رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
بالإلهامات الخفية حِينَئِذٍ يَكْشِفُ آذَانَ النَّاسِ، وَيَخْتِمُ عَلَى تَأْدِيبِهِمْ [16]. في وسط هدوء النفس، بعيدًا عن ارتباكات الحياة يفتح الله أذني الإنسان ليسمع مع صموئيل النبي الصوت الإلهي الذي لم يسمعه عالي الكاهن. في هدوء الليل يرفع صموئيل قلبه، قائلًا: "تكلم يا رب فإن عبدك سامع". يفتح الله أذني الإنسان ليسمع ما لا يسمعه من هم حوله. يُعلن له الله بعض أسراره الإلهية، ويكشف له عن الحق، ويُظهر له إرادته الإلهية. "ويختم على تأديبهم"، أي يضع ختمًا على تحذيراته وتأديباته لهم، بمعنى أنها ثمينة في عيني الله من أجل نفعها، يعتز بها لأجل بنيان أولاده فيختم عليها كمن يثبتها. كانت العقود قديمًا يُختم عليها حتى تكون كما في الصون، ليس من يد تمد إليها لتغييرها. هكذا يحسب الله التأديب أشبه بميثاق حب بين الله وأولاده، يختم عليها بختمه السماوي، كما لو ختم على وصية قدمهما لهم للتمتع بميراثٍ أو نصيب منه. يختم الله على تأديبهم، أي يعد بأن وراءها الكثير من البركات التي لا رجوع فيها. وراء الضيقات وعود إلهية مختومة لا تتغير. * "حينئذ يكشف آذان الناس وتعليمهم، ويدربهم بالتأديب" [16]. توجد أربع طرق بها يتأثر الإنسان بقوة لممارسة الندامة: عندما يتذكر خطاياه، ويتطلع أين هو. أو عندما يخشى أحكام دينونة الله، ويفحص نفسه، فيعرف أين سيكون. أو عندما يلاحظ بدقة شرور الحياة الحاضرة، فيأسف على أين هو قائم. أو عندما يتأمل بركات وطنه السماوي، إذ لم يتمتع بعد بها، فيتأسف أنه لم يبلغ بعد إليها. تذكر بولس خطاياه وحزن على ما كان عليه، إذ قال: "أنا الذي لست أهلًا لأن أدعى رسولًا، لأني اضطهدت كنيسة الله" (1 كو 19:15). مرة أخرى إذ قيَم بدقة الحكم الإلهي، خشي لئلا يكون موقفه سيئًا في هذا الأمر، إذ يقول: "حتى بعدما كرزت للآخرين، لا أصير أنا نفسي مرفوضًا" (1 كو 27:9) . مرة أخرى كان يتأمل شرور الحياة الحاضرة، إذ قال: "ونحن مستوطنون في الجسد، فنحن متغربون عن الرب" (2 كو 6:5). و"أرى ناموسًا آخر في أعضائي يحارب ناموس ذهني، ويسبيني إلى ناموس الخطية الكائن في أعضائي، ويحي أنا الإنسان الشقي من ينقذني من جسد هذا الموت؟" (رو 23:7-24). أيضًا كان يتأمل في بركات وطنه السماوي، إذ يقول: "فإننا ننظر الآن في مرآة، في لغز، لكن حينئذٍ وجهًا لوجهٍ. الآن أعرف بعض المعرفة، لكن حينئذٍ سأعرف كما عُرفت" (1 كو 12:13)، "لأننا نعلم أنه إن نُقض بيت خيمتنا الأرضي، فلنا في السماوات بناء من الله بيت غير مصنوعٍ بيدٍ أبدي" (2 كو 1:5). بالتطلع إلى بركات هذا البيت يقول لأهل أفسس: "لتعلموا ما هو رجاء دعوته، وما هو غنى مجد ميراثه في القديسين، وما هي عظمة قدرته الفائقة نحونا المؤمنين حسب عمل شدة قوته" (أف 15:1-16). البابا غريغوريوس (الكبير) لِيُحَوِّلَ الإِنْسَانَ عَنْ عَمَلِه،ِ وَيَكْتُمَ الْكِبْرِيَاءَ عَنِ الرَّجُلِ [17]. إذ فسدت طبيعة الإنسان صار ما يشغله هو الخطية، وما يسيطر عليه هو الكبرياء. فإن الله يسمح بالتأديبات ويختم عليها لكي يسحب المؤمن من خطيته ويتمتع ببرّ الله، ويخفى عنه الكبرياء كي لا يتسلل إلى قلبه وفكره، وإنما يحيا بروح التواضع. "الكبرياء" حفرة خطيرة كثيرًا ما يسقط فيها حتى المتدينون كالفريسيين، لذلك فإن الله يغطي الحفرة ويردمها، حتى لا يسقط المؤمنون فيها. * ما هو عمل الإنسان بنفسه سوى الخطية؟ بحق يُقال إذن أنه إذ يٌَحول الإنسان مما يعمله، سيتحرر من الكبرياء. أن نعصى وصايا خالقنا بالخطية، إنما نتعالى عليه. وكأن الإنسان ينزع نير سلطان الله متى استنكف من الخضوع له بالطاعة. من الجانب الآخر، من يرغب في تجنب ما يفعله، يستدعي في عقله مما قد خُلق بواسطة الله، وفي تواضع يعود إلى نظام خلقته عندما يطير من أعماله الذاتية، ويحب نفسه كما خلقه الله في البداية. البابا غريغوريوس (الكبير) لِيَمْنَعَ نَفْسَهُ عَنِ الْحُفْرَةِ، وَحَيَاتَهُ مِنَ الزَّوَالِ، بِحَرْبَةِ الْمَوْتِ [18]. بينما يبذل الأشرار كل الجهد لتحقيق أهدافهم الشريرة وإشباع كبريائهم، إذا بنفوسهم تسقط في حفرة الكبرياء فتهلك في هذا العالم الحاضر وفي الدهر الآتي. لكن الله يتدخل بكل وسيلة، خاصته بالسماح بالتأديبات لإنقاذهم من هذا الموت الأبدي. كلمة "نفس soul" تشير الإنسان بكليته، فالموت يلحق بالجسد كما بالنفس، بكيان الإنسان كله. كلمة "حفرة shaachat" ربما تعني فخًا يقيمه الصيادون لتسقط فيه الحيوانات المفترسة (مز 7: 15؛ 9: 15)، أو جوفًا مملوء بالوحل (أي 9: 31)؛ أو سجنًا (إش 51: 14)، أو قبرًا على شكل كهفٍ كبيرٍ (أي 17: 13؛ مز 30: 9). واضح أنه يُقصد به هنا القبر حيث تنتهي حياة الإنسان على الأرض. * "منقذًا نفسه من الفساد، وحياته من الزوال بالسيف" [18]. فإن كل خاطئ، بسبب فساده هنا بالخطية، يلتزم أن يعبر إلى سيف العقوبة، فبعدلٍ يُعاقب في ذاك العالم بذات الخطايا التي ابتهج بها في هذا العالم. البابا غريغوريوس (الكبير) |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
الحرب الخفية |
البركة الخفية |
ليس من محنة في الوجود خطيرة ومخيفة سوى محنة واحدة، هي محنة الخطيئة |
الكاميرا الخفية |
الكاميرا الخفية |