رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
قداسة البابا شنوده الثالث الله الخالق ما أعجب عملية الخلق! إنها في مستوى فوق العقل. نقترب إليه عن طريق الإيمان والوحي. فالخالق غير الصانع. الصانع يصنع أشياء من مادة موجودة. أما الخالق فيخلق من العدم، ينشئ شيئًا من لا شيء!! والعجيب أن الله أوجد كل شيء من لا شيء. وليست الأمور المادية فقط، وإنما الأرواح أيضًا.. كما أننا نرى في خلقه للكل آيات من القدرة والحكمة والفن والنظام والجمال. بل التواضع أيضًا. لأنه من تواضع الله، أنه لم يشأ أن يكون الوجود له وحده، فأوجد كائنات أخرى، منحها الوجود لتكون معه... أما سبب خلقه لكل الكائنات، فهو جوده وكرمه ومحبته. إنه لم يكن محتاجًا إلى هذا الكون. بل الكون هو المحتاج إليه. كان الله مكتفيًا بذاته، تمجده صفاته، وتمجده طبيعته السامية التي لا تحد. ثم مرت على ذلك ما لا يُعد من السنين، بل لم تكن هناك مقاييس للسنين بعد. ثم في وقت لا نعرفه بدأ الله عملية الخلق، فخلق السموات والأرض. ومع خلقه للطبيعة الجامدة، منح بعض مخلوقاته نعمة الحياة. منح الحياة للنبات والحيوان والإنسان. ومن قبل ذلك للملائكة. ومن محبته منح للإنسان روحًا خالدة، وكذلك الملائكة. ومنح للحيوان نفسًا تنتهي بموته. وهكذا جعل الحياة على درجات ومستويات تتنوع بين النبات والحيوان والإنسان، والملائكة... خلق الله كل مستويات الخليقة، حتى ما يبدو ضئيلًا منها... خلق العاقل وغير العاقل. خلق الحي والجماد. خلق الفيل الضخم، كما خلق النملة الضئيلة، والدودة التي تسعى تحت حجر. خلق الأسود القوى الشجاع، كما خلق الأرنب الضعيف الخائف. خلق القرد كما خلق الغزال. خلق الجبل العالي، والوادي السحيق. خلق الحرّ والبرد، النور والظلام. الكل صنعة يديه. وكانت لله حكمة في خلقه العالم بهذا التنوع... تصوروا لو كان العالم كله طبيعة واحدة وشكلا واحدًا، كيف كان يمكن أن تعيش؟! ومن العجيب في قدرة الله في الخلق، العدد الهائل لمخلوقاته. ملايين الملايين من المخلوقات، تتكرر كل جيل، وبعضها يتكرر كل سنة أو عدة سنوات. وبعضها لا يُحصى مثل رمل البحر، ومثل نجوم السماء، وما في السماء من كواكب ومن مجرات وشهب... ونحن نعرف الظاهر فقط من مخلوقات الله، ولا نعرف الخفي منه. أو نبذل الجهد لكي نعرف ما خفي منها. فنحن مثلًا لا نعرف كل ما في باطن الأرض من أسرار. ولكن نبذل الجهد بحفريات كثيرة، لنعرف منابع الماء التي تحت الأرض، ومصادر البترول التي في جوف الأرض، وما تلفظه البراكين من باطن الأرض. كذلك بالتنقيب يمكن أن نتعرف على ما في جوف الجبال من ذهب وأحجار كريمة ومعادن وغير ذلك... أضف إلى ذلك ما في أعماق البحار، وما يمكن أن تكشفه دراسات علوم الفضاء. فما الذي نعرفه عن هذا الكون الواسع العجيب...؟! والعجيب أيضًا أن الله قد خلق العالم في نظام عجيب... يكفى أن ننظر مثلًا إلى الفلك، والروابط التي تربط الأجرام السمائية بقوانين تحفظها قائمة في مكانها، وتدور حول بعضها البعض في نظام ثابت، يدل على أن الذي نظّم هذه القوانين الفلكية هو -كما يسميه الفلاسفة- مهندس عظيم God the Geometer. إلى جوار هذا ما وضعه من نظام للأجواء من جهة الحر والبرد، والرياح والأمطار، والرطوبة والجفاف، والظلمة والنور... وكالنظام والتناسق في فلك السماء وأجواء الأرض، هكذا أيضًا في جسم الإنسان، حتى يسمون الإنسان العالَم الصغير Micro Kosmos. فالمتأمل في تكوين أجهزة الإنسان وعلم وظائف الأعضاء، يرى عجبًا يدل على قدرة الخالق سواء في المخ ومراكزه وعمله وما يصدر عنه من أوامر لباقي أعضاء الجسد... أو القلب أو الكبد، وعمل كل منهما، وعمل الجهاز الدوري في الجسم، وعمل الأعصاب، وفصائل الدم.. إلخ. بل إن عجب خلق الله يظهر عميقًا في بصمات أصابع الإنسان. هذه التي تدل على كل فرد، وتميزه عن غيره. وهنا نقف في ذهول أمام مئات الملايين من بصمات الأصابع التي لا تتشابه أبدًا. أيّ مهندس أو رسام -مهما كانت براعته- يستطيع أن يرسم أشكالًا متنوعة من بصمات الأصابع مثلما صنع الله الخالق؟! هل نضم إلى هذه بصمات الصوت أيضًا؟ بحيث يكلمك إنسان تليفونيًا من آلاف الأميال، فتميز صوته وتتعرف عليه!! وهل نضيف إلى كل هذا، ما خلقه الله من ملامح عديدة مميزة لملايين وعشرات الملايين من البشر... وماذا نقول عن خلق الله للملائكة وقوتهم وإمكانياتهم العجيبة... بحيث يمكن أن ينزل الملاك من السماء إلى الأرض في لمح البصر، ويفعل ما يعهد به الله إليه من عمل أيًا كان بقدرة عجيبة. وماذا نقول أيضًا عن روح الإنسان، الروح العاقلة الناطقة، ومدى صلتها بالجسد، وكيف تفارقه بالموت، وكيف تعود إليه بالقيامة أليس في هذا كله عجب أي عجب..! ثم لننزل إلى بعض المخلوقات البسيطة كالنحلة والنملة. هنا نرى عجب الخالق العظيم في أن يمنح النحلة حكمة التدبير في نظامها وحكمة الإنتاج للشهد وغذاء الملكات، كل ذلك من رحيق الأزهار. ويمكنها بدقة عجيبة أن تحفظه في خلايا دقيقة أيضًا... هكذا النملة أيضًا في نظام حياتها النشيط الذي لا يهدأ، وفي تعاون أفرادها، ودقة اتصال بعضهم ببعض، وطريقة تخزين طعامهم. إن عجائب الله في خليقته لا تحصى، لا تكفيها مقالة أو مقالات... |
|