رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
سبب هذا التفاوت في الخطايا فليس كامناً في الإنسان، بل في نعمة الله الضابطة. فالقلب هو هو في الناس أجمعين. إذ في كل زمان ومكان تطلع في جميع البشر التصورات والرغبات الشريرة عينُها. وتصورات القلب إنما هي شريرةٌ منذ الحداثة. ولو تخلى الله عن البشر وأسلمهم إلى أهواء قلوبهم، لصارت الأرض جحيماً ولم يكن يُطاق مجتمع بشري ولا تاريخ بشري. ولكن مثلما تبقى النار في جوف الأرض مكبوتة بفعل قشرة الأرض اللبة، بحيث لا تتفجر في صورة ثورات بركانية رهيبة إلا بين حينٍ وآخر وفي أماكن محدودة، فكذلك تبقى الأفكار والشهوات الشريرة داخل القلب البشري مكبوتةً ومقيدة من كل ناحية بفعل الحياة الاجتماعية. فالله لم يُلقِ حبل الإنسان على غاربه، بل يجعل الحيوان الوحشي الذي في داخل الإنسان مشدوداً بزمام ولجام، وذلك في سبيل أن يحفظ تعالى مشورته من جهة الجنس البشري ويتمِّمها. إذ يُبقي الله في داخل الإنسان على عمل المحبة الطبيعية، والشوق إلى العشرة، والإحساس الديني والخُلُقي، والضمير وفكرة القانون، والعقل والإرادة. ثم يضع تعالى الإنسان في أسرة ومجتمع ودولة تعمل جميعها على ضبطه وإلزامه وتدريبه كي يعيش حياة محترمة مدنياً واجتماعياً. وذلك بما تشيعه تلك المؤسسات من رأي عام، ومفاهيم عن الكرامة والشرف، ورغبةٍ في العمل، ونظامٍ وانضباط، وقانونٍ وعقاب، وما إلى هذا. بواسطة هذه العوامل العديدة والفعالة كلِّها، يُتاح للإنسان الخاطئ، رُغم كل شيء، أن يحقق خيراً كثيراً. فعندما تقول العقيدة المعروفة "بإقرار إيمان هايدلبرج" إن الإنسان عاجزٌ كلياً عن فعل أي خير وميالٌ إلى كل شر، تقصد بهذا الخير - على حد ما تُبين بكل وضوحٍ بنود الرد على المعترضين - الخير المخلِّص. |
|