21 - 10 - 2022, 04:59 PM
|
|
|
† Admin Woman †
|
|
|
|
|
|
نحميا 9 - تفسير سفر نحميا
صوم وتوبة وتسبيح لله
الأصحاح التاسع لكل من أسفار عزرا ونحميا ودانيال مخصص للاعتراف بخطايا جماعية على مستوى الأمة كلها مع صلوات لطلب نعمة الله.
يليق بشعب الله كما بكل عضوٍ في كنيسة السيد المسيح الرجوع إلى التاريخ لتذكر معاملات الله مع مؤمنيه (تث 26: 5-9؛ يش 24: 1-3). عبر التاريخ نتذكر بركات الرب ووعوده (6-15؛ مز 105)، كما نذكر بالأسف تمردنا وأخطاءنا (16؛ مز 106).
خلال تذكر معاملات الله عبر التاريخ اقتنع الشعب بضرورة التوبة والاعتراف، وأدركوا أنهم شعب له هدف مقدس، مكرس لحساب ملكوت الله [2].
مرة أخرى قرأوا في الشريعة [3]، حيث تكشف عن عطايا الله ووعوده. لقد اعترفوا بخطاياهم، وعبدوا الله وسبحوه [3-5].
قادهم عزرا إلى الصلاة الكاملة، إذ ركز أذهانهم على الله الخالق [6]، الذي أقام عهدًا مع إبراهيم ونسله [7-8]. كان الخروج إعدادًا لتسليم الشريعة في سيناء [13-14]. لكن الشعب رفض التدابير الإلهية حتى حاولوا العودة إلى مصر (16-17؛ عد 13: 4). ومع هذا فقد غفر لهم تمردهم وعبادتهم للأوثان [18-19]، واستمر يعلمهم بروحه في موسى وغيره (20؛ عدد 11: 16-17؛ إش 63: 10-11). أخيرًا جاء بهم إلى أرض الموعد بكل خيراتها [21-25].
أظهرت الصلاة أيضًا مغفرة الله؛ هذا لن يتحقق إلا كاستجابة للصرخة نحو التمتع بالمراحم الإلهية. تحمل هذه الصرخة رغبة صادقة للتوبة، أي الرجوع إلى الله. وقد أظهر عزرا وشعبه هذا الأمر. أما ما يربط الأجيال ببعضها البعض فهو الميثاق [8، 32] الذي يقدمه الله نفسه. فما أن يُقام الميثاق حتى تتحقق العلاقة الدائمة بين الله والشعب. لكن يلتزم الإنسان أن يثبت هذا العهد ويجدده من وقتٍ إلى آخر، لأن الله أمين في وعوده، أما الإنسان فسرعان ما ينسى ما تعهد به. هكذا يليق تثبيت العهد، لا على مستوى الشخص فقط، بل وعلى مستوى الجماعة أيضًا. هذا هو عمل الكنيسة الدائم: تجديد العهد الذي كتبه الآب بدم ابنه على الصليب. يبقى هو أمينًا، وتلتزم الكنيسة أن تحث أبناءها على الأمانة في تحقيق العهد.
بعد فتره فاصلة قصيرة من العيد جاء يوم المذلة العظيم. اعتزل الشعب تمامًا كل ما هو ليس في العهد، وأسلموا أنفسهم للاعتراف بتواضع أمام الله. تمموا هذا كله تحت قيادة اللاويين.
عرض هذا الأصحاح صلاة رائعة قدموها بهذه المناسبة، أُعدت خصيصًا من أجلهم، واستخدمها الجميع.
1. توبة ورجوع إلى الله
وَفِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ،
اجْتَمَعَ بَنُو إِسْرَائِيلَ بِالصَّوْمِ،
وَعَلَيْهِمْ مُسُوحٌ وَتُرَابٌ. [1]
يرى البعض أن النص هنا يشير إلى يومٍ للتوبة. كان عيد الأبواق في اليوم الأول من هذا الشهر، وعيد المظال يبدأ في اليوم الرابع عشر، ويستمر لمدة سبعة أيام حيث ينتهي في اليوم الثاني والعشرين. وفي اليوم الثالث والعشرين اعتزلوا نساءهم غير الشرعيات والأولاد الذين منهن، وفي الرابع والعشرين قدسوا يومًا للصوم والاعتراف بالخطايا مع قراءة الشريعة، وختموه بتجديد العهود.
يُنظر إلى شهر تشري على وجه الخصوص أنه شهر الصوم (زك 7: 5).
"المسوح": عبارة عن ثياب من جلد الماعز، تغطي الأجزاء العارية من الحقوين أثناء وقت الحزن والندامة.
وضع التراب على الرأس كان علامة على الحزن، أُشير إليه في (يش 7: 6؛ مرا 2: 10؛ عز 27: 30؛ 2 صم 13: 19؛ أي 2: 12).
* ثمين هو الصوم الطاهر أمام الله، وهو محفوظ ككنزٍ في السماء.
الصوم سلاح أمام الشرير، وترس نقابل به سهام العدو [1].
* يوجد من يصوم عن اللحم والخمر وبعض المأكولات، ويوجد من يصوم ليقيم سياجًا لفمه، فلا ينطق بكلمات شريرة.
ويوجد من يصوم عن الغضب، ويضبط شهوته فلا تغلبه.
ويوجد من يصوم عن المقتنيات، ليجرد نفسه من عبوديتها.
يوجد من يصوم عن النوم، فيكون ساهرًا في الصلاة...
يوجد من يصوم ليصير تائبًا، فيرضى ربّه بندامته.
ويوجد من يجمع هذا كله، ويجعل منه صومًا واحدًا...
من يصوم عن هذا كله ويجيز لنفسه واحدة منها في وقت من الأوقات لا يُحسب له صومه... من نذر على نفسه أن يصوم عن هذا كله وأخذ يحلل لنفسه الواحدة بعد الأخرى تكون خطيئته عظيمة .
* إن لم توجد نقاوة القلب لا يُقبل الصوم. تذكر أيها الحبيب أنه من الأفضل للإنسان أن ينقي قلبه ويحفظ لسانه ويحجم يديه عن الشر... إذ لا يليق بالإنسان أن يمزج العسل بالعلقم. فإن صام الإنسان عن الخبز والماء لا يمزج صومه بالتجاديف واللعنات. واحد هو باب بيتك الذي هو هيكل الله، فلا يليق أن يخرج منه الزبل والوحل في باب يدخل منه الملك.
حين يصوم الإنسان عن القبائح ويتناول جسد المسيح ودمه فلينتبه إلى ابن الملك الذي دخل في فمه، فلا يجوز لك أن تخرج من فمك كلمات نجسة .
وَانْفَصَلَ نَسْلُ إِسْرَائِيلَ مِنْ جَمِيعِ بَنِي الْغُرَبَاءِ،
وَوَقَفُوا وَاعْتَرَفُوا بِخَطَايَاهُمْ وَذُنُوبِ آبَائِهِمْ. [2]
العجيب أنهم إذ سمعوا الكتاب وفهموه دفعهم هذا لحياة الفرح بالرب، وإذ تمتعوا بالشركة المفرحة مع الرب صاروا لا يحتملون الخطية ولا يطيقونها، فلبسوا المسوح وصاموا، واعترفوا بخطاياهم وذنوب آبائهم.
قطعوا كل شركة مع العالم الشرير، بعد أن حطم زواجهم بالغرباء الوثنيين علاقتهم مع الله. فرحهم بالرب الذي أشبعهم جعلهم يرفضون الشر والنجاسة، ولا يريدون بعد أن يشاكلوا أهل العالم.
كان اليهود يقدمون اعترافًا بخطاياهم على المستوى الشخصي أمام الكاهن مع تقديم ذبائح خطية عنها، وأيضًا على مستوى جماعي مع تقديم ذبائح أيضًا عنها.
قضى الشعب حوالي ثلاث ساعات في الاستماع للأسفار الإلهية وتفسيرها، وحوالي ثلاث ساعات في العبادة للرب (8: 3).
رأينا في عزرا (الأصحاح التاسع) الرؤساء يتقدمون إلى عزرا يشتكون أن شعب إسرائيل والكهنة واللاويين لم ينفصلوا عن شعوب الأراضي المحيطة وأن الزرع المقدس اختلط بشعوب الأراضي الوثنية. وكانت يد الرؤساء والولاة في هذه الخيانة أولًا. إذ سمع عزرا بهذا الأمر مزق ثيابه ورداءه ونتف شعر رأسه وذقنه وجلس متحيرًا. لقد سقط في هذا الخطأ القادة، وانحرف وراءهم الشعب.
كان الزواج من الأمم الوثنية يعتبر خيانة زوجية ضد الرب نفسه، لأن شعب كان يمثل العروس الملتزمة بالاتحاد معه خلال الحياة المقدسة.
نتف عزرا شعره، أما نحميا فخاصمهم ولعنهم وضرب منهم أناسًا ونتف شعورهم (نح 13: 25).
بدأ إصلاح هذا الموقف في عزرا 10: 3، حيث قطعوا عهدًا بالانفصال عن الوثنيات وأولادهن الذين رفضوا وصيه الله. لكن يبدو هنا أن الحديث خاص بأناسٍ آخرين كانوا متزوجين وثنيات ولم يكونوا قبلًا معروفين، أو أن الذين انفصلوا عنهن في أيام عزرا قبلوهن ثانية.
الآن يعترف الحاضرون أن هذه الخطية سقط فيها آباؤهم قبلًا، وبسببها تعرضوا للتأديب، ومع هذا لم يتعظوا مما حدث مع آبائهم بل أخطأوا في حق الله بتمثلهم بآبائهم المخطئين.
* داود أيضًا يقول في المزمور: "أعترف بخطيتي ولا أكتم إثمي، وأنت غفرت آثام قلبي" (راجع مز 32: 5). ها أنتم ترون أن من يعلن الخطية يتأهل لغفرانها. فإن الشيطان الذي يسبق فيشتكي لا يستطيع أن يتهمنا، إن كنا نتهم أنفسنا، فهذا يفيدنا في خلاصنا. أما إذا تأخرنا، فإن الشيطان يشتكي علينا، وهذه الشكوى تسلمنا للعقوبة .
* الشخص البار يعرف ضعفه... الحكيم يعرف ذلك، أما الجاهل فلا يفعل هذا. حقًا إن الحكيم يتحرك للتوبة بأخطائه، أما الجاهل فيجد فيها لذة. "البار يتهم نفسه، أما الشرير فيقدم أعذارًا. الإنسان البار يود أن يسبق متهمه في الاعتراف بخطيته، أما الشرير فيود أن يغطيها. واحد يسرع في البداية ليعلن عن أفعاله الشريرة، والآخر يحاول اتهام الآخرين بحديثه الثرثار لكي لا تفضح أفعاله الشريرة .
* من يعترف للرب يتحرر من عبوديته: "البار يتهم نفسه في بدء حديثه". ليس فقط هو حرّ، وإنما أيضًا بار. لأن البرّ في الحرية، والحرية في الاعتراف، وما أن يعترف الإنسان يُغفر له .
* لا تنطق بمديح نفسك، ولا تصارع ليفعل الآخرون هكذا.
لا تصغِ إلى حديثٍ غير لائق. حاول أن تغطي ما استطعت على مواهبك السامية. ومن جانب آخر، متى تورطت في خطية كن متهمًا لنفسك، ولا تنتظر حتى يقدم آخرون الاتهام ضدك. بهذا تكون مثل إنسانٍ بارٍ يتهم نفسه في بدء حديثه في المحكمة، أو مثل أيوب الذي لم يمتنع عن أن يعلن خطيته الشخصية أمام الكل في حضرة جموع الشعب في المدينة (أي 31: 34) .
* عندما ترتكب خطية لا تنظر حتى يتهمك إنسان آخر، إنما قبل أن تُتهم وتدخل محاكمة، يليق بك حسنًا أن تدين ما قد فعلته. عندئذ متى اتهمك آخر مؤخرًا، لا يكون الأمر خاص بالاعتراف، بل بإصلاح ما قدمته من اتهامٍ لنفسك... أخطأ بطرس خطية فاحشة بإنكاره للمسيح. لكنه أسرع وتذكر خطيته، وقبل أن يتهمه أحد أعلن عن خطأه وبكى بمرارة (مت 26: 69-75؛ مر 14: 66-72). بهذا غسل خطية جحوده .
* طوبى لمن يعرف أنه خاطي كما يفعل الرسول: "أنا الذي لست أهلًا لأن أُدعى رسولًا، لأني اضطهدت كنيسة الله" (1 كو 15: 9). إن كان الرسول يقدم اعترافًا كهذا، كم بالأكثر يليق بالخاطي؟
وَأَقَامُوا فِي مَكَانِهِمْ،
وَقَرَأُوا فِي سِفْرِ شَرِيعَةِ الرَّبِّ إِلَهِهِمْ رُبْعَ النَّهَارِ،
وَفِي الرُّبْعِ الآخَرِ كَانُوا يَحْمَدُونَ وَيَسْجُدُونَ لِلرَّبِّ إِلَهِهِمْ. [3]
كرسوا اليوم كله للرجوع إلى الله، فتوقفوا عن العمل اليومي، وقضوا ربع النهار في الاستماع لكلمة الله، والربع الآخر في التسبيح والسجود لله. لم يشتكِ منهم أحد بالملل بسبب طول مدة الاجتماع.
الاعتراف بالخطية بانسحاق قلب مع استمرارهم في قراءة الشريعة والاستماع إليها بعث فيهم روح الحمد والشكر لله. وكأن دموع الحزن على الخطية امتزجت بدموع الفرح بمراحم الله غافر الخطايا.
كلما اعترف الإنسان بخطيته وقدم توبة صادقة بانسحاق قلب، تهللت نفسه وابتهجت بنواله غفران خطاياه.
* من المفيد جدًا قراءة الكتاب المقدس، فإنها تجعل النفس حكيمة، وتوجّه الروح نحو السماء، وتحرّك الإنسان نحو الشكر، وتهلك الرغبة في الأمور الأرضية، وتدع أذهاننا تتمعن باستمرار في العالم الآخر.
* لا يمكن لمن أنعم عليه بفاعلية كلام الله أن يبقى هكذا في هذا الانحطاط الحاضر، بل بالأحرى يطلب له جناحين ينطلق بهما حالًا إلى الأرض العلوية، مكتشفًا نور الصالحات غير المحدودة [11].
* أعلم أنه مكتوب: "كثرة الكلام لا تخلو من معصية" (أم 10: 19). ليت كل كلامي يكون فقط في الكرازة بكلمتك، والتسبيح لك! عندئذ لا أهرب فقط من المعصية، مهما كانت كمية كلامي، بل وأنال مكافأة صالحة!
2. دعوة للتسبيح
وَوَقَفَ عَلَى دَرَجِ اللاَّوِيِّينَ يَشُوعُ وَبَانِي وَقَدْمِيئِيلُ وَشَبَنْيَا وَبُنِّي وَشَرَبْيَا وَبَانِي وَكَنَانِي،
وَصَرَخُوا بِصَوْتٍ عَظِيمٍ إِلَى الرَّبِّ إِلَهِهِمْ. [4]
الدرج هنا ربما الدرجات (السلالم) التي تؤدي إلى المنبر المذكور في 8: 4.
"صرخوا بصوتٍ عظيمٍ" إذ شعروا بثقل خطاياهم، استخدموا وسيلة غير عادية وهي الصراخ بصوتٍ عظيمٍ.
دعا اللاويون الشعب لتقديم التسبيح والحمد لله، وقد وقف الكل في حضرة الرب يطلبون بكل قلوبهم تكريس حياتهم له.
ويلاحظ في هذه التسبحة الآتي:
1. إدراكهم عظمة الله السرمدي الكلي الجلال (9: 5).
2. الله هو الخالق الوحيد، المهتم بكل الخليقة السماوية والأرضية (9: 6)، الذي "فيه يقوم الكل" (كو 1: 17)، "حامل كل الأشياء بكلمة قدرته بعد ما صنع بنفسه تطهيرًا لخطايانا جلس في يمين العظمة في الأعالي" (عب 1: 3). من أجلنا خلق العالم، ولأجلنا يعتني به، لذا يليق بنا أن نكرس أنفسنا لذاك الذي أوجدنا ويرعانا. من جانب آخر إن كان إلهنا هو ضابط الكل وحافظ المسكونة، فإنه قادر أن يحل كل مشاكلنا، ولا يقف أمامه شيء.
3. اختيار أبرام [7]: اختار أبرام لكنه يريد أن يقدم الميراث لنسله، وقد حقق وعده [8]. إنه يطلب كل أحدٍ ليدخل معه في الميثاق الجديد خلال الصليب.
4. رعاية لشعبه المُستعبد [9]، قادهم بنفسه مظللًا إياهم في النهار كسحابة تحميهم، وكعمود نور يضيء لهم الطريق(40). إنه يشعر بآلامنا، ويود أن يحررنا ويقودنا من عبودية إبليس ويدخل بنا إلى ميراثه السماوي، مرافقًا إيانا في برية هذا العالم.
في وسط البرية لم يعوزهم شيء، لم يحتاجوا طول الأربعين عامًا [21]. يهتم حتى بأقدامهم فلم تتورم في تجوالهم كل هذا الزمان. وكما يقول الرسول: "فيملأ إلهي كل احتياجكم بحسب غناه في المجد في المسيح يسوع" (في 4: 9).
مجد الله في ذاته
وَقَالَ اللاَّوِيُّونَ يَشُوعُ وَقَدْمِيئِيلُ وَبَانِي وَحَشَبْنِيَا وَشَرَبْيَا وَهُودِيَّا وَشَبَنْيَا وَفَتَحْيَا:
قُومُوا بَارِكُوا الرَّبَّ إِلَهَكُمْ مِنَ الأَزَلِ إِلَى الأَبَدِ.
وَلْيَتَبَارَكِ اسْمُ جَلاَلِكَ الْمُتَعَالِي عَلَى كُلِّ بَرَكَةٍ وَتَسْبِيحٍ. [5]
تكرار اسم اللاويين مرة أخرى جعل البعض يعتقدون بأنه تم اجتماع عام لكل الشعب، وبعد ذلك انقسم الجمع إلى ثماني مجموعات، كل مجموعة تحت قيادة لاوي. فعند قراءة الشريعة كان الكل معًا، وقام عزرا بالقراءة، وعند التسبيح تم توزيع الشعب على مجموعات.
إن كان الصوم يرتبط بالتوبة والاعتراف بالخطايا، فإنه يلزم أن يرتبط أيضًا بالتسبيح لله غافر الخطايا، وتمجيده على حنوه ومعاملاته معنا كما مع آبائنا.
ربما عندما صرخوا بصوت عظيم سقطوا على الأرض بانسحاق قلب، لذلك سألهم اللاويون أن يقوموا ليباركوا الرب ويسبحوه بروح التهليل والفرح.
استعرضوا في هذه التسبحة معاملات الله وفيض نعمته عليهم خلال الخلقة ومع الآباء، وفي مصر، وعبور البحر الأحمر، وفي البرية وسيناء، وفي غزو كنعان، وفي عصر القضاة، وخلال الأنبياء وأخيرًا في الوقت المعاصر.
يرى البعض أن اللاويين حثوا الشعب على القيام، حتى يسبحوا الرب بروح ملتهبة وقلب ناري، لأن التسبيح والإنسان جالس يحمل نوعًا من التهاون مادام ليس ما يلزمه بالجلوس لأسباب صحية.
* يليق بقلب المسيحي وفمه ألا يكفا عن التسبيح لله ، فلا يمجده في الفرج، ويتذمر عليه في الشدة.
القديس أغسطينوس
3. تسبحة جماعية
أَنْتَ هُوَ الرَّبُّ وَحْدَكَ.
أَنْتَ صَنَعْتَ السَّمَاوَاتِ وَسَمَاءَ السَّمَاوَاتِ وَكُلَّ جُنْدِهَا،
وَالأَرْضَ وَكُلَّ مَا عَلَيْهَا،
وَالْبِحَارَ وَكُلَّ مَا فِيهَا وَأَنْتَ تُحْيِيهَا كُلَّهَا.
وَجُنْدُ السَّمَاءِ لَكَ يَسْجُدُ. [6]
"جند السماء": يُقصد بهم الملائكة (1 مل 22: 19؛ مز 103: 20- 21؛ 148: 2). هكذا يبدأ التمجيد بالتوجه إلى الله الذي وحده هو الرب الساكن في وسط شعبه. إنه خالق السماوات وكل جنودها، والأرض وكل ما عليها. فتشترك الخليقة السماوية مع الأرضية في التسبيح له. كان الجميع يمثلون فرقة موسيقية متناغمة معًا، تقدم سيمفونية الحب لله في وحدة مفرحة ومبهجة.
يرى البعض أنه توجد سماء ثالثة كما جاء في 1 كو 12: 2. وأن العهد القديم يشير إلى ثلاثة أقسام للسماء: السماء التي تطير فيها الطيور، والسماء التي توجد فيها الكواكب، وأخيرًا السماء التي يوجد فيها عرش الله والتي تدعى سماء السماوات [13].
* أيها العالي غير المفحوص الجالس على المركبة، أعطني كلمتك لأكرز على الأرض كلها بأنك غير محدود.
أيها الخفي العالي عن العلويين الحاملين لك، ليتك تختارني، فأرتل لك بين الأرضيين المخلصين لك.
أيها الأزلي العارف بذاته وحده، كيف لا يخدمك لساني بالترنم بخيراتك؟
أيها المخوف الذي تخجل منه الشمس أن تنظر إليه، فلينظر فيك العقل، ويتحرك بعظمة تمجيدك...
أيها المحمول من الكاروبيم، والذي لا يقدر الأرضيون أن يتكلموا عنه، تكلَّم فيَّ من أجل مراحمك التي فيك.
أيها العظيم فوق صفوف السمائيين، أرني دهشك غير المفحوص لأتكلم عنك...
أيها المبارك بحركات العجلة الناطقة، حرك أصواتي لتُخرج تمجيدك غنيًا...
الفم عاجز عن تمجيدك أيها الرب العلي؛ اصنع لي فمًا جديدًا يصلح للترتيل لك.
لتنطق فيَّ الشفة المختارة التي وعدت بها في الأنبياء، فتنطق بقول مدهشٍ عن ألوهيتك، وذلك بالحب الذي هو المعلم، وكلي الحكمة...
العالم صغير، لا تكفيك الأماكن؛ أين يمضي لكي يطلبك...؟
أنت قريب لِمَنْ يطلب أن يلتصق بك...
4. وعد مع إبراهيم
أَنْتَ هُوَ الرَّبُّ الإِلَهُ الَّذِي اخْتَرْتَ أَبْرَامَ،
وَأَخْرَجْتَهُ مِنْ أُورِ الْكِلْدَانِيِّينَ،
وَجَعَلْتَ اسْمَهُ إِبْرَاهِيمَ. [7]
غيرّ الله اسم "أبرام" وتعني "الأب الممجد" إلى "إبراهيم" أي "أب الجموع" (تك 17: 4-5).
في التسبيح لله نحسب معاملاته مع كل البشرية كأنها معاملات مع الكنيسة الحاضرة، بل ومع كل عضوٍ فيها. بدأوا هنا بإبراهيم الذي يعتزون به كأبٍ روحيٍ، أب جميع المؤمنين. إن كان الله قد غيّر اسمه، فعوض كونه أبًا فحسب، صار أبًا للجميع، أي اتسع قلبه للجموع، هكذا يتقدم كل مؤمنٍ لله كي يهبه ما وهب أبيه إبراهيم، نوعًا من الحب الذي يحتضن إن أمكن البشرية كلها. بهذا يتأهل المؤمن للتمتع ببركات العهد الجديد في استحقاقات دم المسيح.
* لم يكن ممكنًا عندما كان لا يزال "أبرام" يحمل اسم ميلاده الجسدي أن يتقبل عهد الله وعلامة الختان. لكنه عند ترك بلده وأقرباءه تجاوب مع قرابة أكثر قدسية سُلمت إليه في ذلك الحين. أولًا قال له الله: "لا يُدعى اسمك بعد أبرام، بل يكون اسمك إبراهيم" (تك 17:5). عندئذ للحال تقبل الميثاق مع الله وقبل الختان كعلامة للإيمان، الأمر الذي لم يستطع أن يناله حين كان لا يزال في بيت أبيه، وفي علاقة جسدية، وكان يُدعى أبرام .
* غيّر الله اسم إبراهيم، مضيفًا إليه حرفًا واحدًا، فعوض أبرام صار يُدعى إبراهيم. أي بدلًا من كونه أبًا بلا نفع -هكذا هو تفسير اسمه- دُعي أبًا ساميًا (لكثيرين)، أبًا مختارًا .
وَوَجَدْتَ قَلْبَهُ أَمِينًا أَمَامَكَ،
وَقَطَعْتَ مَعَهُ الْعَهْدَ أَنْ تُعْطِيَهُ أَرْضَ الْكَنْعَانِيِّينَ وَالْحِثِّيِّينَ،
وَالأَمُورِيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ وَالْجِرْجَاشِيِّينَ،
وَتُعْطِيَهَا لِنَسْلِهِ.
وَقَدْ أَنْجَزْتَ وَعْدَكَ،
لأَنَّكَ صَادِقٌ. [8]
"أمينًا": نادرًا ما تُستخدم عن أفراد، مثل موسى (عد 12: 7).
كان إبراهيم أمينًا في إيمانه بأن الله يهبه ابنًا (تك 19: 6)، وفي رغبته الجادة لتقديم ابنه ذبيحة (تك 22).
"لأنك صادق": تشير هنا إلى قداسة الله وأمانته بالرغم من عدم استحقاقنا (إش 6: 1-5؛ لو 5: 8).
الله الأمين في مواعيده، يود أن يسكب روح الأمانة في مؤمنيه، فيسمع المؤمن الصوت الإلهي يباركه: "كنت أمينًا في القليل، أقيمك على الكثير".
5. خروج بني إسرائيل
وَرَأَيْتَ ذُلَّ آبَائِنَا فِي مِصْرَ،
وَسَمِعْتَ صُرَاخَهُمْ عِنْدَ بَحْرِ سُوفٍ [9]
سمح الله لآبائهم بمذلة العبودية في أرض مصر، ليصرخوا إلى الله القادر وحده أن يسمع أنات القلب وصرخاته الخفية، ويقدم لهم خلاصًا عجيبًا!
قيل: "فقال الرب إني رأيت مذلة شعبي الذي في مصر، وسمعت صراخهم من أجل مسخريهم. إني علمت أوجاعهم. فنزلت لأنقذهم من أيدي المصريين، وأصعدهم من تلك الأرض إلى أرض جيدة وواسعة" (خر 3: 7-8).
شتان بين صراخ سدوم وعمورة وصراخ بني إسرائيل، فقد قيل عن الأولين: "وقال الرب إن صراخ سدوم وعمورة قد كثر، وخطيتهم قد عظمت جدًا" (تك 18: 20).
* الصراخ هنا ليس كصراخ أهل سدوم، الذي يعني الشر بلا خوف ولا خجل .
وَأَظْهَرْتَ آيَاتٍ وَعَجَائِبَ عَلَى فِرْعَوْنَ،
وَعَلَى جَمِيعِ عَبِيدِهِ،
وَعَلَى كُلِّ شَعْبِ أَرْضِهِ،
لأَنَّكَ عَلِمْتَ أَنَّهُمْ بَغُوا عَلَيْهِمْ،
وَعَمِلْتَ لِنَفْسِكَ اسْمًا كَهَذَا الْيَوْمِ. [10]
الآيات والعجائب هنا تخص أحداث الخروج، خاصة الضربات العشر (خر 7: 3؛ تث 4: 34؛ 6: 22؛ 7: 19).
إن كان الله قد سمح لهم بمذلة العبودية لفرعون، فقد كان قادرًا في لحظة أن يخلصهم منها، لكنه سمح بالضربات العشر لأجل فرعون ورجاله، لعلهم يدركون خطأهم ويقدمون توبة. أعلن الله طول أناته على الأشرار حتى التزم فرعون أن يعترف أن الله بار وأنه هو ورجاله قد أخطأوا في حق الله! بحكمة عجيبة، في طول أناة مع محبة للبشرية يخطط الله لصالح البشرية.
إن كان قد أطال الله أناته على فرعون المستبد الطاغية، فكم بالأكثر يطيل أناته على شعبه، حتى يرجعوا إليه بالتوبة.
* اعتدنا أن نغني بالتسبحة: "الله أمين بلا خداع!" لهذا يلزمنا أن نؤمن دون شك بخصوص فرعون أنه قد صار قاسيًا من أجل طول أناة الله وليس من أجل قوته. هذه الحقيقة نعرفها بوضوح مما قاله عندما عوقب، معترفًا أن العدالة ألزمته بالقول: "الرب هو البار، وأنا وشعبي الأشرار" (خر 9: 27). بأية مشاعر يشتكي المسيحي أن الله ظالم، إن كان الملك الشرير يقول إنه البار؟
6. عبور بحر سوف
وَفَلَقْتَ الْيَمَّ أَمَامَهُمْ،
وَعَبَرُوا فِي وَسَطِ الْبَحْرِ عَلَى الْيَابِسَةِ،
وَطَرَحْتَ مُطَارِدِيهِمْ فِي الأَعْمَاقِ كَحَجَرٍ فِي مِيَاهٍ قَوِيَّةٍ. [11]
حوّل الله البحر الذي كان يقف عائقًا أمامهم، للهروب من وجه فرعون إلى أداة لخلاصهم، إذ شقه، وجعل من المياه سورًا عن يمينهم ويسارهم يصد أمواجه وتياراته العنيفة. أما مطاردوهم فهلكوا في ذات البحر الذي عبروا في وسطه شعبه. إنه يحرك الطبيعة لحساب مؤمنيه، أحيانًا على خلاف قوانينها.
يقول المرتل: "شقَّ البحر فعبَّرهم، ونصب المياه كندٍ" (مز 78: 13). ويقول الرسول: "فإني لست أريد أيها الإخوة أن تجهلوا أن آباءنا جميعهم كانوا تحت السحابة، وجميعهم اجتازوا في البحر" (1 كو 10: 1). "بالإيمان اجتازوا في البحر الأحمر كما في اليابسة، الأمر الذي لما شرع فيه المصريون غرقوا" (عب 11: 29). ويقول إشعياء النبي: "هكذا يقول الرب الجاعل في البحر طريقًا، وفي المياه القوية مسلكًا. المخرج المركبة والفرس الجيش والعز، يضطجعون معًا، لا يقومون. قد خمدوا. كفتيلة انطفأوا" (إش 43: 16-17).
كما خلصهم من عبودية فرعون، هكذا حررهم من السبي البابلي، وكلاهما تهيئة للحرية التي تمتعنا بها حيث عبر بنا المخلص من العبودية لإبليس إلى حرية مجد أولاد الله.
* لقد أعاق عجلات مركباتهم حتى لا يستطيعوا أن يتعقبوا الشعب أو يهربوا من البحر. لكنهم لم يخافوا الرب الذي ظهر لهم، ولا ارتدعوا بواسطة عجلاتهم المعوقة. في جسارة ساقوا مركباتهم بكل عنفٍ .
القديس مار أفرام السرياني * شعب الله هذا وقد تحرر من مصر العظيمة المتسعة، قيد كما خلال البحر الأحمر، أي في المعمودية، لتقضي على أعدائهم. فإنه بالسّر الذي كما بالبحر الأحمر، أي بالمعمودية، تقدسوا بدم المسيح، بينما هلك المصريون الذين اقتفوا أثارهم، أي الخطايا .
7. رعاية في البرية
يركز هنا على القلب الذي يتشدد ويتقوى بالتأمل في المجد الإلهي، والنعمة الإلهية الدائمة، وبهذا يصرخ في الداخل طالبًا العون الإلهي.
وَهَدَيْتَهُمْ بِعَمُودِ سَحَابٍ نَهَارًا،
وَبِعَمُودِ نَارٍ لَيْلًا لِتُضِيءَ لَهُمْ فِي الطَّرِيقِ الَّتِي يَسِيرُونَ فِيهَا. [12]
"وهديتم بعمود سحاب" (خر 13: 21-22؛ عد 14: 14؛ تث 1: 33).
لم يقف أمر خلاصهم عند عبورهم البحر الأحمر وهلاك فرعون، لكنه رافقهم كل الطريق يهديهم بعمود سحاب في النهار يظللهم من الحر، وعمود نور بالليل يبدد الظلمة، ويكشف لهم الطريق.
الله في محبته يود أن يرافق مؤمنيه نهارًا وليلًا، يقودهم ويرشدهم، حتى يدخل بهم إلى كنعان السماوية.
8. تسليم الشريعة
وَنَزَلْتَ عَلَى جَبَلِ سِينَاءَ وَكَلَّمْتَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ،
وَأَعْطَيْتَهُمْ أَحْكَامًا مُسْتَقِيمَةً،
وَشَرَائِعَ صَادِقَةً فَرَائِضَ وَوَصَايَا صَالِحَةً. [13]
في وسط البرية وهبهم شريعته، سلمها لموسى النبي لكيما يَتَشَكَّل الشعب بما يليق به كعروسٍ سماويةٍ، تحمل سمات عريسها. حقًا كانت الوصية بالنسبة لهم صعبة، لكنها كشفت أخطاءهم وهيأتهم أو قادتهم إلى المسيح المخلص الذي يعطي للوصية عذوبة فائقة، ويهبنا بَّره. "لأن غاية الناموس هي المسيح للبّر لكل من يؤمن" (رو 10: 4).
* إشراق مجيء المسيح بإنارة ناموس موسى ببهاء الحق يرفع البرقع الذي يُغطّي حرف الناموس ويُغلق عليه، وذلك لكل من يؤمن به ويخفي في داخله هذه الأمور الصالحة .
العلامة أوريجينوس
يحدثنا القديس مار يعقوب السروجي عن الناموس أنه يقي البشر من المضرات.
* وضع الناموس وأعطى الوصية ليقيهم من المضرات بالفرائض.
وعندما تحفظ الحرية ذاتها بالبرّ، يرفع الترابَ إلى قمة العلو، لأنه قد تبرر.
ولهذا أنزل موسى اللوحين من جبل سيناء، ليحيا العالم بالناموس الروحي.
وبما أن حياة البشر هي عزيزة عليه، فقد علّمهم كيف يحيون ببرٍّ.
وإذ أحبهم كثيرًا أرسل ابنه، ليقيمهم من السقوط الذي كانوا فيه.
* إن الناموس النيَّر الذي نزل من جبل سيناء لطرد ظلام الوثنية من الخليقة، كان ينتهز كل الوسائل ليبرهن أن للعالم خالقًا... الشعب المثقف كان ماسكًا الناموس كضوءٍ.
ويقارن القديس مار يعقوب السروجي بين تسليم الشريعة لبنت يعقوب خلال موسى النبي على جبل سيناء ونزول كلمة الله نفسه لتتمتع به بنت الشعوب.
* تلك احتقرت ذلك العزيز في ذلك البهاء، وهذه الطاهرة تبعت الابن بالجهالة. لم ينزل عندها بواسطة الملائكة، كما (نزل) على سيناء، ولم يرتل لها بأبواق السماويين.
ولا بالنواميس، ولا بالضباب، ولا بالغيوم، ولا باللهيب، ولا ببروق اللهيب.
ولا بتدخين البيت حيث حلّ، إنما نزل ابن العزيز على الأرض بالتواضع.
ظهر للإنسانية بالأقماط، والجوع، والعطش، والنوم، والتعب، والحاجة.
وهو يُجرب من قبل الشيطان في البرية الخربة، ويُسمى رئيس الشياطين من قبل غير المؤمنين.
وتهبّ عليه أمواج الشكوك من كل الجهات، ويُذم لأنه كان يأكل مع الخطاة.
وهم يصرخون به، لأنه كان يختلط مع العشارين، ويطالبونه بأن يدفع الجزية للملك.
ولم يكن له موضع ليسند إليه رأسه، ولم يكن يُزيح إلا على عفو عار فقط.
وهو متمنطق بإزار على حقويه مثل عبد، ويغسل أرجل التراب التي جبلتها يداه.
وهو يُباع مِن قِبَل أصحاب الدار الذين كانوا يرافقونه، ويكفر به الأمناء الذين يتبعونه.
وهو يُسْاَل مِنْ قبل الحاكم مثل الجاني، ويُجلد بالسياط مثل المذنب.
وهو يحتضن العمود في المحكمة، ويشرب العذابات، وهو لابس ثياب العار من قبل المجانين.
لما ضفر الدنسون إكليل الأشواك على رأسه، ولما كان يُلطم ويُسأل: من ضربك؟
ولما كان يحمل على كتفه خشبة الصليب ويخرج، ويداه ورجلاه مسمرة من قبل الضالين.
ولما كان يُقترع على ثيابه لمن ستكون، ولما قُدمت له المرارة والخل على الإسفنجة.
ولما جُرح جنبه بالرمح بدون شفقة، ولما كان يُحنط ويُلفّ ويُقبر، مبارك ذكاؤها.
9. اهتمامه باحتياجاتهم
وَعَرَّفْتَهُمْ سَبْتَكَ الْمُقَدَّسَ،
وَأَمَرْتَهُمْ بِوَصَايَا وَفَرَائِضَ وَشَرَائِعَ عَنْ يَدِ مُوسَى عَبْدِكَ. [14]
"سبتك المقدس" (خر 20: 8-11؛ 31: 13-17؛ تث 5: 15).
يبدو أن اليهود أهملوا حفظ يوم الرب في أرض السبي، وحتى بعد عودتهم إلى أورشليم لم يحفظوه.
بعد أن تحدث عن الشرائع والأحكام الإلهية بصفة عامة، يتحدث هنا عن وصية حفظ السبت بصفة خاصة، ويدعوها "سبتك المقدس". فإن كانت كلمة "سبت" تعني "راحة"، فإن الله يقدم وصيته لا ليصدر أوامر ونواهٍ، وإنما ليستريح فيهم، بكونه أبًا سماويًا يتمتع أولاده بسمة القداسة، فيسكن فيهم، ويستريحون هم فيه وبه، لأنه هو راحتهم وسلامهم وفرحهم ومجدهم.
* "استراح الله في اليوم السابع". كانت نبوة تنظر إلى المسيح وهو متعب جسميًا في الجمعة ليستريح من تعب الصليب يوم السبت. لما أعطوه ليشرب الخل على الصليب ذاق وقال: "قد أكمل"... ها قد كمل الآلام، قد كُمل درب الصليب... لم يبطل من عمل دربه (في اليوم السابع) عندما دخل عند الموتى. لأن السبت لا يبطل الأعمال... لم يبطل المسيح فيه من درب تفقده، لأنه صار كارزًا للنفوس المحبوسة في الجحيم... شعر به كل الموتى، وتعامل في تعليمه المليء حياة مع النفوس التي تمردت على تعليم نوح البار. صار المسيح جنينًا ليستقبله الأجنة (يوحنا المعمدان في بطن أمه)، وصار ميتًا ليستقبله الموتى... كانت أليصابات عاقرًا وكان الجحيم عاقرًا. من حضنين عاقرين استقبلاه آدم ويوحنا (المعمدان). آدم من الجحيم، ويوحنا من أليصابات.
ما صنعه ربنا بين الموتى في يوم السبت يفوق الوصف، ولا يستطيع اللسان أن يردده. فزع الجحيم أمامه يوم دخله، كما تفرغ المدينة أمام الملك الذي يدخل ليحرر من فيها. في نفس يوم السبت هذا لما استراح من آلام الصليب حيث كان دربه يسير في عمل الخلاص، لأن غاية مجيئه هي أن يدخل ويحل الأسرى من جب الهلاك...
لما سار وأتى من عند الآب إلى البتول، ومن البتول إلى المذود... وصُلب بين فاعلي شرور، واحتمل بإرادته كل ما تكلم عنه الأنبياء، فإنه جاز في هذه الأمور لأجل هذا العمل الذي أنجزه يوم السبت في الجحيم. (الرسالة الثالثة والعشرون)
* في السبت الحزين كان ابن الأحرار بين الموتى، وفي الأحد كان يُزيح (يُزف بموكبٍ) من قبل أفواج المستيقظين (السمائيين).
الجمعة بددت مصاف الرسل بالسيف، وهذا اليوم أبهج وجمع التلمذة.
البارحة كان الرسل مختبئين في الكمائن، واليوم خرجوا ليروا الانبعاث بعجب.
البارحة الهزيمة والتبعثر والاختفاء، واليوم الركض والتجمع والتبشير.
10. تمردهم
وَأَعْطَيْتَهُمْ خُبْزًا مِنَ السَّمَاءِ لِجُوعِهِمْ،
وَأَخْرَجْتَ لَهُمْ مَاءً مِنَ الصَّخْرَةِ لِعَطَشِهِمْ،
وَقُلْتَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوا وَيَرِثُوا الأَرْضَ الَّتِي رَفَعْتَ يَدَكَ أَنْ تُعْطِيَهُمْ إِيَّاهَا. [15]
يسمح الله لنا في طريق برية هذا العالم أن نجوع ونعطش، لنختبر عذوبة الشبع؛ فهو لا يتركنا في الطريق معتازين إلى شيءٍ. إنه هو شبعنا في هذا العالم والدهر الآتي.
"خبز من السماء" (خر 16: 4؛ 10-35؛ مز 78: 24؛ 105: 40، يو 6: 32،51، 58).
"ماء من الصخرة" (خر 17: 6؛ عد 20: 8؛ مز 105: 41).
* العطايا الإلهية لم تُلَيِّن عناد قلوبهم. أتريد أن أوضح لك هذا بأمثلة من جميع الأمم؟!
أية عطايا قُدِّمتْ لليهود (عند خروجهم من مصر)؟
ألم تقم المخلوقات المنظورة كلها بخدمتهم، وأُعطيتْ لهم وسائل جديدة وفريدة للحياة؟
فإنهم (في البرية) لم يكونوا يذهبون إلى سوق، إنما يأخذون ما يُشترَى بمال مجانًا، ولم يفلحوا أرضًا، ولا استخدموا محراثًا ولا مهَّدوا الأرض للزراعة، ولا ألقوا بذورًا، ولم يحتاجوا إلى أمطار ورياح أو فصول للسنة للزراعة، أو أشعة شمس أو شكل معين للقمر أو طقس معين، ولا شيء من هذا القبيل. إنهم لم يعدّوا الأرض لدرس الحنطة، ولا درسوا حنطة، ولا استخدموا مذراة لفصل الحنطة عن القش، ولا طاحونًا ولا فرنًا ولا أحضروا خشبًا أو نارًا في بيت. ولم يحتاجوا إلى أدوات للعجن... ولا أي نوع آخر من الأدوات الخاصة بالنسج والبناء وصنع الأحذية، بل كانت كلمة الله هي كل شيء بالنسبة لهم.
لقد كانت لهم مائدة لم تعدها يد بشرية، أُعدتْ بدون جهادٍ أو تعبٍ. لأنه هكذا كانت طبيعة المن، إنه جديد، وطازج، ولا يحملهم أية مشقة أو جهاد .
* صار المسيح كل شيء بالنسبة لكم: المائدة والملبس والمنزل والرأس والأصل. " فإنكم جميعا الذين اعتمدتم قد لبستم المسيح" (غل 27:3).
انظروا كيف صار ملبسكم؟ أتريدون أن تعرفوا كيف صار طعامكم؟ يقول المسيح: "كما أنا حيّ بالآب هكذا من يأكلني يحيا بي" (يو58:6)؟
وقد صار منزلكم: "من يأكل جسدي يثبت فيَّ وأنا فيه" (يو57:6).
ويظهر أنه هو أصلنا وأساسنا عندما يقول: "أنا هو الكرمة وأنتم الأغصان" (يو5:15)، لكي يظهر أنه أخوكم وصديقكم وعريسكم، يقول: "لا أعود أدعوكم عبيدًا، إذ أنتم أصدقائي" (يو15:15).
مرة أخرى يقول القديس بولس: "قد خطبتكم لرجل واحد، لأقدم عذراء عفيفة للمسيح" (2كو2:11). وأيضا "ليكون بكرا بين إخوة كثيرين" (رو29:8).
لم نصر فقط إخوته بل أولاده، إذ يقول: "هاأنذا والأولاد الذين أعطانيهم الله" (إش 18:8). لم نصر أولاده فقط بل وأعضاءه وجسده (اكو27:12).
إن كانت هذه الأمور التي أشرت إليها غير كافية لتبرهن على حبه ولطفه اللذين يظهرهما لنا، يقدم لنا شيئًا آخر أكثر تقربًا من هذه عندما يتحدث عن نفسه أنه رأسنا (أف 22:1-23) .
وَلَكِنَّهُمْ بَغُوا هُمْ وَآبَاؤُنَا،
وَصَلَّبُوا رِقَابَهُمْ،
وَلَمْ يَسْمَعُوا لِوَصَايَاكَ [16]
"صلبوا رقابهم" مجاز مأخوذ عن قيادة الثور العنيد الذي يقاوم من يقوده.
* غالبا ما كان الشعب الجاحد غير الأمين يحتقر موسى، وكاد أن يرجمه، ومع هذا فإنه باللطف وطول الأناة صلى إلى الرب لأجلهم (عد 14: 13) .
* كل خطية هي تعبير عن الاستخفاف بالناموس الإلهي، وتُدعى "علوًا يرتفع ضد معرفة الله" .
وَأَبُوا الاِسْتِمَاعَ،
وَلَمْ يَذْكُرُوا عَجَائِبَكَ الَّتِي صَنَعْتَ مَعَهُمْ،
وَصَلَّبُوا رِقَابَهُمْ.
وَعِنْدَ تَمَرُّدِهِمْ أَقَامُوا رَئِيسًا لِيَرْجِعُوا إِلَى عُبُودِيَّتِهِمْ.
وَأَنْتَ إِلَهٌ غَفُورٌ وَحَنَّانٌ وَرَحِيمٌ طَوِيلُ الرُّوحِ وَكَثِيرُ الرَّحْمَةِ فَلَمْ تَتْرُكْهُمْ. [17]
"أبوا الاستماع" (1 صم 8: 19؛ إر 11: 10).
"لم يذكروا عجائبك" (مز 6: 22).
"إله غفور" (مز 130: 4؛ دا 9: 9).
يا للعجب كثيرًا ما يفضل الإنسان العودة إلى العبودية لأخيه الإنسان العنيف الطاغية والعاجز عن التمتع بحرية مجد أولاد الله الصانع العجائب.
هنا يشير إلى ما ورد في عد 14. فقد تذمر كل الشعب على موسى وعلى هرون، وقالوا: "ليتنا مُتنا في أرض مصر، أو ليتنا مُتنا في هذا القفر. ولماذا أتى بنا الرب إلى هذه الأرض لنسقط بالسيف. تصير نساؤنا وأطفالنا غنيمة. أليس خيرًا لنا أن نرجع إلى مصر؟ فقال بعضهم لبعض، نقيم رئيسًا ونرجع إلى مصر" (عد 14: 2-4).
* أنا الخاطي على الدوام أحتاج دومًا إلى علاج.
* كلما قبلناه (بالتناول) نعلن موت الرب. بالموت نعلن غفران الخطايا. إن كان سفك الدم من أجل غفران الخطايا، فيليق بي دائمًا أن أقبله لكي يغفر دومًا خطاياي.
القديس أمبروسيوس
مَعَ أَنَّهُمْ عَمِلُوا لأَنْفُسِهِمْ عِجْلًا مَسْبُوكًا وَقَالُوا:
هَذَا إِلَهُكَ الَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ مِصْرَ،
وَعَمِلُوا إِهَانَةً عَظِيمَةً [18]
إذ تمردوا على الله مخلصهم، ونسوا عجائبه معهم، تمرغوا في الفساد، وفي خيانة خطيرة أقاموا لأنفسهم تمثال العجل (خر 32: 4-8؛ تث 9: 16) إلهًا لهم، وحسبوه مخلصهم من أرض مصر. بإرادتهم صلبوا رقابهم ضد الله مخلصهم، واحنوها للتمثال الذهبي، عجل أبيس يستعبدون أنفسهم له.
* الذي يتمرغ في حفر الوحل، ويغرق فيها، يسقط في شباك الخيانة. لأن الشعب جلس ليأكل ويشرب، وطلبوا أن تُصنع لهم آلهة [30].
11. مراحمه الكثيرة
أَنْتَ بِرَحْمَتِكَ الْكَثِيرَةِ لَمْ تَتْرُكْهُمْ فِي الْبَرِّيَّةِ،
وَلَمْ يَزُلْ عَنْهُمْ عَمُودُ السَّحَابِ نَهَارًا لِهِدَايَتِهِمْ فِي الطَّرِيقِ،
وَلاَ عَمُودُ النَّارِ لَيْلًا لِيُضِيءَ لَهُمْ فِي الطَّرِيقِ الَّتِي يَسِيرُونَ فِيهَا. [19]
كلمة "رحمة" تُنسب "للرحم" التي تحمل معنى المشاعر العميقة الحانية نحو من هم أعزاء علينا أو يحتاجون إلى مساندتنا [31].
الله في طول أناته احتمل عنادهم وتصرفاتهم غير اللائقة، فلم يحرمهم من عمود السحاب نهارًا وعمود النور ليلًا.
وَأَعْطَيْتَهُمْ رُوحَكَ الصَّالِحَ لِتَعْلِيمِهِمْ،
وَلَمْ تَمْنَعْ مَنَّكَ عَنْ أَفْوَاهِهِمْ،
وَأَعْطَيْتَهُمْ مَاءً لِعَطَشِهِمْ [20]
"روحك الصالح": لقد وهب الله السبعين شيخًا الروح نفسه الموهوب لموسى، وصاروا يحملون معه ذات الأثقال، وتنبأوا. تفرغوا بعد ذلك لتدبير أمور الشعب الذي كان يتزايد في شره وعدم التقوى (عد 11: 24-25).
وَعُلْتَهُمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً فِي الْبَرِّيَّةِ فَلَمْ يَحْتَاجُوا.
لَمْ تَبْلَ ثِيَابُهُمْ وَلَمْ تَتَوَرَّمْ أَرْجُلُهُمْ. [21]
"لم يحتاجوا" (تث 2: 7؛ 8: 4).
"ثيابهم لم تَبْلَ" (تث 29: 5).
* أما ثيابهم وأحذيتهم وأبدانهم فقد فقدت ضعفها الطبيعي. فثيابهم وأحذيتهم لم تبلَ بعامل الزمن وأرجلهم لم تتورم رغم كثرة السير. ولم يذكر قط أن بينهم كان أطباء أو دواء أو أي شيء من هذا القبيل. وهكذا قد انتُزع كل ضعف من بينهم. فقد قيل: "فأخرجهم بفضة وذهب ولم يكن في أسباطهم عاثر (هزيل)" (مز 105: 37)... أشعة الشمس في حرارتها لم تضربهم، لأن السحابة كانت تظللهم وتحيط بهم كمأوى متحرك يحمي أجساد الشعب كله. ولم يحتاجوا إلى مشعل يبدد ظلام الليل، بل كان لهم عمود النار كمصدر إضاءة لا يُنطق به، يقوم بعمليْن: الإضاءة بالإضافة إلى توجيههم في طريق رحلتهم... قائدًا هؤلاء الضيوف الذين بلا عدد في وسط البرية بدقة أفضل من أي مرشد بشري. ولم يرحلوا فقط على البرّ بل وفي البحر كما لو كان أرضًا يابسة... فقد قاموا بتجربة جريئة تخالف قوانين الطبيعة. إذ وطأوا البحر الثائر، سائرين فيه كما على صخر يابس صلب. فإذ وضعوا أقدامهم فيه صارت مادته كالأرض اليابسة... وإذ وصل إليه الأعداء عاد إلى ما كانت عليه طبيعته، فصارت للأولين مركبة وللأعداء قبرًا... فقام البحر الذي لا يفهم بدور مُحكَمٍ كأعقل وأذكى إنسان، قام مرة بدور حارس، ومرة أخرى بدور منتقم، مُعلِنًا هذا العمل المتناقض في يوم واحد .
* الإنسان الشرير غير المؤمن حتى أن افترضنا أنه يلتحف بجسمٍ سماويٍ يبقى عاريًا لأنه لا يفعل شيئًا لينال رداء الإنسان الداخلي .
القديس ديديموس الضرير
12. في أرض الموعد
وَأَعْطَيْتَهُمْ مَمَالِكَ وَشُعُوبًا وَفَرَّقْتَهُمْ إِلَى جِهَاتٍ،
فَأمْتَلَكُوا أَرْضَ سِيحُونَ وَأَرْضَ مَلِكِ حَشْبُونَ،
وَأَرْضَ عُوجٍ مَلِكِ بَاشَانَ. [22]
بقوله "إلى الجهات" ربما يشير إلى عبر الأردن، فقد قادهم طول رحلة البرية، ووهبهم ممالك وأمم شرق وغرب الأردن. لم يكن بالأمر السهل لشعب بلا خبرة عسكرية منذ نشأتهم في أرض مصر، يمارسون رعاية الغنم في وادي النيل دون دخول في معارك مع قبائل أو شعوب أن ينالوا نصرات مستمرة، فامتلكوا الكثير حتى أرض سيحون، وأرض ملك حشبون، وأرض عوج ملك باشان.
سيحون: ملك أموري حاول أن يمنع اليهود من المرور في أرضه، وهم في طريقهم إلى أرض الموعد، فانهزم جيشه، ووزعت أرضه على أسباط إسرائيل (عد 21: 21-29). صار عبرة لمن يقاوم الله وشعبه. وكما يقول المرتل: "الذي ضرب أممًا كثيرة، وقتل ملوكًا أعزاء؛ سيحون ملك الأموريين وعوج ملك باشان وكل ممالك كنعان، وأعطى أرضهم ميراثًا. ميراثًا لإسرائيل شعبه" (مز 135: 10-12).
حشبون: عاصمة مُلك سيحون ملك الأموريين. كانت أصلًا للموآبيين، استولى عليها سيحون، ثم أخذها بنو إسرائيل بقيادة موسى النبي (عد21: 25-26). تعرف حاليًا باسم حسبان. تقع على الحدود بين سبطي جاد ورأوبين.
عوج: ملك الأموريين في باشان، من سلالة الرفائيين. كان طويل القامة، جبار بأس، له سرير من حديد ضخم. ذبحه بنو إسرائيل في أذرعي، واحتلوا مملكته.
وَأَكْثَرْتَ بَنِيهِمْ كَنُجُومِ السَّمَاءِ،
وَأَتَيْتَ بِهِمْ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي قُلْتَ لآبَائِهِمْ أَنْ يَدْخُلُوا وَيَرِثُوهَا. [23]
تحقق وعد الله لإبراهيم (تك 22: 17؛ 26: 4)
فَدَخَلَ الْبَنُونَ وَوَرِثُوا الأَرْضَ،
وَأَخْضَعْتَ لَهُمْ سُكَّانَ أَرْضِ الْكَنْعَانِيِّينَ،
وَدَفَعْتَهُمْ لِيَدِهِمْ مَعَ مُلُوكِهِمْ وَشُعُوبِ الأَرْضِ،
لِيَعْمَلُوا بِهِمْ حَسَبَ إِرَادَتِهِمْ. [24]
دخول نسله إلى أرض الموعد (تك 22: 17؛ 26: 4؛ خر 32: 13؛ تث 1: 8؛ 10: 22).
"أخضعت لهم سكان أرض الكنعانيين" (تث 9: 3؛ قض 1: 4) مع ملوكهم (تث 7: 24؛ يش 11: 12، 17)
وَأَخَذُوا مُدُنًا حَصِينَةً وَأَرْضًا سَمِينَةً،
وَوَرِثُوا بُيُوتًا مَلآنَةً كُلَّ خَيْرٍ وَآبَارًا مَحْفُورَةً وَكُرُومًا وَزَيْتُونًا وَأَشْجَارًا مُثْمِرَةً بِكَثْرَةٍ.
فَأَكَلُوا وَشَبِعُوا وَسَمِنُوا وَتَلَذَّذُوا بِخَيْرِكَ الْعَظِيمِ. [25]
هذه القائمة الخاصة بالأراضي والمدن والبيوت إلخ. تتفق مع القائمة الواردة في عهد سيناء وتجديده كما ورد في (تث 6: 10- 11؛ يش 24: 13)
تشير المدن المحصنة إلى أريحا ولخيش وحاصور.
الآبار المحفورة: لما كان المطر نادرًا في أغلب أيام السنة، لهذا كان كل بيت يلحق به بئر أو مخزن مياه تجمع فيه مياه الأمطار (2 مل 18: 31؛ أم 5: 15).
حوالي سنة 1200 ق.م. تم إنشاء مخازن المياه للانتفاع بالأمطار التي تتساقط على تلال يهوذا. أهم أشجار فلسطين كانت الزيتون والتين والتفاح واللوز والجوز والتوت والجميز والرمان (تث 8: 8؛2 مل 18: 32). أما أشجار النخيل فكانت تنمو في وادي الأردن.
عندما دخلوا كنعان حذر الله شعبه من قطع أية شجرة للفاكهة. كان لديهم من المحاصيل ما يشبعهم ويبهج حياتهم.
وَعَصُوا وَتَمَرَّدُوا عَلَيْكَ،
وَطَرَحُوا شَرِيعَتَكَ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ،
وَقَتَلُوا أَنْبِيَاءَكَ الَّذِينَ أَشْهَدُوا عَلَيْهِمْ لِيَرُدُّوهُمْ إِلَيْكَ،
وَعَمِلُوا إِهَانَةً عَظِيمَةً. [26]
بالنسبة لوضع الشريعة وراء ظهورهم وقتل الأنبياء راجع (1 مل 18: 4؛ 19: 10، 14؛ 2 أي 24: 20- 22، إر 26: 20- 23) مرتكبين تجاديف خطيرة.
كما جاء في التقاليد الأولى الله يستمر في العطاء وإسرائيل كان مستمرًا في الجحود.
* "ليس نبي مقبولًا في وطنه" (لو 4: 24). إذ كانت عناثوت وطن إرميا (إر 11: 21) لم تُحسن استقباله. وأيضًا إشعياء وبقيَّة الأنبياء، رفضهم وطنهم أي أهل الختان... أما نحن الذين لا ننتسب للعهد بل كنَّا غرباء عن الوعد، فقد استقبلنا موسى والأنبياء الذين يعلنون عن المسيح، استقبلناهم من كل قلوبنا أكثر من اليهود الذين رفضوا المسيح، ولم يقبلوا الشهادة له .
فَدَفَعْتَهُمْ لِيَدِ مُضَايِقِيهِمْ فَضَايَقُوهُمْ.
وَفِي وَقْتِ ضِيقِهِمْ صَرَخُوا إِلَيْكَ
وَأَنْتَ مِنَ السَّمَاءِ سَمِعْتَ
وَحَسَبَ مَرَاحِمِكَ الْكَثِيرَةِ أَعْطَيْتَهُمْ مُخَلِّصِينَ خَلَّصُوهُمْ مِنْ يَدِ مُضَايِقِيهِمْ. [27]
أعطاهم مخلصين ينقذونهم من مضايقهم مثل جدعون ويفتاح وشمشون، إذ كانوا قادة حرب جبابرة.
وَلَكِنْ لَمَّا اسْتَرَاحُوا رَجَعُوا إِلَى عَمَلِ الشَّرِّ قُدَّامَكَ،
فَتَرَكْتَهُمْ بِيَدِ أَعْدَائِهِمْ،
فَتَسَلَّطُوا عَلَيْهِمْ،
ثُمَّ رَجَعُوا وَصَرَخُوا إِلَيْكَ.
وَأَنْتَ مِنَ السَّمَاءِ سَمِعْتَ وَأَنْقَذْتَهُمْ
حَسَبَ مَرَاحِمِكَ الْكَثِيرَةِ أَحْيَانًا كَثِيرَةً. [28]
يسجل لنا سفر القضاة دورات مستمرة متكررة من عمل الله للخلاص ثم راحة الشعب فتمردهم، فالسماح بمضايقين لهم، وإذ يصرخوا يرسل لهم الله قاضيًا يخلصهم، وتبدأ حلقة جديدة متكررة.
* الخطية ثقيلة جدًا، تحتاج إلى مراحم عظيمة .
وَأَشْهَدْتَ عَلَيْهِمْ لِتَرُدَّهُمْ إِلَى شَرِيعَتِكَ.
وَأَمَّا هُمْ فَبَغُوا وَلَمْ يَسْمَعُوا لِوَصَايَاكَ،
وَأَخْطَأُوا ضِدَّ أَحْكَامِكَ الَّتِي إِذَا عَمِلَهَا إِنْسَانٌ يَحْيَا بِهَا.
وَأَعْطُوا كَتِفًا مُعَانِدَةً وَصَلَّبُوا رِقَابَهُمْ وَلَمْ يَسْمَعُوا. [29]
فَاحْتَمَلْتَهُمْ سِنِينَ كَثِيرَةً، وَأَشْهَدْتَ عَلَيْهِمْ بِرُوحِكَ عَنْ يَدِ أَنْبِيَائِكَ،
فَلَمْ يُصْغُوا فَدَفَعْتَهُمْ لِيَدِ شُعُوبِ الأَرَاضِي. [30]
وَلَكِنْ لأَجْلِ مَرَاحِمِكَ الْكَثِيرَةِ لَمْ تُفْنِهِمْ،
وَلَمْ تَتْرُكْهُمْ لأَنَّكَ إِلَهٌ حَنَّانٌ وَرَحِيمٌ. [31]
13. اعتراف بالخطايا
وَالآنَ يَا إِلَهَنَا الإِلَهَ الْعَظِيمَ الْجَبَّارَ الْمَخُوفَ حَافِظَ الْعَهْدِ وَالرَّحْمَةِ،
لاَ تَصْغُرْ لَدَيْكَ كُلُّ الْمَشَقَّاتِ الَّتِي أَصَابَتْنَا،
نَحْنُ وَمُلُوكَنَا وَرُؤَسَاءَنَا وَكَهَنَتَنَا وَأَنْبِيَاءَنَا وَآبَاءَنَا وَكُلَّ شَعْبِكَ،
مِنْ أَيَّامِ مُلُوكِ أَشُّورَ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ. [32]
بعد هذا العرض المطول لتاريخ معاملات الله مع شعبه وإن كان لم يشر إلى فترات مملكة شاول وداود وسليمان، ينتقل إلى الموقف الحاضر. فيمزج التاريخ الماضي بالحاضر، ليصير حديثه حيًا وعمليًا. فإن الله العامل في التاريخ لازال يعمل وهو القدير والحافظ العهد (تث 7: 9؛ 1 مل 8: 23، 2 أي 6: 14).
لقد صار الأمر خطيرًا منذ الغزو الأشوري، فالضيقات المتوالية حلت على كل الفئات من الملوك والرؤساء حتى رجال الكهنوت والأنبياء وعامة الشعب.
* يحمل الإيمان جانبين: الحب والخوف، كل يكمل الآخر. إنني لا أخاف الأب كخوفي من الحيوان المفترس، إذ أخافه وأكرهه، لكنني أخاف الأب وأحبه في نفس الوقت. كذلك عندما أخاف العقاب إنما هو حب لنفسي خلال الخوف. فمن يخاف أن يعصى أباه إنما يحب نفسه طوبى للذي له الإيمان، فإنه يحمل الحب والخوف معًا .
القديس إكليمنضس السكندري
وَأَنْتَ بَارٌّ فِي كُلِّ مَا أَتَى عَلَيْنَا،
لأَنَّكَ عَمِلْتَ بِالْحَقِّ وَنَحْنُ أَذْنَبْنَا. [33]
مع مرارة الضيقة يعترف نحميا أن الله بار، وما حل بالجميع هو ثمر طبيعي للإثم.
وَمُلُوكُنَا وَرُؤَسَاؤُنَا وَكَهَنَتُنَا وَآبَاؤُنَا لَمْ يَعْمَلُوا شَرِيعَتَكَ.
وَلاَ أَصْغُوا إِلَى وَصَايَاكَ وَشَهَادَاتِكَ الَّتِي أَشْهَدْتَهَا عَلَيْهِمْ. [34]
مرة أخرى يعترف نحميا أنه كان يمكن أن يتقدس الكل فبين أيديهم كل الإمكانيات، لكن الجميع أبوا أن ينصتوا إلى وصايا الله وشهاداته.
وَهُمْ لَمْ يَعْبُدُوكَ فِي مَمْلَكَتِهِمْ،
وَفِي خَيْرِكَ الْكَثِيرِ الَّذِي أَعْطَيْتَهُمْ،
وَفِي الأَرْضِ الْوَاسِعَةِ السَّمِينَةِ الَّتِي جَعَلْتَهَا أَمَامَهُمْ
وَلَمْ يَرْجِعُوا عَنْ أَعْمَالِهِمِ الرَّدِيئَةِ. [35]
كثيرًا ما ينشغل الإنسان بالبركات التي يهبه الله إياها عن الله نفسه، فنتكل على ممتلكاتنا وثروتنا لا على واهبها.
يقصد بخير الله صلاحه، فإنه كل ما يقدمه لنا هو من قبيل صلاح هو حبه. أما وقد جاء الصالح إلينا في الجسد، وحل بيننا فإننا إذ نتحد به ننعم بروح الصلاح، ونصير أيقونة له.
أما الأرض التي وهبهم إياها فواسعة أشارة إلى السماء المتسعة لكل المؤمنين وسمينة أو خصبة أشارة إلى السماء التي تفيض علينا بثمر الفرح والسلام.
هَا نَحْنُ الْيَوْمَ عَبِيدٌ،
وَالأَرْضَ الَّتِي أَعْطَيْتَ لآبَائِنَا،
لِيَأْكُلُوا أَثْمَارَهَا وَخَيْرَهَا هَا نَحْنُ عَبِيدٌ فِيهَا [36]
من يأكل الخطية ويشربها يسقط في فخاخٍ، فتنحل إرادته وتضعف، ويجد نفسه عبدًا لها في مذلةٍ، لا يقدر الخلاص منها، بل يعطش إليها، لا نعجب من هذا، فإن من يستخدم المخدرات كلما استخدمها يصير بالأكثر أسيرًا في فخاخها، ويزداد بالأكثر تعلقه بها.
* كل شخصٍ: يهودي أو يوناني، غني أو فقير، صاحب سلطة أو في مركز عام، الإمبراطور أو الشحاذ، "كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية" [34]. إن عرف الناس عبوديتهم يرون كيف يقتنون الحرية.
المولود حرًا ويسبيه البرابرة يتحول من حرٍ إلى عبدٍ، وإذ يسمع عنه شخص آخر يتحنن عليه ويتطلع أن لديه مالًا فيفديه، يذهب إلى البرابرة ويعطيهم مالًا ويفدي الرجل. إنه بالحق يرد له الحرية، إذ ينزع الظلم...
إني أسأل الذي تمتع بالفداء: هو أخطأت؟ يجيب "أخطأت". إذن لا تفتخر بنفسك أنك قد اُُفتديت، ولا تفتخر يا من افتديته، بل ليهرب كليكما إلى الفادي الحقيقي. أنه جزئيًا يُدعى الذين تحت الخطية عبيدًا، إنهم يدعون أمواتا.
ما يخشاه الإنسان حلول السبي عليه الذي جلبه الإثم عليه فعلًا. لماذا؟ هل لأنهم يبدون أنهم أحياء؟ هل أخطأ القائل: "دع الموتى يدفنون موتاهم" (مت 8: 22)؟ إذن فكل الذين تحت الخطية هم أموات، عبيد أموات، أموات في خدمتهم، وخدام (عبيد) في موتهم .
وَغَلاَّتُهَا كَثِيرَةٌ لِلْمُلُوكِ الَّذِينَ جَعَلْتَهُمْ عَلَيْنَا لأَجْلِ خَطَايَانَا،
وَهُمْ يَتَسَلَّطُونَ عَلَى أَجْسَادِنَا وَعَلَى بَهَائِمِنَا حَسَبَ إِرَادَتِهِمْ،
وَنَحْنُ فِي كَرْبٍ عَظِيمٍ. [37]
من هم هؤلاء الملوك الذين يتسلطون على أجسادنا وبهائهمنا إلا الشهوات والخطايا التي نفتح لها باب الفكر والقلب، فتتسلم قيادة إنساننا الداخلي وتستعبدنا حسب أهوائها. وكما كتب الإنجيلي يوحنا: "أجابهم يسوع: الحق الحق أقول لكم إن كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية" (يو 8: 34).
* إنه عبد، يا ليته لإنسان بل للخطية!
من لا يرتعب أمام مثل هذه الكلمات؟ الرب إلهنا يهبنا - أنتم وأنا - أن أتكلم بتعبيرات لائقة عن هذه الحرية، باحثًا عنها، وأن أتجنب تلك العبودية...
يا لها من عبودية بائسة! عندما يعاني البشر من سادة أشرار يطلبون على أي الأحوال تغيير السيِّد. ماذا يفعل عبد الخطية؟ لمن يقدم طلبه؟ إلى من يطلب الخلاص...؟ أين يهرب عبد الخطية؟ فإنه يحمل (سيِّدته، أي الخطية) أينما هرب. لا يهرب الضمير الشرير من ذاته، لا يوجد موضع يذهب إليه.
نعم لا يقدر أن ينسحب من نفسه، لأن الخطية التي يرتكبها هي في داخله. يرتكب الخطية لكي يحصل على شيءٍ من اللذة الجسدية. لكن تعبر اللذة وتبقى الخطية. ما يبتهج به يَعبر، وتبقى الشوكة خلفها. يا لها من عبودية شريرة...!
لنهرب جميعًا إلى المسيح، ونحتج ضد الخطية إلى الله بكونه مخلصنا.
لنطلب أن نُباع لكي ما يخلصنا بدمه. إذ يقول الرب: "مجانًا بُعتم وستخلصون بدون مالٍ" (إش 52: 3). تخلصون بدون ثمن من جانبكم؛ هكذا يقول الرب، لأنه هو دفع الثمن لا بمالٍ بل بدمه، وإلاَّ بقينا عبيدًا معوزين .
القديس أغسطينوس
* إن غلبتنا الشهوات الجسدية وصرنا عبيدًا لها في هذه المعركة لا نكون حاملين لعلامة الحرية، ولا لعلامة القوة، ونُستبعد من النضال ضد القوات الروحية كغير أهلٍ وكعبيدٍ بكل ما يسببه ذلك من ارتباك. لأن "كل من يفعل الخطية هو عبد للخطية" (يو 34:8). هكذا يصفنا الرسول بمثل هذه التسمية "زناة". "لم تصبكم تجربة إلا بشرية". (1 كو13:10). لأننا إن لم نهدف لإدراك قوة الفكر لن نكون أهلًا للدخول في صراع أشد ضد الشر على مستوى أعلى، إن كنا لم ننجح في إخضاع جسدنا الضعيف الذي يقاوم الروح .
القديس يوحنا كاسيان
* تهبنا المعمودية المقدسة حرية كاملة، ومع ذلك فللإنسان مطلق الحرية والإرادة، إما أن يُستعبد مرة أخرى لرباطات شهوانية، أو يبقى حرًا في تنفيذ الوصايا.
فإن التصقت إحدى الشهوات بالفكر، فهذا يكون من عمل إرادتنا الخاصة، وليس رغمًا عنا. إذ يقول الكتاب أنه قد أُعْطِيَ لنا سلطانًا "هادمين ظنونًا" (2 كو 10: 5).
ويكون الفكر الشرير، بالنسبة لمن يهدمونه، علامة على حبهم لله وليس للخطية. لأن وجود الفكر الشرير ليس فيه خطية، إنما تكمن الخطية في حديث العقل معه حديث ودٍ وصداقةٍ.
فلو أننا لسنا مغرمين بالفكر الشرير، فلماذا نتباطأ نحن فيه؟ إذ ما نبغضه من كل القلب، يستحيل أن تطيل قلوبنا الحديث معه إلاَّ إذا كان لنا شركة خبيثة معه!
14. تجديد العهد
وَمِنْ أَجْلِ كُلِّ ذَلِكَ نَحْنُ نَقْطَعُ مِيثَاقًا وَنَكْتُبُهُ.
وَرُؤَسَاؤُنَا وَلاَوِيُّونَا وَكَهَنَتُنَا يَخْتِمُونَ. [38]
إذ يقدم الشعب توبة جماعية يلتزم بتجديد العهد أو الميثاق مع الله.
إذ اعترف الشعب أنهم كآبائهم كسروا العهد مرة ومرات، ولم يظهروا الأمانة مقابل أمانة الله وطول أناته عليهم، طلبوا أن يُسجل قطع العهد كتابة، ويوقع عليه رؤساؤهم واللاويون والكهنة ويختمونه، حتى يكون شاهدًا عليهم في المستقبل إن أرادوا كسره من جديد.
إن كان الله قد وهب آباءهم أرض الموعد، وطرد أمامهم الأمم والشعوب ليعيشوا في كمال الحرية، لكن الخطية ربطتهم من جديد في قيود العبودية، حتى وإن وجدوا في أرض الموعد. صار الإنسان في حاجة لا إلى تغيير المكان، بل إلى تجديد الأعماق ليتمتع بحرية مجد أولاد الله .
من وحي نح 9
لأرجع إليك يا عظيم في المراحم
* هب لي يا رب أن أصوم عن كل شيءٍ،
فأنت هو شبعي وكفايتي.
لست أعيش في حرمان،
مادمت أنت تملأ كل فراغي.
أقتنيك، فلا أعتاز إلى شيءٍ.
* لأقوم من تهاوني،
وأجلس عند قدميك مع مريم أخت لعازر ومرثا.
أسمع صوتك، وأتمتع بعذوبة وصيتك.
حملك حلو، ونيرك هين.
وصيتك تلهب كل أعماقي بنار حبك.
اشترك مع كل الخليقة في التسبيح لك.
يا أيها الخالق المبدع في حبه،
يا أيها المخلص الفاتح أبواب سماواته لنا.
ماذا نرد لك من أجل كثرة إحساناتك.
* أعود إلى الماضي، فأرى التاريخ كله بين يديك.
وهبت أبي أبرام اسمًا جديدًا،
فنال أبوة نحو كل المؤمنين،
وساراي صارت أمًا للجميع.
هب لي حبًا لكل إنسانٍ في العالم.
هيئني فاحمل أيقونتك يا أيها الحب!
* لم تدع آبائي معوزين شيئًا.
أغدقت بالمراحم عليهم.
قدمت لهم أكثر مما سألوا، وفوق ما احتاجوا.
كنت على الدوام طويل الأناة معهم،
أما هم فقدموا الجحود والتذمر.
صليبك ينزع عني جحودي.
صليبك يحملني إلى أحضانك.
صليبك يحررني من عبودية الخطية!
* أنقذت شعبك من عبودية فرعون،
وحررته من سبي بابل،
وها أنت تحرر مؤمنيك من عبودية إبليس!
بك أجحد إبليس وكل قواته.
بك أتمتع ببِّرك وأحيا معك.
بك أتمتع بنصرات لا تنقطع
* لأرجع إليك والتصق بك.
ليقودني روحك القدوس،
ويجدد على الدوام أعماقي،
يرفعني من مجدٍ إلى مجدٍ،
إلى يوم لقائي معك!
|