رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
البابا شنودة الثالث احترام الأبوة والأمومة * أول احترام نقدمه هو احترام الأبوة والأمومة بكل تفاصيلها... * والأبوة تشمل أبوة الله لنا، وأيضًا أبوة البشر لنا بما في ذلك الأبوة الجسدية والروحية، ومن هم في مركز الأب. وكذلك أبوة السن.
احترام أبوة الله الله -تبارك اسمه- ندعوه "أبانا الذي في السموات" في كل صلواتنا اليومية (مت6: 9). وفي العهد القديم قال له إشعياء النبي "أنت يا رب أبونا.." (أش64: 8). واحترامنا له هو لون من الخشوع أمام عزته الإلهية. وهو -بالنسبة إلينا- لا يدخل في باب التواضع، بل في مجال العبادة. ويعتبر التواضع هو من جانب الله الذي يقبل صلواتنا، والذي من تواضعه شرفنا بأن ندعى أبناء له (1يو3: 1). * واحترامنا لله يدعونا إلى احترام كتابه المقدس. هذا الذي قبل قراءته في الكنيسة، يقول الأب الكاهن للرب "أجعلنا مستحقين أن نسمع ونعمل بأناجيلك المقدسة بطلبات قديسيك". ويصيح الشماس "قفوا بخوف من الله لسماع الإنجيل المقدس"... * واحترامنا للكتاب المقدس يدعونا إلى الإيمان به كله، مع العمل به. لا نكون مثل الذين يقبلون أسفارًا من الكتاب ويرفضون أسفارًا أخرى... أو الذين يقيمون أنفسهم رقباء على الكتاب لا يطيعون منه إلا ما يوافق هواهم! ولا يقابلون كلمات الرسل بنفس الاحترام اللائق بمن ينطق الروح على ألسنتهم! في أحدى المرات زارني في الدير أحد رؤساء الكنائس الكبرى. وفي حوارنا معًا حول مشكلة قبول كهنوت المرأة، سردت عليه آيات من رسائل القديس بولس الرسول. فقال لي "ولكن هذا ما يقوله بولس".. فقلت له وهل ما يقوله القديس بولس موحى به من الله أم لا؟ فصمت لحظة ثم قال "نعم موحى به". فقلت إذن لماذا لا نقبله؟ لأن "كل الكتاب موحى به من الله ونافع للتعليم.." (2تي3: 16). واحترام الكتاب المقدس يعني أيضًا عدم ترجمته ترجمة محرفة، كما يفعل شهود يهوه لكي يثبتوا ما ينادون به من عقائد لا تقبلها الغالبية العظمى من المسيحيين..! أو تفسير الكتاب حسب الهوى الخاص وضد الحق الإلهي. في كل هذه الأمثلة يختفي الكتاب ويختفي الوحي، وتظهر الذات البشرية. * واحترامنا لله يدعونا أن نطيع وصاياه، وأن نعيش في مخافة الله. نهابه هذا الذي يقف أمامه الملائكة ورؤساء الملائكة في هيبة ووقار. نهاب أيضًا هيكله المقدس، فلا ندخله بأحذيتنا حسب وصية الله لعبده موسى (خر3: 5). بل نسجد أمام هذا الهيكل، ونقبل المذبح المقدس في خشوع وتوقير. كذلك نصلي إلى الله في مهابة، ولا نفعل كالذين يصلون على موائدهم وهم جلوس! احترام الأبوة الجسدية * احترام الأبوة الجسدية (والأمومة أيضًا) تشمل وصية الرب القائلة "أكرم أباك وأمك" (خر20: 12)، وتشمل الخضوع لتعليم الآباء وتأديبهم (عب12: 7، 8). أنظروا كيف كان أبونا اسحق خاضعًا لأبيه، وقد وضعه على المذبح وربطه ووضعه على المذبح لكي يقدمه محرقة للرب (تك22).. واحترام الأبوة الجسدية يشمل أيضًا كل الأقارب الذين هم في مركز الأب أيضًا، كالعم والخال والجد... وتشمل أيضًا احترام الكبار في السن الذين هم في مستوى الأب كقول الكتاب: "أمام الأشيب تقوم، وتحترم وجه الشيخ" (لا19: 33). احترام الأبوة الروحية * أما الأبوة الروحية فتشمل احترام رجال الكهنوت والمرشدين الروحيين. نحترم الكهنة في الكنيسة والآباء الأساقفة والمطارنة لأنهم آباء في الكنيسة، ولأجل كهنوتهم. ولأنهم وكلاء لله (تي1: 7) ووكلاء سرائر الله (1كو1: 4) ولأجل مركزهم، كما ورد في سفر ملاخي أن الكاهن رسول رب الجنود، ومن فمه يطلبون الشريعة، ونحترمهم أيضًا لأجل سنهم، وخدمتهم للأسرار الإلهية، وائتمان الرب لهم على خدمة التعليم (1تي5: 17). وكما يقول الكتاب "أطيعوا مرشديكم واخضعوا، لأنهم يسهرون لأجل نفوسكم كأنهم سوف يعطون حسابًا.." (عب13: 17). إن احترام رجال الكهنوت يدخل ضمن احترام الرب نفسه، لأنهم رجال الله، وهم سفراؤه ووكلاؤه. وعنهم قال" من يكرمكم يكرمني". أما عدم احترام الكهنوت والتطاول على كل رتبة، فيدل على كبرياء في القلب، وعلى أن من ينتقد هؤلاء، إنما "يرتئي فوق ما ينبغي أن يرتئي" (رو12: 3). فقد يحدث أن فتى صغيرًا، أو خادمًا مبتدئًا، قد قرأ كتابًا أو كتابين، وربما لم يستطع أن يضمن مفهومها كما ينبغي، يبدأ في انتقاد بعض الآباء الكهنة، أو الآباء الأساقفة، كأنه يفهم ما لا يفهمون. ويقول هذا خطأ وهذا لا يجوز!! وليس في فكره فقط يسري هذا المفهوم، بل يشهر بهم علنًا أمام الناس!! * يظهر احترام الكهنوت أيضًا بعضهم لبعض. كل رتبة تحترم الرتب التي تعلوها، أو التي هي أكبر منها سنًا، أو أقدم منها في السيامة. وسنضرب مثلًا لاحترام أحد الآباء الأساقفة للبابا البطريرك. حدث في أيام محمد على الكبير حاكم مصر، أنه كان على ابنته (زهرة) شيطان يصرعها ويتعبها. و نصحه البعض أن يحولها على البابا البطريرك (وكان وقتذاك الأنبا بطرس الجاولي) لكي يصلي عليها ويشفيها. فلما أوصلوها إليه، قال في اتضاع ليست لي هذه الموهبة، وطلب من الأنبا صرابامون أبو طرحة أسقف المنوفية أن يصلي لها إذ له هذه الموهبة. وحاول القديس الأنبا صرابامون أن يعتفي من هذا الأمر فلم يستطع. فقال لقداسة البطريرك "أعطني صليبك يا سيدنا لكي أرشمها به وأنا أصلي، لكي تُشْفَى" .. فعل ذلك حتى ينسب شفائها إلى صليب البابا، وليس إلى صلاته هو.. ما أعجب ذلك الاتضاع! * واحترام الكهنوت يعني أيضًا احترام المجامع المقدسة، وما أصدرته من قرارات. تلك المجامع المسكونية والإقليمية والمكانية التي كان يجتمع فيها مجموعة من الآباء الأساقفة، ويصدرون قوانين تلتزم بها الكنيسة الجامعة. وبتلك القوانين أمكن تنظيم الكنيسة من الداخل. بل أمكن أيضًا وضع قواعد الإيمان السليم، وإرساء التقاليد الثابتة التي سارت عليها الكنيسة من جيل إلى جيل.. احترام الأمومة * أما عن احترام الأمومة فتشمل الأم بالجسد، والقديسة العذراء، والكنيسة. يحترم الإنسان أمه التي ولدته وأرضعته وربته، وكانت أشبينته في المعمودية. * ويحترم القديسة العذراء مريم، فهي أمنا وملكتنا كلنا. هذه التي استقبلتها القديسة أليصابات (الأكبر سنًا)، بكل اتضاع وتوقير، قائلة "من أين لي هذا أن تأتي أم ربي إليّ" (لو1: 43). وهي التي كانت أمًا روحية للرسل. وعنها قال الرب وهو على الصليب لتلميذه القديس يوحنا الرسول "هذه أمك" (يو19: 27). هذه التي جميع الأجيال تطوبها (لو1: 48). وهي التي تطوبها الكنيسة قائلة لها في تسابيحها "علوت يا مريم فوق الشاروبيم، وسموت يا مريم فوق السارافيم". * وفي احترام الأمومة، نحترم الكنيسة التي ولدتنا في جرن المعمودية. ولدتنا في الإيمان وفي التعليم والتوبة، وفي الأسرار المقدسة. التي لولاها ما كنا مسيحيين. وإنما صرنا هكذا بكرازتها وجهادها. إننا نحترم الكنيسة ونحترم عقيدتها وإيمانها، ونحترم مجامعها وآباءها، وقديسيها وتعاليمهم، ونحترم تاريخها وطقوسها. ونقف بكل اتضاع أمام تقاليدها، وندافع عنها، ونفخر بالانتساب إليها. ونذكر جهاد الكنيسة حتى حفظت لنا الإيمان سليمًا، وقدّمت في سبيل ذلك آلافًا من الشهداء.. ونقف بكل اتضاع أمام تعليم آبائنا. نعتبرهم مراجع لنا في الإيمان وفي التفسير، وفي التأملات الروحية. ولا نعتبر كتاباتهم مجرد آراء كما تفعل بعض الطوائف. وفي احترامنا لآباء الكنيسة نحترم أبطال الإيمان معلمي البيعة، ونحترم الشهداء الذين سفكوا دماءهم لأجل الإيمان، ونحترم الرعاة وآباء البرية. ونتشفع بكل هؤلاء في قداساتنا وصلواتنا، ونقيم لهم الأعياد، ونضع الشموع أمام أيقوناتهم، ونقدس رفاتهم، إنه ميزة في اتضاع الكنيسة الأرثوذكسية في توقيرها لآبائها. * وفي احترام الزوج، نذكر أن سارة كانت تدعو زوجها إبراهيم: سيدي (تك18: 12). كذلك قول الكتاب "أيها النساء أخضعن لرجالكن كما للرب. لأن الرجل هو رأس المرأة، كما أن المسيح رأس الكنيسة" (أف5: 22، 23). احترام الصغار إن احترام الكبار واجب، تدرب الكثيرون عليه. أما احترام الكبير للصغير، فهو تواضع من الكبير، ونبل منه. إن الله -تبارك اسمه- هو المثل الأعلى في التواضع، وقدوتنا في كل تصرف. وفي هذه النقطة بالذات، لا نقول إنه يحترم عبيده، مخلوقاته.. فربما هذا التعبير غير مقبول لاهوتيًا. وإنما نقول: إنه في معاملته لهم، يحتفظ لهم بكرامتهم، ويرفع من قدرهم، ويعطيهم احترامًا في نظر الآخرين. ولا "يدعوهم عبيدًا بل أصدقاء" (يو15: 15). ولا يتخطى وكلاءه، كما قال للأبرص بعد أن شفاه "اذهب أرِ نفسك للكاهن" (مت8: 4). وعجيب أن الله -في بعض الأحيان- يعرض قراراته على بعض عبيده أو وكلائه، قبل تنفيذها. ويأخذ رأيهم وينفذه! * مثال ذلك قبل أن يحرق سادوم، قال "هل أخفي عن عبدي إبراهيم ما أنا فاعله؟!" (تك18: 17). وعرض الأمر عليه. ورضى أن يقول له إبراهيم: أديان الأرض كلها لا يصنع عدلًا؟! أتهلك البار مع الأثيم! حاشا" (تك18: 25). وفي اتضاع شديد، يدخل الرب في حوار مع إبراهيم، ويقبل فكره نقطة نقطة، إلى أن يصل إلى المستوى الذي إن وُجد فيه عشرة أبرار في المدينة، لا يهلك المدينة من أجل العشرة (تك 18: 32). * مثال آخر إنه لما عبد بنو إسرائيل العجل الذهبي، وأراد الرب إفناءهم، نراه يكلّم موسى أولًا، ويقول له "أتركني لأفني هذا الشعب.." (خر32: 10). كما لو كان موسى ممسكًا به. فلا يفعل، إن لم يتركه موسى يفعل!! ورفض موسى أن يترك الرب يفني الشعب، وشرح وجهة نظره. وقال له في جرأة أو في دالة "ارجع يا رب عن حمو غضبك، واندم على الشر" (خر32: 12). والعجيب هنا في تواضع الرب أنه استجاب لموسى فيما طلبه. وهكذا يقول الكتاب "فرجع الرب عن حمو غضبه، "وندم على الشر" (خر32: 14). * الله أيضًا في إكرامه لداود النبي -حتى بعد موته- لما أخطأ إليه سليمان بن داود خطية كبيرة، وأوقع عليه عقوبة، لم يشأ أن تكون تلك العقوبة في أيام سليمان، وإنما بعده، قائلًا "من أجل داود عبدي.." (1مل11: 12، 13). * ونجد في قصة الابن الضال (لوقا 15) مثالًا آخر من تواضع الآب السماوي: أتاه الابن نادمًا ومنسحقًا، يقول له "أخطأت إلى السموات وقدامك، ولست مستحقًا أن أدعى لك ابنًا.." ولكن الآب في حنوه، وحرصه على أن يحفظ كرامة ابنه، منعه في حنوه أن يكمل انسحاقه بعبارة "اجعلني كأحد أجرائك" التي كان قد عزم أن يقولها (لو15: 19، 21). بل بالأكثر أكرمه ورفع شأنه جدًا في توبته، وأمر أن يذبحوا له العجل المسمن، وأن يضعوا خاتمًا في يده.. وأيضًا الابن الكبير لما رفض أن يحضر الوليمة التي صنعت لأخيه، لم يهمله الآب، بل خرج إليه ليصالحه. ولما اشتط هذا الابن في الكلام وتطاول على أبيه قائلًا "ها أنا أخدمك سنين هذا عددها، ولم تعطني قط جديًا لأفرح مع أصدقائي. ولما جاء ابنك هذا الذي صرف معيشتك على الزواني، ذبحت له العجل المسمن!".. لم يرد الأب على تطاول ابنه وغضبه، بل قال له في اتضاع: "يا ابني، أنت معي، وكل مالي فهو لك. ولكن كان ينبغي أن نفرح ونسر لأن أخاك هذا كان ضالًا فوُجد، وكان ميتًا فعاش" (لو15: 28- 32). * نلمح اتضاع الكبار أيضًا في سير الآباء وأقوالهم: نرى ذلك في اتضاع القديس أوغسطينوس في صلاته لأجل شعبه. إذ يقول "اطلب إليك يا رب من أجل سادتي عبيدك". فيعتبرهم سادته! ويقول: "أنا بالنسبة إليهم راعٍ لهم. ولكنني أمامك -معهم- خروف في قطيعك: ترعاني وترعاهم".. وهكذا -على هذا النمط- فإن بعض الآباء الأساقفة في اتضاعهم، يقول كل منهم عن نفسه "خادم إيبارشية (كذا)..". * ويقول الآباء في بستان الرهبان: "ليكن كل إنسان كبيرًا في عينيك"، "أطلب بركة كل أحد"، "اجعل كل أحد يباركك". * ومن أمثلة الكبار الذين يرفعون من قدر أبنائهم: القديس بولس الرسول: * ويظهر هذا في رسالته إلى فليمون من أجل عبده أنسيموس. فعلى الرغم من أن فليمون كان أحد تلاميذه، إلا أنه كان يكلمه برجاء وباحترام، ومع أن أنسيموس كان عبدًا، إلا أن بولس الرسول يذكره بتوقير شديد، فيقول لفليمون: "أطلب إليك لأجل ابني أنسيموس الذي ولدته في قيود الإنجيل. ولكن بدون رأيك لم أرد أن أفعل شيئًا"، "لا كعبد في ما بعد، بل أفضل من عبد: أخًا محبوبًا، ولاسيما إليّ". ثم يقول لفليمون أيضًا "إن كنت تحسبني شريكًا، فاقبله نظيري. ثم إن كان ظلمك بشيء، أو لك عليه دين، فاحسب ذلك عليّ.. أنا أوفي.. أرح أحشائي في الرب" (فل10-20). إنه أدب عجيب في التخاطب يصدر من رسول قديس ومعلم كبير لتلميذه: يقول له "إن كنت تحسبني شريكًا" ويرجوه قائلًا "لم أرد أن أفعل شيئًا بدون رأيك". ويقول عن العبد "أقبله نظيري"، "لا كعبد بل أخًا محبوبًا" ويقول عنه "ابني"، "أحشائي". أليس هذا درسًا لنا في احترام الصغار؟! * وبنفس الأسلوب في توقير تلاميذه، يكتب في آخر رسالته إلى روميه: فيقول عن أكيلا وبريسكلا "الذين لست أنا وحدي أشكرهما، بل أيضًا جميع كنائس الأمم". ويقول "سلموا على أندرونيكوس ويونياس "اللذين هما مشهوران بين الرسل، وقد كانا في المسيح قبلي" (رو16: 7). بينما كثيرون جدًا من المسيحيين لا يعرفون عنهما شيئًا! ويقول أيضًا "سلموا على روفس المختار في الرب، وعلى أمه أمي" (رو16: 13). وفي إرسال سلامه يسجل تعب العاملين معه في الخدمة. ومن أولئك يذكر "تريفينا وتريفوسا التاعبتين في الرب" و"برسيس المحبوبة التي تعبت كثيرًا في الرب" (رو16: 12). بل في المقدمة وقبل الكل يذكر فيبي خادمة الكنيسة التي في كنخريا "كي تقبلوها في الرب كما يحق للقديسين" (رو16: 1). إنه يمتدح تلاميذه ويرفع ذكرهم. ويقول مثلًا "سلموا على أبُلّس المزكى في المسيح" (رو16: 10). و"أبينتوس حبيبي الذي هو باكورة أخائية للمسيح" (رو16: 5). هل يُمكن للمتضع أن ينتهر ويوبخ ويعاقب؟ بعد كل ما ذكرناه من التواضع في معاملة الصغار، نسأل: هل يُمكن للمتضع أن ينتهر ويوبخ ويعاقب؟ * نعم، يمكن هذا، فإن القديس بولس هذا، قد وبخ وعاقب. وبخ أهل غلاطية مثلًا وقال لهم "أهكذا أنتم أغبياء. ابعد ما ابتدأتم بالروح، تكملون بالجسد؟!" (غل3: 3). وقال لتلميذه تيموثاوس الأسقف: "وَبِّخ. انتهر. عظ، بكل أناة وتعليم" (2تي4: 2). وقد عاقب خاطئ كورنثوس وأمر "أن يسلّم مثل هذا للشيطان لإهلاك الجسد، لكي تخلص الروح في يوم الرب" (1كو5: 5). وأمر أهل كورنثوس قائلًا "اعزلوا الخبيث من بينكم" (1كو5: 13). والقديس بولس وبخ القديس بطرس أيضًا قائلًا له "إن كنت وأنت يهودي تعيش أمميًا، فلماذا تلزم الأمم أن يتهودوا" (غل2: 14). ومع كل ذلك، كان القديس بولس متواضعًا. ويكفي قوله عن ظهورات السيد المسيح بعد القيامة "وآخر الكل، كأنه للسقط ظهر لي أنا، لأني أصغر الرسل، أنا الذي لست أهلًا لأن أعي رسولًا، لأني اضطهدت كنيسة الله" (1 كو15: 8، 9). والقديس يوحنا المعمدان وبخ الفريسيين والصدوقيين الآتين إلى معموديته. وقال لهم "يا أولاد الأفاعي، من أراكم أن تهربوا من الغضب الآتي. فاصنعوا ثمارًا تليق بالتوبة. ولا تفتكروا أن تقولوا في أنفسكم لنا إبراهيم أبًا.." (مت13: 7، 8). ولا ينكر أحد تواضع القديس يوحنا المعمدان. * وإيليا النبي وبَّخ آخاب الملك لسيره وراء البعليم (1مل18: 18). وعاقب أنبياء البعل والسواري (1مل18: 40)، كما عاقب قائدي الخمسين الأول والخمسين الثاني (2مل1: 10، 12). * ويعقوب أبو الآباء وبخ ابنيه قائلًا "شمعون ولاوي أخوان. آلات ظلم سيوفهما. في مجلسهما لا تدخل نفسي. بمجمعهما لا تتحد كرامتي.." (تك48: 5، 6). وكثير من الأنبياء وبخوا أفرادًا وجماعات، بل أرسلهم الله ليوبخوا. * بل السيد المسيح نفسه انتهر ووبخ، وهو الوديع المتواضع القلب (مت11: 29). وبخ المدن التي صنعت فيها أكثر قواته لأنها لم تتب (مت11: 20). وقال "ويل لك يا كورزين. ويل لك يا بيت صيدا.. وأنتِ يا كفر ناحوم المرتفعة إلى السماء ستهبطين إلى الهاوية.."(مت11: 21-23). ووبخ الكتبة والفريسيين المرائين (مت23).. ووبخ تلميذه بطرس الرسول قائلًا له "اذهب عني يا شيطان، أنت معثرة لي. لأنك لا تهتم بما لله لكن بما للناس" (مت16: 23). وانتهر تلميذيه يعقوب ويوحنا لما طلبا منه أن تنزل نار وتحرق إحدى مدن السامرة، وقال لهما "لستما تعلمان من أي روح أنتما. لأن ابن الإنسان لم يأتِ ليهلك أنفس الناس بل ليخلص" (لو9: 55). * والأمثلة كثيرة، ولكن فلنناقش موضوع التوبيخ ومدى تمشيه مع التواضع. أولًا: ممن يصدر؟ وهل الذي يوبخ وينتهر له سلطان أن يوبخ؟ هل كل إنسان له سلطان الرب في التوبيخ؟! له سلطان القديس يوحنا المعمدان، أو القديس بولس الرسول، أو القديس تيموثاوس الأسقف. وهل هذا التوبيخ أو الانتهار هو في حدود مسئوليتهم. مثلما في مسئولية الآب أن يوبخ ابنه ويؤدبه، كما قال الكتاب "أي ابن لا يؤدبه أبوه؟!" (عب12:7). أو هل له مسئولية المعلم في تأديب تلاميذه؟ أو مسئولية كل صاحب منصب في تأديب مرؤوسيه أو توبيخهم، حتى لا يدفعهم التهاون إلى الاستهتار. وما أعمق قول الآباء في البستان "أدبوا الأحداث قبل أن يؤدبوكم". ثانيًا: ما هو الأسلوب الذي يتبعه المتواضع في التوبيخ وفي التأديب؟ البعض يوبخ في شدة وفي قسوة، وفي غير احترام للناس، ويظن أن في ذلك فضيلة، ناسيًا كيف كان القديس بولس الرسول يوبخ، هذا الذي قال لتلميذه تيموثاوس "عظ وبخ انتهر". إنه يقول لشيوخ أفسس "ثلاث سنين.. لم افتر عن أنذر بدموع كل أحد" (أع20: 31). كان ينذر بدموع -في تواضع وحب- وليس في تسلط. يقول أيضًا "أطلب إليكم بوداعة المسيح وحلمه، أنا نفسي بولس، الذي هو في الحضرة ذليل، وأما في الغيبة فمتجاسر عليكم" (2كو10: 1). لاحظوا أنه يقول عن نفسه "في الحضرة ذليل". لذلك يتشجع بالكتابة، ويحسب نفسه أنه متجاسر عليهم!! هذا هو أسلوب الشخص المتواضع حينما يوبخ، لا بروح التعالي، ولا بقسوة الأسلوب، ولا بالصوت العالي المتسلط.. وإنما بأسلوب الذي يحسّ بالخشبة في عينيه، حينما يخرج القذى من عين أخيه... إنه أسلوب من يطلب حق الله من نفسه أولًا، قبل أن يطلب حق الله من الآخرين. فيوبخ في وداعة المسيح وحلمه. إني أعجب لهؤلاء الذين لا يرون السيد المسيح إلا ممسكًا بالسوط! ولا يسمعونه إلا في عبارة "ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون". كما لو كانت حياة المسيح هي هذه فقط!! إن السيد المسيح عامل الكتبة والفريسيين بكل لطف وبكل احتمال، دون أن يرد عليهم، بل كان يزورهم. وبكل وداعة وحلم يحاورهم محاولًا إقناعهم. أما صبة الويلات عليهم، فكان في الأسبوع الأخير بالذات، حينما أراد أن يمهد الطريق لإلغاء تلك القيادات قبل صلبه، حتى لا تسيطر على الكنيسة الجديدة التي سيؤسسها بدمه. لذلك كشف رياءهم في الأسبوع الأخير، بعد طول صبر.. وليس هم فقط بل أيضًا الصدوقيين والناموسيين (مت22) والكهنة (مت 21). فهل أنت في نفس موقف المسيح؟ وهل لك سلطانه؟! وهل لك وداعته وحلمه؟! أم أنك توبخ في غير اتضاع..؟! |
|