05 - 10 - 2022, 10:10 AM | رقم المشاركة : ( 31 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب مقالات روحية للبابا شنودة الثالث
قداسة البابا شنودة الثالث - بين الصمت والكلام كثيرًا ما يتحير الإنسان: أيهما أفضل: أن يصمت أم أن يتكلم؟ وهكذا عليه أن يحدد موقفه بين الصمت والكلام. فضيلة الصمت: نلاحظ أن غالبية القديسين قد فضلوا الصمت، واضعين أمامهم قول الحكيم: "كثرة الكلام لا تخلو من معصية". وفى ذلك قال القديس أرسانيوس -معلم أولاد الملوك- عبارته المشهورة: "كثيرًا ما تكلمت فندمت.. وأما عن سكوتي، فما ندمت قط". ومن أجل هذا صلى داود النبي قائلًا: "ضع يا رب حافظًا لفمي، بابًا حصينًا لشفتي".. وقال الوحي الإلهي: "الاستماع أفضل من التكلم". وما أكثر ما تحدثت الكتب الروحية عن: "فضيلة الصمت" ودعت إليها، لكيما يتخلص بها الإنسان من أخطاء الإنسان وهى عديدة.. منها الكذب والمبالغة، وكلام الرياء والتملق والنفاق. ومنها التهكم، والكلام الجارح، والسب واللعن والإساءة إلى الآخرين، والتحدث بالباطل في سيرة الناس. ومنها الافتخار بالنفس والتباهي ومدح الذات ومنها الكلام البذيء، والقصص والفكاهات الخليعة، وكلام المجون. ومن أخطاء اللسان أيضًا: التجديف، وكلام الكفر، والتذمر على الله. ومنها التعليم الخاطئ، والضلالة والبدع. ومن أخطاء اللسان أيضًا الثرثرة. لأن الله لم يخلق اللسان فينا لكي يتكلم عبثًا بلا فائدة. لكل هذا فضل القديسون الصمت.. ليس فقط، لكي يبعدوا عن أخطاء اللسان، إنما أيضًا لكي يتيح لهم الصمت فترة للصلاة والتأمل.. لأن الإنسان لا يستطيع أن يتكلم مع الله والناس في الوقت نفسه. لهذا قال الشيخ الروحاني: (سكِّت لسانك، لكي يتكلم قلبك). وقال مار إسحق: (كثير الكلام يدل على أنه فارغ من الداخل)، أي أن قلبه فارغ من مناجاة الله، فارغ من العمل الروحي في التأمل والصلاة.. يبقى بعد كل هذا سؤال هام وهو: هل كل صمت فضيلة؟ وهل كل كلام خطيئة؟ كلا، طبعًا، فقد قال داود النبي في المزمور: "فاض قلبي بكلام صالح". إذن هناك كلام نافع ومفيد، وذلك حينما نتكلم بالصالحات. إن الصمت حالة سلبية، بينما الكلام حالة إيجابية. وإنما يدرب الناس أنفسهم على الصمت، حتى يتدربوا على الكلام النافع. الصمت إذن هو وضع وقائي يحمينا إن كنا نتكلم بدافع بشرى. أما إن كان الله هو الذي يفتح شفاهنا، وهو الذي يضع كلامًا في أفواهنا، فحينئذ يكون كلامنا –لا صمتنا– هو العمل الفاضل. كان السيد المسيح يتكلم، والناس "يتعجبون من كلمات النعمة الخارجة من فمه". والشهيد اسطفانوس تكلم فأفحم المجامع الخاطئة " ولم يقدروا أن يقاوموا الحكمة والروح الذي كان يتكلم به". وقد قال سليمان الحكيم: "فم الصديق ينبوع حياة". وقد كان حكماء العالم يجوبون البر والبحر، لكي يسمعوا كلمة منفعة من المتوحدين والنساك في براري مصر وقفارها.. كلام المنفعة هذا، هو كلام من الله يضعه في أفوه أحبائه، ليبلغوه للآخرين، هادئًا كان أم شديدًا. ومن كلام المنفعة: كلمة النصح لمن يحتاج إليها، وكلمة العزاء لقلب حزين، وكلمة التشجيع لناشئ أو ليائس، وكلمة التعليم لبناء النفوس، وكلمة الله للهداية والإرشاد، وكلمة البركة، وكلمة الحق وكلمة الحكمة.. الخ. نسأل سؤالًا بعد هذا، وهو: إن كان الكلام هكذا نافعًا في بعض الأوقات. فهل يمكن أحيانًا أن يعتبر الصمت خطيئة، تمامًا كما يحسب الكلام الشرير خطيئة؟ وهل يمكن أن ندان على صمتنا، كما ندان على كلامنا! نعم، أحيانًا ندان على صمتنا.. إن لكل شيء تحت السماء وقتًا. وقد قال سليمان الحكيم: "للسكوت وقت، وللتكلم وقت". فإن كان للتكلم وقت، فلا شك أننا ندان إذا صمتنا فيه. فالبار لا يتكلم حين يحسن الصمت. ويصمت حين يحسن الكلام. إنما يعرف متى يتكلم، وكيف يتكلم. ويضع لكلامه هدفًا نافعًا روحيًا. وقد قال الحكيم: "تفاحة من ذهب، في مصوغ من فضة، كلمة مقولة في موضعها". وكثيرًا ما أمر الله الناس بالكلام، فكان يرسلهم أحيانًا للإنذار، وأحيانًا للتبشير، وأحيانًا لإعلان حقه بين الناس. إن الله لا يكلم الناس مباشرة، وإنما يكلمهم عن طريق أحبائه من البشر. هو يريدنا أن نعلن وصاياه للناس، وقد طلب إلينا أن نكون شهودًا له على الأرض.. فإن صمتنا عن الشهادة للحق، ندان على صمتنا. وإن صمتنا، وبصمتنا أعطينا مجالًا للباطل أن ينتشر وأن ينتصر فإننا ندان على صمتنا. وإن قصرنا في إنذار البعض، فأضر بنفسه أو بغيره، ندان أيضًا على صمتنا. فإن رأيت إنسانًا يسقط في حفرة وهو لا يدرى، هل تقول إن الصمت فضيلة أم تحذره؟! وإذا لم تحذره، ألا تدان على صمتك، ويطالبك الله بدم ذلك الإنسان؟ بهذا يكون هناك واجب على الرعاة أن يتكلموا، وواجب مثله على الآباء والأمهات، وعلى القادة الروحيين، وعلى المعلمين، وعلى كل من هو في مسئولية.. كل هؤلاء كلفهم الله أن يقولوا كلمة الحق، وأن يشهدوا لوصاياه في العالم.. ومثل هؤلاء يكون كلامهم أفضل من الصمت. فليعطنا الرب أن نعرف كيف ومتى نتكلم. وليعطنا الكلمة التي تتفق ومشيئته الصالحة، والتي يعمل فيها روحه القدوس فلا ترجع فارغة، بل تثمر ثمرًا في قلوب الناس. ويرى الرب ثمار هذه الكلمة فيفرح وتفرح ملائكته، ويكون هو الذي تكلم وليس نحن.. وليتمجد الرب في صمتنا وفي كلامنا، له المجد إلى الأبد أمين. المقال مع بعض التعديلات نُشِر مرة أخرى في وقتٍ لاحق في جريدة الأهرام يوم 1 يناير 2012 أيهما أفضل: الصمت أم الكلام نلاحظ أن غالبية قديسي البرية قد فضلوا الصمت. واضعين أمامهم قول سليمان الحكيم: كثرة الكلام لا تخلو من معصية. وفي ذلك أيضا قال القديس أرسانيوس معلم أولاد الملوك عبارته المشهورة: كثيرا ما تكلمت فندمت. وأما عن سكوتي فما ندمت قط. من أجل هذا صلي داود النبي قائلًا: ضع يا رب حافظا لفمي، بابا حصينا لشفتي. وقال الوحي الإلهي: الاستماع أفضل من التكلم. وما أكثر ما تحدثت الكتب الروحية عن فضيلة الصمت، ودعت إليها، وذلك لكي يتخلص بها الإنسان من أخطاء اللسان وهي كثيرة: منها الكذب، والمبالغة، وكلام الرياء والتملق والنفاق، ومنها التهكم والكلام الجارح، والسب واللعن والإساءة إلي الآخرين. والنميمة، والتحدث بالباطل في سيرة الناس. ومنها الافتخار بالنفس، والتباهي ومدح الذات. ومنها الكلام البذيء، والقصص والفكاهات الخليعة. وكلام المجون ومنها أخطاء الإنسان في حق الله، كالتجديف، وكلام الكفر، والتذمر علي الله، ومنها التعليم الخاطيء، والضلالة والبدع. ومن أخطاء اللسان أيضا الثرثرة. ذلك لأن الله لم يخلق اللسان عبثا، لكي يتكلم بلا فائدة. لكل هذا فضل القديسون الصمت... ليس فقط لكي يبعدوا عن أخطاء اللسان، إنما أيضا لكي يتيح لهم الصمت فترة للصلاة والتأمل. ذلك لأن الإنسان لا يستطيع أن يتكلم مع الله والناس في الوقت نفسه. لهذا قال الشيخ الروحاني: سكت لسانك، لكي يتكلم قلبك وقال مار إسحق: الشخص الكثير الكلام، يدل علي أنه فارغ من الدخل أي أن قلبه فارغ من مناجاة الله، وفارغ من العمل الروحي للتأمل والصلاة. كلام المنفعة: يبقي بعد كل هذا سؤال مهم وهو: هل كل صمت فضيلة؟ وهل كل كلام خطيئة؟! كلا طبعا، قال داود النبي في المزمور: فاض قلبي بكلام صالح. إذا هناك كلام نافع مفيد. وذلك حينما نتكلم الصالحات. إن الصمت حالة سلبية، بينما الكلام حالة إيجابية. وإنما يدرب الناس أنفسهم علي الصمت، حتى يتدربوا علي الكلام النافع، الصمت إذن هو وضع وقائي، يحمينا إن كنا نتكلم بدافع بشري. أما إن كان الله هو الذي يفتح شفاهنا، وهو الذي يضع كلاما في أفواهنا، فحينئذ يكون كلامنا ـ لا صمتنا ـ هو العمل الفاضل. كان السيد المسيح يتكلم، والناس يتعجبون من كلمات النعمة الخارجة من فمه والشهيد استفانوس تكلم، فأفحم المجامع الخاطئة ولم يقدروا أن يقاوموا الحكمة والروح الذي كان يتكلم به. وقد قال سليمان الحكيم: فم الصديق ينبوع حياة وقد كان عظماء الناس يجوبون البر والبحر، لكي يسمعوا كلمة منفعة من المتوحدين والنساك في براري مصر وقفارها. كلام المنفعة هذا هو كلام من الله يضعه في أفواه أحبائه ليقدموه للآخرين، هادئًا كان أم شديدًا. ومن كلام المنفعة: كلمة النصح لمن يحتاج إليها. وكلمة العزاء لقلب حزين. وكلمة التشجيع ليائس أو لأحد الناشئين. وكلمة التعليم لبناء النفوس. وكلمة الحق للهداية والإرشاد. وكلمة البركة، وكلمة الحكمة. نسأل سؤالا بعد هذا، وهو: إن كان الكلام هكذا نافعا في بعض الأوقات. فهل يمكن أحيانًا أن يعتبر الصمت خطيئة، تماما كما يحسب كلام الشرير خطيئة؟! وهل يمكن أن ندان علي صمتنا، كما ندان علي كلامنا في بعض الأوقات؟! نعم أحيانا ندان علي صمتنا. إن لكل شيء تحت السموات وقتا. وقد قال سليمان الحكيم: للسكوت وقت، وللتكلم وقت. فإن كان للتكلم وقت فلا شك أننا ندان إذا صمتنا فيه. الإنسان البار لا يتكلم حين يحسن الصمت. ولا يصمت حين يجب الكلام. إنما يعرف متى يتكلم وكيف يتكلم. ويضع لكلامه هدفا روحيا. وقد قال الحكيم: تفاحة من ذهب، في مصوغ من فضة، كلمة مقولة في موضعها. وكثيرا ما أمر الله الناس بالكلام، فكان يرسلهم أحيانا للإنذار، وأحيانًا لإعلان حقه بين الناس. إن الله لا يكلم البشر مباشرة وإنما يكلمهم عن طريق خدامه من البشر هو يريدنا أن نعلن وصاياه للناس. وقد طلب منا أن نكون شهوده علي الأرض. فإن صمتنا عن الشهادة للحق، ندان علي صمتنا. وإن صمتنا، وبصمتنا أعطينا مجالا للباطل أن ينتشر وأن ينتصر، فإننا ندان علي صمتنا. وإن قصرنا في إنذار البعض، فأضر بنفسه أو بغيره، فحينذاك ندان أيضًا علي صمتنا. إن رأيت إنسانا يكاد يسقط في حفرة وهو لا يدري، هل تقول وقتذاك إن الصمت فضيلة أم تحذره؟! وإن لم تحذره، ألا تدان علي صمتك، ويطالبك الله بدم ذلك الشخص؟! لهذا يكون هناك واجب من الرعاة والقادة أن يتكلموا وواجب مثله علي الآباء والأمهات، وعلي المعلمين وعلي كل من هو في مسئولية... كل هؤلاء عليهم أن يقولوا كلمة الحق، وأن يشهدوا لوصايا الله في العالم... ومثل هؤلاء يكون كلامهم في قول الحق أفضل من الصمت. فليعطنا الرب أن نعرف كيف ومتى نتكلم، وليعطنا الكلمة التي تتفق ومشيئته الصالحة... ولا ترجع فارغة. بل تثمر ثمرًا في قلوب الناس. |
||||
|