رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
ظلمه لأخيه إذ استدعى الرب أدوم من كبريائه ونزل به إلى ساحة القضاء أمام الأمم، وأعلن بطلان مدافعيه سواء كانوا حلفاءه أو الحكماء والفهماء منه، وقبل أن يصدر الحكم أبرز الاتهام معلنًا حيثيات الحكم... "من أجل ظلمك لأخيك يعقوب يغشاك الخزي وتنقرض إلى الأبد" [10]. في كبريائه كان متشامخًا على الله، حاسبًا أنه لن يدينه، وفي شره يستبد بأخيه الذي من دمه! حقًا أن من لا يحب الله لا يقدر أن يحب أخاه، ومن يخطئ في حق الله يُخطئ أيضًا في حق أخيه. فعلاقتنا بالله واخوتنا مترابطة ومتلازمة لا يمكن عزلهما عن بعضهما البعض. لهذا حسب الله وصية الحب للقريب مشابهة للحب لله ومكملة لها. ظلم الآخرين يغطي الإنسان بالخزي بل ويقطعه إلى الأبد. يكشف له ظلمه، قائلًا: "يوم وقفت مقابلة يوم سبت الأعاجم قدرته (حمل الأعاجم قواته وغناه إلى السبي)، ودخلت الغرباء أبوابه، وألقوا قرعة على أورشليم كنت أنت أيضًا كواحدٍ منهم" [11]. بذكره بيوم سبي أورشليم حيث نهبت إمكانياتها البشرية والمادية إلى السبي واقتحم الغرباء المدينة ينجسونها ويلقون قرعة على غنائمها فيما بينهم، فعِوض أن يقف أدوم مساندًا لأخيه أو حتى موقف الحياد، صار كواحد من هؤلاء الغرباء السالبين حقوق أورشليم. إنها صورة بشعة لمن ينتظر تحطيم أخيه ليمد يده ويساهم فيه! ما فعله أدوم كان يجب ألاَّ يفعله، إذ هو ملتزم بسبعة أمور لكنه صنع عكسها: 1. "يجب أن لا تنظر إلى يوم أخيك، يوم مصيبته" [21]، كنت تتفرس فيه كمن كان يشتهي هذا اليوم. 2. "ولا تشمت ببني يهوذا يوم هلاكهم"، كنت تفرح بهلاكهم، مع أنه يليق بك أن تحزن لآلامهم حتى وإن كانوا يسقطون تحت تأديب عادل منيّ. فقد رأينا في عاموس يُعاتب الرب الذين لا يشاركون المؤدبين من الرب تأديبًا عادلًا، بقوله: "ولا يغتمون على انسحاق يوسف" (عا 6: 6). وفي حديث أبوي للقديس إمبروسيوس من التوبة يقول: [إن أول عطية هي أن أعرف كيف أحزن حزنًا عميقًا مع أولئك الذين يخطئون، لأن هذه هي أعظم فضيلة. فإنه مكتوب: "لا تشمت ببني يهوذا يوم هلاكهم ولا تنظر أنت أيضًا إلى مصيبته" [12]. يا رب هب ليّ أن تكون سقطات كل إنسان أمامي حتى أحتملها معه، ولا انتهره في كبرياء، بل أحزن وأبكي، ففي بكائي من أجل الآخرين أبكي على نفسي قائلًا: "ثامار أبرّ مني" (تك 38: 26). 3. "ولا تفغر فمك يوم الضيق" [12]. هكذا تحول من شهوة أن يرى أخاه متألمًا، إلى حالة فرح داخلي لآلامه ثم إلى النطق بكلمات تعبير أو إثارة للعدو ضده. كان يجب في حزنه عليه إن لم يقدر أن يُدافع بكلمة يصمت مغمومًا، لكنه يفتح فاه بالشر عليه! 4. "ولا تدخل باب شعبي يوم بليتهم" [13]. إنه اقتحام مؤلم ضد الله نفسه، إذ يدخل باب شعبه. حقًا كما قال العلامة أوريجينوس: [إنه إذ يتألم الإنسان من أجل الرب، يكون الرب نفسه هو حامل الألم... فكل اقتحام لباب إنسان متألم إنما هو اقتحام ضد الرب نفسه. حينما تنسحق نفوسنا بالضيق لا يقف الرب مواسيًا، وإنما يحسب نفسه متألمًا فينا ومعنا. يسندنا لا من الخارج وإنما بإعلان سكناه في داخلنا حتى يحمل معنا الصليب ويدخل بنا إلى قوة قيامته. 5. "ولا تنظر أنت إلى مصيبته يوم بليته" [13]. هنا النظرة أقسى مما كانت في المرحلة الأولى، ففي الأولى كانت نظرة اشتياق وشهوة في شماتة قبل حدوث الآلام أي من بعيد، أما هنا فيرى الآلام والأحزان بعينيه فكان يجب أن يتأثر حتى ولو كانوا أعداء له... 6. "ولا تمد يدًا إلى قدرته يوم بليته" [13]، كان يجب أن يمد يده لمساندته، لكنه للأسف مد يده ليحطم إمكانيته للمقاومة، وهكذا تحول حقده من الشماتة إلى اقتحام ديره. إلى كلمات الشر ثم إلى العمل ضده. 7. "ولا تقف على المفرق لتقطع مُنْفلِتيه ولا تسلم بقاياه يوم الضيق" [14]. هذه أبشع صورة. حيث يقف في الطريق ليمسك بالهاربين منهم ويسلمهم عبيدًا للأعداء! إنه عمل لا-إنساني! |
|