إن هاتين المحاولتين لتفسير شمولية الإثم للجنس البشري كله تصلان في نهاية المطاف إلى هذه الحصيلة الواحدة:
أنهما تبحثان عن علة ذلك في سقوط كلِّ إنسانٍ بمفرده.
فحسب البيلاجيوسية، يسقط كلُّ إنسان بالاستقلال عن غيره، وهو يفعل ذلك إذ يختار حراً أن يقتدي بقدوة الآخرين السيئة.
وبحسب شبه البيلاجيوسية، يسقط كلُّ إنسانٍ لوحده لأنه باختياره الشخصي يُدخِل الرغبة الموروثة، لكن غير الخاطئة، إلى حيِّز إرادته ويحيلها فعلاً خاطئاً.
فكلتا النظريتين لا تُنصف الحقائق الخُلُقية المؤكدة في ضمير كل إنسان، وكلتاهما لا تفسر كيف يُمكن لطبيعة الإثم الشاملة التي تعمُّ الجنس البشري كلَّه أن تنشأ من ملايين الملايين من القرارات التي تتخذها الإرادة البشرية. بيد أن هاتين النظريتين قد اكتسبتا في الزمن الحديث مؤيدين عديدين، وإن كانتا قد اتخذتا شكلاً جديداً ومختلفاً. وقد كان فيما مضى قومٌ يقولون بوجود سابقٍ للإنسان.
غير أن للتأثيرات البوذية أعطت هذا المعتقد قوة دافعة كبيرة في السنين الأخيرة.
فيفترض أن الإنسان عاش منذ الأزل، أو على الأقل قروناً قبل ظهوره على الأرض؛ وإلا ؛ وهنا يطالعنا شكلٌ من النظرية أكثر اتصافاً بالفلسفة - فيجب تمييز حياة الإنسان الحسية على الأرض عن ذلك الشكل السابق لوجوده القديم الذي يُمكن إدراكه جيداً وإن كان مستعصياً على التصور.