منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 14 - 02 - 2022, 11:30 AM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,270,072

المُرسلون الاثنا عشر ووصايا يسوع لهم

المُرسلون الاثنا عشر ووصايا يسوع لهم






النص الإنجيلي (مرقس 6: 7-13)

7 ودَعا الآثَنيْ عَشَر وأَخَذَ يُرسِلُهُمُ اثنَينِ اثنَين، وأَولاهُم سُلْطاناً على الأَرواحِ النَّجِسَة. 8 وأَوصاهُم أَلاَّ يَأخُذُوا لِلطَّريقِ شَيئاً سِوى عَصاً: لا خُبزاً ولا مِزوَداً ولا نَقداً مِن نُحاسٍ في زُنَّارِهم، 9 بل: لِيَشُدُّوا النِّعالَ على أَقْدامِهم، ((ولا تَلبَسوا قميصَين)). 10 وقالَ لَهم: ((وحيثُما دَخَلتُم بَيتاً، فأَقيموا فيه إِلى أَن تَرحَلوا. 11 وإِن لم يَقبَلْكُم مَكانٌ ولم يَستَمِعْ فيه النَّاسُ إِليكم، فارحَلوا عنهُ نافِضينَ الغُبارَ مِن تَحتِ أَقدامِكم شَهادَةً علَيهم)). 12 فمَضَوا يَدْعونَ النَّاسَ إِلى التَّوبَة، 13 وطرَدوا كَثيراً مِنَ الشَّياطين، ومَسَحوا بِالزَّيْتِ كَثيراً مِنَ المَرْضى فَشَفَوْهم.

مقدمة

إن كان أهل وطن يسوع قد رفضوه، لم يقف هذا الرفض حائلاً أمام محبة يسوع تجاههم وتجاه البشرية، بل دعا يسوع في البداية تلاميذه "الَّذينَ أَرادَهم هو فأَقبلوا إِلَيه. فأَقامَ مِنهُمُ اثنَي عَشَرَ رسولا لِكَي يَصحَبوه، فيُرسِلُهم يُبَشِّرون (مرقس 3: 13-14)، وإنجيل اليوم يُبين وصايا يسوع للاثني عشر لدى إرسالهم الأول للتبشير بالإنجيل (مرقس 6: 7-12)؛ ومن هنا تكمن أهمية البحث في وقائع النص الإنجيلي وتطبيقاته.

أولاً: تحليل وقائع النص الإنجيلي (مرقس 6: 7-12)

7 ودَعا الآثَنيْ عَشَر وأَخَذَ يُرسِلُهُمُ اثنَينِ اثنَين، وأَولاهُم سُلْطاناً على الأَرواحِ النَّجِسَة

تشير عبارة "دَعا "إلى نداء يسوع إلى الاثني عشر ليَصحبوه ويمكثوا معه ويشاركونه في نشاطه، ويستفيدون من تعليمه، ويشاهدون عجائبه (مرقس 3: 13-19). أمَّا متى الإنجيلي فذكر دعوة المسيح لرسله وتعيينه إياهم رسلا (متى 10: 1-15) ولكنه ذكر أوامر المسيح لهم زيادة على ما قاله مرقس الإنجيلي، لان غاية مرقس تبيين أعمال المسيح لا كلامه. أمَّا عبارة "أَخَذَ يُرسِلُهُمُ" فتشير إلى إرسال يسوع الاثني عشر إلى الجموع شفقة عليهم كما روى متى الإنجيلي " رأَى يسوع الجُموعَ فأَخذَته الشَّفَقَةُ علَيهم، لأَنَّهم كانوا تَعِبينَ رازِحين، كَغَنَمٍ لا راعيَ لها " (متى 9: 35-38)، تلك الشفقة دفعت يسوع إلى إقامة هؤلاء الاثني عشر لرسالة التبشير. أمَّا عبارة الآثَنيْ عَشَر" فتشير إلى احدى تسميات تلاميذ يسوع الأولين. والتسمية الأولى هي "الرسل" (مرقس 6:30). والرسول هو المرسل المفوّض (متى 10: 40). وأمَّا العدد 12 فيناسب عدد أسباط إسرائيل الاثني عشر (متى 19: 28). ويدل الرقم (12) أيضا على الكمال، وبالتالي على البلاد كلها وعلى الكنيسة كلها. وأمَّا رسل يسوع الاثني عَشَر (لوقا 6: 14-16) فهم: سمعان بطرس ابن يونا وهو صياد من بيت صيدا، سمّاه يسوع "صخرة" ليجعله صيادا للناس؛ ويعقوب بن زبدى، وهو أول تلميذ استشهد على يد هيرودس أغريبا (أعمال الرسل 12: 1)، ويوحنا أخو يعقوب، ابن زبدى صياد من بيت صيدا وأطلق يسوع عليه وعلى أخيه يعقوب "ابني الرعد"، وهو التلميذ الذي كان يسوع يُحبُّه، وأوصاه أن يعتني بأمِّه مريم بعد موته لانَّ سالومة، أم يوحنا، هي أخت مريم أم يسوع (يوحنا 19: 15)؛ وأندراوس اخو بطرس صياد من بيت صيدا في الجليل، وهو أول رسول دعاه يسوع وكان قبل ذلك تلميذاً ليوحنا المعمدان وقد أخبر بطرس عن يسوع؛ وفيليبس وهو صياد من بيت صيدا في الجليل أخبر نتنائيل عن يسوع ؛ وبرتلماوس (نثنائيل) من قانا الجليل وهو صيَّاد وصديق فِيلُبُّسُ؛ وقد رفض يسوع لأنه من الناصرة ولكنه عندما قابله اعترف بانه ابن الله فقال عنه يسوع انه رجل إسرائيلي لا غشَّ فيه؛ ومتّى (لاوي) من كفرناحوم وكان عشارا، جابي ضرائب، دعاه يسوع ليكون تلميذا فكتب بإرشاد الروح القدس إنجيل متى؛ وتوما كان يقال له التَّوأم أيضاً حيث أن اسمه مشتق من الآرامية "توماس" الذي يعنى التَّوأم، وهو الذي أبى أن يؤمن بأن يسوع قام إذا لم يراه حياً ويلمس جراحه؛ ويعقوب بن حلفى المعروف بيَعْقُوبَ الصَّغِيرِ؛ ويهوذا بن يعقوب الملقب تدّاوس وهو الذي سأل يسوع لماذا سيظهر نفسه لأتباعه وليس للعالم؛ وسمعان ولقبه "القانوي" هي لفظة عبرية (כנה) لكلمة الغيور، وقد صار تلميذا ليسوع؛ وبحسب القديس ايرونيموس فإنَّ هذا الرسول هو من قرية قانا الجليل. وأخيرا يهوذا الإسخريوطي الذي صار تلميذا ليسوع فدعاه يسوع شيطانا وقال إنه سيسلمه، وفي الواقع خان يسوع بثلاثين من الفضة ثم قتل نفسه. وقد تمّ استبداله بمتِّياس أو متيَّا (أعمال الرسل 1: 26). أمَّا عبارة "أَخَذَ يُرسِلُهُمُ" فتشير إلى الذهاب إلى جميع أنحاء العالم للتبشير بالإنجيل بعد ما عاشوا خبرتهم مع يسوع. أمَّا عبارة "اثنَينِ اثنَين" فتشير إلى الشهادة التي لا تصح إلاَّ بشاهدين (تثنية الاشتراع 17: 6) والاثنين يدل على الشركة. ويسوع يرى أنّه ليس حسنًا أن يقوم الإنسان برسالته وحده. وعبارة ليس حسنًا لا تعني لا يجوز. إنّها تعني فقط أنّه من الحسن، من الأفضل، تتمّ في إعلان بشرى يسوع جماعيًّا. الجماعة هي الشاهدة على المحبّة التي أراد يسوع أن ينشرها بين الناس، وأراد تلاميذه أن يكونوا شهودًا لها. ولذلك لم يعلن يسوع رسالته وحده، ثمّ تبعه أتباع، بل منذ البداية أراد أن يعلنها انطلاقًا من جماعة. إنّ ضرورة إعلان المسيح انطلاقًا من الجماعة تضرب جذورها في سرّ الثالوث. فالثالوث جماعة: آب وابن وروح قدس. وربما أيضا من أجل الأمان حيث أن الواحد يستطيع أن يسند الآخر إذا سقط كما يقول سفر الجامعة "إِذا سَقَطَ أحَدُهما أَنهَضَه صاحِبُه والوَيلُ لِمَن هو وَحدَه فسَقَط إذ لَيسَ هُناكَ آخر يُنهِضُه" (جامعة 4: 10). ومن هذا المنطلق، فان إحدى فوائد ذهاب المرسلين اثنين إثنين هو العمل كفريق، ومساندة الواحد الآخر وتشجيع بعضهما البعض، خاصة عندما يواجَهان بالرفض. ويُعلق البابا غريغوريوس الكبير" أرسل الرب تلاميذه للكرازة اثنين اثنين، لوجود وصيتين عن المحبة: محبة الله ومحبة قريبنا، والمحبة لا يمكن أن تقوم بين أقل من اثنين. بهذا أعلن لنا يسوع أن من ليس له محبة نحو قريبه لا يمكنه قبول عمل الكرازة بأية وسيلة ". والكنيسة لا تعمل وحدها، بل في مجموعة. هذه هي مشيئة يسوع. وهكذا ذهب برنابا مع بولس ثم سيلا مع بولس للتبشير في الإنجيل. أحدهما يعظ والآخر يصلى. أمَّا عبارة "أَولاهُم سُلْطاناً على الأَرواحِ النَّجِسَة" فتشير إلى سلطة الرسل على قوى الشر، والشر هو عدو الخير الذي قد يملك على قلب الإنسان. فالحاجة ملحَّة للسلطان ضد هذا العدو. ليست ثمة عداوة بين التلاميذ وأي إنسان مهما كان شريرًا أو مقاومًا، إنما العداوة ضد الشرير، عدو الخير نفسه الذي يخدع القلوب ويحوّلها لحسابه. وأعطاهم يسوع سلطانا إثباتا لشهادتهم كما كانت معجزاته أثباتا لشهادته. واقتصر مرقس بذكر سلطان على الأرواح النجسة لأنه اعتبره أعظم المعجزات فمن استطاعه، استطاع سائر المعجزات (مرقس 6: 13).

8 أوصاهُم أَلاَّ يَأخُذُوا لِلطَّريقِ شَيئاً سِوى عَصاً: لا خُبزاً ولا مِزوَداً ولا نَقداً مِن نُحاسٍ في زُنَّارِهم

تشير عبارة "أوصاهُم" إلى توجيه يسوع امرأ إلى رسله باستخدام الوسائل التي يضعها تحت تصرّفهم كي يستطيعوا أن يكونوا رسلاً. وأمَّا كلمة "عصا" فتشير إلى رمز السلطة (الصولجان) أو الدفاع عن النفس (سلاح)، وتدل أيضا على الحماية من العدو. لكنها هنا تشير إلى عصا الحجاج الذي يساعد المرسل في مسيرته بسرعة حيث يتكئ عليها في الطريق، أو يستخدمها للدفاع عن نفسه حتى ضد الكلاب التي تجول في القرى والحقول (خروج 7:11). وهي إشارة إلى الاتكال على السيد المسيح في كل شيء. ويعلق الراهب إسحَق السريانيّ " مخافةُ الله هي عصا الراعي الأبويّة التي تقودنا لتبلغَ بنا النعيمَ الروحيّ، وما إن نبلغه حتّى تتركنا هناك وترحل"(خُطب روحيّة، السلسلة الأولى، الرقم 72). وينفرد إنجيل مرقس في ذكر "العصا"، حيث لا ذكر "للعصا" و"النعال" في إنجيل متى (متى 10: 10)، وإنجيل لوقا (لوقا 9: 3)؛ إذ إن الكنيسة تكيَّفت مع أقوال يسوع عن أوضاع المُرسلين الجديدة خارج فلسطين، لأن العصا والنعال يعتبران من الأمور الضرورية، دون مخالفة الفقر. أمَّا عبارة "مِزوَداً" فتشير إلى كيس صغير يضع اليهود فيه الطعام لحفظه أثناء سفرهم. أمَّا عبارة "نُحاسٍ في زُنَّارِهم" فتشير إلى النقود التي كانت من الذهب والفضة والنحاس. وأعتاد اليهود أن يحملوا العملات الصغيرة في منطقة أي ثنية في رداء المنطقة تستعمل كما نستعمل الجيوب الآن. والمنطقة تُربط على القميص والرداء معًا. إنه يمنعهم من قليل القليل. أمَّا عبارة "لا خُبزاً ولا مِزوَداً ولا نَقداً مِن نُحاسٍ في زُنَّارِهم" فتشير إلى عدم اعتماد الرسل على القدرات والموارد البشرية والضمانات البشرية، إنما على ضيافة من يستقبلهم حيث أن من واجب المرسلين أن يعيشوا روح الفقر وان يضعوا ثقتهم بالله الذي يعولهم ويهتم بهم. ويُعلق القديس أمبروسيوس"يُظهر الإنجيل صفات الكارز بملكوت الله... فإنه إذ لا يطلب عونًا من موارد هذا العالم ويسلم نفسه للإيمان، يدرك أنه كلما ترك طلب خيرات الأرض ازدادت بالنسبة له". أوصاهم الرب ألاَّ يأخذوا لا خبزا ولا نقودا ليكون نفسه هو طعامهم وشرابهم وغناهم".

9 لِيَشُدُّوا النِّعالَ على أَقْدامِهم، ولا تَلبَسوا قميصَين

تشير عبارة "النِّعالَ" إلى الصندل. لعل هذه الوصية تشير إلى التحرك المستمر والوعظ غير المنقطع، حيث يكون المرسل سائرًا بنعليه بغير توقف. ورد ذكر النعال والعصا في إنجيل مرقس وذلك لضرورتهما خارج فلسطين، في حين أنَّ متى الإنجيلي (متى 10:10) ولوقا (لوقا 9: 3) لم يذكرا العصا والنعال نظراً لعدم الحاجة لهما داخل فلسطين. فالكنيسة كيَّفت أقوال يسوع على أوضاع المُرسلين الجديدة خارج فلسطين، حيث العصا والنعال قد تكون أمورا ضرورية، دون مخالفة الفقر. أمَّا عبارة "لا تَلبَسوا قميصَين" فتشير إلى حاجة المرسل إلى ثوب واحد يقيئه من برد الليل. والثوب هو الرداء الخارجي، وهو مماثل للعباءة الرومانية. إذ اعتاد اليهودي أن يلبس القميص أو اللباس الداخلي والرداء الخارجي أو عباءة أو شملة، يرتديها في النهار ويتغطى بها ليلًا. والمنطقة تربط على القميص والرداء معًا. واللباس للرأس، أي عمامة بيضاء أو زرقاء أو سوداء. والاكتفاء بقميص واحد دلالة على الثقة التامة بالرب حيث قال يسوع في خطبة الجبل "فلا تَهْتَمُّوا فَتقولوا: ماذا نَأكُل؟ أو ماذا نَشرَب؟ أو ماذا نَلبَس؟ فهذا كُلُّه يَسْعى إِلَيه الوَثَنِيُّون، وأَبوكُمُ السَّماويُّ يَعلَمُ أَنَّكم تَحْتاجونَ إِلى هذا كُلِّه" (متى6: 25-35). فلا غنى لهم إلاَّ يسوع. ويريد يسوع مرسلين زاهدين في العالم كما جاء في تصريح بطرس الرسول "ها قد تَركْنا نَحنُ كُلَّ شَيءٍ وتَبِعناكَ (مرقس 10: 28). وهذا التجرد هو النتيجة المنطقية لقرار إتِّباع يسوع والتكرّس للإنجيل. ومن هذا المنطلق، يُبشر المرسلون بملكوت الله قبل كل شيء بأسلوب حياتهم.

10 وقالَ لَهم: وحيثُما دَخَلتُم بَيتاً، فأَقيموا فيه إِلى أَن تَرحَلوا

تشير عبارة "وقالَ لَهم" إلى الانتقال من الأسلوب غير المباشر إلى الأسلوب المباشر.أمَّاعبارة "حيثُما دَخَلتُم بَيتاً" فتشير إلى الكلام عن واجب الضيافة للمُرسلين، وعلى المرسلين أن يعتمدوا على عطايا وكرم أهل البيت الذين قدَّموا الكرازة لهم؛ فبصفتهم رسل المسيح هم مستحقون إعالة الشعب إياهم، كما جاء في تصريح متى الإنجيلي "لأَنَّ العامِلَ يَستَحِقُّ طَعامَه" (متى 10: 10)؛ فقد كان للربّايين حقٌ في العيش من عطايا تلاميذهم في أوضاع معينة كما يؤكد بولس الرسول "إِنَّ العامِلَ يَستَحِقُّ أُجرتَه" (1 طيموتاوس 5: 18). تشير تعليمات يسوع إلى إقامة المرسلين في بيت معين واتخاذه كمركز إشعاع ومنه ينتقلون من بيت إلى بيت (لوقا 10:7).

11 وإِن لم يَقبَلْكُم مَكانٌ ولم يَستَمِعْ فيه النَّاسُ إِليكم، فارحَلوا عنهُ نافِضينَ الغُبارَ مِن تَحتِ أَقدامِكم شَهادَةً علَيهم

تشير عبارة "وإِن لم يَقبَلْكُم مَكانٌ ولم يَستَمِعْ فيه النَّاسُ إِليكم" إلى احتمال رفض الناس لاستقبال التلاميذ بل معارضتهم (متى 1: 5-16). لقد واجه يسوع حالات لم يُستقبل فيها (مرقس 6: 1-6). إن الرسالة ليست أمرا سهلا. أمَّا عبارة "نافِضينَ الغُبارَ مِن تَحتِ أَقدامِكم" فتشير إلى عمل رمزي للرفض وقطع العلاقات والدينونة. يرى القديس يوحنا الذهبي الفم في هذا التصرف "علامة مرعبة، تجعل التلاميذ لا يفقدون جراءتهم بل يزدادون شجاعة، فإنهم يُعلنون أنهم ينفضون كل ما هو مادي، يتركون لهم ترابهم وفكرهم الأرضي، ليعيشوا ملتصقين بما هو سماوي". وهذا ما فعله الرسولان بولس وبرنابا في انطاكية بسيديه (أعمال الرسل 13: 51). أمَّا من تقبل المُرسل فيحّل السلام على من يستقبله، ولكن إذا لم يستقبله يكون موقف المُرسل سلبياً؛ ينفض الغبار عن أقدامه وهذا يعني انه لا يريد أن يأخذ معه شيئا من هذه البيت الذي لم يكن أهلا لقبول تقبل الإنجيل، فيقطع العلاقة معه ويحل الحرم. كان اليهود الأتقياء ينفضون التراب عن أقدامهم بعد مرورهم بمدن الأمم الوثنية تعبيراً عن انفصالهم عن التأثيرات والممارسات الأممية. ويُعلق القديس يوحنا الذهبي الفم" بأن هذا الفكر يقوم على ما اعتاد اليهود قديمًا حينما كانوا ينطلقون خارج فلسطين، ففي عودتهم إليها ثانية ينفضون الغبار قبيل دخولهم الأرض المقدسة، ليُعلنوا أنهم عادوا إلى أرض الموعد، وهم لا يحملون دنس العالم الوثني وترابه، بل هم بالحق محبُّون للقداسة". وعندما كان التلاميذ ينفضون التراب عن أقدامهم بعد مغادرتهم مدينة يهودية، كان ذلك دليلاً قوياً على أن الناس قد رفضوا يسوع ورسالته. وبما أنَّ البيت لم يقبل يسوع، فستكون دينونته كدينونة المدن التي رفضت كلمة الله: "الحَقَّ أَقولُ لَكم إِنَّ أَرضَ سَدومَ وعَمورة سَيكونُ مَصيرُها يَومَ الدَّينونةِ أَخفَّ وَطأَةً مِن مَصيرِ تِلكَ المَدينة" (متى 11: 24). فمسؤولية التلاميذ تكمن في إيصال رسالة خلاص المسيح بأمانة للآخرين، ولا لوم عليهم إذ رُفضت. أمَّا عبارة "شَهادَةً علَيهم" فتدل على شهادة ذات قيمة قضائية يُدلى بها على أحد الأشخاص (مرقس 6: 11) أو أمامه أو شهادة لديهم (مرقس 13: 9). يبدو أن هذه الشهادة تكون للتأييد أو الاتهام وفقا لكيفية قبولها. كما قبل الناس يسوع بالرفض، هكذا سيقابلون تلاميذه.

12 فمَضَوا يَدْعونَ النَّاسَ إِلى التَّوبَة

تشير عبارة "فمَضَوا" إلى إطاعة لأمر المسيح وجالوا في قرى الجليل (لوقا 9: 6). أمَّا عبارة "التَّوبَة" فتشير إلى افتتاح تبشيرهم بالتوبة كما افتتح يوحنا المعمدان كلام تبشيره بالتوبة (مرقس 1: 4) وكما فعل المسيح أيضا (مرقس 1: 15). والتوبة تقوم بتغيير التفكير والاتجاه، وبالتالي السلوك والعمل وتغيير القلب. وهي أول مهمة تفرضها إرسالية يسوع في سبيل مجيء ملكوت الله، وهي إعلان التوبة كما أعلنها يسوع: "تَمَّ الزَّمانُ وَاقْتَرَبَ مَلَكوتُ الله. فَتوبوا وآمِنوا بِالبِشارة" (مرقس 1: 15). وهذه المهمة تقتضي ضرورة الارتداد وتغيير الحياة.

13 وطرَدوا كَثيراً مِنَ الشَّياطين، ومَسَحوا بِالزَّيْتِ كَثيراً مِنَ المَرْضى فَشَفَوْهم

تشير عبارة "طرَدوا كَثيراً مِنَ الشَّياطين" إلى المهمة الثانية التي تفرضها إرساليه يسوع في سبيل مجيء ملكوت الله. وتقوم هذه المهمة على مقاومة قوى الشر كي يعيش الناس في سلام بعضهم مع بعض، لان الشيطان يضع الفساد والعداوة بين الناس. وقدّم مرقس البشير هذه المعجزة على كل ما ذكره من المعجزات كأنها أعظم من الكل. وهذه المهمة في طرد الشياطين تُثبت صحة تعاليمهم. أمَّا عبارة "مَسَحوا بِالزَّيْتِ كَثيراً مِنَ المَرْضى فَشَفَوْهم" فتشير إلى المهمة الثالثة التي تفرضها إرساليه يسوع، وهي شفاء المرضى وتحسين نمط الحياة. وهذه المهمة تُثبت صحة تعاليمهم. ويخضع طرد الشياطين وشفاء المرضى لسلطان يسوع. فالمرض دليل لسيطرة الخطيئة والشيطان، والشفاء دليل الانتصار على الشيطان (متى 17:18). فالكرازة بالإنجيل لا توجّه إلى الروح والعقل فحسب، إنما أيضا إلى الجسد وصعوبات الحياة البشرية. أمَّا عبارة "مَسَحوا بِالزَّيْتِ" فلا تشير إلى المعالجة الطبية لتخفيف الألم عن الجروح (لوقا 10: 34)، أو علاجا كما اعتاد اليهود (أشعيا 1: 6) بل تشير إلى علاقة خارجية بين المريض والشافي وبالتالي إلى عمل له قوة عجائبية، شأن اللمس أو وضع اليدين (مرقس 5: 21-43). وهذه الوصية تكلم عنها يعقوب الرسول "هل فيكُم مَريض؟ فلْيَدْعُ شُيوخَ الكَنيسة، ولِيُصَلُّوا عليه بَعدَ أَن يَمسَحوه بِالزَّيتِ بِاسمِ الرَّبّ"(يعقوب 5: 14). فقد قال غالينوس الطبيب الإغريقي المشهور "إنّ الزيت هو أفضل الأدوية للجسد المتألّم، ولكن الزيت في يد مرسل المسيح وتلميذه يُساعد في شفاء الجسد ولكن مع هذا الشفاء يُعطي الروح القدس شفاء الروح للإنسان. وباختصار، إنَّ الدعوة إلى التوبة وطرد الشياطين وشفاء المرضى هي العلامات الثلاثة للملكوت السماوي. لقد تمَّم التلاميذ الإرسالية بنجاح. وكان محور كرازتهم التوبة الصادقة النابعة عن الإيمان بالسيد المسيح الذي يملك في القلب، أمَّا ثمر هذه الكرازة فهو شفاء النفس والجسد. تُشفى النفس بإخراج الشياطين، ويُشفى الجسد بموهبة الشفاء خلال الدهن بالزيت. ومن هنا، تتميز رسالة يسوع في إنجيل مرقس بعملين: طرد الشياطين وشفاء المرضى. وأما دهن الموتى عند الدفن بالزيت في العادات الشرقية فهي وسيلة استعداد النفس للموت.

ثانياً: تطبيقات النص الإنجيلي (مرقس 6: 7-12)

بعد دراسة وقائع النص الإنجيلي (مرقس 6: 7-12) يُمكننا أن نستنتج انه يتمحور حول موضوع الإرسالية لنشر الإنجيل المقدس مُبيِّنا مفهوم المرسل، ويسوع نموذج للمرسل أو الرسول، والتلاميذ الاثني عشر المرسلين ومهامهم ووسائل خدمتهم.

1) مفهوم المرسل أو الرسول:

كلمة "رسول" في العهد الجديد مشتقة من الكلمة اليونانية " ἀπόστολος ومعناها "رسول، مرسل، مبعوث". وقد وردت كلمة "رسول" أو رسل (68) مرة في أسفار العهد الجديد، وفي معظم هذه المرات، تشير إلى أشخاص دعاهم المسيح إلى خدمة معينة في الكنيسة.

وإننا نجد في بعض الديانات غير المسيحية فكرة الإرسال الإلهي. يصور مثلا أبيكتيت الفيلسوف نفسه "مرسل الآلهة، ووصيّهم، وداعيتهم"، و"نذير الإله، وكمثال يحتذى به" لكي يُحيي عند الناس، تعليمه وشهادته، فاعتقد أنه تسلَّم رسالته هذه من السماء. ولكن في الكتاب المقدس، يرتبط الإرسال الإلهي بتاريخ الخلاص، والإرسالية تفرض دعوة وتلبية. فالدعوة هي نداء من الله " فإنَّكَ لِكلِّ ما أُرسِلُكَ لَه تَذهَب وكُلَّ ما آمُرُكَ بِه تَقول" (إرميا 1: 7)، وكل دعوة تتطلب تلبية الإنسان. "هاءَنذا فأَرسِلْني" (أشعيا 6: 8). فالنبي مثلا هو مرسلاً من قبل الله بصفته رسولاً (أشعيا 41: 9). وهذا ما يتطبق على المسيح خاصة وعلى تلاميذه الاثني عشر عامة.

واختار السيد المسيح تلاميذه (مرقس 3: 34) وبعد أن عاينوا أعماله العجيبة (مرقس 4: 35، 6: 6)، وعاشوا معه وشاركوه حياته، يرسلهم واهبا لهم سلطانًا على الأرواح النجسة. فلا يكفي سماع الكلمة ولا مشاهدة أعماله ولا الوجود معه وملازمته إنما الحاجة أيضًا ملحة لتمتعهم بسلطانه لهدم مملكة الشر وإقامة مملكة النور.

وفي الكنيسة الأولى، لم تكن فكرة الرسول مقتصرة على الاثني عشر أو الثلاثة عشر، فهناك بولس الرسول (رومة 1:1). لم يستوفِ كل الشروط التي توهله ليصبح رسولا، لكنه كان شاهداً للقيامة كما قال له يسوع "ظَهَرتُ لَكَ لأَجعَلَ مِنكَ خادِمًا وشاهِدًا لِهذِه الرُّؤْيا الَّتي رَأَيتَني فيها، ولِغَيرِها مِنَ الرُّؤَى الَّتي سأَظهَرُ لكَ فيها" (أعمال 26: 16–18)، ويعقوب البار كان يعتبر رسولاً لأنه رأى المسيح القائم من بين الأموات "َتَراءَى لِيَعْقوب (1 قورنتس 15: 7)، وبرنابا (أعمال الرسل 14: 4)، ويمكن اعتبار سِلْوانُسَ وطيموتاوس رسولين (1 تسالونيقي 2: 6)، وكذلك أَندَرونيقُس ويُونِياس (رومة 16: 7) وأَبُلُّسَ (1 قورنتس 4: 6). واستخدمت كلمة رسول في الإشارة إلى مبعوثين من الكنائس (2 قورنتس 8: 23) كما استخدمت للدلالة على الذين أرسلهم الله إلى شعبه قديما، إذ "قالَت حِكمَةُ الله: سأُرسِلُ إِليهِمِ الأَنبِياءَ والرُّسُل، وسيقتُلونَ مِنهُم ويَضطَهِدون" (لوقا 11: 49).

2) المسيح نموذج المرسلين أو الرسل

استخدمت كلمة "رسول" في العهد الجديد عن يسوع نفسه " تَأَمَّلوا رَسولَ شَهادَتِنا وعَظيمَ كَهَنَتِها يَسوع" (عبرانيين 3: 1)، ويؤكد ذلك يوحنا الرسول "ونَشهَد أَنَّ الآبَ أَرسلَ ابنَه مُخَلِّصًا لِلعالَم"(1يوحنا 4: 14)، فهو مرسل من الله الآب. ويَذكر إنجيل يوحنا أيضا أن "الآب أرسل المسيح" (يوحنا 7: 28) "كَفَّارةً لِخَطايانا" (1 يوحنا 4: 10)، وليكون "الوَسيطَ الواحد والحقيقيّ بَينَ اللهِ والنَّاسِ"(1 طيموتاوس 2: 5)، "ليتكلم بكلام الله" (يوحنا 3: 34) "وليعمل أعمال الله" (يوحنا 5: 36) ويُتمم مشيئة الله (يوحنا 6: 38)، وليُعلن الله (يوحنا 5: 37–47) وليهَب حياة أبدية (يوحنا 17: 2).

وقد تنبأ الأنبياء عن المسيح انه المرسل: "ليكون عَهداً لِلشَّعبِ ونوراً لِلأُمَم" (أشعيا 42: 6)، وانَّه مُبشر المساكين "أَرسَلَني لِأُبشِّرَ الفُقَراء وأَجبُرَ مُنكَسِري القُلوب وأُنادِيَ بِإِفْراجٍ عنَ المَسبِيِّين وبتَخلِيَةٍ لِلمَأسورين (أشعيا 61: 1) ويُهيئ الطريق أمام الرب (ملاخي 3: 1)، ويكشف عن مجد الله أمام إخوتهم من الأمم (أشعيا 66: 18- 19).، ويُنفّذ مقاصده في هذه الدنيا (أشعيا 55: 11)، ويرسل "حكمته" حتى تساعد الإنسان في جهوده (حكمة 9: 10)، ويُرسل روحه حتى يُجدِّد وجه الأرض (مزمور 104، 3) ويُعرّف الناس إرادته (حكمة 9: 17).

ويتقدم يسوع المسيح، إلى الناس، باعتباره المُرسل من الله بكل معنى الكلمة، قد أرسل ابن الإنسان "ليبشّر بالإنجيل" (مرقس 1: 38) وليُكمِّل الشريعة والأنبياء (متى 5: 17)، وليُلقي ناراً على الأرض (لوقا 12: 49)، لا ليُحل سلاماً بل سيفاً (متى 10: 34)، لا ليدعو الأبرار، بل الخاطئين (مرقس 2: 17)، وليبحث عن الهالك فيخلّصه (لوقا 19: 10)، "ويَفدِيَ بِنَفْسِه جَماعةَ النَّاس" (مرقس 10: 45).

ويطلب يسوع من الناس أن يؤمنوا أنّه مرسل من الآب كما حدث عندما أحيا لعازر من القبر "لكِنِّي قُلتُ هذا مِن أَجْلِ الجَمْعِ المُحيطِ بي لِكَي يُؤمِنوا أَنَّكَ أَنتَ أَرسَلتَني" (يوحنا 11: 42). وهذا ما يتضمن في الوقت نفسه الإيمان بالابن على أنه المُرسل كما جاء في قول يسوع لدى تكلمه على خبز الحياة "عَمَلُ اللهِ أَن تُؤمِنوا بِمَن أَرسَل" (يوحنا 6: 29).
وأوضح الرسل في كتاباتهم هدف إرساليه يسوع إلى العالم. لقد أرسل الله ابنه في ملء الزمن ليفتدينا ويمنحنا التبني كما جاء في رسالة بولس الرسول "لَمَّا تَمَّ الزَّمان، أَرسَلَ اللهُ ابنَه مَولودًا لامرَأَةٍ، مَولودًا في حُكْمِ الشَّريعةْ لِيَفتَدِيَ الَّذينَ هم في حُكْمِ الشَّريعة، فنَحْظى بِالتَّبَنِّي" (غلاطية 4: 4). وأرسل الله ابنه إلى العالم مخلصاً وكفارة عن خطايانا، حتى نحيا به: ذلك هو الدليل الأسمى لمحبته لنا كما جاء في رسالة يوحنا الرسول "ما ظَهَرَت بِه مَحبَّةُ اللهِ بَينَنا هو أَنَّ اللهَ أَرسَلَ ابنَه الوَحيدَ إِلى العالَم لِنَحْيا بِه" (1 يوحنا 4: 9). ويصبح يسوع هكذا المُرسل الحقيقي بالمعنى الكامل " اِذهَبْ فَاغتَسِلْ في بِركَةِ سِلوامَ، أَي الرَّسول (يوحنا 9: 7)، لذا يناشدنا صاحب رسالة العبرانيين بقوله" تَأَمَّلوا رَسولَ شَهادَتِنا وعَظيمَ كَهَنَتِها يَسوع" (عبرانيين 3: 1). وكل رسول بعد ذلك، إنما هو مرسل من يسوع المسيح (يوحنا 20: 21–23).

3)الاثني عشر الرسل

في أثناء خدمة يسوع التبشيرية ازداد عدد تلاميذه بشكل ملموس، لكنهم لم يكونوا جميعهم رسلاً، حيث قام يسوع باختيار الاثني عشر من بين عدد كبير من أجل أن يكونوا معه "دعا تَلاميذَه، فاختارَ مِنهُمُ اثَنيْ عَشَرَ سَمَّاهم رُسُلاً وهم: سِمْعان وسَمَّاه بُطرُس، وأَندَراوُس أخوه، ويَعقوبُ ويوحَنَّا، وفيلِبُّسُ وبَرْتُلُماوُس، ومَتَّى وتوما، ويَعقوبُ بْنُ حَلْفى وسِمْعانُ الَّذي يُقالُ لَه الغَيور، ويَهوذا بْنُ يَعقوبَ ويَهوذا الإِسخَرْيوطِيُّ الَّذي انقَلَبَ خائِناً." (لوقا 6: 13–16). وقد دُوِّنت أسماءهم كل اثنين معًا. لم يكن هذا مجرد أسلوب كتابي، لكنه جمع الأخ مع الأخ والصديق مع الصديق للعمل معًا. وكان لأولئك الرسل أن يعملوا باسم المسيح (مرقس 9: 38–41). وقد اختار في أثناء خدمته هنا أثني عشر رسولاً على عدد أسباط إسرائيل الاثني عشر (متى 19: 28). ويَذكرهم لوقا الإنجيلي دائما باسم "الرسل" (لوقا 9: 10). اختارهم للكرازة بالملكوت "أَرسَلهم لِيُعلِنوا مَلَكوتَ اللهِ ويُبرِئوا المَرضى" (لوقا 9: 2).

وبعد القيامة أرسلهم يسوع لكل العالم "اِذهَبوا في العالَمِ كُلِّه، وأَعلِنوا البِشارَةَ إِلى الخَلْقِ أَجمَعين" (مرقس 16: 14). ولذلك فانه هناك دعوة مباشرة من المسيح كي يقوم الرسول بخدمته الرسولية. وأمَّا الشروط الأخرى للانضمام للاثني عشر فهي مذكورة في سفر أعمال الرسل (1: 21 و22)، إذ كان يجب أن يكون ممن كانوا مع يسوع منذ معمودية يوحنا إلى صعود المسيح، وقد كان هناك تأكيد خاص على أنهم شهود للقيامة "فيَسوعُ هذا قد أَقامَه اللّه، ونَحنُ بِأَجمَعِنا شُهودٌ على ذلك" (أعمال الرسل 2: 32).

ونستنتج مما سبق أن إرسالية يسوع تمتد عن طريق مرسليه وهم الاثنا عشر، الذين لهذا السبب بالذات يحملون لقب المرسل. والواقع أن إرسالية الرسل ترتبط ارتباطا وثيقا بإرسالية يسوع: "كما أرسلني الآب، أرسلكم أنا أيضاً" (يوحنا 20: 21). وفي أثناء حياته أرسلهم يسوع يتقدمونه (لوقا 10: 1) ليعلنوا ملكوت الله ويشفوا المرضى (لوقا 9: 1-2)، وهذا هو موضوع إرساليته الشخصية. فهم العملة الذين يرسلهم ربّ الحصاد إلى حصاده (متى 9: 38). وهم العبيد الذين يرسلهم الملك لإحضار المدعوين لعرس ابنه (متى 22: 3). وينبغي ألاّ ينخدعوا بخصوص المصير الذي ينتظرهم: ما "كانَ الرَّسولُ أَعظَمَ مِن مُرسِلِه" (يوحنا 13: 16)، وكما عامل العالم السيد، هكذا سيعامل عبيده (متى 10: 24-25). ويرسلهم يسوع " كالخِرافِ بَينَ الذِّئاب" (متى 10: 16).

وسيكون الإرسال الأخير للاثني عشر عند ظهور المسيح لهم بعد القيامة "اِذهَبوا في العالَمِ كُلِّه، وأَعلِنوا البِشارَةَ إِلى الخَلْقِ أَجمَعين" (مرقس 16: 15)، وليتلمذوا جميع الأمم (متى 28: 19)، وليقدّموا شهادتهم في كل مكان (أعمال 1: 8). وبذلك سوف تبلّغ إرسالية الابن يسوع فعلاً إلى جميع الناس، بفضل إرسالية رسله وكنيسته.

ويعلم يسوع أن "الجيل الفاسد" سوف يضطهد من يرسلهم فيَقتُلونَ بعضهم ويصلِبون بَعضَهم ويطاردون بعضهم من مَدينَةٍ إِلى مَدينَةٍ (متى 23: 34). والمعاملة التي يعاملون بها سوف تعود على يسوع نفسه، وبالتالي على الآب: "مَن سَمِعَ إِلَيكُم سَمِعَ إِليَّ. ومَن أَعرَضَ عَنكم أَعرَضَ عَنِّي، ومَن أَعرَضَ عَنِّي أعرَضَ عَنِ الَّذي أَرسَلَني" (لوقا 10: 16)، "مَن قَبِلَ الَّذي أُرسِلُه قَبِلَني أَنا ومَن قَبِلَني قبِلَ الَّذي أَرسَلَني (يوحنا 13: 20).

ولخَّص مرقس الإنجيلي مهمة المرسلين في ثلاث كلمات (مرقس 6: 7-12): الكرازة بالتوبة، وإخراج الشياطين، وشفاء المرضى. فموهبة الكرازة أو الكلمة تتطلّبُ حتمية الارتداد وتغيير الحياة؛ فالمرسلون يقومون بحثّ القلوب على التوبة والإنذار بالعقوبات، أو التبشير بالمواعيد: فيرتبط دورهم ارتباطاً وثيقاً بكلمة الله، التي هم مُكلّفون بإعلانها للناس. وموهبة "طرد الشياطين: هي القدرة على قوى الشر، وموهبة "شفاء المرضى" هي تحسين نمط الحياة البشرية. وأمَّا الدهن بالزيت هو إضافي للشفاء وحافز للإيمان وهذه الخدمات الثلاث هي علامات الملكوت.

4) وسائل المرسلين

لا يعتمد الرسل والمُبشّرون بالإنجيل للقيام بمهمة الإرسالية على قواهم البشرية وحدها، أو على الموارد والضمانات البشرية وإنما يؤدّون مهمتهم بقوة الروح القدس. أشار يسوع إلى حلول الروح المقبل في حديثه بعد العشاء السري، وقد أوضح ذلك بقوله لتلاميذه "المُؤَيِّد، الرُّوحَ القُدُس الَّذي يُرسِلُه الآبُ بِاسمي هو يُعَلِّمُكم جَميعَ الأشياء ويُذَكِّرُكُم جَميعَ ما قُلتُه لَكم "(يوحنا 14: 26)، "ومَتى جاءَ المُؤَيِّدُ الَّذي أُرسِلُه إِلَيكُم مِن لَدُنِ الآب... فهُو يَشهَدُ لي" (يوحنا 15: 26). فيشترك الآب والابن في إرسال الروح. ولذلك فان قوة المسيح تُوكل إلى التلاميذ المرسلين.

وكان الرسل يشهدون ليسوع بقوة الروح القدس. (لوقا 24: 49). وكانت مناداتهم بالغفران بسلطان الروح القدس كما قال لهم يسوع: "خُذوا الرُّوحَ القُدُس. مَن غَفَرتُم لَهم خَطاياهم تُغفَرُ لَهم، ومَن أَمسَكتُم عليهمِ الغُفْران يُمسَكُ علَيهم" (يوحنا 20: 22 -23)، فالروح القدس هو الذي كان يُعلمهم ويُذكرهم بكل شيء كما وعد يسوع "المُؤَيِّد، الرُّوحَ القُدُس الَّذي يُرسِلُه الآبُ بِاسمي هو يُعَلِّمُكم جَميعَ الأشياء ويُذَكِّرُكُم جَميعَ ما قُلتُه لَكم (يوحنا 14، 26) ويرشدهم إلى الحق "متى جاءَ هوَ، أَي رُوحُ الحَقّ، أَرشَدكم إِلى الحَقِّ كُلِّه" (يوحنا 16: 13)، فالروح القدس كان هو الشاهد في الرسل "رُوحُ الحَقِّ المُنبَثِقُ مِنَ الآب فهُو يَشهَدُ لي وأَنتُم أَيضاً تَشهَدون" (يوحنا 15: 26) وبكلمة أخرى، خدمة الإنجيل هي خدمة الروح (2 قورنتس 3).

ويعتمد المرسلون على سلطة يسوع المسيح الذي أعطاهم سلطاناً على الأرواح النجسة (مرقس 6: 7)، وسلطان على شفاء الأمراض (مرقس 6: 13) وإخراج الشياطين (مرقس 3: 15)؛ ولذلك فان خدمة الرسل كانت مصحوبة بآيات وعجائب كما يؤكده صاحب الرسالة إلى العبرانيين "أَيَّدَتهم شهادةُ اللهِ بِآياتٍ وأَعاجيبَ ومُعجِزاتٍ مُختَلِفَة وبِما يُوَزِّعُ الرُّوحُ القُدُسُ مِن مَواهِبَ كَما يَشاء "(عبرانيين 2: 4).

يسدُّ الله احتياجات المرسلين المادية، ويعلق القديس أمبروسيوس"يُظهر الإنجيل صفات الكارز بملكوت الله... فإنه إذ لا يطلب عونًا من موارد هذا العالم ويسلم نفسه للإيمان، يدرك أنه كلما ترك طلب خيرات الأرض ازدادت بالنسبة له". ويقبل المرسلون الضيافة حيثما أُعطيت لهم. وأرسل يسوع تلاميذه أثنين اثنين (مرقس 6: 7) من اجل الشركة والشهادة (2 قورنتس 13: 1). أمَّا إذا لم يُرحب بهم، عليهم نفض التراب شهادة عليهم أو إنذارا لهم للتكفير والتوبة (مرقس 6: 11) وليس لإظهار الاشمئزاز. وخلاصة القول فان الرَّسولُ في زمننا الحاضِر هو في وسط العالم، دون أن يكون من العالم، لكنه يعيش من أجل العالم، ويستعمل الوسائل الموجودة في العالم. ويعلق الكاردينال نغوين فان توان " كأعضاءٍ لِجَسَدِ المسيحِ السِّرِّي، نَحنُ الرُّسُلُ والعقلُ الذي يُفَكِّر، والعيون التي ترى حقيقة العالم، والآذان التي تسمع الإغاثات والمطالب، ونحنُ الأكتاف التي ترفع، والسواعد التي تُعين، والأرجُل التي تنطلق إلى مَن يَتَأَلَّم، والقلب الذي يحمل الشَّفقَة والمَحَبَّة لِمَن هُم في وسط الأحزان، ونحنُ الفَمُ الذي ينطق بكلماتِ الحُبِّ والتَّعزية. إنَّ الكنيسة حاضرةٌ اليوم في العالم، بواسطة رُسُلِها.

الخلاصة

كما أنّ الآب أرسل ابنه كذلك أرسل الابن رسلَه (يوحنا 20: 21) وقال لهم: "فاذهَبوا وتَلمِذوا جَميعَ الأُمَم، وعَمِّدوهم بِاسْمِ الآبِ والابْنِ والرُّوحَ القُدُس، وعَلِّموهم أَن يَحفَظوا كُلَّ ما أَوصَيتُكُم به، وهاءنذا معَكم طَوالَ الأَيَّامِ إِلى نِهايةِ العالَم" (متى 28: 19-20). ولقد تسلَّمت الكنيسة من الرسل وصيّة الرّب يسوع المسيح الرسميّة، لتكرز بحقيقة الخلاص "حتَّى أَقاصي الأَرض" (أعمال الرسل 1: 8).

وأخذت الكنيسة على عاتقها كلمات القدّيس بولس الرّسول القائل: "الوَيلُ لي إِن لم أبَشِّر!" (1 قورنتس 9: 16). وما زالت ترسل المبشّرين دون انقطاع، فتتابع عمل التبشير بذاتها. وعلى كلّ تلميذ من تلاميذ الرّب يسوع المسيح، أن يأخذ قسطه في مهمّة نشر الإيمان. ("نور الأمم، دستور عقائدي في "الكنيسة"، العدد 17). وبفضل المرسلين أصبح عدد أتباعِ يسوع همُ الأكثر في العالم، وقد وصل إلى 1.6 مليارِ مُؤمن.

ليس هناك عضو في الكنيسة إلا وله دور. فهو مدعو ومرسل بحكم معموديته وانتمائه. أليس الروح القدس "مسحنا" بالعماد، وختمنا بختمٍ لا يُمحى (2 قورنتس 21: 1) فلنصرخ من أعماق قلوبنا "لَبَّيكَ، يا رَبّ... ماذا أَعمَل، يا ربّ؟" (أعمال الرسل 9: 10؛ 22: 10) أرسلني حيث تشاء، وإلى أيّ مكان." وهكذا أقول مع يسوع "رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ لِأَنَّهُ مَسَحَني لِأُبَشِّرَ الفُقَراء وأَرسَلَني لأُعلِنَ لِلمَأسورينَ تَخلِيَةَ سَبيلِهم ولِلعُميانِ عَودَةَ البصَرِ إِلَيهِم وأُفَرِّجَ عنِ الـمَظلومين وأُعلِنَ سَنَةَ رِضاً عِندَ الرَّبّ" (لوقا 4: 18-19)، وذلك كي يُصبح الله كلاًّ في الكلّ (1قورنتس 15: 28).

دعاء

أيها الآب السماوي، نطلب إليك باسم يسوع المسيح، أن تجعلنا رسلا ومُبشِّرين للملكوت السماوي بحكم معموديتنا وانتمائنا فنواصل عمل يسوع التبشيري إلى العالم ونشهد لفرح الإنجيل بالقول والفعل معتمدين لا على الضمانات البشرية والمادية إنما على نعمة الروح القدس وروح الفقر. آمين

قصة: التبشير للتغيير

نقرأ في رواية كوفاديس عن فينسيس الروماني الّذي أحبّ فتاة مسيحيّة، ولمّا لم تقبله زوجاً لأنّه غير مسيحي ذهب وراءها إلى الاجتماع السرّي للمسيحيّين وهناك سمع بطرس يعظ، وأحسّ أنّ شيئاً ما يحدث داخله، وعرف أنّه لو تبع هذه التعاليم الجديدة لاحترقت حياته الأولى وضاعت، ثمّ نبت مكانها حياة جديدة مملوءة بالحركة والحيويّة. هذه هي التوبة والتغيير. والتغيير هو الانتقال من عبادة النفس إلى عبادة الربّ.



الأب لويس حزبون - فلسطين



رد مع اقتباس
 


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
ان نعيش تعاليم ووصايا الرب
❤️ووصايا يسوع ثابته لا تزول❤️
أن إرسالية يسوع تمتد عن طريق مرسليه وهم الاثنا عشر
وصايا عامة ووصايا خاصة
وعود يسوع الاثنا عشر للمتعبدين لقلبه الأقدس


الساعة الآن 01:28 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024