رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الرب الديَّان: لم يكن داود النبي منهمكًا بنصراته على الأعداء الظاهرين، وإنما انغمس بكُلّيته في الحضرة الإلهية وعمل الله العجيب معه، ممجدًا إياه كديان عادل [1-8، 15-20]، وكملجأ حصين [9]، وكمخلص وفادٍ من العدو الحقيقي [13-14]. "في ارتداد عدوي إلى خلف يضعفون ويهلكون جميعًا من وجهك، لأنك صنعت حكمي وانتقامي" [3]. إن سقط أعداؤنا الروحيون إنما يتحقق ذلك في حضرة الله. فحضوره ومجد قوته كفيلان بتدمير أعداء شعب الله. تحقق هذا عندما تقدم ربنا يسوع المسيح، قائلًا: "أنا هو"، رجع أعداؤه إلى الوراء وسقطوا على الأرض (يو 18: 6). I. ظل جليات لمدة أربعين يومًا يهين الله بينما كان شاول الملك وكل جيشه في عار. أما داود - الشاب التقي - فقد آمن بالله الديان العادل الذي لا يمنع الأشرار عن ممارستهم شرورهم ولكن إلى حين. ففي الوقت المناسب يحكم لشعبه بالعدل ويخلص الانقياء من فخاخهم الشريرة المنصوبة لهم، بينما يترك الأشرار يجنون ثمار شرورهم الآثمة إن أصرُوا على عدم التوبة. يظهر كمال مجد الله وكرامته حين يحكم على الأشرار ويعاقبهم، إذ يقول المرتل: "في ارتداد عدوي إلى خلف يضعفون ويهلكون جميعًا من وجهك" [3]. هكذا يتكئ المؤمن في حضن الرب (يو 13: 23)، مدركًا أن الله الطويل الأناة ينتظر توبة الجميع، حتى مضطهديه! وهو في نفس الوقت عادل لا يمكنه أن يترك الشر إلى الأبد. يرى بعض آباء الكنيسة أن هذه الفقرة إنما تشير إلى اليهود المقاومين للسيد المسيح. * هكذا كان الحال مع اليهود، إذ قالوا ينبغي عليهم أن يقتلوا يسوعًا، لئلا يأتي الرومان ويأخذون موضعهم وأمتهم... الذي ذُبح، هو في السماء، والذين ذبحوه نالوا الجحيم جزاءهم . القديس يوحنا الذهبي الفم * الآن يبدأ شخص الرب في الظهور متحدثًا بالمزمور، إذ تلى ذلك القول: "أرتل لاسمك أيها العليّ، في ارتداد عدوي إلى الخلف" [2-3]. متى رجع عدوه إلى خلف؟ هل حينما قال الرب: "اذهب عني يا شيطان" (مت 16: 23). لأن ذاك الذي جَرَّب وضع نفسه أن يكون متقدمًا إلى الأمام، لكنه دُفع ليرتد إلى خلف بفشله في خداع (السيد المسيح) المُجرَّب، إذ لم يقدر أن يجد عليه شيئًا... بالحقيقة ارتد الشيطان إلى خلف. القديس أغسطينوس يمكننا القول بأن هذا تحقق في حياة السيد المسيح الذي ألزم الشيطان عدو الخير أن يتقهقر إلى خلف في خزي وفشل، ولا يزال يحقق هذا في كنيسته حين يجربها العدو ليتقدمها كرأس لها، فيرده الرأس الحقيقي إلى خلف بلا سلطان. أ. في التجربة على الجبل سمح الرب للشيطان أن يجربه، لكنه باسمنا غلب، فتقهقر العدو. ب. حين أراد الأشرار القبض على السيد المسيح، قال "أنا هو"، فلم يحتملوا حضرته بل سقطوا في خزي، حتى سلم نفسه إليهم بسماح منه. ج. يقول القديس أغسطينوس: [حينما نهرب من الشيطان مضطهدنا، ونتبع ربنا كقائد لنا، يرجع الأول متقهقرًا خلفنا]. د. يمكننا أيضًا القول بأنه عندما نقبل الصليب مع ربنا يسوع المصلوب نلبس الإنسان الجديد السماوي الذي بحسب صورة خالقه، بينما يتقهقر الإنسان القديم مرتدًا إلى الخلف. ه. جاء آدم الثاني (ربنا يسوع) في المقدمة يقود مسيرة حياتنا كلها بينما رجع آدم الأول إلى وراء. يقول القديس بولس: "الإنسان الأول من الأرض ترابي، الإنسان الثاني من السماء سماوي" (1 كو 15: 47)؛ كما يقول إنه ينسى ما هو وراء ويمتد إلى ما هو قدام (في 3: 13). هكذا إذ يتحطم بآدم الثاني عدو الخير ليرتد عنا وراءنا، ويصلب إنساننا العتيق نترنم قائلين: "لأنك صنعت حكمي وانتقامي" [3]. II. الله الديان يقيم عرش بره أو عرش ملكوته داخل القلب، لكي يُفنى بعدله جموع الخطايا التي احتلت مركزه في أعماقنا، ويهدم مدنها تمامًا ليقيم مدينته المقدسة فينا؛ إذ يقول المرتل: "جلست على العرش يا ديّان العدل. انتهرت الأمم. وهلك المنافق. ومحوت اسمهم إلى الأبد وإلى أبد الأبد. فنيت سيوفَ العدو إلى الانقضاء. وهدمت مدنًا" [4]. إذ كان مخلصنا هو ديان المسكونة، يأتي على السحاب ليحكم ويدين الأحياء والأموات، ويجازي كل واحد حسب أعماله... فإنه يقيم كرسيه الآن في قلوب مؤمنيه لكي بصليبه يدين الشر ويحطم الخطية وينزع عدو الخير عن كرسيه الذي اغتصبه. في نفس الوقت يعلن المخلص ملكوته داخلنا القائم على عدله وبره، فيتسلم بنفسه قضايا حياتنا، ولا يتركنا في أيدٍ ظالمة ولا تحت أحكام الشر الجائرة. أ. الديان العادل الجالس على العرش: كملك حين يتهيأ للبت في أمر هام وخطير يمس مملكته يجلس على العرش لينطق بالحكم؛ هكذا إذ يستلم رب المجد قضية مؤمنيه يعلن عن عرشه الإلهي، في وقار مهيب. * "جلست على العرش يا من تدين بالعدل" [4]. ينطق الابن بهذا متحدثًا مع الآب. وقد قال أيضًا: "لم يكن لك عليّ سلطان لو لم تكن قد أُعطيت من فوق" (يو 19: 11)... ديان البشر صار تحت الحكم من أجل خير البشرية، محققًا عدالة الآب وأسراره الخفية. وربما القائل هنا هو الإنسان نفسه موجهًا حديثه لله: "جلست على العرش يا من تدين بعدل"، فيدعو نفسه his soul عرش الله كما يُسمى جسده أرضًا التي هي موطئ قدمي الله (إش 66: 1)... وربما الحديث هنا عن نفس soul الكنيسة الكاملة التي بلا عيب ولا غَضَن (أف 5: 27)، المستحقة نوال معرفة الأسرار التي للابن، حيث يُدخلها "الملك إلى حجاله" (نش 1: 4). فتقول لعريسها: "جلست على العرش يا من تدين بعدل"، إذ قمت من بين الأموات وصعدت إلى السموات وجلست عن اليمين... القديس أغسطينوس ب. انتهرت الأمم: ما هي الأمم التي ينتهرها الرب الجالس في نفوسنا كما في كنيسته بكونها عرشه إلا الخطايا والشرور؟ فحيث يملك الرب لا يمكن أن يبقى الشر، لأنه لا شركة بين النور والظلمة. ليدخل الرب إلى أعماقك، فتهتز كل الضعفات، ويملك داخلك ببره، واهبًا إياك قداسته وثمر روحه القدوس. ج. هلك المنافق: تحدث عن الخطايا (الأمم) بصيغة الجمع، أما وراء هذه الخطايا فيوجد عدو واحد ضد البشرية هو إبليس المنافق. * العدو الذي يتحدث عنه المرتل جاء بصيغة الفرد لا الجمع؛ وقد فقدت سيوفه حدها؛ مَن هذا إلا إبليس الذي أسلحته هي آلاف النظريات الخاطئه المنحرفة التي يستخدمها كسيوف قاطعة تدخل بالنفس إلى الموت...؟ القديس أغسطينوس د. محوت اسمهم إلى الأبد: لن تبقى بل تُباد، ولن يدم سلطان إبليس وجنوده، وإنما تُمحى اسماؤهم ويبيد ذكرهم. ه. فنيت سيوف العدو: يعتز العدو بظلمه، حاسبًا أنه يرهب بسيفه الاتقياء... لكن إذ يدين الله الشر يُنتزع هذا السيف، ليُعلن سيف كلمة الله الذي يبتز الشر ويفصله فيتمجد برّ الله. يفنى سيف العدو بالسيف الخارج من فم السيد المسيح (رؤ 1: 16). وكما يقول المرتل: "تقلد سيفك على فخذك أيها القوي، بحسنك وجمالك استله وانجح وأملك" (مز 45: 5). و. هدمت مدنًا: يبيد الله كل أثر للخطية: ينتهر الأمم، ويمحو اسمهم، ويحطم سيوفهم، ويهدم مدنهم... بهذا يتم خراب العدو تمامًا فلا يجد في قلوبهم له موضعًا يستقر فيه. يحطم الديان مدن العدو التي فينا ليقيم لنا المدينة الباقية التي لها أساسات صانعها وبارئها هو الله. * هدمت مدنهم، أي أولئك الذين شابهوا الأبراج والمدن. القديس كيرلس الإسكندري * هذه المدن هي المواضع التي يجرفها الشيطان بآرائه الدنسة المضللة، كما لو كانت قلاع ملوكية... سكان تلك المدن ما هي إلا الشهوات الحسية والعواطف اليومية المثيرة المتضاربة في الإنسان... يحطم ربنا هذه المدن عندما يطرد رئيسها كما اخبرنا: "الآن يُطرح رئيس هذا العالم خارجًا" (يو 12: 31)... بهذا يتحقق قول الرسول: "إذن لا تُملّكَنَّ الخطية في جسدكم المائت" (رو 6: 12). القديس أغسطينوس |
|