أهم ما في الإيمان المسيحي هو قوة قيامة المسيح، لماذا؟
لأن قوة قيامته هي التي خلقت المسيحية كلها كقوة حياة من بعد الموت. لأن بنظرة واحدة إلى الموت وماهية الموت، نرى أنه أمرٌ مرعب، هو ظلمة أبدية وسكون أبدي، وانهزام واضح فاضح لسلطان الشيطان الذي يملك في الموت. فالموت هو عار الخليقة، وأصلاً هـو تخلِّي الله وغضبه على بني آدم أجمعين، بل هو نصرة الخطية وغلبتها على بني آدم.
فالموت هو عدم الوجود، هو الإعدام، هو إلغاء شخصية الإنسان إلى ما دون الصفر. لذلك فقيامة المسيح من بين الأموات هي معجزة المعجزات، هي نصرة لقضية الإنسان ضد العدو، هي دوس بالأقدام على الخطية والموت. فالقيامة رفعت رأس الإنسان قبالة استعباد الشيطان وظلمه وقساوته التي أذلَّت الإنسان.
أما آلام الرب، سواء قبل الصليب أو عليه، فلا شيء في الوجود يعادلها، لأنها أصبحت لكل من يشترك فيها ويحملها، كأنها تقبُّلٌ من يد الآب هبةً ونيشانَ الاستحقاق من الدرجة الأولى. هي تساوي الإيمان تماماً، وتُحسَب شهادة عُليا مجازاتها عند الآب، لأن الآب يحب الابن ويحب كل مَن تحمَّل ألماً من أجل صليب ابنه. والإنسان إذا ثقلت عليه آلام الصليب جداً فهو يكون كمَن جاز الموت من أجل المسيح، فأجره تحتَّم أن يكون القيامة أو شركة في قيامة المسيح، أو تسجيل اسمه في عداد مَن سيقومون في القيامة الأخيرة المدعوَّة بقيامة الأموات.
وبولس الرسول يتمهَّل القارئ لئلا يصبح قوله هذا مأخوذاً عليه، كمَن أكمل السعي وبلغ المنتهى في الإيمان بالرب. فهو يحسب نفسه أنه لم ينل ما تمناه بعد، وينفي ما قد يكون القارئ قد فهمه أنه أصبح كاملاً. وفي الحقيقة ليس هذا تواضعاً من بولس، ولكن هذه حقيقة كل مَن آمن. هذا هو سَعْي كل مَن يؤمن بالمسيح، أنه لا يحتسب نفسه شيئاً مهما كان سعيه. ولكن المؤمن الحقيقي يتألم بسبب إيمانه، وإن بدا سعيُه شاقاً ومُجهِداً وكأنه لا يُحتسب أنه كامل، ولكن هذا هو ما وُضِع عليه لكي يبلغ الغاية والنهاية التي كان المسيح يريد أن يُدركها، وقد أدركها. وهذا هو، بأوضح صورة، عمل الفداء وما ينتهي إليه من قوة الخلاص التي تعلو فوق كل جهاد أو سعي.
فالآن والأمر هكذا، واضحٌ أن المؤمن يجب أن يسعى لخلاص نفسه، ولاستحقاقِ الفداء الذي قام به المسيح على الصليب من أجله. لذلك يقول بولس الرسول إن الذي يسعى في طريق الخلاص ونوال استحقاق الفداء، عليه أن يسير على الطريق فرسخاً فرسخاً(2)، ينسى كل فرسخ ساره وأكمله لكي يستعدَّ جديداً دائماً أن يمتد إلى قدام، ليقطع كل فراسخ الطريق واضعاً الصبر أمام عينيه.
وبذلك لا تُعطَى جعالة الله العليا (أي مجازاة الله) إلاَّ للذين أكملوا السعي، ولبسوا إكليل الخلاص وعبروا إلى شاطئ النجاة. وقد سبق المسيح وأوصى أن الباب ضيِّق لكل مَن يقصد الدخول إلى الإيمان، والطريق ضيِّق وكَرِب لكل مَن يقصد السعي في طريق الخلاص، ولكن الإكليل مُعَدٌّ لكل الذين يعبرون الطريق ويكمِّلون السعي ماسكين بالحياة الأبدية.