رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
فحص النفس تحدث أيوب عن أيام رخائه الماضية، والرعب الذي يحل به في الحاضر. الآن يبحث في أعماقه ليفحص نفسه، لعله يكون قد ارتكب خطايا خفية، كما أشار إلى ذلك أصدقاؤه. جاء فحصه لنفسه عجيبًا، ليس على ضوء الناموس الذي لم يكن بعد قد تسلمه موسى النبي، وإنما على ضوء الإنجيل المقدس. يعلن أيوب إنه قد فحص أعماقه وهو مستعد لأية أسئلة يوجهها الله إليه. 1. عفة النظرة عَهْدًا قَطَعْتُ لِعَيْنَيَّ، فَكَيْفَ أَتَطَلَّعُ فِي عَذْرَاءَ! [1] استطاع أيوب وهو في عهد ما قبل الناموس الموسوي، أن يرتفع ليقتبس بالعون الإلهي سموًا إنجيليًا فائقًا. فإنه لم يمتنع فقط عن الزنا والرجاسات، لكنه أغلق على الخطية في بدء انطلاقها، ألا وهي النظرة الشريرة. لم يسمح لنفسه أن يتطلع إلى عذراء ليشتهيها، حاسبًا هذا زنا داخلي يتسلل إلى حواسه. لقد وهبنا الله الحواس لنستخدمها كما يليق، عطية مقدسة، نقدم الشكر لله عليها. أما أن أساءنا استخدامها خلال الاستهتار والتهاون، فإننا بهذا نفتح الباب لتتسلل الخطية تدريجيًا. من أجل هذا منع آباء الكنيسة الأولى السكنى مع عذارى، مهما سمت حياة الطرفين، لا بالنظر إليهن كمصدر دنسٍ، ولكن لأجل نقاوة العينين والفكر والقلب. * يقول إرميا: "لأن الموت طلع إلى كوانا، ودخل قصورنا" (إر 9: 21). يحدث هذا عندما تدخل الشهوة خلال حواس الجسم، تدخل إلى مسكن العقل. على خلاف هذا يتحدث إشعياء عن الأبرار: "من هم الطائرون كسحابْ، وكالحمام من نوافذهم؟" (إش 60: 8)، إذ يُقال عن الأبرار إنهم يطيرون كالسحاب، لأنهم يرتفعون فوق أدناس الأرض... لكي يحفظ أيوب أفكار القلب بالعفة "قطع عهدًا مع عينيه" لئلا يرى بدون حذرٍ ما يحبه... ما كان لحواء أن تلمس الشجرة الممنوعة لو لم تنظر إليها أولًا بغير احتراس، كما هو مكتوب: "فرأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل، وأنها بهجة للعيون، وأن الشجرة شهية للنظر، فأخذت من ثمرها وأكلت" (تك3: 6). لهذا يلزمنا نحن الذين نحيا حياة قابلة للموت أن نضع ضبطًا عظيمًا لنحد نظرنا نحو الأمور الممنوعة، إذ كانت أم كل حي (حواء) جاءت إلى الموت خلال العينين. يقول النبي أيضًا: "عيني تسلب قلبي" (راجع مراثي 3: 51)... قال ربنا: "قد سمعتم أنه قيل للقدماء: لا تزنِ. وأما أنا فأقول لكم إن كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى في قلبه" (مت 5: 27-28) البابا غريغوريوس (الكبير) القديس يوحنا الذهبي الفم البر الأصغر هو عدم الزنا بالفعل، أما برّ ملكوت اللَّه الأعظم فهو عدم ارتكاب الزنا، ثم جاءت الوصية الأخيرة مثبتة للأولى، لأنه ما جاء الرب ناقضًا بل مكملًا للناموس. يجب أن نلاحظ أنه لم يقل "مَن اشتهى امرأة" بل "من ينظر إلى امرأة ليشتهيها" أي ينظر إليها بهذه النية، فهذه النظرة ليست إثارة للذة الجسدية بل تنفيذًا لها، لأنه بالرغم من ضبطها فستتم لو سمحت الظروف بذلك. فالخطية تكمل على ثلاثة مراحل: إثارتها، التلذذ بها، ثم إرضائها (تنفيذها). فالإثارة تحدث عن طريق الذاكرة أو الحواس كالنظر أو السمع أو الشم أو التذوق أو اللمس. فإن نتج عن هذه لذة لزم ضبطها، فلو كنا صائمين، فبرؤيتنا للطعام تثور شهوة التذوق، وهذه الشهوة تنتج لذة. فعلينا ألا نرضيها بل نضبطها إن كان لعقلنا، الذي يمنعنا من إرضائها، السيادة. أما إذا أرضيناها فستكون الخطية قد كملت في القلب، فيعلم بها اللَّه ولو لم يعلم بها البشر. إذن هذه هي خطوات الخطية: تتسلل الإثارة بواسطة الحواس الجسدانية، كما تسللت الحية في إثارة حواء، لأنه حيثما تسربت الأفكار والتصورات الخاطئة إلى نفوسنا، تكون نابعة من الخارج، من الحواس الجسدية. وإن أدركت الروح أي إحساس خفي عن غير طريق هذه الحواس الخمسة، كان هذا الإحساس مؤقتًا وزائلًا. فتتسلل هذه التصورات إلى الفكر في دهاء الحية. إن مراحل الخطية الثلاث تشبه سقوط الإنسان الوارد في سفر التكوين، فتأتي الإثارة من الخارج من الحواس كما أحدثتها الحية. أما التلذذ بالخطية فيحدث في الشهوة الجسدية مثل ما تلذذت حواء، أما إرضاء الخطية فيحدث في العقل كما في آدم. ولسبب الخطية طرد الإنسان من الفردوس، أي من نور البرّ الأعظم، إلى الموت. من يقدم اللذة لا يجبر الإنسان على قبولها، فعلى الإنسان ألا ينزل من مرتبته السامية، التي فيها يكون للعقل السيادة. إلى مرتبة أدنى، لأن اللَّه خلق الإنسان في مرتبة أسمى من الحيوان. فالإنسان لا يجبر على قبول اللذة، فإن قبلها عوقب بواسطة شريعة اللَّه العادلة، لأنه أخطأ بإرادته. على أنه، قبل أن تتحول الخطية إلى عادة لا يكون فيها لذة، أو تكون بصورة بسيطة يستهان بها، ويكون الخضوع لها خطية عظيمة مادامت هذه اللذة محرمة. لأن من يستسلم لها يصنع الشر في قلبه. وبعد الاستسلام لها وتنفيذها يخيل له أنه قد أشبع رغبته والأمر قد انتهى، ولكن متى عاد ما يثيرها مرة أخرى، أثيرت اللذة بصورة أشد من الأولى. ومع ذلك فهي أقل من اللذة التي تنتج عن العادة. إن اللذة في المرة الثانية يصعب الانتصار عليها، ومع ذلك فإذا كان مخلصًا لنفسه، مستعدًا للحرب الروحية فسيشفى منها، بل ومن العادة أيضًا. وذلك بمعونة مسيحه قائد المعركة الروحية. وبذلك يخضع الرجل للمسيح والمرأة للرجل (1 كو 3:11؛ أف 23:5) وذلك بحسب الترتيب الطبيعي . القديس أغسطينوس |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
النظرة الإيجابية |
لنا النظرة المستبشرة تكون لنا النظرة المتفائلة |
النظرة الإيجابية لكل محنة |
ليس من محنة في الوجود خطيرة ومخيفة سوى محنة واحدة، هي محنة الخطيئة |
النظرة المباشرة |