رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
"هَلْ مِنْ نِهَايَةٍ لِكَلاَمٍ فَارِغٍ؟ أَوْ مَاذَا يُهَيِّجُكَ حَتَّى تُجَاوِبَ؟" [3] شعر أيوب أنهم يدورون في حلقة مفرغة، فليس لهم إلا كثرة الكلام الذي بلا هدفٍ واضحٍ، ليس فيه من جديدٍ نافعٍ. ولعله حسب كلامهم نكبة كسائر النكبات التي حلت به، إن لم تزد عن كل النكبات السابقة. شعر أن أصدقاءه يهيجون عليه بلا سبب، ويسيئون إليه بلا نفع لهم. * "هل من نهاية لكلامٍ فارغٍ؟" إنه كلام فارغ ذاك الذي يخدم زهوًا وقتيًا، وليس غايته البرّ. البابا غريغوريوس (الكبير) إذ يفقد الإنسان الحب الحقيقي يعاني قلبه من الفراغ، فلا يمارس الصداقة المخلصة، إنما يسلك في سلبيةٍ تامة، متجاهلًا أصدقائه المتألمين، أو يجد الكثير من العلل لاتهامهم بالشر، وعوض تعزيتهم يسَّفه من شخصياتهم وتصرفاتهم. هكذا كان أصدقاء أيوب في صمتهم كما في كلماتهم!فقدان الحب يحرم الإنسان من تقديس عطيتي الصمت والكلام. فإن صمت لا يحمل صمته حبًا بل تجاهلًا لمن هم حوله، وإن تكلم ينطق بالباطل، ويحطم نفسه ونفوس الغير. يحذرنا الكتاب المقدس من اللغو الباطل كما من الصمت الباطل، حتى متى تقدسنا يتقدس صمتنا كما كلامنا، فيكون للكلام وقت وللسكوت وقت، ويعمل كلاهما لبنيان الإنسان ولتعزية اخوته كما لمجد الله. "الكلام في غير وقته كالغناء في النوح" (سيراخ 22: 6). "كثرة الكلام لا تخلو من معصية، أما الضابط شفتيه فعاقل" (أم 10: 19). "الجاهل يكثر الكلام، لا يعلم إنسان ما يكون وماذا يصير بعده من يخبره" (جا 10: 14). "الكثير الكلام يمقت، والمتسلط جورًا يبغض" (سيراخ 20: 8) "لا تعّود فاك فحش الكلام، فإن ذلك لا يخلو من خطية" (سيراخ 23: 17). "في الكلام كرامة وهوان، ولسان الإنسان تهلكته" (سيراخ 5: 15). "الحكيم في الكلام يشتهر، والإنسان الفطن يرضي العظماء" (سيراخ 20: 29) "الكلام الحسن شهد عسل، حلو للنفس، وشفاء للعظام" (أم 16: 24). "لا تمتنع من الكلام في وقت الخلاص، ولا تكتم حكمتك إذا جمل إبداؤها" (سيراخ 4: 28). "لا تكثر الكلام مع الجاهل، ولا تخالط الغبي" (سيراخ 22: 14). * العاقل هو من يسعى في إرضاء الله، ويُكثر من الصمت، وإن تكلم يتكلم قليلًا، ينطق بما هو ضروري ومرضى لله. * في الصمت ترى عقلك، ولكن عندما تستخدم عقلك، فإنك تتكلم في داخل نفسك. لأنه أثناء الصمت يلد العقل الكلمة، وكلمة الشكر التي تُقدم لله هي خلاص الإنسان . * من يتكلم بغباءٍ ليس له عقل، إذ يتكلم دون أن يفكر في كل الأمور. لذلك امتحن ما هو مفيد لك، لأجل خلاص نفسك، لكي تفعله. القديس أنبا أنطونيوس الكبير * لا يقدر العقل أن يتحرر من التغير (الطبيعي) في كل الأشياء إذا لم يخرج من دائرة ذاته، ويجعل له مكانًا في الصمت، الذي هو أسمى من الفكر.* لا يقدر العقل أن يصمت ما لم يصمت الجسد، ولا يمكن للحائط الفاصل بينهما أن يتحطم إلا بالصمت والصلاة. القديس مرقس الناسك في رسالة لمار فيلوكسينوس إلى الرهبان الآمديين، كتبها من منفاه، حثًّهم فيها على الجهاد من أجل الإيمان المستقيم وعدم الصمت عن الشهادة للحق، جاء فيها:[الراهب الذي يسكت عن الإيمان رياءً، لا يعرف الله. الراهب الذي يفتر عن الغيرة حياءً من السلطان، لا يعرف المسيح. الراهب الذي يكون مع كل أحد مثله (يتلوّن ويجاري كل واحدٍ) رياءً، يلبس وجه شيطان. الراهب الذي يلبس المسيح ويصمت عن الحق، فإن لباسه هو برص جيحزي. الراهب الذي تفتقده النعمة ويسكت عن الإيمان، فسيُسد فمه في اليوم الأخير مثل لجيؤن الشياطين.] |
|