رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
شهادة وفاتي كتبتها في أول لقاء لنا، عندما التقت عيناي بعينيك، كنت متأكدة أني رأيت تلك العينين، بل والتقيت بهما مرات عدة. كنت قد سمعت عنك كثيراً، كان الجميع بتحدث عنك كبطل خارق، صانع العجائب والمعجزات ومذلل الصعوبات، “بإصبع واحدة يزيل كل تعبك وهمك ويحيل حباتك وروداً وعصافير تزقزق في كل مكان”. كنت معجبة بك كمراهقة تبحث عن بطلها الأسطوري الذي سيحملها ويطير بها عن عالم الهموم والآلام والأحزان. علّقت صورك في كل مكان وكنت أجالس من يعرفك ويتحدث عنك، وأرسم لك في مخيلتي صور مختلفة، وأبتدع مواقف وأحداث وأجعلك بطلها كما يفعل الجميع، وأفتخر بك مع أني لا أعرفك شخصياً ولم أقابلك وجهاً لوجه، فقد كنت أكتفي بما أعرفه وأسمعه وأختزنه في قلبي، لكنه كان يذوي بعد فترة ويخبو بريقه الذهبي فأجدني مضطرة لإعادة جمع ما أستطيع من قصص وحكايات وصور وأحداث، حتى أتى ذلك اليوم الذي عبرت فيه مرحلة المراهقة وبلغت حافة النضوج فلم يعد هذا الفتات يُشبع قلبي، فقد صرت أرنو لوجبة دسمة أتناولها معك وأتعرف خلالها عليك. وجمعت رحالي وهممت برحلة البحث عن بطلي الإسطوري، فللأساطير سحر جميل لكنه سرعان ما يخبو عندما يرتطم بالواقع، أردت من بطلي أن أراه يعيش مثلي ويختبر ما أختبر ويواجه ما أواجه، عندئذ أستطيع أن أتمثل به. وبدأت أبحث عنك في كل مكان، في حياة من سمعتهم يتكلمون عنك، لكني لم أجد آثارك. في المعجبين بمعجزاتك لكني لم أجد سوى الشك، في الذين يسردون القصص عنك ويجمعون أعداد كبيرة من المعجبين بالقصص، لكني لم أجد سوى قصص تداعب الخيال. عندها قررت أن أخرج وأبحث عنك خارجاً، أزلت كل صورك التي كنت قد علقتها على جدران حياتي الماضية، ومحوت كل ذكرياتي عنك التي حملتها منذ طفولتي، وقتلت كل أحلامي التي ابتدعتها بخيالي عنك. خلعت كل شيء وخرجت فارغة لا أملك سوى روح تذوي وقلب مشتاق ليعرفك، وعينان تتوقان لرؤيتك، وكانت الرحلة أصعب مما توقعت، والطريق شائك أكثر مما ظننت، فكل مرحلة كنت أقطعها كان جزء مني يموت وكنت أصلي أن أعرفك قبل أن تتهاوى أجزائي وتتناثر. فالمسلحين كانوا في كل مكان، قساة القلوب والمتعنتين حاملين سياط الإدانة وجاهزون لجلدي في كل مكان ألقاهم فيه، والمزيفين المتكبرين كانوا يحملون سيوف الحكم وجاهزون لإعدام أفكاري مع تساؤلاتي، وهؤلاء كلهم يعرفونك ويتحدثون عنك لكنهم قد يقتلون من يسأل ويبحث عنك بشوق العاشق. وضاقت بي الحياة حتى باتت صحراء لا ماء فيها ولا ارتواء، وصار الموت قريباً حتى صرخت صرخات الغاضب اليائس وقلت: “أين أنت؟ لماذا لم أستطع إيجادك؟ بحثت كثيراً وأنهكت الآلام جسدي والعطش روحي الهائمة. أين أنت؟” وكانت هذه لحظة اللقاء، عندما سمعت صوتك: “أنا هنا” نظرت إليك وقلت:” أنت أجمل وأروع مما ظننت، وأعظم من كل ما سمعته عنك” ونظرتَ إليّ تلك النظرة التي لن أنساها، نظرة اخترقت أجواف قلبي وفجرت أشواقي لينابيع ماء عذب تدفق وحوّل تلك الصحراء لجنة خضراء، “أنا أعلم أني التقيتك من قبل، رأيت هذه العينين لكني لم أعد أذكر فقد أصبحت ذاكرتي مثخنة بالجراح وعاجزة عن استخراج المخزّن فيها”. “صحيح، كنت معك منذ سمعتي عني، أناديك أنا هنا التفتي وستريني، فقط انظري إليّ وستجديني واقفاً أقرع على باب قلبك وأنتظر دعوتك لي للدخول. لم أكن البطل الأسطوري الذي ابتدعته الصور والأخيلة، لقد عشت إنساناً مثلك وعانيت ما تعانيه، تحملت آلام وخيانة وإدانة ورفض، لذلك أنا قادر أن أفهم مشاعرك وأقدّر معاناتك، افتحي عينيك فقط وستجدينني” يالعاري وخيبتي، يالكبريائي وفشلي، بقدر ماكنت مشتاقة لمعرفتك كنت أبتعد عنك، لقد ناديتك كثيراً لكني لم أفتح أذنيّ لأسمع إجابتك، كنت أبحث عنك في كل مكان لكني لم أكن أفتح عينيّ لرؤيتك بجانبي، تجاهلت نظرتك لأنني كنت أصّر على أن أعرفك بطريقتي ومن خلالي، سامحني أرجوك، فقد شردت وضللت بعيداً عنك” “إذن اتبعيني” “أتبعك مدى الحياة، فأنت ليّ الحياة. لقد وجدتك وعرفتك بعد أن كنت أسمع عنك فقط، ولن أتركك أبداً”وحينها أخرجت ورقة ورسمت توقيعي في أسفلها وأعطيتها له “هذه هي شهادة وفاتي تاريخها اليوم، يوم عرفتك وقررت أن أتبعك، فأنت هو الحياة” “فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا فيّ“ |
|