|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
البابا شنودة الثالث علاقة التواضع بالصلاة
حاجته إلى الصلاة الإنسان المتواضع هو إنسان شاعر بضعفه وباحتياجه إلى قوة تسنده، لذلك فهو دائمًا يصلي، طالبًا هذه القوة. إنه يتذكر دائمًا قول الرب "بدوني لا تقدرون أن تعلموا شيئًا" (يو15: 5). لذلك فهو دائمًا يتطلع إلى الله، ويقول له: أنت معيني يا رب، منك استمد المشورة والقوة التي بها أعمل عملًا. بل منك استمد حتى مجرد الرغبة في عمل الخير. أليس الرسول يقول "الله هو العامل فيكم أن تريدوا وأن تعملوا لأجل المسرة" (في2: 13). إذن اعمل فيّ يا رب لكي أريد.. وأحيانًا يا رب أريد "الإرادة حاضري عندي. ولكن أن أفعل الحسني، فلست أجد. لأني لست أفعل الصالح الذي أريده. بل الشر الذي لست أريده، إياه أفعل!" (رو7: 18، 19). حياتي الروحية هي بين يديك: أنت تعطيني الرغبة، وتعطيني القوة للعمل. وأنت أيضًا تعطيني الاستمرارية في عمل ما يرضيك، وعدم النكسة في الرجوع إلى الوراء، أو في الفتور.. أما المتكبر، فهو واثق بنفسه وبقدرته، لذلك فهو لا يطلب. إنه نادرًا ما يصلي، لأنه لا يشعر بالاحتياج إلى الصلاة!! إنه يعتمد على ذراعه البشري وليس على ذراع الله! حتى إن كان خادمًا في الكنيسة، يندر أن يصلي لأجل ذلك لأنه "حكيم في عيني نفسه". يعرف جيدًا ما سوف يقول، ويفهم ما يريد أن يقوله. ناسيًا قول الكتاب "توكل على الرب بكل قلبك، وعلى فهمك لا تعتمد"، "لا تكن حكيمًا في عيني نفسك" (أم3: 5، 7). المتكبر يشعر بقوته الذاتية، فلا يصلي طالبًا قوة. تكفيه قوته! لهذا كتبت مرة في مذكراتي الخاصة هذه العبارة: قال الشيطان لله: "أترك لي الأقوياء، فإني كفيل بهم. أما الضعفاء فإذ يشعرون بضعفهم، يطلبون القوة منك، فتعطيهم، فلا أقدر عليهم". نعم المتواضع الشاعر بضعفه، إنما يحارب العدو بقوة الله التي يحصل عليها بالصلاة، وبها ينتصر، فيسبح الله ويقول "قوتي وتسبحتي هو الرب، وقد صار لي خلاصًا" (مز118: 14). طريقة الصلاة المتواضع أيضًا يتميز بالخشوع في صلاته.. إنه يشعر بضآلته، وهو يكلم ملك الملوك ورب الأرباب (رؤ19: 16) خالق السموات والأرض. وهكذا يقول له: من أنا يا رب حتى أتحدث إليك؟! ومن أنا حتى تميل بإذنك وتسمعني؟! إن كان إبراهيم أبو الآباء والأنبياء -حينما تحدث إليك- قال "عزمت أن أكلم المولى، وأنا تراب ورماد" (تك18: 27)، فماذا أقول أنا؟! أنا الذي لست شيئًا.. من أنا حتى أكلمك، أنت الذي يقف أمامك الملائكة ورؤساء الملائكة، الشاروبيم والسارافيم."ألوف ألوف وقوف قدامك، وربوات ربوات يقدمون لك الخدمة". كيف أحشر نفسي وسط طغمات القديسين وأتحدث إليك؟! المتواضع يبدأ صلاته بالسجود والركوع، وبتمجيد الله. وإن وقف يصلي، يرفع يديه إلى فوق، ويحفظ حواسه جيدًا حتى لا تنشغل بشيء أثناء صلاته، مما يتعارض مع مهابته لله. إن سفر الرؤيا يرينا صورة عجيبة من المهابة والخشوع. فيما يخرّ الأربعة والعشرون قسيسًا قدام الجالس على العرش، ويسجدون للحي إلى أبد الآبدين. ويطرحون أكاليلهم قائلين: أنت مستحق أيها الرب أن تأخذ المجد والكرامة والقدرة.." (رؤ4: 10، 11). فإن كان أولئك السماويون لابسو الأكاليل التي من ذهب يفعلون هكذا في خشوعهم أمام الله، فكم خشوع يجب علينا نحن الأرضيين؟! حقًا، إنه تنازل من الله أن يقبلنا مصلين، وأن ينصت إلينا ونحن نصلي. لذلك فالمتواضع يقول في صلاته: "لتدخل طلبتي إلى حضرتك" (مز119).. مجرد دخول صلواتنا إلى حضرة الله، أمر لا نستحقه. ففي اتضاع قلب، نطلب من الله أن يقبل صلواتنا، وأن يسمعنا، لأنه ليست كل الصلوات مقبولة. كصلاة الفريسي التي كانت بكبرياء قلب، وكصلوات أولئك الذين قال لهم الرب في سفر إشعياء النبي "حين تبسطون أيديكم، استر وجهي عنكم. وإن أكثرتم الصلاة لا أسمع. أيديكم ملآنة دمًا" (أش1: 15). عدم الاستحقاق والإنسان المتواضع، يذكر في صلاته أنه غير مستحق، معترفًا بخطاياه. كما في صلاة الاستعداد التي يصليها الأب الكاهن قبل القداس: ويقول فيها:أيها الرب العارف قلب كل أحد، القدوس المستريح في قديسيه. الذي بلا خطية وحده، القادر على مغفرة الخطايا.. أنت يا رب تعلم أني غير مستحق ولا مستعد ولا مستوجب. وليس لي وجه أن أقترب وافتح فأي أمام مجدك الأقدس". ثم يقول "بل ككثرة رأفاتك اغفر لي أنا الخاطئ. وامنحني أن أجد نعمة في هذه الساعة. وأرسل لي قوة من العلاء لكي ابتدئ وأهيئ وأكمل خدمتك المقدسة كما يرضيك". ثم يقول أيضًا "أنت دعوتنا نحن عبيدك الأذلاء غير المستحقين لنكون خدامًا لمذبحك المقدس.. أعطِ يا رب أن تكون مقبولة أمامك ذبيحتنا عن خطاياي وجهالات شعبك.." إنها صلاة كلها اتضاع. ليتنا نتأمل معها تواضع القديسين في صلواتهم. وهذا موضوع طويل، لست أرى هذا المقال يتسع له. بل ليتنا أيضًا نتأمل التواضع في باقي صلوات القداس الإلهي، وفي صلوات الأجبية.. لنرى ليس فقط العلاقة بين التواضع والصلاة، بل بالحري التواضع في الصلاة.. التواضع في الطلب إذا وصل الإنسان إلى التواضع في عمقه، لا يجد شيئًا يطلبه.. يقول للرب: ماذا أطلب، وأنت "لم تدعني معوزًا شيئًا من أعمال كرامتك". أنت يا رب ترعاني، فلا يعوزني شيء.." (مز23: 1). كل ما قد أعطيتني حتى الآن هو كثير على. أعطيتني فوق ما أطلب، وفوق ما استحق، بحيث أشعر بفيض منك، لا ينقصه شيء يزاد عليه. ثم أنني يا رب لا أعرف ما هو الصالح لي لأطلبه.. أنت الذي تعرف ما أحتاج أنا إليه. تعرف ما ينفعني، وتعطيني إياه دون أن أطلب. جرأة منى أن أذكرك بما يحسن في عينيك أن تعمله لأجلي، حسب وفرة حنان أبوتك. كل ما أطلبه هو أن تغفر لي خطاياي، كذلك أطلب ملكوتك في حياتي، كما سبق أن علمتنا "لا تهتموا بما للغد" "أطلبوا ملكوت الله وبره، وهذه كلها تزاد لكم" (مت6: 34، 33). كذلك أنا يا رب في خجل أن أطلب، على الرغم مما أقترفه من خطايا! استحي من الطلب، وقد خالفت الكثير من وصاياك، وقصرت في واجباتي من نحوك. ولم تعد لي دالة أطلب بها شيئًا. الخجل يغطي وجهي، وتذكر خطاياي يعقد لساني عن الطلب. أنت تعرف يا رب كل شيء. وأيضًا كيف أطلب شيئًا جديدًا، وأنا لم أشكر على عطاياك السابقة؟! أقول "باركي يا نفسي الرب، وكل ما في باطني ليبارك أسمه القدوس. باركي يا نفسي الرب، ولا تنسي كل إحساناته" (مز103: 1، 2). أنت يا رب قد أعطيتني الكثير والكثير، ولم أشكر بعد على كل ما غرقتني به من كرمك. فليتني أحيا حياة الشكر لا الطلب. أقول مع المرتل في المزمور: "بماذا أكافئ الرب عن كل ما أعطانيه؟! كأس الخلاص آخذ، وباسم الرب أدعو.. قدام كل شعبه" (مز 116). إن وضعنا أمامنا كل هذا، يستحيل على المتواضع أن يطلب العظائم! إن كان ما معه كثيرًا عليه، فكيف يُعقل أن يطلب عظائم الأمور؟! فإن المتواضع لا يطلب المواهب العالية. لا يطلب أن يصنع القوات والعجائب، ولا أن يتكلم بالسنة (1 كو 12)، يقول لنفسه: إن كنت لم أسلك في المستوى الطبيعي العادي الذي يليق بأولاد الله، فكيف أطلب من الله ما هو فوق الطبيعة؟! وهل أنا أستطيع أن أحتمل تلك المواهب، أم تقودني إلى الكبرياء والمجد الباطل، إن حدث ونلت شيئًا منها..! لذلك فالمتواضع "لا يرتئي فوق ما ينبغي أن يرتئي" (رو12: 3). ولا يطلب نصيبًا من الإيمان غير ما قسمه الرب له.. لاشك أن الشخص الذي في صلاته يطلب العظائم والمواهب الفائقة، هذا يوجد في قلبه شيء من حب العظمة، شعر بذلك أو لم يشعر! يطلب الصلاة لأجله والمتواضع أيضًا -إذ يشعر بضعف صلواته، وقلة دالته عند الله- فهو لا يكف عن طلب صلوات الناس من أجله، وشفاعة القديسين.. إن القديس بولس العظيم، كان يقول "صلوا لأجلنا" (1تس5: 25) (عب13: 18). بل حتى في خدمته ومن جهة عظاته، نراه يقول في رسالته إلى أهل أفسس "مصلين بكل صلاة وطلبة، كل وقت في الروح.. لأجل جميع القديسين ولأجلي، لكي يُعطي لي كلام عند افتتاح فمي، لأعلم جهرًا بسر الإنجيل" (أف 6: 18، 19)، فإن كان القديس بولس الذي اختطف إلى السماء الثالثة (2كو 12: 4).. يطلب في تواضعه الصلاة من أجله، فماذا نفعل نحن الضعفاء؟! ألسنا نسند ضعفنا بطلب الصلاة لأجلنا، من أخوتنا الأحياء معنا على الأرض، ومن الذين انتقلوا.. بغير غرور أن صلواتنا فيها الكفاية! نقطة أخيرة أقولها في خجل: إن المتكبر قد يدعي أنه ليس لديه وقت للصلاة! كما لو كان غير محتاج إلى الصلاة! أو أنه في صلاته يعطي وقتًا لله!! أما المتواضع فيصلي لأنه محتاج إلى الله في كل شيء، وفي كل وقت. ويرى الصلاة عونًا له، وأيضًا بركة له، إذ يتكلم مع الله، ويقف في حضرته.. |
|