"حتى متى يا رب أدعو وأنت لا تسمع؟!
أصرخ إليك من الظلم وأنت لا تخلص؟!
لِمَ تريني إثمًا وتبصر جورًا، وقدّامي اغتصاب وظلم،
ويحدّث خصام وترفع المخاصمة نفسها؟!
لذلك جمدت الشريعة، لا يخرج الحكم البتّة،
لأن الشرّير يُحيط بالصدّيق، فلذلك يخرج الحكم معوجًا" [2-4].
في عتاب ودّي يقول: "حتى متى يا رب أدعو وأنت لا تسمع؟!"، إذ لم يكف النبي عن دعوة الرب والصراخ إليه إن لم يكن باللسان فبالقلب والدموع بسبب مرارة ما بلغ إليه الشعب بسبب ظلم الأشرار، قارعًا أبواب مراحم الله بلسانه وقلبه ودموعه، مازجًا دموعه بدموع المظلومين وتنهّداته بتنهّداتهم!
في كل جيل يقف أولاد الله مندهشين بسبب ما يبدو على الأشرار الظالمين من نجاح، فيقولون مع داود النبي "قد رأيت الشرّير عاتيًا وارقًا مثل شجرة شارقة ناضرة، عبر فإذا هو ليس بموجود، والتمسته فلم يوجد" (مز 37: 35-36). لقد بلغت مرارة نفس إرميا بسبب ما رآه في شعبه من فساد وظلم أنه قال: "يا ليت ليّ في البريّة مبيت مسافرين فأترك شعبي وانطلق من عندهم" (إر 9: 2)، وإن كان إرميا في حبه لشعبه لم يتركهم بالرغم ممّا عاناه من ضيق على جميع المستويات.