منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 25 - 08 - 2012, 05:26 PM
الصورة الرمزية مريم فكرى
 
مريم فكرى
| غالى على قلب الفرح المسيحى |

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  مريم فكرى غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 61
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 1,297

شجرة الأنساب _ ساويرس الأنطاكي

شجرة الأنساب _ ساويرس الأنطاكي


سلسلة الأنساب
للقديس ساويرس الأنطاكي
(قرن 6)

أتاني جماعة من بين الذين سمعوا القراءات التي وضعها الآباء معلمو الكنيسة، وقالوا لي: " تُرى أية فائدة تعود علينا من سماعنا أن هذا وَلد هذا، وهذا قد ولد هذا؟! لقد أتعبنا آذاننا بالإصغاء إلى عدد كبير من الأسماء، ونحن نحصي على أصابعنا مجموع أولئك الأشخاص، دون أن نصل في أنفسنا إلى أية فائدة ..."

ومن جانب ثان، أصغى آخرون، وفحصوا جيداً بتدقيق، فوقعوا في شكوك من جهة نقط معينة. وإذ أرادوا أن يتزودوا بالمعرفة أرسلوا إليَّ أسئلتهم الخاصة بهذه الشكوك، كاحتجاجات لها شيء من القوة. وقد أجبت في الواقع على تلك الأسئلة حسبما يملك ضعفي من قوة. وأظن أنها كافية وسألقيها الآن عليكم جميعاً لتسمعوها، عارضاً إياها لتفحصوها بكل عناية.

يجب أن نعرف بوضوح أن الإنجيليين الذين تكلم فيهم الروح بالأكثر، كانوا حريصين وتصرفوا حسبما يوافق. فبينما قال أحدهم "في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، كان الكلمة الله .. والكلمة صار جسداً وسكن وسطنا" (يو 1)، كتب الآخر - حسبما يوافق - "كتاب ميلاد يسوع لامسيح ابن داود ابن إبراهيم" (مت 1)، لكي نعرف هذا الذي لا يُحصى في الأنساب، إذ أنه مكتوب عنه "من يعرف جيله؟!" (إش 53: 8). وبالأكثر هذا الذي كان قبل الدهور مساوياً في الأزلية للآب ذاته، وهو نفسه الذي حُسب في الأنساب حسب الجسد، لأنه إذ هو إله في الحقيقة، صار هو ذاته في آخر الأزمنة إنساناً بدون تغيير. وقد أظهره متى مشتركاً في طبيعتنا، حتى لا يقول أحد إنه ظهر كخيال أو وهم .."

ولهذا السبب في الواقع، ذكر الإنجيلي في سلسلة الأنساب جملة أسماء، وأيضاً بعض المعاشرات التي لا تليق والتي كانت ضد الشريعة. إذ كتب بعناية وعن قصد: "ويهوذا ولد فارص وزارح من ثامار" ... "وداود ولد سليمان من تلك التي لأوريا" (مت 1)، وهما إمرأتان عوشرتا بالنجاسة والزنا، ذكرهما ليكشف أن طبيعتنا التي أخطأت وسقطت، ودارت وتعثرت في الشهوات غير اللائقة، هي التي جاء المسيح لعلاجها. حتى أنها عندما هربت ضبطها. وعندما أندفعت وفي ثورتها أسرعت في الابتعاد، أمسكها وأوقفها وأتى بها وقادها إلى الطريق. هذا هو في الحقيقة الذي أراد أن يظهره الرسول عندما قال: "لأنه ليس الملائكة هم الذين أمسكهم، بل أمسك نسل إبراهيم. من ثمَّ كان ينبغي أن يشبه أخوته في كل شيء" (عب 2).

المسيح إذن وضع على ذاته نسب هذه الطبيعة التي تنجست لكي يطهرها، هذه التي مرضت لكي يشفيها، هذه التي سقطت لكي يقيمها. وكان ذلك بطريقة فيها تنازل ومحبة للبشر. وفي نفس الوقت أيضاً بطريقة تناسب الله، الذي اتحد في الحقيقة بالجسد الذي هو من نفس جوهرنا، وأخذ نفساً عاقلة بدون خطية، بتوسط البتولية والحبل من الروح القدس، الولادة التي لم تعرف زواجاً ولا معاشرة جسدية، والتي فيها احترم بطريقة لا ينطق بها ختم الطهارة البتولية.

فالإنجيلي يهزأ هنا بجنسنا، ويكشف القناع عن آلامه وعن مخازيه وأمراضه التي من أجلها نزل كلمة الله بدافع رحمته ... فبينما كان يمكن أن يقول "وداود ولد سليمان من بثشبع" - لأن هذا هو اسم المرأة - كتب في وضوح عنها "وداود ولد سليمان من تلك التي لأوريا"، مظهراً أن المسيح - الذي بالتناسل نزل من هذا الجنس - "أخذ ضعفاتنا وحمل أمراضنا" - كما قال واحد من الأنبياء (إش 53).

فمن جهة هذه الأمور، ليس بسبب التخيلات المانية الكافرة التي لأوطاخي أو لإنعدام المعرفة من أبوليناريوس، يحمر الوجه خجلاً من التجسد ومن التواضع الكامل .. ظانين أن الخطية التي للأجداد الخاطئين قد دنست مخلصنا!! فبالإضافة إلى أنه - في بُعد عن الخطية - جاء إلى هذا التنازل "آخذاً صورة عبد" (في 2)، وتأنس لهدم قوة الخطية، فإنه في الواقع حيثما يوجد إله فبالضرورة تكون الخطية بعيدة. وإذ هي بعيدة، فأي شيء يقدر أن يدنس أو يوسخ؟! لأنه لا توجد قذارة سوى عيب الخطية.

ولذلك فإن هؤلاء الذين كانوا هم أنفسهم الشهود المعاينين وخدام الكلمة، بشروا بنسب يسوع حسب الجسد في حرية بدون إخفاء ما يبدو مخزياً. وبه علمونا وثقفونا في نفس الوقت ألا نخفض نظرنا إلى أسفل وتحمر وجوهنا بسبب أن آباءنا الأُول كانوا مستحقين للاحتقار. وإن كانوا يستحقون المديح لا يرتفع أحد ويقول "إن جدي كان شهيداً، وأبي كان يشغل المنصب الأول في أمور الكنيسة وكان بين الأساقفة، وأمي كرست نفسها للحياة النسكية وأصبحت مسيحية بالكلية". في الحقيقة، يقال بعدل لمثل هذا: "إظهر لي يا عزيزي أنك أنت نفسك تقتفي آثار آبائك الأول ..."

من أجل هذا فإن اليهود الذين يرفعون جباههم في مزيد من التشامخ قائلين في مباهاة: "أننا نسل إبراهيم"، هؤلاء كان يجيبهم المسيح: "لو كنتم أبناء إبراهيم لكنتم تعملون أعمال إبراهيم" (يو 8). ويوحنا المعمدان قطع قبله على هذا التعالي قائلاً: "لا تظنوا قائلين في أنفسكم إن لنا إبراهيم أباً" (مت 3). فبالنسبة إلى اليهود لم تكن لهم أية فائدة من كمال آبائهم الأول، حيث أنهم لم يقبلوا الإنجيل ... وبولس أيضاً يخاطبهم بنفس الإسلوب قائلاً: "اعلموا إذن أن الذين هم من الإيمان أولئك هم بنو إبراهيم" (غل 3: 7).

يجب علينا أن نركن إلى أعمالنا الصالحة ولا نكتسي بفضائل الآخرين الذين وُلدنا منهم. لأن الإنتساب إلى نفس جنس الناس الأتقياء، يكون بمشابهتهم في طريق الحياة وليس برابطة الدم.

يقولون: لماذا يحسب الإنجيليون يوسف في الأنساب، ولا يحسبون الأنساب من جهة والدة الإله العذراء مريم التي ولدت مخلصنا المسيح؟! ناسين بالأكثر الميلاد العجيب والأم التي لم تتزوج! ومظهرين بهذا - دون أن يريدوا - أن يسوع نفسه وُلد من إتصال جسدي بالزواج؟!

وفي الواقع أننا نسمع هذا يقال من الوثنيين عندما يضحكون ويهزأون بهذا السر العظيم .. ومن أفكار التجسد الوهمي الذي نادى به أوطاخي ووقع في الخطأ قائلاً: "إن من أجل هذا لم تعدّ العذراء في الأنساب، بل يوسف هو الذي حُسب" .. وسأجوز في صمت على تجاديف شركاء نسطور .."لأن الغبي يتكلم بالغباوة، وقلبه يفكر في الأباطيل، كما قال أحد الأنبياء (إش 32).

وفي تفنيد آرائهم نقول:

من عادة الكتاب المقدس أن يدرج أجيال النسب ليس من جهة النساء وإنما من جهة الرجال. فيذكر التناسل من الآباء إلى الأبناء الذكور، ولا يقيم الإحصاء على أساس الزوجات والأمهات اللائي لا يحسبن في المحل الأول في الأسرات وإنما في المحل الأخير، بعد الرجال وفي صحبتهم. فيذكر إحصاءهن في نفس الوقت مع الرجال. وكمثال لذلك: لما احصي موسى وهارون في الأسرات، احصيت مريم اختهما في نفس الوقت معهما. ولكي يسير الإنجيلي على نفس قاعدة الكتاب المقدس، تسلسل بالأنساب إلى يوسف وليس إلى العذراء.

يقولون: "كيف أن النسب صار موافقاً للمسيح الذي لم يولد من يوسف؟ وإذا كانت الأنساب متفقة على انه ابن يوسف - وهو ليس كذلك - فلابد أنه سيكون بكل ضرورة غريباً عن هذا النسب"

والحل واضح بالنسبة إلى الخبيرين والعارفين بالكتب المقدسة الموحى بها من الله.
توجد في الواقع في سفر العدد وصية في الناموس الذي أعطي بواسطة موسى، لا يسمح من جهتها لأحد أن يخطب إمرأة من سبط غير سبطه ليحيا معها حياة زوجية. وبكل ضرورة يجب أن يتخذ له زوجة من نفس سبطه حتى لا يتحول إرث الأرض من سبط إلى آخر عن طريق هذا الزواج. وهذا هو نص الوصية: "فيلازم بنو إسرائيل كل واحد نصيب سبط آبائه. وكل بنت ورثت نصيباً من اسباط بني إسرائيل تكون إمرأة لواحد من عشيرة سبط ابيها، لكي يرث بنو إسرائيل كل واحد نصيب آبائه، فلا يتحول نصيب من سبط إلى آخر .." (عد 36).

وحسب هذا الناموس فإن يوسف الذي كان رجلاً حافظاً لوصايا الله كما قال عنه الإنجيلي أيضاً إنه "كان رجلاً باراً" (مت 1)، فإنه إذ كان قد ولد حسب النسب من سبط يهوذا من "بيت عشيرة داود" (لو 2)، فإنه حسب المكتوب خطب العذراء من نفس السبط ومن نفس الجنس. لأن نسبه في الحقيقة كان نفس نسب مريم التي منها - بدون زرع بشر - وُلد المسيح. وإذ سار الإنجيلي على لنفس قاعدة الكتاب المقدس في عدم إدراج النساء في النسب أتى بنسب يوسف، لأن العذراء نفسها كانت من نفس العشيرة والقبيلة التي ليوسف.

وهذا اُظهر بوضوح في الكتاب. فكتب لوقا "أرسل جبرائيل من قبل الله إلى عذراء مخطوبة لرجل اسمه يوسف من بيت داود" (لو 1). ومن أجل هذا خاطبها الملاك قائلاً "ستلدين ابناً وتدعين اسمه يسوع. وهذا سيكون عظيماً وابن العلي يدعى. والرب الإله يعطيه كرسي داود أبيه" (لو 1). وأيضاً "فصعد يوسف من الجليل من مدينة الناصرة إلى اليهودية إلى مدينة بيت داود التي تدعى في الحقيقة بيت لحم، لأنه كان من بيت وعشيرة داود، ليكتتب مع مريم المرأة التي خطبها والتي كانت حبلى" (لو 2). لم يقل "صعد مع مريم" حتى لا يظهر أن هذا قد حدث بسبب نفس المسكن المشترك .. ولكنه قال "ليكتتب مع مريم". ولا يمكن أن يكون الإكتتاب واحداً ومشتركاً إلا إذا كانا أيضاً من نفس العشيرة ومن نفس البيت ومن نفس المدينة. ومن عادة الكتاب أن يسمي الأسرة "عشيرة"، كل سبط كان مقسماً في الواقع إلى عشائر وأسرات .. (عد 1). ويشوع بن نون كتب أيضاً عن هذا: "تتقدمون في الغد حسب أسباطكم ويكون أن السبط الذي يظهره الرب يتقدم بعشائره (بأسراته). والعشيرة التي يظهرها الرب تتقدم ببيوتها، والبيت الذي يظهره الرب يتقدم برجاله" (يش 7)

يقولون: "إذا كانت العذراء والدة الإله قد تناسلت من عشيرة من سبط يهوذا، فكيف قال لها جبرائيل "هوذا أليصابات قريبتك حبلى" (لو 1)؟ لأن هذه الأخيرة كانت زوجة الكاهن زكريا الذي ينتسب بالضرورة إلى سبط اللاويين؟!

في الواقع لم يكن موافقاً للناموس أن الذي ينتسب إلى سبط معين يأخذ زوجة من سبط آخر .. ولهذا عندما تكلمنا عن نسب يوسف .. قلنا في نفس الوقت بالنسبة إلى مريم إنها حسب الناموس تنتسب إلى نفس سبط خطيبها. فكيف كانت العذراء إذن قريبة لإليصابات؟!

قال البعض - عن جهل - إن هذا بسبب أن الاثنين كلتيهما كانتا إسرائيليتين من شعب واحد فدعاهما جبرائيل قريبتين! عندما نتكلم عن شخص ينتسب إلى نفس الجنس، لتمييزه عن شخص ينتسب إلى شعب أو جنس آخر، نسمي هذا الذي ينتسب إلى نفس الجنس قريباً. ولذلك فإن بولس في رسالته إلى رومية، في تمييز الذين آمنوا من الشعوب الأخرى عن الذين آمنوا من اليهود، أعطى اليهود اسم "أقرباء"، قائلاً "من أجل أخوتي الذين هم أنسبائي حسب الجسد، الذين هم اسرائيليون" (رو 9). ولكننا لا نجد المناسبة فيها شيء من التشابه في موضوع اليصابات ومريم. فما دام كثير من النساء ينتسبن إلى نفس الشعب، فكيف إذن يقول الملاك للعذراء في إسلوب مختصر "ها اليصابات قريبتك"؟!

ولكن لأنه كان رسول الاعلانات الإلهية والأوامر الروحية فإنه لم يلفظ هذه العبارة بطريقة عامة. وكما أن الملاك الذي ظهر ليوسف في حلم، قال له: "يا يوسف ابن داود"، ليذكره بالوعد الذي وعد به الله، أن المسيح سيأتي من نسل داود. فهكذا أيضاً بالمثل ههنا. فهذه العبارة "ها اليصابات قريبتك" هي مملوءة من سر إلهي ذي وقار. وفي رأيي أن هذا السر لم يته عن العذراء، إذ كان لها نصيب من الروح القدس. ولهذا فإنها خضعت بفرح وركضت في الحال إلى اليصابات.

إن المسيح كما أنه ملك الملوك حيث هو إله ورب العالم، فإنه أيضاً دعي كاهناً أعظم حيث هو يقدم ذاته ذبيحة كفارة لتطهير خطية العالم ... قال بولس: "لاحظوا رسول ورئيس كهنة إيماننا يسوع" (عب 3). لقد نزل من فوق بطريقة اتحد فيها السبط الملكي (يهوذا) مع سبط الكهنوت (لاوي). وإذا المسيح - كملك وكاهن أعظم - قد نزل من هذين السبطين بواسطة عشيرته حسب الجسد.

لقد كُتب في الواقع في سفر الخروج - قبل أن تصدر الوصية التي تمنع أخذ زوجة من سبط آخر - أن هارون أول كاهن أعظم حسب الناموس أخذ زوجة من سبط يهوذا "اليصابات (أليشابع) بنت عميناداب" (خر 6). وعميناداب كان يتناسل حسب عشيرته من سبط يهوذا (عد 1). ولئلا يفكر شخص في عميناداب آخر أبعد الكتاب المقدس هذا الخطأ وأظهر الأمر بوضوح بقوله "بنت عميناداب اخت نحشون".

انظر التوجيه الحكيم جداً الذي للروح القدس الذي دبّر أن زوجة زكريا أم المعمدان وقريبة مريم والدة الإله تسمى اليصابات، فلنسترجع نحن ما مضى حتى اليصابات التي تزوجها هارون وبواسطتها صار اتحاد السبطين، ويعلن لنا بوضوح أنه بواسطة اليصابات هذه صارت القرابة مع العذراء.

ولكي لا يقول أحد إن السبي إلى بابل سبب إرتباكاً في اسباط الشعب اليهودي بدرجة أنه منذ تلك الحقبة لم يصر هناك تمييز بين العشائر والأسباط، أعلن عزرا في الواقع أن كل الذين رجعوا من بابل تحملوا كثيراً من المشقة وجمعوا حسب الاستطاعة اولاد هارون واللاويين الذين تبقوا لأنهم اهتموا بتقاليد اسلافهم. ويذكر المؤرخ ويقرر أنه ليس فقط سبط هؤلاء قد اعيد وإنما المدن والقرى أيضاً (عز 2). وفي نفس هذا المعنى يظهر لنا لوقا تأكيد ما قيل إذ يتكلم عن زكريا هكذا: "وكانت زوجته من بنات هارون وتسمى اليصابات" (لو 1).

والمسيح الذي قال عن نفسه "إنه يليق بنا أن نتمم كل بر" (مت 3) لم يترك شيئاً يقع بخصوص تأكيد موضوعه، وإنما بعد أن حفظ كل الأشياء ثبتها وتممها. لأن المسيح هو البداية والنهاية للناموس والأنبياء، وإله العهد القديم والعهد الجديد ...

يقولون: كيف أننا نرى لوقا ذكر في سلسلة الأنساب أشخاصاً آخرين غير أولئك الذين ذكرهم متى؟ وليس فقط أشخاصاً آخرين، وإنما أيضاً أشخاصاً عديدين أكثر في العدد من أولئك؟

وكذلك: كيف أن يوسف خطيب والدة الإله العذراء يقول عنه متى من ناحيته إنه ابن شخص يدعى يعقوب، ولوقا من جانبه يقول إنه ابن هالي؟!

الذين لم يعرفوا، والذين تعبوا بسبب هذا، نقول لهم:

إن متى من جانبه سرد النسب الطبيعي، ولوقا من جانب آخر سرد النسب الرسمي (القانوني). وهذا الذي سمح به الله سأقول شيئاً في توضيحه:

نُصَّ في ناموس موسى على أن الشخص الذي يتوفى بدون نسل لا يتزوج أرملته سوى أخيه ليقيم له نسلاً. ويحسن أن نصغي بأنفسنا إلى الأقوال الإلهية التي وردت في سفر التثنية بخصوص هذا الموضوع: "إذا سكن أخوان معاً، ومات أحدهما وليس له نسل، فإن زوجة هذا الذي مات لا تصر إلى خارج لرجل ليس قريباً لها. أخو الزوج يدخل عليها، ويتخذها زوجة ويعيش معها. والابن الذي ينجبانه يحمل اسم الميت، ولا يمحى اسمه من إسرائيل" (تث 25).

فإذا حدث أن هذا المتوفي بدون أولاد لم يكن له أخ، فإن واحداً من أقربائه يأخذ إمرأته ليقيم له نسلاً. لأن الابن الذي يولد يُنسب لهذا المتوفي حسب الناموس. وهذا النوع من الزواج يسمى الفكّ. وإذا كان النسيب الأقرب لا يريد أن يأخذ زوجة المتوفي حسبما كلف، فإن النسيب الذي يليه في القرابة لابد أن يقبل هذا الزواج، لأن الناموس نفسه يحرص على أن يقيم نسلاً لذلك الذي توفى دون أن ينجب بنين. وهذا الأمر مكتوب بوضوح في سفر راعوث .. قال بوعز "راعوث المؤابية إمرأة محالون، هأنذا اشتريها لنفسي زوجة، لأقيم اسم الميت في وسط أخوته وفي وسط عشيرته" (را 4)

ومن المعروف لدى الجميع، أن إنجاب الأبناء عن طريق زيجات من هذا النوع، ما هو إلا إقامة لأسم المتوفي. وبالضرورة أن الابن المولود: ينسب له الزوج الثاني للمرأة كأب حسب الطبيعة من جهة الاتصال الجسدي الذي به قد وُلد، ومن جهة أخرى فإنه - حسب الناموس - ابن المتوفي.

وبهذه الطريقة فإن يوسف خطيب القديسة العذراء ينتسب في الواقع إلى ابوين اثنين: لأنه حيث ان هالي اتخذ له إمرأة ومات دون أن ينجب بنين، فإن يعقوب - الذي كان أقرب الأنسباء إليه - تزوج بإمرأته، لكي باتصاله بها جسدياً ينجب نسلاً لهذا المتوفي حسبما امرت الشريعة. وإذ وُلد منه يوسف: فإنه كان من جهة ابناً شرعياً لهالي، ومن جهة أخرى ابناً طبيعياً ليعقوب. وبسبب هذا قال متى من جانبه إن يوسف هو ابن يعقوب، ولوقا من الجانب الآخر قال إنه ابن هالي. أحدهما نسب إلى الطبيعة، والأخر إلى الشريعة.

لقد ذكر متى الآباء الطبيعيين ليوسف، وذكر لوقا الآباء الشرعيين. وإذ ذكر هالي - الذي كان حسب الشريعة أباً ليوسف - تدرّج تبعاً لذلك حتى وصل إلى ناثان الذي كان هو أيضاً ابن داود، لكي يُظهر بذلك النسب الشرعي الذي يصل بين المسيح وداود. أما متى فبإحصائه النسب الطبيعي لأولئك الذين تناسلوا من سليمان أظهر كذلك أن المسيح هو ابن لداود حسب الجسد.

وسليمان وناثان - ابنا داود - ليسا فقط ابنين لأب واحد، وإنما هما أيضاً ابنان لأم واحدة كذلك، كما يظهر من الكتاب الأول لأخبار الأيام. فذلك السفر المقدس يوضح الأمر هكذا: "وحكم داود في حبرون تسع سنين وستة أشهر، وثلاثاً وثلاثين سنة في أورشليم. وهؤلاء هم الذين وُلدوا له في أورشليم: شمعي وشوباب وناثان وسليمان. أربعة من بثشبع .." (1 أخ 3)، هذه هي إمرأة أوريا التي وقع معها داود جسدياً في زنا. وهذا الأمر لم اذكره في بساطة وفي غير أهمية، وإنما بسبب أولئك الذين يظنون أن ناثان ولد لدواد من زواج آخر طاهر، وأن لوقا حرص ألا يذكر (في سلسلة الأنساب) أحداً من أولئك الذين وُلدوا من زيجات خارجة عن الناموس!! وهذا ليس حقاً في الواقع لأنه ذكر فارص أيضاً الذي وُلد بمعاشرة ضد الناموس من يهوذا مع زوجة ابنه (ثامار) (تك 38). وإنما بواسطة هذا، أظهر أنه لأجل علاج امراض طبيعتنا أتى المسيح.

بين متى ولوقا: كان المجرى في الواقع يتشابه أحياناً ثم ينقسم متنوعاً، ويعود فيتحد مرى أخرى، ثم ينفصل من جديد، لأن الانجيليين كليهما يذكران شلتائيل: ولكن متى من جانبه يسميه - حسب الطبيعة - ابن يا كونيا. ولوقا من جانب آخر - حسب الناموس - يسميه ابن نيري. إذ حدث أيضاً تخلف عن إنجاب البنين لذلك المتوفي، فحدث اتصال جسدي بالطريقة التي ذكرناها آنفاً. والاثنان يذكران زربابل: ولكن متى من جهته يذكر أن منه أبيهود. ولوقا من جهة أخرى يذكر أن منه ريسا. ولكن نفس الاثنين خرجا من داود.

إن هناك شخصين، ابنين لداود، هما سليمان وناثان، ومنهما تفرعت الأنساب حتى وصلت إلى يوسف خطيب والدة الإله. ومن هنا يثبت أنه بواسطة النسب الشرعي والطبيعي كليهما سنصل إلى نفس النسب .. وبهذا (طبيعياً) - حسب الجسد - جاء المسيح في الحقيقة ليقيم سقطة طبيعتنا، وشرعياً لكي يحمل القوة والصحة للعاجزين والضعفاء ...

يقولون: كيف أن متى - من ناحيته - يعدّ الأجيال نازلاً بالقائمة من الآباء الأُول إلى الأبناء، إذ أنه بدأ بإبراهيم وتسلسل به حتى يوسف خطيب والدة الإله مريم، بينما لوقا - من ناحية أخرى - في سيره نحو منابع الأنهار استدار بإتجاه عكسي إذ بدأ بيوسف وأخذ يعدّ متقهقراً قائلاً في موضوع مخلصنا يسوع: "كان على ما يبدو ابن يوسف، ابن هالي .."، وصعد بهذه الطريقة على درج يقوده إلى أعلى حتى وصل إلى آدم؟؟

لما بدأ متى إنجيله كتب هكذا: "كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داود ابن إبراهيم"، وبعد هذا مباشرة شرح الأنساب إذ قال "إبراهيم ولد إسحق، وإسحق ولد يعقوب". وبعد أن ذكر أولئك الذين ولدوا من معاشرات جنسية مخالفة للشريعة، وأتى إلى نهاية إحصاء الأجيال، قال مباشرة بعد هذا: "... وأما ميلاد يسوع المسيح فكان هكذا "لما كانت مريم مخطوبة إلى يوسف، قبلما يجتمعان وجدت حبلى من الروح القدس" (مت 1)

لقد أراد متى أن يظهر طبيعتنا التي فسدت، والتي افسحت مجالاً للمخالطات والمعاشرات الجنسية، والتي قادت إلى الفساد والموت. لأنه في الواقع بعد أن تعدى الانسان الوصية، وسمع القول "أنت تراب وإلى التراب تعود"، وخرج من الفردوس، قيل مباشرة "وعرف آدم إمراته فحبلت وولدت قايين" (تك 3) .. وهكذا أورد متى الأنساب الطبيعية، التي هي نتيجة إتصالات جسدية، وأورد المعاشرات المخالفة للناموس. ولأن هذه الطبيعة الساقطة هبطت بالانسان إلى أسفل، هبط متى بالأجيال حتى وصل إلى المسيح، مظهراً حبل العذراء الذي - على عكس جيلنا - قاد إلى الخلود، وشفى ذات الطبيعة التي سقطت في المرض الذي قاست منه الفساد.

أما لوقا فلم يتبع هذه الطريقة. ولكنه لما بدأ إنجيله، روى ميلاد يوحنا المعمدان السابق، وقصَّ بشارة رئيس الملائكة جبرائيل للقديسة العذراء، والحبل الذي من الروح القدس، والميلاد الإلهي العجيب الذي كتب بطريقة مختلفة جداً ... ثم قال إنه عندما كان يسوع في الثلاثين من عمره حسب الجسد، أتى إلى الأردن وتعمد، وبالحري عمَّد المياه بنزوله فيها، وأعطاها التقديس، وجعلها لنا نحن أنفسنا حميماً كاملاً، لأنها صارت مقدسة للتطهير من كل خطية وملآنة من كل مواهب الروح. وبعد هذا بدأ يعرض الأنساب محصياً الأشخاص لا بالقرابة الطبيعية ولكن بالقرابة الشرعية حسب الناموس ... وماذا كان ذلك النسب الشرعي إن كنا نذكره؟ إنسان يموت بدون نسل، فيُنسب له بعد موته نسل بطريقة شرعية، ليقيم اسمه بعد موته .. وهذا الذي أمرت به الأقوال المقدسة كان مثالاً وصورة لكل من التبني والقيامة.

ولأن العماد هو الذي يعطي التبني الحقيقي والسمائي في اظهارنا أولاداً لله، والذي يكمل في موت يسوع وفي رجاء القيامة، لذلك فإن لوقا اللاهوتي، بعد أن ذكر عماد يسوع، أورد الأنساب الشرعية التي تعطي ظلاً للتبني، لإظهار ان هذا المثال تثبَّت بالحقيقة، وأن حالة المرض التي من الناموس أعيدت إلى الصحة بواسطة النعمة. ولهذا السبب في الواقع ذكر الأنساب من أسفل إلى أعلى، وأوصلها إلى الله. لكي نعرف أن النعمة التي تاتي بواسطة المعمودية ترفعنا وتصعد بنا إلى النسب الإلهي، حيث أنها تجمعنا أولاداً لله. تماماً كما ان خلطة الزواج التي أخذت مكاناً بعد تعدي آدم للوصية وما نتج عنها من ميلاد، جعلتنا نهبط إلى أسفل. ولإتمام هذه الصورة نزل متى بالأنساب الطبيعية إلى تحت، بطريقة كما لو كانت تدور على دولاب.

ولأن المعمودية لها قوة التبني، صرخ بولس شاهداً على ذلك: "أنتم أخذتم روح التبني" (رو 8)، وربنا نفسه هو الذي قال "إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله" (يو 3)

وما هو ضمان القيامة؟ إن بولس نفسه يظهره أيضاً عندما يكتب إلى أهل رومية بهذه العبارات "أم تجهلون أننا كل من اعتمد ليسوع المسيح، اعتمدنا لموته. فدفنا معه بالمعمودية للموت، حتى كما أقيم المسيح من الأموات بمجد الاب، هكذا نسلك نحن أيضاً في جدة الحياة. لأنه إن كنا قد صرنا مُتحدين معه بشبه موته، نصير أيضاً بقيامته" (رو 6). ولهذا السبب في الواقع سميت مياه الروح المقدسة "غسل الميلاد الجديد" (تي 5:3) بنوع من الحقيقة، أن المعمودية التي تمنح التبني هي ضمان حقيقي - وليس خداعاً - للقيامة. لأنه إن لم تكن هناك قيامة، فبالأولى لا تكون هناك المعمودية التي تعطي رجاء القيامة. حيث مثال القرابة الشرعية يعطي - بواسطة التبني - لذلك الذي أخطأ وصار ميتاً، القيامة في صورة وفي ظل.

رد مع اقتباس
 


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
الأنبا ساويرس الأنطاكي
نقل جسد القديس ساويرس الأنطاكي
شجرة الأنساب _ ساويرس الأنطاكي
شجرة الأنساب _
من أقوال الأنبا ساويرس الأنطاكي


الساعة الآن 11:24 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024