ابعد عن الشر وعني ليه
مثل شعبي مصري، معناه بالفصحى: تباعد عن الشر وتغنى له. ويقصد به ابتعد عن مصادر الشر حتى إن اضطررت لمنافقتها من بعيد.
والحقيقة أن الابتعاد عن الشر أمر كتابي مؤكَّد. فيقول الحكيم «لاَ تَكُنْ حَكِيمًا فِي عَيْنَيْ نَفْسِكَ. اتَّقِ الرَّبَّ وَابْعُدْ عَنِ الشَّرِّ» (أمثال٣: ٧). فالبعض يظن أنه حكيم بقدر أن يستطيع التحكم في الأمر ووضع حدود له وقتما يريد. أظن أن شمشون كان من هذا النوع، ونعلم ما آل إليه حاله.
والكتاب لا يكتفي بنصحنا بالبعد عن الشر، بل يقول: «مَخَافَةُ الرَّبِّ بُغْضُ الشَّرِّ. الْكِبْرِيَاءَ وَالتَّعَظُّمَ وَطَرِيقَ الشَّرِّ وَفَمَ الأَكَاذِيبِ أَبْغَضْتُ» (أمثال٨: ١٣). «يَا مُحِبِّي الرَّبِّ، أَبْغِضُوا الشَّرَّ» (مزمور٩٧: ١٠).
بل يصل الأمر لما هو أكثر فمثلاً، بعدما يوضِّح بولس لتيموثاوس أن «مَحَبَّةَ الْمَالِ أَصْلٌ لِكُلِّ الشُّرُورِ...»، يتبعها بالنصيحة «وَأَمَّا أَنْتَ يَا إِنْسَانَ اللهِ فَاهْرُبْ مِنْ هذَا» (١تيموثاوس٦: ١٠-١١). وكذلك بعد استعراضه لأنواع أخرى من الشرور يقول له: «... فَإِنْ طَهَّرَ أَحَدٌ نَفْسَهُ مِنْ هذِهِ، يَكُونُ إِنَاءً لِلْكَرَامَةِ، مُقَدَّسًا، نَافِعًا لِلسَّيِّدِ، مُسْتَعَدًّا لِكُلِّ عَمَل صَالِحٍ. أَمَّا الشَّهَوَاتُ الشَّبَابِيَّةُ فَاهْرُبْ مِنْهَا... وَالْمُبَاحَثَاتُ الْغَبِيَّةُ وَالسَّخِيفَةُ اجْتَنِبْهَا، عَالِمًا أَنَّهَا تُوَلِّدُ خُصُومَاتٍ، وَعَبْدُ الرَّبِّ لاَ يَجِبُ أَنْ يُخَاصِمَ» (٢تيموثاوس٢: ٢٠-٢٤). فالهرب من الشر من شيَّم الأبطال!! تذكَّر يوسف وقصته الرائعة. لذا حري بنا أن نتذكر تحريضات الكتاب «اُهْرُبُوا مِنَ الزِّنَا. كُلُّ خَطِيَّةٍ يَفْعَلُهَا الإِنْسَانُ هِيَ خَارِجَةٌ عَنِ الْجَسَدِ، لكِنَّ الَّذِي يَزْنِي يُخْطِئُ إِلَى جَسَدِهِ» (١كورنثوس٦: ١٨). «لِذلِكَ يَا أَحِبَّائِي اهْرُبُوا مِنْ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ» (١كورنثوس١٠: ١٤).
ولأن الرب يريد لنا أسمى حياة فهو يحرضنا «امْتَنِعُوا عَنْ كُلِّ شِبْهِ شَرّ (كل ما فيه شبهة شر)» (١تسالونيكي٥: ٢٢).
والسبيل للبعد عن الشر «فِي مَخَافَةِ الرَّبِّ الْحَيَدَانُ عَنِ الشَّرِّ» (أمثال١٦: ٦). فلأن يوسف كان يعمل حسابًا لله اكتسب القوة على الهرب من الشر. كذلك باقي الآيتين المقتبستين من رسالتي تيموثاوس تضيفان «وَاتْبَعِ الْبِرَّ وَالتَّقْوَى وَالإِيمَانَ وَالْمَحَبَّةَ وَالصَّبْرَ وَالْوَدَاعَةَ»، «وَاتْبَعِ الْبِرَّ وَالإِيمَانَ وَالْمَحَبَّةَ وَالسَّلاَمَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ الرَّبَّ مِنْ قَلْبٍ نَقِيٍّ». فممارسة مثل هذه الأمور في جو من الشركة مع أفاضل يتقون الرب يكسبنا مقاومة عالية للشر.
وبناء على ما سبق لا يمكنني الختام قبل أن أسجِّل اعتراضي على الجزء الثاني من المثل“وغنيله”!! فالكتاب يعلمنا أن ندين الشر لا أن نتوافق معه بأي شكل أو نتقبله.
صديقي.. ابعد عن الشر.. ولا تغني!!