ذهب رجل إلى الإسقيط لكى يترهب ، وأخذ معه ابنه الذى كان قد فطم حديثاً ، ولما كبر الصبى وصار شابا رهبنه ، وبعد قليل هاجمته حرب الزنى ، فقال لأبيه : " سأذهب إلى العالم يأبى ، لأننى لا اقدر أن أحتمل هذا القتال الصعب " . فألح عليه الأب أن يثابر ، ولكن الصبى قال أخيراً لأبيه : " يا أبى ، لم أعد أحتمل ذلك فدعنى أذهب " . فقال له أبوه : " أسمع لى يا أبنى هذه المرة فقط : خذ معك ثمانين خبزة وخوصا يكفى لعملك لمدة أربعين يوماً ، وأذهب إلى البرية الداخلية وهناك امكث إلى أن ينفذ خبزك وعمل يديك ، وبعد ذلك لتكن مشيئة الله " .
فأطاع الشاب ومكث فى البرية يتعب ويضفر الخوص ويأكل خبزاً يابسا، وعاش حياة عزلة لمدة عشرين يوما . ثم ظهر له الشيطان الذى كان يحاربه ووقف أمامة فى صورة امرأة حبشية لها رائحة نتنة وكريهة جدا حتى إنه لم يحتملها ، فبدأ الشاب يطردها ، فقالت له : " لماذ تطردنى ؟ ألست أنا التى كنت تشتهينى ؟ أنا التى أزرع فى قلوب الناس أفكار الشهوات وأسقطهم فى الزنى . أما أنت فلأنك أطعت أباك لم يسمح الله لى أن أضللك وأسقطك فى الهلاك ، ولكنه نظر إلى خضوعك وتعبك وأظهر لك رائحة نتانتى بغير هواى " !
فشكر الشاب الله ، وعاد إلى أبيه قائلا : " لا أريد بعد أن أذهب إلى العالم يا أبى ، لآننى رايت العدو ولم أحتمل رائحته " . وكان أبوة قد أعلن له ذلك ، فقال له : لو كنت قد صبرت يا بنى إلى نهاية الأربعين يوما وحفظت وصيتى لرأيت أعظم من ذلك " .