بلا تأثير، وكأننا نشبه الماكينة القديمة، التي يفرغ منها الزيت، ويتأفف صاحبها أن ينظفها ويملأها، فتبدأ في الدوران على مضض، وتحتك تروسها الفارغة بالحديد، فنتصنَّع التعزية ونخفي سوء حالتنا، ونتحرَّج من أن نعترف بأننا “شطَّبنا”.
ولكن من يتابع حياة رجال الله المتَّصلين به، والمستخدَمين منه، يعرف أن هذه الحالة واردة وطبيعية بشكل كبير، فها هو حزقيا يعلن أنه “شطَّب” قوة، وقال «لأَنَّهُ لَيْسَ فِينَا قُوَّةٌ أَمَامَ هذَا الْجُمْهُورِ الْكَثِيرِ الآتِي عَلَيْنَا، وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ مَاذَا نَعْمَلُ وَلكِنْ نَحْوَكَ أَعْيُنُنَا» (2أخ20: 12). وها هم المؤمنون المجربون، يعلنون أنهم “شطَّبوا” حكمة وحيلة للتصرف، فهم «يَتَمَايَلُونَ وَيَتَرَنَّحُونَ مِثْلَ السَّكْرَانِ، وَكُلُّ حِكْمَتِهِمِ ابْتُلِعَتْ» (مز107: 27). وها هو بولس الخادم النشيط، يعلن أنه “شطب” تفاؤل وأمل كما أعلن «أَنَّنَا تَثَقَّلْنَا جِدًّا فَوْقَ الطَّاقَةِ، حَتَّى أَيِسْنَا مِنَ الْحَيَاةِ أَيْضًا» (2كو1: 8). فكما أننا أحيانًا روحيًا ونفسيًا نكون “شطَّبنا”، لكن المطمئن أننا لسنا وحدنا الذين “شطَّبنا”!!