يري الأب قيصريوس أسقف Arles
[إننا نؤمن وندرك أن هذه الأمور كلها قد تحققت فينا أيها الإخوة خلال سرّ المعمودية. أرضنا هي جسدنا، فتذهب بلياقة من أرضنا بتركنا عاداتنا الجسدية وتبعيتنا للمسيح. أفلا يُحسب الإنسان أنه قد ترك أرضه أي ذاته متى صار متضعًا بعد الكبرياء، وصبورًا بعد أن كان سريع الانفعال، وبتركه الانحلال ودخوله إلى العفة، وانطلاقه من الطمع إلى السخاء، ومن الجسد إلى الحنو، ومن القساوة إلى اللطف؟ حقًا أيها الإخوة من يتغير هكذا خلال حبه لله يكون قد ترك أرضه... أرضنا أي جسدنا قبل المعمودية تحسب أرض الأموات، لكنها بالمعمودية صارت أرض الأحياء، هذه التي أشار إليها المرتل، قائلًا: "أمنت أن أرى جود الرب في أرض الأحياء" (مز 27: 13). بالمعمودية نصير أرض الأحياء لا الأموات، أي أرض الفضائل لا الرذائل... يقول الرب:" (وتعالَ) إلى الأرض التي أريك"، فنأتي بفرح إلى الأرض التي يرينا الله إياها، إن كنا بمعونته نطرد الخطايا والرذائل من أرضنا، أي جسدنا. "اذهب من عشيرتك"، هنا تفهم العشيرة بكونها الرذائل والخطايا التي وُلدت جزئيًا بطريقة ما معنا وتزايدت وانتعشت بعد الطفولة خلال عاداتنا الشريرة. إننا نترك عشيرتنا إن كنا خلال نعمة المعمودية نتفرغ من الخطايا والرذائل... ولا نعود كالكلب إلى قيئه. "اذهب من بيت أبيك"، لنقبل هذه العبارة بمفهوم روحي أيها الإخوة الأعزاء، فقد كان الشيطان أبانا قبل نعمة المسيح، عنه يتحدث الرب في الإنجيل عندما وبخ اليهود قائلًا: "أنتم من أب هو إبليس وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا" (يو 8: 44)... لذلك يليق بنا أيها الإخوة أن نتأهل لنوال هذه الأمور خلال نعمة المعمودية وليس بقوتنا، فنترك أرضنا أي (شهوات) جسدنا، وعشيرتنا أي الرذائل والخطايا (العادات)، ونهرب من بيت الشيطان أبينا. لنبذل كل الجهد بمعونته لكي لا نعود إلى مصاحبة الشيطان أو مصادقته... بل بالأحرى نتمثل بإيمان إبراهيم ونعمل الأعمال الصالحة على الدوام لا لننال الغفران فحسب وإنما لندخل مع الله في صداقة ومصاحبة. لنتأمل بخوف عظيم ومهابة ما قال الرب لموسى في هذا الشأن... "احترز من أن تقطع عهدًا مع سكان الأرض التي أنت آت إليها لئلا يصيروا فخًا في وسطك" (خر 34: 12). الآن نؤمن أننا بنعمة المعمودية ننزع عنا كل الخطايا والمعاصي، فإن عدنا وقطعنا معها عهدًا تصير لنا فخًا].