17 - 01 - 2023, 03:45 PM | رقم المشاركة : ( 11 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب القديسة مريم في المفهوم الأرثوذكسي - القمص تادرس يعقوب ملطي
مفهوم الشفاعة في كنيستنا الأرثوذكسية لا يمكن أن نقبل وسيطًا كفاريًا بين الله والناس غير يسوع المسيح، الذي وحده رئيس الكهنة في السماويات، وذبيحة الفداء، إذ بدمه ننال المصالحة وغفران الخطايا، وليس أحد آخر تحت السماء غير اسم "يسوع المسيح" به يمكن أن نخلص (أع 4: 12). يتساءل البعض: إن كان هذا هو فكر الكنيسة، فكيف نجد في طقوسها المؤمنين يسألون شفاعة العذراء ويطلبون صلوات القديسين؟ هل يوجد نص إنجيلي يتَّفِق مع شفاعة القديسين؟ نجيب قائلين إن الإنجيل في روحه ونصوصه غايته الدخول بالإنسان إلى "الحياة الإلهية" أي حياة الحب الإلهي، حيث يتخلَّى الإنسان عن ذاتيته، لكي يُقَدِّم بالروح القدس حياته كلها مبذولة من أجل خلاص إخوته. بمعنى آخر، الحياة الإنجيلية هي حياة وساطة، حيث يشتهي الإنسان أن يعمل ويصلي لكي يرى الكل في أحضان الله ممجدين. هذه هي الشفاعة!! كلما اقتربت النفس إلى الله في اتحاد أعمق مع يسوع المسيح، التصقت بالحب نحو الآخرين، تُصَلِّي عنهم وتطلب خلاصهم؟ هذا ما عناه القديس مقاريوس الكبير حين قال إنه لا خلاص للإنسان خارج إخوته، فعلينا جميعًا كل منا يُصَلِّي عن الآخر. الآباء وهم ينصحون أولادهم، يطلبون خلاصهم مُصَلّين من أجلهم. وكما قال القديس بولس مرة إننا مساعدو الله، كل منا وسيط بطريقةٍ ما شفيع من أجل النعمة للآخرين . إن عدنا لربنا يسوع المسيح نفسه، نراه يكرم شفاعة الناس وتوسلاتهم عن الآخرين، فيشفي المفلوج من أجل إيمان حامليه (مت 9: 2)، ويبرئ غلام قائد المئة من أجل طلبات القائد، وينقذ ابنة الكنعانية من الأرواح الشريرة من أجل صرخات أمها. إن الرب الذي يُحِبّنا بلا مقابلٍ يود أن يرانا على مثاله نحب الآخرين، ونطلب عنهم أكثر مما لأنفسنا. هذا من جانب، أما الجانب الآخر الملازم للأول فهو أن الحب الإنجيلي حب عملي يحمل تواضعًا صادقًا، فنشعر أننا لسنا أهلًا للصلاة عن إخوتنا، بل بالحري نطلب نحن صلواتهم عنا. فالقديس بولس وهو يَعْلَم أنه مدعو من الله نفسه لخدمة الكلمة برؤى وإعلانات، يطلب صلوات شعبه (كو 4: 3) لكي يعطيه الرب كلمة عند افتتاح فمه. فهل كان الرسول بلا دالةٍ عند الله ليعطيه كلمة الكرازة؟! إنما يطلب ذلك بروح إنجيلي، روح شركة الحب والتواضع! يقول القديس جيروم هل يمكن للرسول بولس الذي كان يبذل كل جهده للصلاة والعمل من أجل تمتُّع الأمم كما اليهود بخلاص الربّ وتذوُّق عربون السماء، أن يتوقَّف عن الصلاة من أجل البشرية وهو في الفردوس؟ لا يمكن لذلك القلب الناري في الحب أن يقف في الفردوس غير مبالٍ بخلاص إخوته في البشرية. مرة أخرى نتساءل: إن كانت الوساطة البشرية في مجمع القديسين قائمة فعلًا حتى على الأرض خلال نعمة ربنا يسوع المسيح، كم بالأكثر هؤلاء الذين دخلوا الفردوس لا يكفّوا بالحب عن الصلاة من أجل إخوتهم؟ إن كانوا وهم على الأرض في ثقل الجسد يطلبون عن الآخرين، كم بالأكثر حين يلتصقون بالحب ذاته تزداد صلواتهم عمقًا وقوةٍ، سائلين الله من أجل خلاص العالم! باختصار، الشفاعة في مفهومنا الأرثوذكسي لا تحمل أية عبادة للقديسين بل بالحري تؤكد عمل الله الخلاصي في كنيسته وفاعليته في حياة كل عضوٍ. إنها كشف عن وحدة الكنيسة كأعضاء جسد واحد يتألم العضو لآلام الآخرين، ويفرح ويُسرّ بمجد إخوته. سواء في جهاده على الأرض هنا أو وهو في مجد الفردوس. مشتهيًا أن تُشارِكه كل البشرية إن أمكن في هذا المجد. |
||||
|