مريم فجالت بنظرها نحو جميعهم كأنها تودعهم كافةً وقالت لهم: أني أستودعكم لله وأبارككم. فلا ترتابوا، لأني لا أنساكم أبداً: وحينئذٍ جاء إليها الموت، ولكن لا بالسواد والحزن كما يأتي نحو البشر. بل بالفرح والأشراق. غير أنه ما عسانا أن نقول موتاً وأي موتٍ، بل قد جاء إليها الحب الإلهي، وهو لا سواه قطع خيط حياتها الزمنية. فهي المنارة التي قبل أن تنطفئ قد أبرقت بلميع ضياها الأخير برقاً عظيماً ثم انطفت. وهي الفراشة الإلهية الجميلة التي اذ دعاها أبنها إليه. قد دنت من مصباح نوره وأحترقت بلهيب حبه الغير المتناهي، وفيما بين عواطف تنهداتها قد أنفصلت عن الجسد نفسها المغبوطة، وأنحلت تلك الحمامة الكلية النقاوة من رباطات الجسم. وطارت متراقيةً الى الأخدار السماوية، حيث ملكت وتملك سلطانةً على جميع المخلوقات الى أبد الآبدين.*