رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
تساؤلات تصدر ممن على حافة القبر أَفَلَعَلَّكَ لِلأَمْوَاتِ تَصْنَعُ عَجَائِبَ، أَمِ الأَخِيلَةُ تَقُومُ تُمَجِّدُكَ؟ سِلاَهْ [10]. جاءت الترجمة السبعينية: "أو الأطباء يقومون فيعترفون لله". ويعلق القديس أغسطينوس على ذلك بقوله إن الأطباء وإن كانوا لا يشفون المرضى بقوتهم الشخصية، فان الأطباء الروحيين لا يقدرون أن يجتذبوا أحدًا إلى الحياة بدون النعمة الإلهية، كقول السيد المسيح: "لا يقدر أحد أن يُقبل إليّ إن لم يجتذبه الآب" (يو 6: 44). مادام الإنسان ميتًا بعدم إيمانه لا يتمتع بعجائب الله أي الدخول إلى البنوة لله وتجديد طبيعته خلال المعمودية، ولا يقدر أي طبيب روحي بدون نعمة الله أن يقيم ميتًا بالروح ليمجد الله معترفًا بخطاياه وبعمل الفداء. هَلْ يُحَدَّثُ فِي الْقَبْرِ بِرَحْمَتِكَ، أَوْ بِحَقِّكَ فِي الْهَلاَكِ؟ [11] يشعر المرتل أن ظروفه قد صارت خطيرة للغاية، وقد صار على حافة الموت، فهل يصنع الله أعاجيب أو آيات لإنقاذه بعد موته، أو لعل الله يتمجد فيه بعد أن يصير أشبه بخيالٍ لا وجود له. هل من رجاء بعد أن يتم هلاكه تمامًا بموته؟! أما عن السيد المسيح، فأسلم روحه بإرادته، وبإرادته أخذها. وقد سبق فأعلن عند إقامته للعازر: "أنا هو القيامة" (يو 11: 25). لقد ظن الصالبون أن حياة السيد المسيح قد انتهت، وقد خلصوا من العجائب التي كان يصنعها، ولم يدركوا أن قيامته من الأموات هي أعظم أعجوبة، وهبت الحياة والقيامة للمؤمنين به. إن كان في حياته على الأرض قد كشف عن حبه ومراحم للكثيرين، فبموته وقيامته قدم المراحم الإلهية للخطاة، وفتح أبواب السماء لكل الداعين إليه من كل الأمم. كلمة "أبدون" مشتقة من الفعل العبري "أباد"، وهو يُطابق الفعل العربي، الذي يعني "أباد" أو "أهلك"، وكأن أبدون تعني "إبادة" أو "المبيد" أو "المهلك". يقابلها في اليونانية "أبوليون". وقد وردت مرة واحدة في العهد الجديد (رؤ 9: 11) كاسم لملاك الهاوية أو الشيطان المُهلك. استخدم هذا الاسم في العهد القديم تارة لعالم الموتى في جانبه المرعب والمُدمر كما جاء في المزمور: "هل يُحدث في القبر برحمتك، أو بحقك في الهلاك (أبدون)؟" (مز 88: 11). وقد جاءت كلمة أبدون موازية للهاوية في أيوب 26: 6؛ أمثال 15: 11؛ 27: 20. كما جاءت موازية للموت، وأحيانًا مع للقبر[24]. هَلْ تُعْرَفُ فِي الظُّلْمَةِ عَجَائِبُكَ، وَبِرُّكَ فِي أَرْضِ النِّسْيَانِ؟ [12] باسم البشرية المتألمة يتحدث المرتل في لحظات ضعفها، تشعر أنه يلزم أن يتحرك الله سريعًا، فمن جهة ليس من عجائبٍ يتمتع بها الإنسان بعد موته، ومن جهة لا يتمجد الله، ولا تُعلن رحمته بعد دخول الإنسان إلى ظلمة القبر. لم تدرك البشرية ما أعده الله ببِّره لها خلال موت السيد المسيح ودفنه في القبر، حيث تتحقق الكفارة لا للصارخين إليه في أيامه فحسب، وإنما يعبر إلى الجحيم ليبشرهم بالخلاص، ويمتد عمله عبر الأجيال إلى انقضاء الدهر. يرى القديس أغسطينوس أن الظلمة هنا تعادل عدم الإيمان، كقول الرسول: "لأنكم كنتم قبلًا ظلمة" (أف 5: 8). أما أرض النسيان، فهي الإنسان الذي ينسى الله: "قال الجاهل في قلبه ليس إله" (مز 14: 1). * معنى العبارة كلها [9-12] يمكن أن يكون: "يا رب دعوتك وسط آلامي كل النهار؛ أبسط يدي إليك. لم أتوقف قط عن بسطهما للعمل لأجل مجدك. فلماذا يثور الأشرار عليّ، إلا لأنك لا تُظهر عجائب بين الأموات؟ لأن تلك العجائب لا تحركهم نحو الإيمان، ولا يقدر الأطباء أن يصلحوهم إلى الحياة ليمجدوك. لأن نعمتك الخفية ليست فيهم لكي تجتذبهم إلى الإيمان. فإنه لا يقدر أحد أن يأتي إليّ إلا الذي تجتذبه أنت. فهل يمكن لحنوك أن يظهر في القبر؟ أي في قبر النفس الميتة، التي ترقد تحت ثقل الجسد. "أو بحقك في الهلاك؟" أي في مثل هذا الموت، حيث لا يقدر أن يؤمن أو يشعر بأي شيء من هذه الأمور. فكيف إذن في ظلمة هذا الموت، أي في الإنسان الذي ينساك والذي فقد نور هذه الحياة يمكن لعجائبك أن تعمل ولبرك أن يُعرف . القديس أغسطينوس |
|