رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
حوار بين الله والنبي: 17 وَتَقُولُ لَهُمْ هذِهِ الْكَلِمَةَ: لِتَذْرِفْ عَيْنَايَ دُمُوعًا لَيْلًا وَنَهَارًا وَلاَ تَكُفَّا، لأَنَّ الْعَذْرَاءَ بِنْتَ شَعْبِي سُحِقَتْ سَحْقًا عَظِيمًا، بِضَرْبَةٍ مُوجِعَةٍ جِدًّا. 18 إِذَا خَرَجْتُ إِلَى الْحَقْلِ، فَإِذَا الْقَتْلَى بِالسَّيْفِ. وَإِذَا دَخَلْتُ الْمَدِينَةَ، فَإِذَا الْمَرْضَى بِالْجُوعِ، لأَنَّ النَّبِيَّ وَالْكَاهِنَ كِلَيْهِمَا يَطُوفَانِ فِي الأَرْضِ وَلاَ يَعْرِفَانِ شَيْئًا». 19 هَلْ رَفَضْتَ يَهُوذَا رَفْضًا، أَوْ كَرِهَتْ نَفْسُكَ صِهْيَوْنَ؟ لِمَاذَا ضَرَبْتَنَا وَلاَ شِفَاءَ لَنَا؟ انْتَظَرْنَا السَّلاَمَ فَلَمْ يَكُنْ خَيْرٌ، وَزَمَانَ الشِّفَاءِ فَإِذَا رُعْبٌ. 20 قَدْ عَرَفْنَا يَا رَبُّ شَرَّنَا، إِثْمَ آبَائِنَا، لأَنَّنَا قَدْ أَخْطَأْنَا إِلَيْكَ. 21 لاَ تَرْفُضْ لأَجْلِ اسْمِكَ. لاَ تَهِنْ كُرْسِيَّ مَجْدِكَ. اُذْكُرْ. لاَ تَنْقُضْ عَهْدَكَ مَعَنَا. 22 هَلْ يُوجَدُ فِي أَبَاطِيلِ الأُمَمِ مَنْ يُمْطِرُ، أَوْ هَلْ تُعْطِي السَّمَاوَاتُ وَابِلًا؟ أَمَا أَنْتَ هُوَ الرَّبُّ إِلهُنَا؟ فَنَرْجُوكَ، لأَنَّكَ أَنْتَ صَنَعْتَ كُلَّ هذِهِ. في الحوار بين الله والنبي إرميا بخصوص ما يحل بالشعب من تأديبات بسبب شرورهم نلاحظ الآتي: أولًا: ليس فقط الخليقة تئن بسبب القحط، وإنما يشاركها إرميا النبي نفسه، ليس حزنًا على الخسائر المادية، وإنما على ما بلغه الشعب من قحطٍ روحي من جهة كلمة الله وقبول إرادته. "وتقول لهم هذه الكلمة: لتذرف عيناي دموعًا ليلًا ونهارًا ولا تُكفا، لأن العذراء بنت شعبي سُحقت سحقًا عظيمًا بضربة موجعة جدًا" [17]. أمر الله إرميا أن يكف عن الصلاة من أجل الشعب بخصوص رفع التأديب عنهم، لكننا لم نسمعه يأمره بالكف عن البكاء من أجلهم، بل بالعكس نراه هنا يطلب من إرميا أن يكون بكاؤه علانية، وأن يعلن للشعب أنه لن يتوقف عن البكاء ليلًا ونهارًا، بكاء من يئن لأجل عذرائه الوحيدة المنسحقة جدًا بضربة مرّة للغاية. كأن الله يعتز بهذه الدموع، لأنها تعبر عن المشاعر الإلهية خلال نبيه. فهو وإن أدّب لا يطلب لشعبه السحق العظيم بل الفرح المجيد بالتوبة والرجوع إليه. هذا ومن جانب آخر فإن دموع النبي تشهد عن وداعة النبي، ينطق بالحق الإلهي لا في تشامخٍ وعجرفة كالأنبياء الكذبة بل بروح الاتضاع والانسحاق، مع مشاركة الشعب آلامهم. اشتهي إرميا أن تتحول رأسه إلى ماءٍ وعيناه إلى ينبوع دموع ليبكي نهارًا وليلًا (إر 9: 1). يبدأ بالنهار ويكمل بالليل، يرى أعمالهم نهارًا فيبكيهم، ويعود بالليل إلى مخدعه ليُصلي بدموع من أجلهم. أما بالنسبة لله، إذ يتحدث عن دموع إرميا فيقول "ليلًاونهارًا"، ففي عينيه دموع الصلاة من أجلهم لها الأولوية عن دموعه في النهار وهو يراهم يخطئون. لا يكفي أن نبكي أحباءنا، بل أن نُصلي حتى في الخفاء بدموعٍ عنهم؛ هذا أعظم وأثمن في عيني الله! ثانيًا: هلاك عام في الحقول كما في المدن، بين الشعب كما بين الأنبياء الكذبة. "إذا خرجَت إلى الحقل فإذا القتلى بالسيف، وإذا دخلت المدينة فإذا المرضى بالجوع، لأن النبي والكاهن كليهما يطوفان في الأرض ولا يعرفان شيئًا" [18]. وكما جاء في (تث 28: 6): "ملعونًا تكون في المدينة، وملعونًا تكون في الحقل". يرى البعض في العبارة الأخيرة "يطوفان في الأرض (حيث) لا يعرفان شيئًا" إن النبي والكاهن إذ رفضا إرادة الرب هنا صار مصيرهما الجحيم، يطوفان هناك حيث لا توجد "المعرفة" بل يكونا في "جهالة"، ويرى البعض أن هذه النبوة تحققت بسبي يهوذا حيث أُقتيد الأنبياء والكهنة إلى أرض لا يعرفون عنها شيئًا. ثالثًا: اكتشاف الرجاء الباطل الذي قدمه الأنبياء الكذبة بروح الخداع. "هل رفضت يهوذا رفضًا؟! أو كرهت نفسك صهيون؟! لماذا ضربتنا ولا شفاء لنا؟! انتظرنا السلام، فلم يكن خير، وزمان الشفاء فإذا رعب" [19]. كنائبٍ عن الشعب الذي أعماه الأنبياء الكذبة بخداعاتهم يحاور الله متعجبًا كيف يرفض الله يهوذا، وتكره نفسه صهيون، ويضرب بلا شفاء، ينزع السلام ويسمح لهم بالرعب. كانت حجج الأنبياء الكذبة أن الله سلَّم إسرائيل لأشور لأنها انشقت عن مملكة يهوذا وعن السبط الملوكي، وحرموا أنفسهم من أورشليم التي تمثل صهيون. أما بالنسبة ليهوذا فليس من ضرباتٍ بلا شفاء، ولا من رعبٍ، بل صحة وسلام، لأنها تضم السبط الملوكي وتحتضن أورشليم مدينة الله حيث الهيكل والعبادة القانونية. رابعًا: يستدر إرميا النبي مراحم الله، معترفًا بخطاياهم وخطايا آبائهم كأنها خطاياه الشخصية، إذ يقول: "قد عرفنا يا رب شرنا، إثم آبائنا، لأننا قد أخطأنا إليك" [20]. عندما يشير إلى آثام الآباء لا يعني أن الإنسان يجني ثمرة آثامهم، إنما هنا تأكيد أن الخطية متأصلة فيهم عبر الأجيال، وأنه توجد خطايا جماعية عاش الكل فيها جيلًا بعد جيل. يتوسل إرميا إلى الله، ليس متكلًا على برٍ ذاتي، ولا على عبادةٍ ما، وإنما على الآتي: أ. لأجل اسم الله القدوس: "لا ترفض لأجل اسمك" [21]. حينما يُذكر اسم الله يُعني به الله نفسه، هذا واضح في صلاة السيد المسيح الوداعية: "وعرفتهم اسمك وسأعرفهم، ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به وأكون أنا فيهم" (يو 17: 26). اكتشف المرتل قوة اسم الله كمصدر قوة وفرح: "لأننا على اسمه القدوس اتكلنا" (مز 33: 21). "ارفعوا بنا اسمه جيعًا" (مز 34: 3). "باسمك نرذل كل الذين يقولون علينا..." (مز 44: 5). "باسمك نعترف إلى الدهر" (مز 44: 8). "يبتهج بك محبوا اسمك" (مز 5: 11). "أرنم لاسمك أيها العليّ" (مز 9: 2) "ما أمجد اسمك في كل الأرض" (مز 8: 1). ب. لأجل كرسي مجده: "لا تهن كرسي مجدك" [21]. كرسي مجد الله هو السماء كما جاء (إش 66: 1)، غير أن النبي يدرك أن الله يُريد أن يقيم ملكوته في صهيون الروحية، في وسط شعبه حين يتقدس، فيُقال: "الله جلس على كرسي قدسه" (مز 47: 8). ويجلس الله في النفس المقدسة كما في عرشه وكما يقول الأب أنثيموس الأورشليمي: [كرسي الله هم الصديقون، الذين لأجل طهارتهم يستريح الله فيهم]. ج. من أجل الميثاق الذي أقامه الله مع شعبه: "اذكر. لا تنقض عهدك معنا" [21]. د. لأنه الخالق وحده: "هل يوجد في أباطيل الأمم من يمطر؟! أو هل تعطي السموات وابلًا؟! أما أنت هو الرب إلهنا؟! فنرجوك لأنك أنت صنعت كل هذه" [22]. إن كان الله قد سمح بالجفاف، فهو الخالق المهتم بخليقته، هو واهب المطر. ليس من يقدر أن يخلصهم من القحط إلا الخالق نفسه. الله الذي أجاب بنارٍ من السماء في أيام إيليا التهمت الذبيحة وكل المياه التي حولها، يستطيع أن يجيب بمطرٍ من عنده. وكما يقول زكريا النبي، "اطلبوا من الرب المطر في أوان المطر المتأخر، فيصنع الرب بروقًا ويعطيهم مطر الوبل" (زك 10: 1). خامسًا: حوار إرميا النبي مع الله يشبه ما ورد في إنجيل (لو 13: 6-9) بين الكرام وصاحب الكرم، إذ توسل الأول لأجل التينة التي لم يجد فيها ثمرًا، قائلًا له: "يا سيد اتركها هذه السنة أيضًا حتى أنقب حولها وأضع زبلًا، فإن صنعت ثمرًا وإلا ففيما بعد تقطعها". |
|