18 - 03 - 2023, 05:51 PM
|
|
|
† Admin Woman †
|
|
|
|
|
|
كَلَّتْ عَيْنِي مِنَ الْحُزْنِ،
وَأَعْضَائِي كُلُّهَا كَالظِّلِّ [7].
صار أيوب رجل أحزان ودموع، حتى كلت عيناه. واشتد به الحزن حتى أبلي لحمه، وصار أشبه بهيكلٍ عظمي،ٍ أو أشبه بالظل، ليس فيه سوى الجلد والعظام.
يُصَوِّر لنا أيوب حاله المُر، فمن شدة الحزن كلت عيناه أو صارتا معتمتين عاجزتين عن رؤية نور الحق الإلهي. فقد كاد الحق أن يختفي. لقد تحٌَول الأصدقاء إلى أعداء مقاومين بكل قوة، تسندهم في ذلك إمكانياتهم. ويبرر تصرفاتهم ما حلّ بأيوب نفسه، الذي كاد أن يصير كالظل الذي لا كيان له. سُلب منه كل شيء، وبلا سبب!
هذا ومن جانب آخر يصِّور لنا حال المؤمن أو الكنيسة ليس فقط أثناء المعاناة من مضايقات الأشرار المرة، ولكن الحزن الشديد الذي يحل بالمؤمن أو الكنيسة ككلٍ من أجل كل نفسٍ تحيد عن طريق الحق، وتضل عن المعرفة الصادقة. لهذا يصرخ الرسول بولس، قائلًا: "من يضعف وأنا لا أضعف؟ ومن يعثر وأنا لا التهب؟" (2 كو 11: 29).
هذه المشاعر يعيشها رجال الله سواء في العهد القديم أو الجديد، الذين إذ يختبرون عذوبة العشرة مع الله، لا يطيقون حرمان أحدٍ منها.
يقول المرتل: "الكآبة ملكتني من أجل الخطاة الذين حادوا عن ناموسك" (مز 119: 53). ويقول إرميا النبي: "يا ليت رأسي ماءً، وعينيَّ ينبوع دموع، فأبكي نهارًا وليلًا قتلى بنت شعبي" (إر 1:9).
* "عيني معتمة بالسخط، وكل أعضائي كما لو كانت قد صارت كلا شيء" [7]. تصير العين معتمة بالسخط عندما يُمنح ذات الأشخاص نور الحق... ويرون أنفسهم مُحتقرين إلى زمنٍ طويلٍ، ويستخف بهم الأشرار. إنهم يرتبكون في دهشة لدى الحكم المخزي، ويفشلون في سبر غور سرّ الله: لماذا يُسمح للأشرار أن ينتصروا على براءة الصالحين؟ من لا يستغرب عندما يرى هيروديا برقصة ابنتها تنال من يد الملك السكران رأس "صديق العريس"، النبي، والأعظم من نبي، تُقدم أمام وجوه ضيوفه على طبق (مت 14: 6-11؛ لو 7: 26)؟
البابا غريغوريوس (الكبير) * إذا رأى الصديقون إنسانًا من أبناء الشريعة يخالفها، يغتمون ويكتئبون، لأن ألم عضوٍ واحدٍ يجعل جميع الأعضاء تتألم.
* يوجد بين الخطاة من يخطئ بدون الناموس (رو 12:2)، لأنهم لم يعرفوا الناموس. وآخرون يخطئون في الناموس، لأنهم إذ يخالفونه يستهينون به. فالكآبة ملكتني من أجل الخطاة الذين تركوا عنهم ناموسك (مز 119: 53). حقًا إن كان عضو يتألم، تتألم معه جميع الأعضاء؛ وإن كُرم عضو واحد، تفرح معه جميع الأعضاء (1 كو 26:12). إذن يليق بنا أن نتألم من أجل اخوتنا الخطاة لأنهم يخطئون، وأن نتخذ نفس موقف هذا القديس (المرتل).
* من يسكب دموعًا ساخنة على أخطاء قريبه يبرأ بحزنه على أخيه.
* لنبكِ عليهم لا يومًا ولا يومين، بل كل أيام حياتنا .
* آه أيها الأعزاء المحبوبون! وإن كنا سنقتني تعزية من الأحزان، وراحة من الأتعاب، وصحة من الأمراض، وخلودًا بعد الموت، لا يجوز لنا أن نغتم من الأمراض التي تلحق بالبشرية، ولا نقلق بسبب التجارب التي تحل بنا.
يلزمنا ألا نخاف إن تآمر الذين يحاربون المسيح (الأريوسيون) ضد الصالحين، إنما بالحري نحن نرضي الله بالأكثر بسبب هذه الأمور، إذ نتهيأ أكثر ونتدرب على حياة الفضيلة. لأنه كيف ننال الصبر ما لم توجد متاعب وأحزان؟
وكيف تظهر الشهامة إلا باحتمالنا الهزء والظلم؟
وكيف يختبر الاحتمال ما لم يوجد هجوم من الأعداء (الأريوسيين وغيرهم)؟
وكيف تتزكى طول أناتنا إن لم توجد وشايات ممن هم ضد المسيح (الأريوسيين)؟!
وأخيرًا كيف يمكن للإنسان أن يدرك الفضيلة ما لم تظهر أولًا شرور الأشرار؟!
هكذا فإن ربنا سبقنا في هذا عندما أراد أن يظهر للناس كيف يحتملون... عندما ضُرب احتمل بصبر، وعندما شُتم لم يشتم، وإذ تألم لم يهدد، بل قدم ظهره للضاربين، وخديه للذين يلطمونه، ولم يحول وجهه عن البصاق (1 بط 23:2؛ إش 6:50).
وأخيرًا كانت إرادته أن يُقاد إلى الموت حتى نرى فيه صورة كل الفضائل والخلود، فنسلك مقتفين آثار خطواته، فندوس بالحق على الحيات والعقارب وكل قوة العدو (الخطية).
* لنفكر في سبي أخوتنا بكونه سبينا نحن. حزن الذين في خطر هو حزننا نحن. يلزمكم أن تتأكدوا أنه يوجد جسد واحد. ليس فقط الحب بل وأيضًا التقوى تدفعنا وتشجعنا أن نخلص أعضاء أسرتنا.
* لا يعني بولس أنه يتظاهر بضعفهم، إنما يتعاطف مع ضعفهم.
* يا للحنو العجيب في الراعي (بولس)! يسقط آخرون، فيقول مؤكدًا حزنه على عثرات الآخرين. إنها تلهب نار آلامه. ليت كل الذين تُعهد إليهم رعاية القطيع العاقل أن يقتدوا به، ويبرهنوا أنهم ليسوا بأقل من الراعي الذي يتعهد لسنوات طويلة قطيعًا غير عاقلٍ. هذا لا يحدث حتى إن حدث إهمال ما، أما في حالتنا فإذا ضاع خروف واحد أو سقط فريسة، تكون الخسارة ضخمة للغاية، والضرر والرعب والعقوبة لا يُنطق بها. فوق هذا كله إن كان ربنا قَبِلَ سفك دمه من أجله، فأي عذر يبرر ذاك الذي يسمح لنفسه بأن يهمل في حق من له اعتباره لدى الرب، ولا يبذل كل الجهد من جانبه للاهتمام به؟
|