رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
نماذج الفَشَل أو النَّجاح تجاه سِماع كَلِمة الله يقابل الزَّارع ثلاث نماذج لسِماع كلمة الله، وهذه النماذج تقسم إلى قسمين مجموعة فاشلة ومجموعة ناجحة مجموعة النماذج الفاشلة نموذج الفَشَل الأول يأتي من الشِّرّير. يمثل يَبْس الزَّرع وأكل بعض القمح قبل أن ينمو المِرء الذي يسمع كَلِمة الله حول المَلكوت، أي رسالة الإنجيل بقلب سطحي. ويُعلق القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم "إن يبس الزَّرع، فهذا ليس بسبب الحرارة. لم يقل الرَّبّ يسوع إنّه يبس بسبب الحرارة، بل لأنّه "لَم يكُن له أَصلٌ" (العظة 44 عن إنجيل القدّيس متّى). يقبل المرء كَلِمة الرَّبّ ولكن ليس أصل، فهو يريد أن يصلي ويُحب ويشهد، لكنَّه لا يواظب، ولا يتعب، ولا يتأمل ولا يتعمق في أقوال الرَّبّ لاهيًا عنها وعن واجباته الرُّوحية. ويعلق البابا فرنسيس "إنه قلب حيث حجارة الكسَل تتغلّب على الأرض الطَّيِّبَة، وحيث المحبة هي عابرة" (عظة 19/7/2017) وهكذا يتدخَّل الشِّرّير في حياته فيُفسد الزَّرع. فعدم تقبل كَلِمة الله يأتي من الشِّرّير. ومن هنا جاءت توصية بطرس الرسول: " إِنَّ إِبليسَ خًصْمَكم كالأَسدِ الزَّائِرِ يَرودُ في طَلَبِ فَريسةٍ لَه، فقاوِموه راسِخينَ في الإِيمان " (1بطرس 8-9). نموذج الفَشَل الثاني يأتي من شِدَّةٌ أَوِ اضطِهادٌ. يحترق الزَّرع الذي نبت من وقته ويتوقف عن النمو بسبب أشعة الشَّمس الحارقة، وهو يمثل المَرء الذي لا يتشبث بكَلِمة الله، لانَّ لا أَصلَ لَه ولا جذور، لتحمّل الشِّدة والاضطهاد. فعدم تقبُّل كَلِمة الله يأتي من شِدَّةٌ أَوِ اضطِهادٌ مِن أَجلِ الكَلِمة. لذلك يُذكِّر بولس الرَّسول المسيحيين " أَرى أَنَّ آلامَ الزَّمَنِ الحاضِرِ لا تُعادِلُ المَجدَ الَّذي سيَتَجَلَّى فينا" (رومة 8: 18). نموذج الفَشَل الثالث يأتي من هَمِّ الحَياةِ الدُّنيا وفِتنَةِ الغِنى يطوّق الشَّوك الزَّرع الذي استطاع أن ينمو فيخنقه، إن اختنقت الكَلِمة، السبب هو مَن ترك الشُّوك ينمو بحرِّيّة، وهو يُمثل المرء الذي أشغلته هموم هذه الدُّنيا وغناها وملذاتها والشَّهوات الخادعة فخنقت الكَلِمة وأفسدتها وجعلتها عقيمة وغير نافعة (أفسس 4: 22). ويعلق القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم " يمكنك أن تمنع نموّ تلك الأشواك باستخدام الإرادة، كما باستطاعتك أن تستخدم الغِنى بشكل مناسب" (العظة 44 عن إنجيل القدّيس متّى). ولذلك، علينا أن نصغي بانتباهٍ إلى الكَلِمة ونحفظها بأمانة في ذاكرتنا، ونمتلئ شجاعة لننبذ بعدها الغنى، ونتجرّد من حبِّ خيرات هذا العالم. عدم تقبل كَلِمة الله يأتي من هَمِّ الحَياةِ الدُّنيا وفِتنَةِ الغِنى. لم يتحدّث يسوع عن العَالَم، بل عن "هموم العَالَم"، ولم يتكلّم عن "الغنى" بل عن "جاذبيّة الغنى". لذلك يوصي يسوع تلاميذه "لِذلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: لاَ تَهْتَمُّوا لِحَيَاتِكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَبِمَا تَشْرَبُونَ، وَلاَ لأَجْسَادِكُمْ بِمَا تَلْبَسُونَ. أَلَيْسَتِ الْحَيَاةُ أَفْضَلَ مِنَ الطَّعَامِ، وَالْجَسَدُ أَفْضَلَ مِنَ اللِّبَاسِ؟ ...وَلِمَاذَا تَهْتَمُّونَ بِاللِّبَاسِ؟ ...فَلاَ تَهْتَمُّوا قَائِلِينَ: مَاذَا نَأْكُلُ؟ أَوْ مَاذَا نَشْرَبُ؟ أَوْ مَاذَا نَلْبَسُ؟ فَإِنَّ هذِهِ كُلَّهَا تَطْلُبُهَا الأُمَمُ. لأَنَّ أَبَاكُمُ السَّمَاوِيَّ يَعْلَمُ أَنَّكُمْ تَحْتَاجُونَ إلى هذِهِ كُلِّهَا. (متَّى 6: 25-34). ومن هذا المنطلق، إنّ الخَلَل لا يكمن في الزَّارع ولا في الزَّرع، بل في الأرض التي تستقبل الزَّرع، أي إنّ الخَلل يكمن مدى استعداد قلوبنا. وهكذا يعتبر الفَشَل جزءً من الرِّسَالة بحيث تتمُّ دينونة الله. هذه النماذج تروي أحداثًا طالما تكلّم فيها الله عبر تاريخ الخلاص، ولم يبذل الإنسان قصارى جهده كي يُصغي. لذلك يدعونا يسوع إلى المُبادرة والإصغاء وقبول الكَلِمة بإيمان من ناحية، وعدم اتهام الأشياء بحدّ ذاتها، بل الفساد المستشري في ضمائرنا من ناحية أخرى. لكن يؤكد لنا مثل الزراع أن كلمة الله لن تفشل في هدفها، لأنها ستحقق الهدف الّذي خُلقت من أجله. مجموعة النماذج الناجحة كما أنَّ ليس أمام الزَّراع خيار سوى أن يزرع في كل مكان، ويخاطر مع ثقته بأنَّ بذور الحَبّ تصل إلى الأرض الجيدة كذلك كَلِمة الرَّبّ هي للجميع من دون استثناء أو تفرقة، ولا يمكن أن تفشل إذا وجدت أرضًا طيِّبة. فكما ينهمر المَطر على الأرض فيُخصبها كذلك كَلِمة الله، كما جاء في نبوءة أشعيا النبي: " كما يَنزِلُ المَطَرُ والثَّلجُ مِنَ السَّماء ولا يَرجِعُ إلى هُناك دونَ أَن يُروِيَ الأَرض ويَجعَلَها تُنتِجُ وتُنبِت لِتُؤتِيَ الزَّارع زَرعاً والآكِلَ طَعاماً فكذلك تَكونُ كَلِمَتي الَّتي تَخرُجُ مِن فمي: لا تَرجِعُ إِلَيَّ فارِغة بل تُتِمُّ ما شِئتُ وتَنجَحُ فيما أَرسَلْتُها لَه" (أشعيا 55: 10-11). إنَّ نجاح تقبُّل كَلِمة الله يأتي من الأرض الطَّيِّبَة. فالأرض الطَّيِّبَة تُمثل المرء الَّذي يَسمَعُ الكَلِمة ويَفهَمُها ويُثمِرُ ويُعطي بَعضُه مِائة، وبَعْضُه سِتِّين، وبَعضُه ثلاثين، ويُعلق القديس يوحنا الذهبي الفم " يستقبل يسوع مَن يأتون أوّلاً، ولا ينبذ مَن يأتون ثانيًا ويهيّئ دائمًا مكانًا لمَن يأتون ثالثًا" (العظة 44 عن إنجيل القدّيس متّى). وقيل أنَّ هناك سنابل تثمر 30 حبة وأخرى تثمر 60 حبة وثالثة تثمر 100حبة، وهذه تُعبِّر عن تفاوت النَّاس في تلقِّي كَلِمة الله بالمَحبَّة والإيمان، واقترابهم من يسوع، وعبادة الله وممارسة الفضيلة والرَّحمة، وظهور ثمار الرُّوح فيهم. فالذين يفتحون قلوبهم على هذه الكَلِمة، ويسمعونها ويفهمونها ويؤمنون ويمتلكونها ويلتزمون بها، على الرغم من كل التجارب والمِحن والاضطهادات والمصاعب والهموم، فهؤلاء يدخلون في هذه السِّر ويحملون ثمرًا طيبًا للحياة لميراثٍ مُبارك. يعرض الإنجيل اليوم علينا نماذج مختلفة من البشر الذين سمعوا الكَلِمة الإلهية، ويظهر أيضا تفاوت التزامهم بها. وترك لنا الخيار أن نحدِّد نحن من أي نموذج نكون. يقول لنا أنَّ هناك الكثير من المسيحيين سمعوا الإنجيل وبشَّروا بالكَلِمة الإلهية، أي بيسوع المسيح ولم يطبِّقوا ما سمعوه ولم يؤمنوا به. يختم المسيح مثل الزَّارع بالقول " فمَن كانَ له أُذُنان فَلْيَسمَعْ: وكأنَّه يريد أن يخاطب كلَّ واحد منا سائلاً إيَّاه ما نوعية أرضك، أي قلبك، أهو قلب طائشٌ أم سطحي أم متلذذ بحطام هذه الدنيا أم هو قلب طيب؟ الإصغاء إلى الكَلِمة هو الشرط الأساسي. إذ "كَيفَ يُؤمِنونَ بِمَن لم يَسمَعوه؟" (رومة 10: 14). ونحن أيضًا إن لم نتنبّه إلى ما قيل لنا، فلن نعرف ما هي واجباتنا، وبالتالي نشعر بعدها بشجاعة كي نرفض خيرات هذا العالم. يدعو يسوع إلى الأصغاء ِإلى الكَلِمة وترسيخ جذورنا في الأرض ونتخلّص من كلّ همّ دنيوي. نستنتج مما سبق أنَّ التلاميذ فهموا أن تأسيس ملكوت الله يصطدم بصعوبات واعتراضات، وأن بداياته ليست ناجحة تمامًا. ولكن المَثل يوضِّح أن المسيح يقوم بعمله وسط صعوبات كثيرة، وينتصر في النهاية. ومن هنا جاء توصية يسوع "اُثبُتوا فيَّ وأَنا أَثبُتُ فيكم. وكما أَنَّ الغُصنَ، إِن لم يَثْبُتْ في الكَرمَة لا يَستَطيعُ أَن يُثمِرَ مِن نَفْسِه، فكذلكَ لا تَستَطيعونَ أَنتُم أَن تُثمِروا إِن لم تَثبُتوا فيَّ. إِنَّ ما يُمَجَّدُ بِه أَبي أن تُثمِروا ثمراً كثيراً وتكونوا لي تلاميذ. لم تَخْتاروني أَنتُم، بل أَنا اختَرتُكم وأَقمتُكُم لِتَذهَبوا فَتُثمِروا ويَبْقى ثَمَرُكم فيُعطِيَكُمُ" (يوحنا 15: 4، 8، 16). إنَّ نداء يسوع مُوجّه إلى كل إنسان ليكون الأرض الطَّيِّبَة التي تعطي ثمرًا من خلال تقبل كَلِمة الله بقلوب مُعدَّة ومؤمنة. ففي الواقع، "الله تكلّم، لم يعد المجهول الأكبر، لكنّه أظهر ذاته" (البابا بندكتس السَّادس عشر). فلنستقبل كنز الكَلِمة المُعلَنَة السَّامي، لان البشارة كلّها مرتكزة على كَلِمة الله المَسْموعة والمُتأمَّلة والمُعاشة والمُحتفَل بها والمَشهود لها (البابا فرنسيس، الإرشاد الرّسولي "فرح الإنجيل"، عدد 175). |
|