منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 01 - 08 - 2023, 12:19 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,275,281

آرميا النبي | الاختفاء في كلمة الله




الاختفاء في كلمة الله:

9 وَمَدَّ الرَّبُّ يَدَهُ وَلَمَسَ فَمِي، وَقَالَ الرَّبُّ لِي: «هَا قَدْ جَعَلْتُ كَلاَمِي فِي فَمِكَ. 10 اُنْظُرْ! قَدْ وَكَّلْتُكَ هذَا الْيَوْمَ عَلَى الشُّعُوبِ وَعَلَى الْمَمَالِكِ، لِتَقْلَعَ وَتَهْدِمَ وَتُهْلِكَ وَتَنْقُضَ وَتَبْنِيَ وَتَغْرِسَ». 11 ثُمَّ صَارَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلَيَّ قَائِلًا: «مَاذَا أَنْتَ رَاءٍ يَا إِرْمِيَا؟» فَقُلْتُ: «أَنَا رَاءٍ قَضِيبَ لَوْزٍ». 12 فَقَالَ الرَّبُّ لِي: «أَحْسَنْتَ الرُّؤْيَةَ، لأَنِّي أَنَا سَاهِرٌ عَلَى كَلِمَتِي لأُجْرِيَهَا». 13 ثُمَّ صَارَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلَيَّ ثَانِيَةً قَائِلًا: «مَاذَا أَنْتَ رَاءٍ؟» فَقُلْتُ: «إِنِّي رَاءٍ قِدْرًا مَنْفُوخَةً، وَوَجْهُهَا مِنْ جِهَةِ الشِّمَالِ». 14 فَقَالَ الرَّبُّ لِي: «مِنَ الشِّمَالِ يَنْفَتِحُ الشَّرُّ عَلَى كُلِّ سُكَّانِ الأَرْضِ.

"ومدّ الرب يده ولمس فمي، وقال الرب ليّ: ها قد جعلت كلامي في فمك" [9]. يختفي خادم الله في كلمة الله تمامًا، ويخفيها في أعماقه ليعيش بها. إنه يُبتلع في الكلمة، والكلمة تبتلعه...
بقدر ما يظهر الخادم بذاته ينَّمق الكلمات، تخرج الكلمة مشوهة وضعيفة بلا سلطان؛ وبقدر ذوبانه فيها تخرج في بساطتها قادرة أن تخترق أعماق القلب لتهب سلامًا وروحًا وحياة! لهذا تُصلي الكنيسة في ليتورجية الأفخارستيا أن يهب الله خدامها ألا ينطقوا إلا بكلمة الحق، أي "كلمة الله"؛ فتطلب من أجل الأب البطريرك أن يكون مفصلًا كلمة الحق باستقامة، ومن أجل العاملين معه: "والذين يفصلون كلمة الحق باستقامة أنعم بهم يا رب على كنيستك".
جاء في الدسقولية: [اهتم بالكلام يا أسقف إن كنت تقدر أن تفسر ففسر كلام الكتب. اشبع شعبك واروه من نور الناموس، فيغتني بكثرة تعاليمك ].
ويقول القديس إيرنيموس: [يلزم أن تتناسب كلمات الكاهن مع قراءات الإنجيل. لا تكن بليغًا في الأسلوب فحسب، ولا مكثرًا في الكلام، تثرثر بلا هدف. إنما كن عميقًا في الأمور، مختبرًا أسرار الله].

كما يقول: [اقرأ الكتب المقدسة باستمرار، فلا ترفع الكتاب المقدس قط من يدك. تعلم ما ستُعلمه للآخرين، ملازمًا للكلمة الصادقة التي بحسب التعليم لتكون قادرًا أن تعظ وتوبخ المناقضين (1 تي 3: 4)... ]
ويقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [الذي يميز المعلم هو قدرته على التعليم بالكلمة].
سرّ القوة إذن في حياة إرميا أن الله مدّ يده، ولمس فيه، وجعل كلامه فيه.
وللعلامة أوريجينوس تعليق جميل على مدّ الله يده ولمس فم إرميا، إذ يقول: [لاحظ الفارق بين إرميا وإشعياء. فإشعياء يقول: "ويل لي إني هلكت لأني إنسان نجس الشفتين وأنا ساكن بين شعب نجس الشفتين، لأن عينيّ قد رأتا الملك رب الجنود" (إش 6: 5)، وبعد هذا الاعتراف... لم يمد الله يده ويلمسه، ولكن طار إليه واحد من السيرافيم وبيده جمرة قد أخذها بملقط ... ومسّ بها فمه، وقال: إن هذه قد مست شفتيك فانتزع أثمك وكفر عن خطيتك (إش 6: 6-7)، أما إرميا فتقدس وهو في بطن أمه، ولم يرسل له الله ملقطًا أو جمرة من على المذبح، إذ لم يكن به شيء يستحق النار، بل مدّ يده ذاتها ولمسته].
هكذا تمتع إرميا النبي بتقديس الله له وهو في البطن، كما أُنعم عليه بلمسة يد الرب لفمه لينال الكلمة في داخله... أما عمل الكلمة الإلهية في حياة رجال الله فهي: "أنظر قد وكلتك هذا اليوم على الشعوب وعلى الممالك لتقلع وتهدم وتهلك وتنقض وتبني وتغرس" [10].
يقول الرسول بولس: "لأن كلمة الله حيَّة وفعالة وأمضى من كل سيف ذي حدين" (عب 4: 12)، فهي تفصل بين الشر والخير، وتميز بين مملكة إبليس ومملكة الله، تقلع جذور الخطية وتغرس بذار الصلاح، تهدم الفساد وتبني برّ المسيح فينا. هكذا كان الله صريحًا مع نبيه إرميا منذ اللحظة الأولى، علّمه التمسك بكلمة الله التي تهدم وتبني، وتقلع وتغرس! رسالة صعبة وقاسية تثير الشعوب والممالك ضده. لم يرسله ليقدم كلمات لينة مهدئة، وإنما ليعمل بالهدم والنقض والاقتلاع، وفي نفس الوقت البناء والغرس.


يقول القديس أغسطينوس: [هذا هو صوت الحق. هذا ما يفعله الأطباء حينما يقطعون، إذ يجرحون ويشفون. يحملون السلاح لكي يضربوا بالمشرط، ثم يتقدموا ليشفوا].
وجاء في مناظرات القديس يوحنا كاسيان: [يعتمد الكمال العملي على نسق مزدوج: الوسيلة الأولىهي التعرف على طبيعة كل الأخطاء وطريقة علاجها، والوسيلة الثانية هي اكتشاف تدبير الفضائل... يجدر بنا أن نعرف أننا نبذل جهدًا بغرض مزدوج: سحق الرذيلة ونوال الفضيلة ].
هذا هو عمل كلمة الله المزدوج في حياة الإنسان الداخلية، وفي حياة الكنيسة والعالم، لكنه عمل واحد متكامل، فلا بناء بدون هدم، ولا غرس دون اقتلاع! هذا هو أيضًا عمل الروح القدس في المعمودية حيث يقوم بهدم الإنسان القديم وأعماله الشريرة، لينعم المؤمن بالإنسان الجديد الذي على صورة خالقه.
وكما يقول القديس كيرلس الأورشليمي للمعمدين حديثًا: [كنتم تموتون وفي نفس اللحظة كنتم تولدون، كانت مياه الخلاص بالنسبة لكم قبرًا وأمًا].
ويقول القديس غريغوريوس النزينزي: [إن الخطية دفن في الماء... والمعمودية نوال للروح].
ويقول القديس جيروم: [الذي ينال المعمودية في الآب والابن والروح القدس يصير هيكل الله، فينهدم البناء القديم ليقوم مقدس جديد للثالوث القدوس].
يرى العلامة أوريجينوسأن هذا العمل من الهدم والبناء خاص بالسيد المسيح نفسه، إذ يقول:
[أين هي الشعوب التي قلعها إرميا؟
وأين هي الممالك التي هدمها؟
لأنه مكتوب بكل وضوح: "قد وكلتك اليوم على الشعوب وعلى الممالك لتقلع وتهدم".
أي سلطان كان لإرميا حتى ُيهلك، إذا افترضنا أن هذه الكلمة موجهة لإرميا: "وُتهلك"؟
هل يوجد أعداد كثيرة من الناس بناهم إرميا حتى يقال له: "وتبني"؟
يعلن إرميا: "لم أعمل صلاحًا" فكيف إذًا يُكلف ب البناء والغرس؟
إذا طُبقت هذه الكلمات على المخلص فلا تُحير المفسرين أو تقلقهم ، لأن إرميا هنا هو رمز للمخلص].
إن كان عمل الكلمة هو هدم شعوب وممالك واقامتها... فما هي هذه الممالك من الجانب الرمزي؟
يقول العلامة أوريجينوس:
[مَن مِن الناس أخذ كلامًا من عند الله وله نعمة الكلمات الإلهية يقوم بقلع وهدم شعوب وممالك؟
عندما نقول أن من أخذ كلامًا من الله لقلع وهدم شعوب وممالك، أرجوك ألا تأخذ كلمتي "شعوب" و"ممالك" بالمعنى المادي؛ إنما باعتبار أن الخطية تملك على النفوس البشرية، بحسب كلمات الرسول: "إذًا لا تملكن الخطية في جسدكم المائت" (رو 6: 12 وبما أن هناك أنواع جديدة من الخطايا، فسوف نفهم أن المعنى الرمزي لشعوب وممالك هو الشرور الفظيعة الموجودة في نفوس البشر، والتي تُقلع وُتهدم عن طريق كلام الله المعطي لإرميا أو لغيره من الأنبياء ].
[توجد ممالك كما توجد شعوب، فتوجد مملكة النجاسة وتوجد شعوب النجاسة تبسط أعمال الشر في حياة كل شخص، كالطمع والسرقة... أنظر إلى الخطاة، كل واحدٍ فواحدٍ، فتفهم الشعوب موضوع المملكة... كلمة الرب مُرسلة إلى الشعوب والممالك بالقلع والغرس؛ فماذا تقتلع؟ لقد علمنا مخلصنا "كل غرسٍ لم يغرسه أبي السماوي يُقلع" (مت 15: 13). توجد داخل النفوس أشياء لم يغرسها الآب السماوي، هي "أفكار شريرة، قتل، زنى، فسق، سرقة، شهادة زور، تجديف" (مت 15: 19). هذه لم يغرسها الآب السماوي. أتريد أن تعرف من الذي غرس أفكارًا من هذا النوع؟ اسمع ما قيل: "إنسان عدو فعل هذا" (مت 13: 28)، زرع زوانًا وسط الحنطة (مت 13: 25). الله يهتم ببذوره، والشيطان أيضًا، فإن تركنا الحقل فارغًا للشيطان يزرع الغرس الذي لم يغرسه الآب السماوي، الذي يجب اقتلاعه تمامًا. إذن لا تتركوا الحقل فارغًا للشيطان بل للرب فيزرع البذور في نفوسنا بفرح. لا تظنوا أن إرميا قد حصل على خدمة مؤلمة عندما ملك على ممالك وشعوب، فإن الله الصالح كان بكلمته يقتلع كل ما هو مخزي، ينزع ملكوت العدو عن الملكوت السماوي، ويقتلع شعوب الأعداء (الخطايا) عن شعب الله!].
إذن بكلمة الله يقتلع خادم الله الغرس الغريب لكي يقوم الآب بتقديم غرسه في النفس؛ ويهدم مملكة الخطية لكي يقيم الرب مملكته السماوية؛ ويطرد الشعوب الغريبة الدنسة (الرجاسات) لكي يتمجد الله في شعبه.
لكي تبني كلمة الرب مملكته في داخلنا يلزمنا أن نتركها تهدم فينا ما هو غريب عنها، وتنزعه تمامًا، تحرقه بنارٍ أو تُلقي به خارجًا حتى لا يعوق البناء الجديد والغرس الجديد. لهذا السبب كان البيت المضروب بالبرص تُقلع حجارته التي فيها الضربة، وتُطرح خارج المدينة في مكانٍ نجسٍ (لا 14: 40)... لا يكفي قلع الحجارة، وإنما يلزم ألا تُترك فتحتل حيزًا مقدسًا أو تسرب النجاسة إلى غيرها، بل تُطرح خارجًا... هكذا لا نترك فينا أثرًا للخطية بل ويُحرق الغرس الغريب تمامًا كما بنار... إذ يقول: "اجمعوا أولًا واحزموه حزمًا ليحرق" (مت 13: 30).
يقول العلامة أوريجينوس:
["لتقلع وتهدم"،
يوجد بناء من الشيطان، ويوجد بناء من الله.
البناء الذي "على الرمل" هو من الشيطان، لأنه غير مؤسس على شيء صلب موحد، أما البناء الذي "على الصخر" فهو من الله؛ أنظر ماذا ُيقال للمؤمنين: "أنتم فِلاحة الله، بِناء الله" (1 كو 3: 9).
إذًا يُوجَّه كلام الله ليكون "على الشعوب وعلى الممالك، ليقلع ويهدم، ليهلك وينقض". إذا قلعنا ولم نقم بإهلاك الشيء المقلوع، فإن هذا الشيء يبقى؛ وإذا هدمنا ولكن بدون أن نهلك (نُزيل) حجارة الأساس فإن ما تهدم يظل باقيًا. فمن مظاهر صلاح الله وحبه أنه بعد ما يقلع يهلك، وبعدما يهدم يبيد ما قد هُدِم.
أما فيما يختص بالأشياء المقتلعة والمهلكة، فاقرأ بعناية كيف يتم إهلاكها: "احرقوا القش بنار لا تُطفأ، واجمعوا الزوان حزمًا وألقوها في النار". هذه هي طريقة الإبادة والإهلاك بعد القلع.
أتريد أن ترى أيضًا الهلاك الذي يحدث للأبنية الفاسدة بعد هدمها؟ كان البيت الذي يتم هدمه بسبب البَرَص يتحول إلى تراب، ثم يؤُخذ هذا التراب وُيلقى خارج المدينة، حتى لا يبقى حجر واحد، كما في العبارة "سوف أبيدهم كما وَخل الشوارع" أو (سوف أساويهم بالأرض).
يجب ألا تبقى مطلقًا الأشياء الفاسدة؛ إنما يتم إهلاكها لتجنُّب استخدام بقاياها في بناء أبنية جديدة يعملها الشيطان، كما يتم اقتلاع الأشياء الفاسدة حتى لا يجد الشيطان فيها بذارًا أخرى يزرعها من جديد، يتم أهلاكها حتى لا توجد فرصة للشيطان لكي يزرع الزوان مع الحنطة].
لا يقف الأمر عند الهدم ونزع كل أثر للشر، وإنما يجب أن يلازمه العمل الإيجابي، وهو بناء المملكة الجديدة وتقديم الغرس السماوي.
يقول العلامة أوريجينوس: [لا يقف كلام الله عند هذا الحد، عند القلع والهدم والإهلاك... ماذا يفيدني نزع الأشياء المخجلة وهدم ما هو شرير إن لم يحل مكانه غرس الخيرات العليا وبناء الأمور الفاضلة؟! لهذا فإن كلمة ربنا تعمل أولًا بالضرورة على القلع والهدم والإفناء، ثم بعد ذلك البناء والغرس... يقول "أنا أميت وأحييّ" (تث 32: 39). لم يقل أحييّ وبعد ذلك أميت، فإنه يستحيل أن ما يعمل الرب على إحيائه ينزعه (يميته) الآخر... ماذا يميت؟ إنه يميت شاول المشتكي والمضطهد ليجعله يحيا فيصير بولس رسول يسوع المسيح (2 كو 1: 1)...! إذن يبدأ الرب بالأمور الأكثر حزنًا لكنها لازمة، فيقول "أميت"، وبعدما يميت "يُحييّ". يسحق ويشفي (تث 32: 39)، لأن الذي يحبه الرب يؤدبه...! يجب أن ُيقتلع الشر من جذوره، ويُهدم بناء الإثم تمامًا ويُطرح خارج نفوسنا، لكي تبني كلمة الرب فينا وتغرس. لأنه لا يمكنني أن أفهم تلك العبارة بطريقة أخرى: "ها قد جعلت كلامي في فمك." لماذا؟ "لتقلع وتهدم وتهلك". نعم إنها كلمات تقلع شعوب. كلمات تهدم ممالك، ولكن ليست الممالك المادية التي في هذا العالم، إنما يجب عليك أن تفهم بطريقة سامية ما هو المقصود بالكلمات التي تقلع والكلمات التي تهدم. عند ذلك تُمنَح قوة من الله كما هو مكتوب: "الرب يعطي كلمة للمبشرين بعظم قوة"، قوة تقلع ما تصادفه من عدم الإيمان، أو الرياء أو الرذيلة. قوة تهلك وتهدم إذا ما تواجدت أوثان مُقامة في داخل القلب، حتى إذا ما هُدم الوثن يُقام مكانه هيكل للرب، وفي هذا الهيكل يترأي مجد الله ويظهر، فلا يعود ينبت زوان، وإنما فردوس الله في هيكل الله، في المسيح يسوع].
هذه الكلمة الإلهية التي بها يهدم ويبني، ويقلع ويغرس، يهتم بها الله نفسه، إذ هي كلمته. يقول النبي: "ثم صارت كلمة الرب إليّ قائلًا: ماذا أنت راءٍ يا إرميا؟ فقلت: أنا راءٍ قضيب لوز. فقال الرب لي: أحسنت الرؤية، لأني أنا ساهر على كلمتي لأجريها" [11-12].
لقد رأى إرميا "قضيب لوز (shaqed)"، هو القضيب الذي أفرخته عصا هرون الجافة، التي وإن كانت لا تحمل حياة في ذاتها لكنها أثمرت كلمة الله الحية لإشباع المخدومين.
ويرى العلامة أوريجينوس أن قضيب اللوز يشير إلى ضرورة معرفة الخادم لكلمة الله من الجانب الحرفي، والجانب السلوكي، والجانب الروحي، فاللوزة لها غلاف خارجي مُرّ يسقط تلقائيًا عند نضوجها، هذا هو التفسير الحرفي أو الظاهري، وهو مرّ وقاتل، عاق اليهود الحرفيين وأيضًا الغنوسيين عن بلوغ المعرفة الحقيقية. ولها أيضًا غلاف داخلي سميك نقوم بكسره لكي نأكل الثمرة التي في داخله، يشير هذا الغلاف إلى التفسير السلوكي أو الأخلاقي، خلاله يدخل المؤمن إلى حالة إماتةٍ وكسرٍ، خلال الحياة النسكية السلوكية من أصوامٍ ومطانيات metanoia وميتات كثيرة. وأخيرًا الثمرة الداخلية وهي حلوة ومشبعة، تشير إلى التفسير الروحي الخفي، وهي غذاء مشبع للمؤمن، لا في هذه الحياة الحاضرة فحسب، وإنما في الأبدية أيضًا .
يلاحظ أن "قضيب اللوز" يعني في العبرية "الساهر" وعلة هذه التسمية أن شجر اللوز يزهر مبكرًا في شهر فبراير قبل سائر الأشجار. تمتلئ الشجرة بالورد الأبيض لتعلن أن فصل الشتاء قد قارب على الانتهاء، وأن فصل الربيع أوشك على الاقتراب. بمعنى آخر، أنتهي وقت الموت (للنبات) لتحل الحياة من جديد! تشهد شجرة اللوز لعمل الله الفائق الذي يخرج الحياة من الموت! وكأن هذه الشجرة تبقى "ساهرة" على بقية الأشجار، فتشير إلى الله الذي يسهر على كلمته لتعمل في حياة الناس، إذ يقول: "لأني أنا ساهر على كلمتي لأجريها" [11].
يؤكد الله لإرميا خطأ ما يقوله الكثيرون في عصره، كما في كل العصور حتى يومنا هذا: "الرَّبَّ لاَ يُحْسِنُ وَلاَ يُسِيءُ" (صف 1: 12)، بمعنى أن الله لا يفعل شيئًا، لا حول له ولا قوة!
من جهة أخرى، كأن الله يُعطي لإرميا النبي طمأنينة وتحذيرًا في نفس الوقت، فإن كان العمل صعبًا ومرًا، لكن الله نفسه هو العامل، فلا يليق به أن يخاف أو يضطرب، وفي نفس الوقت الله هو الملتزم بكلمته والساهر عليها، فإن لم يعمل النبي بالكلمة الإلهية يعمل الله بآخر غيره.
إن كان الله يجري بنفسه كلمته وهو ساهر عليها لكنه يطلب من جانبنا نحن أيضًا أن نسهر لئلا يحل بنا الشر. لهذا بعد رؤية قضيب اللوز، جاءت رؤية القِدْر المنفوخة ووجهها من جهة الشمال حيث الشر قادم.
"ثم صارت كلمة الرب إليّ ثانية قائلًا:
ماذا أنت راءٍ؟
فقلت: إني راءٍ قِدرًا منفوخة ووجهها من جهة الشمال.
فقال الرب لي:
من الشمال ينفتح الشر على كل سكان الأرض" [11-14].
يرى العلامة أوريجينوسأن التطلع نحو الشمال يشير إلى السهر والحذر من الشر القادم على النفس البشرية لتحطيم خلاصها، إذ يقول:
[لتُوضع المنارة في الجنوب لكيما تتطلع نحو الشمال. لأنه عندما يُضاء النور، أي عندما يكون القلب ساهرًا يلزم أن يتطلع نحو الشمال ويلاحظ ذاك القادم من الشمال، وكما يقول النبي أنه رأى "قِدرًا على نار ووجهها من جهة الشمال، لأن "من الشمال ينفتح الشر على كل سكان الأرض" [14].
في سهرٍ ورعدةٍ وغيرةٍ يليق به أن يتأمل على الدوام في حيل الشيطان، ويلاحظ من أين تأتي التجربة، ومتى يقتحمه العدو، ومتى يزحف نحوه. إذ يقول الرسول بطرس: "إبليس خصمكم كأسد زائر يجول ملتمسًا من يبتلعه هو" (1 بط 5: 8) ].
رد مع اقتباس
 


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
آرميا النبي | تعبير الله لإرميا "لا تنقص كلمة"
آرميا النبي | وقل اسمعوا كلمة الرب
آرميا النبي | أين هي كلمة الرب؟ لتأتِ
آرميا النبي | من يرفض كلمة الله النارية
آرميا النبي | الخلط بين كلمة الله والعبادة الوثنية


الساعة الآن 12:28 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024