منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 30 - 12 - 2022, 05:06 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,851

يعقوب يبارك أولاده




يعقوب يبارك أولاده

بنهاية حياة يعقوب على الأرض ينتهي عصر الآباء البطاركة العظام (إبراهيم وإسحق ويعقوب)، لينطلق إسرائيل لا كأفراد بل كشعب وخميرة كان يجب أن تخمر العجين كله بالإيمان وتعد العالم لمجيء المسيا المخلص. لذا ختم هذا العصر بتقديم البركة لكل سبط تحمل في طياتها نبوة عن مجيء المخلص.

1. يعقوب يدعو أولاده:

"ودعا يعقوب بنيه وقال: اجتمعوا لأنبئكم بما يصيبكم في آخر الأيام" [1].
بعد حياة مليئة بالجهاد خلالها اغتصب يعقوب البركة والباكورية، واستحق رغم ضعفاته المتكررة أن ينال الوعد بمجيء المسيا المخلص من نسله، هذا الذي به تتبارك كل الأمم، قضى في مصر 17 عامًا في صمت وسكون... والآن إذ هو عابر من هذه الأرض تطلع إلى أولاده كأسباط منهم يخرج شعب الله الذي يتمتع بأرض الموعد، ويأتي المسيا المخلص فانفتح لسانه ينطق بما يراه خلال روح النبوة أو خلال الظلال. كأنه بموسى الذي أرتفع على جبل نبو يتطلع من بعيد إلى أرض الموعد، فيفرح قلبه من أجل الشعب الذي ينعم بتحقيق الوعد الذي حُرم هو منه.
لقد رأى الأسباط الاثني عشر الكنيسة المتمْتعة بخلاص المسيح والنامية في الروح. فرأى في رأوبين الابن البكر والثمر الطبيعي له من ليئة الإنسان المتكل على بكورية الجسد أو أعمال الناموس فيخسر بكورية الروح، لهذا حسبه كمن دنس مضطجع أبيه بتدنيسه الكنيسة عروس المسيح خلال بره الذاتي.

ورأى في شمعون ولاوي اللذين منهما جاء الكتبة والكهنة وقد قاوموا السيد المسيح كلمة الله، يشيران إلى خطية المؤامرات الشريرة ومجالس الإثم المفسدة للخدمة وعمل الله.
أما يهوذا فرآه يمثل "الحمل" المصلوب، وفي نفس الوقت الأسد الغالب بالصليب. رأى السيد المسيح خارجًا من سبط يهوذا يهب قوة قيامة لمؤمنيه. وكأنه لا يكفي أن نترك البر الذاتي (رأوبين) ونرفض مجالس الشر (شمعون ولاوي) وإنما يلزمنا الالتصاق بيهوذا الحقيقي لننعم بقوة قيامته عاملة فينا. بهذا ينطلق إلى "زبولون" الذي يشير إلى الانطلاق نحو البحر أو الاتجاه إلى الأمم للكرازة لهم. فمن يحمل يهوذا القائم فيه لا يقدر أن يحتمل رؤية الأمم في عدم إيمانهم، طالبًا خلاص كل نفس.
أما يساكر فيشبهه بالحمار الذي يحمل أثقال الآخرين. فإن أُتهمنا بالغباوة من أجل احتمالنا الألم بفرح وخدمتنا للآخرين فلا نهرب بل نتقدم للعمل بلا ضجر، متشبهين بالقائل: "تعالوا إليَّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم" (مت 11: 28).
بقدر ما ينتشر ملكوت الله بين الأمم يقاوم عدو الخير حتى يظهر "ضد المسيح" من سبط دان كحية على الطريق تلدغ لتهلك.
تحدث بعد ذلك عن جاد بكونه يُهاجَم بجيش لكنه يعود فيغلب، إشارة إلى المؤمن الذي يُحارَب كثيرًا لكنه في النهاية ينتصر؛ لذا جاء بعده "أشير" بخبزه السمين أي غلاته متوافرة. فالحروب الروحية وإن كشفت ضعفاتنا لكنها تعطي النفس قوة وتجعلها أكثر أثمارًا.
بعد أشير تحدث عن نفتالي كايله (مونث إيل) سريعة الحركة، كلماته عذبة مع الجميع أما يوسف فيحمل في صلبه سبطين منسى وأفرايم، فإن "يوسف" تعني "النمو" وذلك خلال نسيان هموم العالم والتمتع بالثمر المتزايد (أفرايم).
أخيرًا يتحدث عن "بنيامين" التي تعني "ابن اليمين" الذي ينعم بشركة المجد الأبدي.
يمكننا في إيجاز القول بأن يعقوب رأى بروح النبوة في أولاده صورة حيَّة للكنيسة المجاهدة في المسيح يسوع:
يعقوب يبارك أولاده
2. رأوبين:

إذ كانت البركة خلال ظل الناموس بدأ يعقوب ببكره جسديا "رأوبين" والذي يمثل قوة الطبيعة إذ جاء مولودًا من ليئة. "رأوبين" يعني "ابن الرؤيا" لكن للأسف لم يحتفظ بنقاوة عينيه ليرى الأمور السماوية بل أتكل على ذاته فخسر بكوريتة الروحية وفقد بصيرته ليحتل "يهوذا" البكورية الروحية حيث ينعم بمجيء السيد المسيح (البكر) الحقيقي، الذي يشتّمه الآب رائحة رضى، ويراه موضع سروره.

يبارك يعقوب بكره حسب الجسد وفي نفس الوقت يعاتبه: "رأوبين أنت بكري قوتي وأول قدرتي، فضل الرفعة وفضل العز؛ فائرًا كالماء لا تنفضل، لأنك صعدت على مضطجع أبيك، حينئذ دنسته. على فراشي صعد" [3-4]. إن كان يعقوب يعتز ببكره ويدعوه قوته وأول قدرته نال أفضل رفعة وعز لكنه لا ينسى أنه اضطجع مع بلهة سرية أبيه (تك 35: 22) وبسبب ذلك فقد بكوريته لينالها أبنا يوسف (1 أي 5: 1)، أما البكورية الروحية فاغتصبها يهوذا. لقد انهزم رأوبين أمام شهوته الجسدية فصار كالماء الذي يفور ليبرد ثانية، فاقدًا أفضليته.
كان رأوبين يمثل الشعب اليهودي الذي حُسب بكرًا في معرفة الله لكنه بالجحود فقد بكوريته، ففقد قوته الروحية ورفعته وعزه وحسبوا دنسين بمحاولتهم إفساد كنيسة الله.

في هذا يقول القديس هيبوليتس الروماني: [كان هناك دور عظيم لإعلان قوة الله لحساب شعبه البكر عند خروجه من مصر، فبسببه تأدبت مصر بطرق كثيرة. لقد عني بقوله: قوتي وبكري الشعب الأول الذي هو أهل الختان]... لكن للأسف فقدوا هذا الامتياز برفضهم الإيمان بالمخلص، وحسبوا مدنسين للكنيسة. وما حدث بالنسبة لليهود يحدث في أيام الارتداد حيث ينكر الكثيرون الإيمان
إذ يقول الأب هيبوليتس: [في الأيام الأخيرة يهاجم الناس مضطجع الآب، أي الكنيسة العروس، بقصد إفساده، الأمر الذي يحدث في هذه الأيام خلال التجديف].
3. شمعون ولاوي:

"شمعون ولاوي أخوان، آلات ظلم سيوفهما، في مجلسهما لا تدخل نفسي، بمجمعهما لا تتحد كرامتي، لأنهما في غضبهما قتلًا إنسانًا وفي رضاهما عرقبا ثورًا، ملعون غضبهما فإنه شديد، وسخطهما فإنه قاسٍ" [5-7].
ماذا رأى يعقوب في أبنيه حتى رفض مجلسهما واتحادهما معًا؟

يقول القديس هيبوليتس: [من شمعون جاء الكتبة ومن لاوي الكهنة، وبإرادتهم تمم الكتبة والكهنة الشر بقتل المسيح بفكر واحد]. حقًا إنهما أخوان، لكن في اتحادهما لم يكرما الله بل قتلا المخلص الذي جاء كإنسان وعرقباه وهو المتقدم كذبيحة (كثور) ليفديهما.
هذا هو المفهوم الروحي الذي فيه نرفض كل مؤامرة شريرة حتى نحيا في الكنيسة ملكوت الله. أما من الجانب الحرفي، فإن شمعون ولاوي أخوان أي متشابهان في السمات، أخذا كل واحد سيفه وأتيا إلى مدينة شكيم حيث قتلا كل ذكر انتقامًا لأختهما دينة التي دنسها شكيم بن حمور الحوّي (تك 34)، فلم يراعيا العدل في انتقامهما. لقد تظاهرا بالهدوء واتفقا معًا على الشر وسببا تعبًا لأبيهما.
4. يهوذا:

حقًا أن يهوذا لم ينل نصيب أثنين كيوسف أخيه الذي اغتصب البكورية من رأوبين فصار يوسف سبطين هما منسى وأفرايم، حسبهما يعقوب أبنيه كرأوبين وشمعون ومنسوبين له (تك 48: 5)، لكن يهوذا نال نصيب الأسد في البركة إذ رأى يعقوب السيد المسيح الملك والكاهن يأتي من نسله، إذ يقول:
"يهوذا إياك يحمد أخوتك، يدك على قفا أعدائك، يسجد لك بنو أبيك" [8].

من هو يهوذا هذا الذي يحمده أخوته ويسبحونه إلاَّ السيد المسيح نفسه الخارج من سبط يهوذا، الذي وضع بالصليب يده على قفا إبليس عدوه فحطمه، محررًا البشرية من سلطانه حتى يسجدوا له بالروح والحق.
لقد صار يهوذا هو السبط الملوكي، بدأ بداود الملك والنبي وتوّج بظهور ملك الملوك رب المجد منه.
"يهوذا جرو أسد، من فريسة صعدت يا ابني، جثا وربض كأسد ولبؤة من ينهضه؟!" [9].
إذ رأى يعقوب في صلب يهوذا السيد المسيح دعاه بالأسد الذي خرج من حرب الصليب غالبًا أعدائه الروحيين. لقد جثا وربض على الصليب... لكن حتى في نومه على الصليب كان أسدًا لا يقدر العدو أن يقترب منه.
في هذا يقول
القديس أغسطينوس: [لقد سبق فتُنبئ عن موت المسيح بقوله "ربض"، موضحًا أن موته كان بإرادته وليس قسرًا، إذ رمز له بالأسد. لقد أعلن هذا السلطان بنفسه في الإنجيل إذ قال: "ليس أحد يأخذها مني بل أضعها أنا من ذاتي، لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن آخذها أيضًا" (يو 10: 18). هكذا زأر الأسد وتمم ما قاله. لقد أضاف إلى هذا سلطانه في القيامة بقوله: "من ينهضه؟!" بمعنى أنه يقيم نفسه وليس إنسان يقيمه. لقد قال عن جسده: "انقضوا هذا الهيكل وفي ثلاثة أيام أقيمه" (يو 2: 19). تحدث أيضًا عن نوع موته أي الصعود على الصليب، إذ قيل: "من فريسة صعدت"... ].
يكمل يعقوب حديثه مع يهوذا: "لا يزول قضيب من يهوذا ومشترع من بين رجليه حتى يأتي شيلون وله يكون خضوع شعوب" [10]. إنه امتياز يقدمه يعقوب لابنه الذي يحمل نسله قضيب الملك ومن بنيه (بين رجليه) يكون الحكم الذي يشرع حتى المسيا واهب السلام (شيلون) فيضم الشعوب إلى مملكته الروحية.
يقول القديس أغسطينوس: [دعى اليهود هكذا "يهودا"، لأجل يهوذا أحد الاثني عشر أبنًا ليعقوب... الذي من صلبه جاءت الملوكية... من هذا السبط جاء الملوك، ومنه جاء ربنا يسوع المسيح ].
"رابطًا بالكرمة جحشه، وبالجفنة ابن أتانه. غسل بالخمر لباسه، وبدم العنب ثوبه" [11]. في دراستنا لإنجيل متى (ص 21) رأينا الأتان يشير إلى الأمة اليهودية والجحش يشير إلى الأمم الذين فقدوا كل تعقل بسبب الرجاسات الوثنية. إنه يعلن بروح النبوة أن لكليهما: اليهود والأمم قد ارتبطا معًا في الكرمة أو الجفنة إذ صارا فيه كنيسة مقدسة واحدة.

وكما يعلق القديس هيبوليتس على هذه العبارة: [إنه يدعو أهل الختان وأهل الغرلة في إيمان واحد ]. هذا وأن ثوب المسيح أو لباسه يشير إلى الكنيسة الملتصقة به كما رأينا في حديثنا عن القميص الملون (تك 37: 3)، فإن هذا اللباس غسله السيد بدمه الطاهر...

وكما يقول القديس كبريانوس: [إذ يُشار إلى دم الخمر ماذا يعني سوى خمر كأس دم الرب؟! ].
ويقول القديس أكلمنضس الإسكندري: [الكرم ينتج خمرًا والكلمة يقدم دمًا، كلاهما يجلبان الصحة، الخمر للجسد والدم للروح].

ويقول القديس أغسطينوس: [ما هذا الثوب الذي يغسله في الخمر، أي يغسله في دمه من الخطية... إلاَّ الكنيسة]. إنما تشير إلى حياة الترف والغنى التي يعيشها ملوك يهوذا.
"مسود العينين من الخمر ومبيض الأسنان من اللبن" [12].
يعلق القديس هيبوليتس على هذه العبارة قائلًا: [عيناه لامعتان كما بكلمة الحق إذ ترقبان ما يؤمن به، وأسنانه بيضاء كاللبن معبرًا عن قوة كلماته المنيرة، لذا دعاها بيضاء وقارنها باللبن الذي يقوت الجسد والنفس].
ويقول القديس أغسطينوس: [عيناه حمراوتان بالخمر، هاتان هما شعبه الروحي الذي يسكر بكأسه وأسنانه بيضاء أكثر من اللبن الذي هو الكلمات التي يرضعها الأطفال الذين كما يقول الرسول لم يتأهلوا للطعام القوي (1 كو 3: 2، 1 بط 2: 2)].
ويرى القديس هيبوليتسأيضًا أن العينين تشيران إلى الأنبياء واللبن إلى وصايا المسيح، إذ يقول: [ما هما عينا المسيح إلاَّ الأنبياء الذين تنبأوا بالروح وأعلنوا مقدمًا الآلام التي تحل به، وفرحوا إذ رأوه بقوة خلال البصيرة الروحية منتعشين بكلمته ونعمته...؟ ويشير (اللبن) إلى الوصايا التي تنبع عن فم المسيح القدوس النقية كاللبن].
5. زبولون:


"زبولون عند ساحل البحر يسكن، وهو عند ساحل السفن وجانبه عند صيدون" [13].
سكن سبط زبولون غرب نهر الأردن وغرب بحر الجليل، وقد اشتغلوا بالتجارة ويرجح أنهم استولوا على أماكن مجاورة للبحر المتوسط...

ويرى القديس هيبوليتسأن قوله: "زبولون عند ساحل البحر يسكن" يحمل رمزًا لالتحام إسرائيل بالبحر أي بالأمم، فقد عرف البحر كرمز للأمم والنهر كرمز لليهود، هكذا يلتحم الاثنان معًا بكونهما قطيعًا واحدًا.
يقول القديس: [إنه عند ساحل السفن أي في مرسى آمن، مشيرًا بذلك إلى المسيح مرساة الرجاء. هنا الإشارة إلى دعوة الأمم، حيث تبلغ نعمة المسيح الأرض كلها والبحر. بقوله: "هو عند ساحل السفن ممتد إلى صيدون" يقدم قولًا نبويًا عن كنيسة الأمم التي ظهرت في الإنجيل: "أرض زبولون وأرض نفتاليم طريق البحر عبر الأردن جليل الأمم، الشعب الجالس في الظلمة أبصر نورًا عظيمًا" (مت 4: 15، 16). إذن بذكره زبولون محددًا سكناه بحدود البحر إنما يوضح التحام إسرائيل بالأمم ليصير الشعبان قطيعًا واحدًا تحت يد الراعي الأعظم الواحد، الصالح بطبعه، المسيح. لذلك ففي مباركته يقول موسى: "افرح يا زبولون" (تث 18: 33)].
6. يساكر:

"يساكر حمار جسيم رابض بين الحظائر، فرأى المحل إنه حسن والأرض أنها نزهة، فأحنى كتفه للحمل وصار للجزية عبدًا" [14-15].
شبه يساكر بحمار جسيم أو ضخم وقوي، فقد اشتغل هذا السبط بالفلاحة وكان دأبهم الصبر. وكانت الأرض خصبة فاكتفى السبط بالزراعة ولم يمل إلى الانشغال بالسياسة إلاَّ نادرًا وقد تعرض لدفع الجزية أو الضرائب...
يرى القديس هيبوليتس أن قوله الأرض نزهة (دسمة) تشير إلى جسد الرب الغني بعطاياه، قدمه لنا ميراثًا كأنه أرض الموعد الذي يفيض لبنًا وعسلًا، يقوت الأطفال والناضجين.
قلنا في مقدمة هذا الأصحاح أن يساكر يشبه الحمار يحمل أثقال الآخرين، حانيًا كتفي محبته للمتعبين ومستعبدًا نفسه ليحرر الآخرين.
حينما ذاق شاول الطرسوسي أن الأرض نزهة، وأدرك غنى العطايا الإلهية التي وهُبت له خلال عضويته في جسد المسيح "أحنى كتفه للحمل وصار للجزية عبدًا". لقد قال: "إذ كنت حرًا من الجميع استعبدت نفسي للجميع لأربح الأكثرين" (1 كو 9: 19). هذه هي الجزية التي دفعها مسلمًا نفسه وهو حر عبدًا ليحرر العبيد ويربحهم أبناء الله. لقد أحنى كتفه للحمل قائلًا: "من يضعف وأنا لا أضعف؟! من يُعثر وأنا لا ألتهب؟!" (2 كو 11: 29)، "وأما أنا فبكل سرور أُنفق وأنفق لأجل أنفسكم وإن كنت كلما أحبكم أكثر أُحب أقل، فليكن!" (2 كو 12: 15، 16).
7. دان:

"دان يدين شعبه كأحد أسباط إسرائيل،
يكون دان حيَّة على الطريق، افعوانًا على السبيل، يلسع عقبي الفرس فيسقط راكبه إلى الوراء. لخلاصك انتظرت يا رب!" [16-18].
لما كانت النبوة تحمل مرارة لذلك بدأها بعتاب معلنًا أن دان "كأحد أسباط إسرائيل" إذ حُسب سبطًا مع أنه أول ابن ليعقوب من جارية (تك 30: 1-6)، وقد عُرفت ذريته بالدهاء والمكر، شبهه موسى بشبل أسد يثب من باشان (تث 33: 22).

ذكر القديس إيرنياؤس أن ضد المسيح يخرج من سبط دان، وقبل كثير من الآباء هذا الفكر.

وقد دلل القديس هيبوليتس على ذلك من قول إرميا النبي: "من دان سمعت حمحمة خيله، عند صوت صهيل جياده ارتجفت كل الأرض فأتوا وأكلوا الأرض وملأها المدينة والساكنين فيها، لأني هأنذا مرسل عليكم حيات أفاعي لا ترقى فتلدغكم يقول الرب" (أر 8: 16)، متطلعًا أن ما وصفه إرميا هنا ينطبق على عصر الارتداد حين يخرج ضد المسيح من سبط دان بجيشه يحارب الكنيسة في كل الأرض ويلدغ المؤمنين بسموم تجاديفه. كما يدلل على قول بكلمات موسى النبي: "دان شبل أسد يثب من باشان" (تث 33: 22). فإن كان السيد المسيح جاء من سبط يهوذا كأسد، فإن ضد المسيح يبذل كل طاقته لخداع البشرية فيخرج من سبط دان كأسد.
* كما جاء المسيح من سبط يهوذا سيأتي ضد المسيح من سبط دان...
ماذا يعني هنا بالحية إلاَّ ضد المسيح المخادع، الذي أشير إليها في سفر التكوين (3: 1)، التي خدعت حواء وآدم؟!
* هذا بالحقيقة يتحقق في سبط دان، إذ يقوم منه طاغية وملكٍ وقاضٍ مرعبٍ هو أبن الشيطان.
القديس هيبوليتس الروماني

8. جاد:

"جاد يزحمه جيش، ولكنه يزحم مؤخرة" [19].
كان نصيب سبط جاد شرق الأردن كطلبه وقد اشترط موسى النبي على بني جاد وبني رأوبين أن يعبروا مع إخوتهم ويحاربوا وعند التقسيم يأخذون شرقي الأردن (عد 32). اختيارهم لشرقي الأردن جعلهم معرضين للقتال، فكانت أرضهم ساحة قتال بين آرام وإسرائيل (2 مل 10: 33)، كما تعرضوا لغزو العمونيين والأموريين لكن بني جاد كانوا يلحقون بهم ويقاتلونهم ويستردون غنائمهم.
وكان جبابرة سبط جاد مرافقين لداود في صقلغ، قيل عنهم: "جبابرة البأس رجال جيش للحرب صافوا أتراس ورماح وجوههم كوجوه الأسود وهم كالظبي على الجبال في السرعة... صغيرهم لمئة والكبير لألف" (1 أي 112: 8-14).
إذن فجاء يمثل النفس التي تتعرض لحروب روحية كثيرة لكنها لا تتوقف عن الجهاد في الرب، تسرع كالظبي نحو أورشليم العليا بلا عائق وتقاتل الخطايا والرجاسات بلا خوف!
9. أشير:

"أَشِيرُ، خُبْزُهُ سَمِينٌ وَهُوَ يُعْطِي لَذَّاتِ مُلُوكٍ" [20].
تنبأ يعقوب عن أشير بكثرة الخيرات، كما تنبأ موسى عنه أنه يغمس في الزيت قدمه (تث 33: 24)، وقد تحققت النبوتان إذ تمتع سبط أشير بأرض خصبة غنية بأشجار الزيتون التي يستخرج منها الزيت. كانت غلات أرضه وفيرة فقيل أن خبزه سمين، يصدر منها للأسباط الأخرى، هذا بجانب سكناه بجوار البحر مكنه من استيراد البضائع وبيعها لبقية الأسباط لذا قيل "يعطي لذات ملوك"... ويشير هذا السبط على فيض النعمة في حياة المجاهدين الروحيين.
10 . نفتالي:

"نفتالي أيلة (أنثى الإيل) مسيبة تعطي أقوالًا حسنة" [21].
يشبه في محبته للحرية بأنثى الإيل المنطلقة في برية مفتوحة وفي الوادي بلا حواجز تتحرك في خفة وسرعة أينما أرادت. لكن هذه الحرية ليست فرصة للانحلال والشر وإنما التزم السبط بعلاقات طيبة مع بقية الأسباط مقدمًا "أقوالًا حسنة". وفي سفر القضاة ترنمت دبورة قائلة: "زبولون شعب أهان نفسه إلى الموت مع نفتالي على روابي الحقل" (5: 18)، ربنا تشير إلى مدى جهادهم في الحرب. باركهم موسى النبي قبل موته: "يا نفتالي اشبع رضى وامتلئ بركة من الرب واملك الغرب والجنوب" (تث 33: 23)... هكذا صار نفتالي يمثل النفس الرقيقة في تعاملها مع إخوتها تنعم ببركة الرب.
11. يوسف:

نال يوسف "رجل الأحلام"، الابن البكر لراحيل مدحًا أكثر من كل إخوته، فقد كان أمينًا في علاقته مع الله ومحبًا للجميع كابن أو كأخ أو كعبد أو كأجير أو كسجين أو كقائد في القصر... لذا دعاه أبوه "غصن شجرة مثمرة"، وقد كرر العبارة مرتين إشارة إلى أن الثمرة هي ثمرة الحب،
لأن رقم 2 كما يقول القديس أغسطينوس: [يشير إلى الحب، إذ يجعل الاثنين واحدًا. كان يوسف غصنًا يثمر حبًا سماويًا مرتفعًا إلى فوق لا يعوقه حائط الظروف المحيطة أو الأحداث]،
إذ يقول:

"يوسف غصن شجرة مثمرة، غصن شجرة مثمرة على ماء، أغصان قد ارتفعت فوق حائط،
فمررته ورمته واضطهدته أرباب السهام،
ولكن ثبتت بمتانة قوسه وتشددت سواعد يديه" [ 22-34].
يوسف يمثل النفس البشرية الأمينة للرب التي لا تتوقف عن تقديم الحب الروحي بالرغم من كثرة المقاومات وشدة الحرب الروحية. فالنفس تكون في الرب غصنًا مثمرًا مرتبطة بالأصل كقول السيد: "أنا الكرمة وأنتم الأغصان، الذي يثبت فيَّ وأنا فيه هذا يأتي بثمر كثير، لأنكم بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئًا" (يو 15: 5). إنه الغصن الذي يرتبط بعين ماء الروح القدس فيهبه حياة وثمارًا، ويتكاثر فيصير أشبه ب "أغصان قد ارتفعت فوق حائط" الزمان منطلقة نحو السماء. خلال هذا الثبوت في المسيح والتمتع بعمل الروح القدس تواجه النفس من إبليس وجنوده "أرباب السهام" حربًا مريرة تكشف عن نصرته وتزكيته.
يرى القديس هيبوليتس أن الحديث هنا ينطبق بالأكثر على السيد المسيح الذي حسده إخوته وقام ضده "أرباب السهام" أي "قادة الشعب" بمشورتهم المرة، لكن أقواسهم انكسرت وانهارت سواعد أيديهم معلنًا النصرة على الصليب ضد القوات الشريرة. أما تشبيه السيد المسيح بغصن فقد تكرر كثيرًا خاصة في سفر زكريا (3: 8).
لقد عزل أبناء يعقوب أخاهم يوسف عنهم وباعوه كبعد يعيش بعيدًا عنهم في مذلة، فإذا به يره يعقوب "نذير أخوته" [26]، أي المكرس لله عن أخوته... تمتع ببركات علوية وخيرات أرضية فائقة، إذ باركه أبوه هكذا:

"من يديّ عزيز يعقوب، من هناك من الراعي صخر إسرائيل،
من إله أبيك الذي يعينك ومن القادر على كل شيء الذي يباركك تأتي بركات السماء من فوق وبركات الغمر الرابض تحت، بركات الثديين والرحم، بركات أبيك فاقت على بركات أبويّ.
إلى منية الآكام الدهرية تكون على رأس يوسف وعلى قمة نذير إخوته" [24-26].
يطلب يعقوب لابنه يوسف كل بركة ممكنة، فيسأل عنه الله "عزيز يعقوب" أي إلهه المحبوب لديه، الراعي والصخر المعين له، يطلب من القدير أن يبارك ببركات السماء وخيرات الأرض وكثرة النسل (بركات الثديين والرحم)، لينال أكثر مما نال إسحق من إبراهيم ويعقوب من أبيه إسحق (بركات أبيك "لك" فاقت على بركات أبويّ)، سائلًا أن تكون البركة إلى منية الآكام إلى أقصى حدود التلال العالية التي لا يفنيها الدهر.
هكذا أحب يعقوب ابنه يوسف أكثر من نفسه طالبًا من إلهه أن يهبه أكثر مما ناله هو من بركة والده وأن تعم البركة نفسه (بركات السماء) وجسده (بركات الغمر الرابض تحت) وكل طاقاته ومواهبه (بركات الثديين والرحم) ليكون مباركًا أبديًا ونذيرًا عن إخوته يشفع عنهم.
12. بنيامين:

"بنيامين ذئب يفترس، في الصباح يأكل غنيمة وعند المساء يقسم نهبًا" [27].
تشير النبوة هنا إلى شجاعة سبط بنيامين وقوته في الحروب، وقد قيل عن محاربيه: "كل هؤلاء يرمون الحجر بالمقلاع على الشعرة ولا يخطئون" (قض 20: 16).

ويرى القديس هيبوليتس الروماني أن النبوة هنا تشير إلى شاول الملك الذي من سبط بنيامين، فقد كان ذئبًا يفترس داود الملك، كما تشير إلى شاول الطرسوسي الذي انطلق في صباح حياته ليفترس الكنيسة كغنيمة لكنه آمن وصار خاضعًا لها يقدم نفسه طعامًا (حسب الترجمة السبعينية).
قدم لنا القديس چيروم ذات الفكر حين قال: [بولس مضطهد الكنيسة هو الذئب الخارج من بنيامين ليفترس، يحني رأسه أمام حنانيا أحد قطعان المسيح وينال شفاءً لعينيه عندما قبل دواء المعمودية (أع 9: 17، 18)].

كما يقول [بولس مضطهد الكنيسة كان في الصباح ذئبًا يفترس وصار في المساء طعامًا يُقدم (حسب الترجمة السبعينية) خاضعًا للحمل حنانيا].
13. الوصية الوداعية:

سبق فأوصى يعقوب ابنه يوسف أن يدفنه مع أبيه وأمه وجده وجدته في كنعان في مغارة المكفيلة التي اشتراها إبراهيم من بني حث، وها هو يكرر الوصية لأولاده الاثني عشر... لقد عاش غريبًا كآبائه ينتظر تحقيق وعود الله في نسله... وأخيرًا مات على رجاء، إذ أسلم الروح وانضم إلى قومه.




دفن يعقوب

مات يعقوب غريبًا في أرض مصر بعد أن أوصى أولاده بدفنه في كنعان في مقبرة آبائه، وكأنه وقد أدرك أن بذرة شعب الله قد غرست في مصر لتنمو وتترعرع، يطلب من هذا الشعب أن يبقى قلبه متعلقًا بكنعان أرض الموعد حتى يتمتع بوعود الله.


1. تحنيط يعقوب:

عاش يعقوب كآبائه متغربًا في خيام، غير مستقر في موضع، وانتهت حياته على الأرض وهو غريب في مصر، وقد أصر في وصيته الوداعية أن يدفن في كنعان في مغارة المكفيلة حيث دفن فيها إبراهيم وسارة وإسحق ورفقة... وربما يتساءل: لماذا اهتم رجل الإيمان، أب جميع الأسباط بهذا الأمر، وجعله الوصية الوداعية لكل أولاده؟ هل يهمه الجسد بعد موته؟
أولًا: يؤكد الآباء أن رجال العهد القديم كانوا يهتمون في وصيتهم بدفن أجسادهم في موضع معين كتسليم ملموس خلاله يدرك أولادهم قيامة الجسد... فقد عاش هؤلاء الآباء كغرباء حارمين أجسادهم من الترف والتدلل لكنهم ينتظرون أن يحملوه جسدًا ممجدًا في يوم الرب العظيم.
ثانيًا: أراد أن يؤكد يعقوب لأولاده بدفنه في كنعان... إنه وإن عاش أواخر أيامه في مصر حيث أنقذ يوسف العائلة من المجاعة لكن قلبه في كنعان التي وعد الله بها إبراهيم أن يتمتع بها نسله، وكأن يعقوب يطلب من أولاده أن يعيشوا في مصر عاملين بأمانة وجهاد أما قلبهم فيلتصق بمواعيد الله لهم.


ثالثًا: طلب أن يُدفن مع آبائه ليعلن أن حياته كلها كانت تسير في تناغم وانسجام مع إيمان آبائه المُسَلَّم عبر الأجيال... خاصة إيمانه بالقيامة من الأموات.
على أي الأحوال إذ مات يعقوب تأثر يوسف جدًا فقد وقع "على وجه أبيه وبكى علي وقبَّله" [1]، وكأنه تحقق وعد الله حين قال له: "لا تخف من النزول إلى مصر، لأني أجعلك أمة عظيمة هناك، أنا أنزل معك إلى مصر وأنا أصعدك أيضًا، ويضع يوسف يده على عينيك" (تك 46: 4)، أي يضع يده على عينيه عند موته ليغمضهما كما هي العادة إلى يومنا هذا.
أمر يوسف عبيده الأطباء أن يحنطوا أباه حتى يحمله إلى كنعان، وطلب من بيت فرعون أن يسألوا فرعون لكي يسمح لهم بحمل جثمان أبيه إلى كنعان كوصيته، إذ لم يكن ممكنًا ليوسف أن يقابل فرعون بثياب الحزن أو بلحيته التي أطلقها لأجل الميت.



2. دفن يعقوب في كنعان:

تحرك الموكب العظيم من جاسان لينطلق إلى أرض كنعان لدفن إسرائيل، إذ قال يوسف: "أصعد لأدفن أبي" [5]. وكان الموكب في عيني يوسف كما في عيني فرعون نفسه [6] موكب صعود لا نزول، إذ حمل رمزًا لارتفاع الكنيسة نحو أورشليم العليا، كنعان الحقيقية، لتوجد مع عريسها أبديًا.
وقد تمت مراسم الدفن أو تحركات الموكب على ثلاث خطوات:
الخطوة الأولى: انطلاق الموكب من مصر، وقد وصفه الكتاب: "كان الجيش كثيرًا جدًا" [9]. لقد ضم الموكب في مقدمته يوسف وهو القائد الحقيقي لموكبنا الروحي الغالب للظلمة، كقول الرسول: "لكن شكرًا لله الذي يقودنا في موكب نصرته في المسيح كل حين ويظهر بنا رائحة معرفته في كل مكان" (2 كو 2: 14). كما يضم الموكب جميع عبيد فرعون وشيوخ بيته وجميع شيوخ أرض مصر وكل بيت يوسف واخوته وبيت أبيه، وصعد معه مركبات وفرسان. إنه موكب الكنيسة الجامعة التي تضم كل رجال الإيمان من الأمم كما من اليهود، تضم العبيد مع الشيوخ العظماء. وقد انطلق بمركبات وفرسان كأنه جيش عظيم جدًا، فهو في حالة حرب مستمر لا مع لحم ودم بل قوات الشر الروحية في السمويات (أف 6)، حرب روحية ضد الخطية والأرواح الشريرة. وقد تحدث كثير من الآباء عن هذه الحرب الروحية وتمتعنا بالجندية الروحية خلال مياه المعمودية للانطلاق نحو السماء في غلبة ونصرة بالروح القدس.

يقول القديس كبريانوس: [لقد أردت أن أحارب بشجاعة، واضعًا في ذهني السر Sacramentum الذي لي، حاملًا سلاحيّ التكريس والإيمان].
ويقول
القديس يوحنا الذهبي الفم: [كما يُطبع الختم على الجند هكذا يطبع الروح القدس على المؤمن

ويقول القديس كيرلس الأورشليمي: [الآن ينقش أسمك وتُدعى للدخول إلى المعسكر (الروحي)].



في مصر الرمزية إذ ينطلق المؤمن كجيش عظيم جدًا يحارب خطايا بلا حصر، إنما يعيش وسط الدموع والبكاء، كما فعل المصريون إذ ناحوا سبعين يومًا [3]. خروجنا من محبة العالم تحتاج إلى جهاد روحي غير منقطع حتى تتحرر أعماقنا من الرباطات الزمنية بالمسيح يسوع قائد الموكب.
الخطوة الثانية: كان الموكب عند عبر الأردن في "بيدر أطاد"، وكان يمثل الكنيسة التي اشتهت الخروج من محبة العالم إلى التمتع بالحياة السماوية خلال عبورها المعمودية المقدسة. هنا يقف الموكب سبعة أيام ليصنع مناحة مرة، إذ قيل: "فلما رأى أهل البلاد الكنعانيون المناحة في بيدر أطاد قالوا: هذه مناحة ثقيلة للمصريين، لذلك دُعى اسمه إبل مصرايم الذي في عبر الأردن" [11-12]. تلتحم المعمودية بالمناحة لمدة سبعة أيام، إذ يلتحم ميلادنا الجديد في الجرن المقدس بالتوبة المستمرة كل أيام غربتنا.
وكما يقول القديس غريغوريوس النيصي: [من يتقبل حميم التجديد يشبه جنديًا صغيرًا أُعطى له مكان بين المصارعين، لكنه لم يبرهن بعد على استحقاقه للجندية
].
الخطوة الثالثة: إذ بلغوا أرض كنعان لم نسمع عن دموع أو بكاء، وكأن الدخول إلى كنعان السماوية ينزع عن الكنيسة آلامها. وكما قيل في سفر الرؤيا: "وسيمسح الله كل دمعة من عيونهم، والموت لا يكون في ما بعد، ولا يكون حزن ولا صراخ ولا وجع في ما بعد لأن الأمور الأولى قد مضت" (رؤ 21: 4).
دخل يعقوب إلى ذات المغارة التي دفن فيها أبوه إبراهيم، وكأن الكنيسة المتغربة قد استراحت واستقرت في حضن إبراهيم.



3. يوسف يطيب قلب إخوته:

ظن أولاد يعقوب أن يوسف ينتقم لنفسه بعد موت أبيهم ويرد عليهم الشر الذي فعلوه به، فجاءوا إليه يطلبون باسم أبيه وحسب وصيته أن يصفح عن ذنبهم، أما هو فلم يحتمل توسلهم في لطف زائد انهمرت الدموع من عينيه. هنا أزداد يوسف مهابة في عيني إخوته فسجدوا أمامه، قائلين: "ها نحن عبيدك".
لقد نجح يوسف وتعّظم لا بتوليه المركز الثاني في مصر بعد فرعون وإنما بأتساع قلبه بالحب، متمتعًا لا ببر الناموس خلال تنفيذه لوصاياه وإنما حقق الوصية الإنجيلية خلال عهد الناموس. لم يرد الشر بالشر، ولا توقف حتى عند المغفرة للذين أخطأوا في حقه، لكنه لم يحتمل مذلتهم فبكى، ولم ير شرهم بل يدّ الله التي حولت الشر إلى خير للجميع، معلنًا اهتمامه بهم وحبه لهم وإعالته لهم ولأولادهم.
لقد تمم وصايا الإنجيل التي يستثقلها أحيانًا أبناء العهد الجديد.



لقد صارت كلمات يوسف لإخوته: "أنتم قصدتم لي شرًا أما الله فقصد به خيرًا لكي يفعل كما اليوم ليحيي شعبًا كثيرًا" منهجًا حيًا يجد فيه الروحيون كشفًا لأسرار الله ومعاملاته معهم.
لعل رجوع إخوة يوسف إلى أخيهم بالتوبة يشير إلى عودة اليهود في آخر الأزمنة إلى الإيمان بقبولهم السيد المسيح الذي رفضوه، وذلك بعد كمال كنيسة الأمم، فيطلبون الصفح عما ارتكبوه، متخلين عن اعتدادهم الذاتي وفكرهم الصهيوني فلا يعيشون بعد كدولة متعصبة بل كمؤمنين يقبلون من سبق لهم أن اضطهدوه.



4. يوسف يوصي بعظامه:

إن كان يوسف في محبته لإخوته عزاهم وطيب خاطرهم بقوله: "لا تخافوا، أنا أعولكم وأولادكم" [21]، فقد كشف لهم في وصيته الوداعية أن الله وحده هو الذي يعولهم ويهتم بهم أما هو فيموت، إذ يقول: "أنا أموت، ولكن الله سيفتقدكم ويصعدكم من هذه الأرض إلى الأرض التي حلف لإبراهيم وإسحق ويعقوب" [24]، الأمر الذي تحقق على يديّ موسى ويشوع.
لقد عاش بإيمان آبائه متأكدًا أن شعبه لا بُد أن ينطلق إلى أرض كنعان، لذلك استحلفهم قائلًا: "الله سيفتقدكم فتصعدون عظامي من هنا" [35]، إشارة إلى رغبته في مشاركة شعبه الخروج من أرض العبودية ولو خلال عظامه.
أخيرًا انتهى سفر التكوين بموت يوسف وتحنيطه ووضعه في تابوت في مصر... وكما سبق وقلنا أن هذا السفر بدأ بالخلقة أي خروج الحياة من العدم بعمل الله، وانتهى بدخول الإنسان في الأكفان في أرض مصر حيث التحنيط والأهرامات الضخمة والفنون والحضارة الأمور التي لم تستطع أن تخلصه من الموت وذلك بسبب فساده الداخلي.

إن كان الله قد سمح أن يبدأ في تكوين شعبه المختار كخميرة -وسط الشعوب الوثنية- في ذلك الوقت، على أرض مصر .. هذا الشعب العبراني الذي يمثل كنيسة العهد القديم .. وفيه عاش البطاركة العظام الأوائل: إبراهيم وإسحق ويعقوب .. فإنه إشارة روحية لتكون أرض مصر وبطاركتها ؛ هي مقر وقيادة كنيسة العهد الجديد .. التي حفظت الإيمان على مر العصور وقدمت آلاف الشهداء ، وما زالت إلى اليوم ترعى الإيمان المستقيم ولا تحيد عنه .. شكرا لألهنا ومسيحنا ..
على هذه الصخرة أبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها

وله كل المجد إلى الأبد

آمين.




رد مع اقتباس
 


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
يبارك أولاده المؤمنين به على الأرض
يعقوب يبارك أفرايم ومنسى
إسحق يبارك يعقوب
يعقوب يبارك ابني يوسف
اسحق يبارك يعقوب


الساعة الآن 12:57 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024