السهر الدائم
13: 33- 37
ما قلته لكم أقوله للجميع: "كونوا ساهرين".
تردّدت أربع مرات كلمة "اسهروا، كونوا ساهرين"، فدلّتنا على المعنى العام لهذه المقطوعة. نحن بحاجة إلى سهر في كل ساعة ودقيقة لئلا يفوتنا مجيء ابن الإنسان. يشبّهنا يسوع بحرّاس الليل. ويذكر الهجعات الأربع (الساعة 6، 9، 12، 3): المساء، منتصف الليل، صياح الديك، الصباح. وفي كل هجعة يبدّل الحرس.
نحن لا نعرف زمن مجيئه. ولكن هذا لا يعني أنه يجب أن يفاجئنا كضابط يقوم بعمل المراقبة. بل هو يشدّد على ضرورة أن نكون مستعدّين. على هذا يتوقّف مستقبل "البيت"، مستقبل الكنيسة. فالبيت عند مرقس يدلّ على الجماعة.
هي أقدم كلمة نتحدّث فيها عن الجماعة التي هي بيت ناشط مثل قفير النحل.
الكنيسة تتحرّك. ولكلّ منّا مكانه. ولكلّ واحد عمله ومسؤوليّته و"سلطته". قد يكون العبيد أوّل المندهشين وهم الذين اعتادوا أن ينفّذوا الأوامر. والأعمال موزّعة أفضل توزيع. ولكن لا يُذكر إلاّ البوّاب. فهو الذي ينبّه الناس في الوقت المناسب. نحن نفهم لماذا قيل هذا الكلام "للجميع". فقد يظنّ التلاميذ أن لبعض الناس وحدهم مسؤولية البيت. لا، فكلّ واحد معنيّ شخصيّاً. هذا ما فهمته جماعة مرقس، وما يجب أن تفهمه جماعاتنا. نقول: نحن مؤمنون عاديّون، ونحن نتبع رؤساءنا! لا، فالمسيح يسألنا عن درجة انتمائنا إلى الكنيسة التي هي كعمل يُعمل أو يجب أن يَعمل بكامل طاقته لكي يتواصل النموّ ولا يتوقف.
يشدّد النصّ على غياب السيد أكثر منه على مجيئه. والأمر واضح أكثر في نصّ لوقا (12: 36) الموازي لهذا النصّ. هذا هو المعيار الذي يساعدنا على التحقّق من حيويّة الكنيسة. هل تستطيع أن تدبّر أمورها وحدها؟ حين كان المسيح هنا، كانوا يعتمدون عليه. فإذا نسينا مسؤولياتنا اليوم، راح "البيت" إلى الدمار، والقارب إلى الغرق. ولكن الكنيسة هي نحن. حدّثنا مرقس في النص السابق عن الطرق التي بها نتعرّف إلى المسيح. والإشارة الجدّية الوحيدة هي أن لا نضطرب، أن ننتظر بهدوء. حين تورق الأغصان، نعرف أن الربيع جاء. وربيع الكنيسة يظهر حين يعمل كل واحد جهده ليصبح الإنجيل قوّة فاعلة في قلب العالم.
قد تكون المقاييس غامضة. هذا لا يهمّ. فالجوهر هو سهر متواصل استعداداً لمفاجأة سعيدة. ويشدّد لوقا أيضاً على هذه المفاجأة. والمفاجأة الحقيقيّة تكون حين يصبح المسيح خادماً مثلنا من أجل العالم. السهر هو ثمرة قرار خدمة وتركيزٌ على مهمّة، فلا نترك شيئاً يعكِّر انتباهنا ويقظتنا.
لن نترك تأخّر الأيام الحلوة يلقي الضباب على عيوننا. ولن نقيم إقامة رخاء كالكسإلى في انتظار للمسيح هو أشبه بعالم الأحلام. فانتباه التلاميذ المستمرّ هو فنّ، هو حالة يقظة واعية. كل واحد منا يأخذ حذره من المخاطر التي تهدّد الأخوّة. نبحث عمّا يفيد أنانيّتنا وننام على ما حصلنا عليه. فأين المسيح في كل هذا؟
إسهروا. أي: إعملوا بضمير حيّ ما تعملون. حين تتركون الفراش، أحذروا النوم.
ولكن هناك أربع أشياء تدفعنا إلى النوم.
الأول: العادات. هي صالحة وضرورية وتسهّل العيش، شرط أن نهزّها (نحرّكها) من وقت إلى آخر لئلا تتحوّل إلى سبات عميق يخدّرنا كبعض الحيوانات خلال فصل الشتاء. نتحقّق من هذا الوضع حين نتبلبل لدى أيّ تبدّل في حياتنا.
الثاني: التردّد. خطر التردّد يجعلنا نعيش ببطء كبير: نمشي، لا نمشي. فكّر، وزِنِ الأمور ولكن لا تبقَ مدّة طويلة في هذه الحالة فتخسر قوّتك وديناميّتك.
الثالث: الانتظار. نعيش الانتظار بصورة سيّئة حين يحتلّ كلَّ فكرنا وقلبنا بحيث يمضي يوم وشهر وسنة ونحن لا نعمل شيئاً. حين أعمل هذا... حين أخرج من هذا الوضع أعمل... بل إعمل منذ الآن وقلبك مشدود إلى الأمام.
الرابع: الهم والانشغال. هذا ما يأكل حياة الإنسان. هنا نستطيع أن نعيش مقدار ثقتنا بالله. بين همومنا والله نختار الله. هذا هو سّر حياة متيقّظة. هذا هو المعنى الحقيقي للسهر. هذا يعني أننا نتعلّق بالله ونتمسّك به. مع الله لا نستطيع أن ننام ونتخدّر. يكفي أن نفتح الكتاب المقدّس لنرى ان الله لا يتركنا في الراحة. إنه الحي وهو إله الأحياء.
حين نوجّه قلوبنا إليه، حين نرفع نحوه همومنا وانتظاراتنا ومخاوفنا وآلامنا، كل شيء يتّخد معناه. حين نقول له "لا" ثم "نعم" نكون قد بدأنا الخطوة الأولى. فيعقوب لم يقدر أن ينام عند مجاز يبّوق (تك 32: 25- 33).
لن تكون لنا دوماً الحروب العظيمة، ولكن لنحذر ضعفنا ولا نقبل بالخنوع وعدم التحرّك. والخنوع ليس القبول. هناك أشياء نقبلها ولكننا نبقى ساهرين. أي: نستعدّ للتحرّك عندما يكون ذلك ممكناً.
في النهاية، أظنّ أننا ننام حين نعيش ربع حياة وكأنّ المسيح لم يأتِ بعد، أو كأنّه لا يأتي دوماً فيقول لنا: "أتريد"؟ ماذا يكون جوابنا؟
يدعونا المسيح إلى السهر. فاسهروا إذن... اليقظة الواعية هي ينبوع ديناميّة. تفتح عيوننا على العالم وتفهمنا معنى المسؤولية. كم ان هذا السهر بعيد عن القلق الذي يثقل قلبنا بالهموم والانشغالات. القلق هو مصدر حزن. أما الانتظار المسيحي فعلامته الفرح