المقدمة:
أولاً: أتحدث عن مكانة أعمال الرسل في كتب التعليم المسيحي المُستعملة في المدارس الرسمية والخاصة وفي المراكز الرعوية.
ثانياً: أهمية أعمال الرسل في التربية المسيحية.
أ- الثوابت في الإيمان
ب- مقارنة بين اسلوب بطرس وأسلوب المربي المسيحي.
ثالثاً: الخاتمة والتمنيات.
أعمال الرسل هي نموذج للحياة الرعوية التي عاشها المسيحيون الأولون والتي تبقى أساس برنامج حياتنا الكنسيّة. حتى يومنا هذا تستمدُ الكنيسة من روحانية أعمال الرسل المُحتوى والطريقة لمنح المؤمنين الغذاء الروحي الضروري لمسيرتهم الإيمانية نحو تحقيق ملكوت الله:
- "كانوا يواظبون على تعليم الرسل والمُشاركة وكسر الخبز والصلوات" (2: 42-47). وما يتعلق بموضوعنا اليوم "التعليم المسيحي وأعمال الرسل". فسفُر أعمال الرسل نموذج تربوي -تعليمي- وتعبيري للقاءتِنا في إعلان الكلمة التي نُحاول أن نعيشها لإيصالها للذين يتوقون لسماعها وينتظرون أن نُعلنها في كل زمان ومكان، في وقتها وغير وقتها. كما يقول القديس بولس.
أولاً: مكانة أعمال الرسل في كتب التعليم المسيحي في مرحلتي الأعدادي والثانوي.
- هذه الكتب وضعتها لجنة مؤلفة من ممثلي جميع الطوائف المسيحية بتكليف من وزارة التربية وإشرافها. وقد بدأت أعمالها سنة 1967 واستمر صدور كتُبها حتى عام 1982. وكان آن ذاك أمين السرّ المعتمد في تلك اللجنة الأب فكتور شلحت اليسوعي.
المرحلة الأعدادية تُغطي بسنواتها الثلاث أحداث ووقائع أعماله الرسل بكاملها ونخص بالذكر ما يلي:
- خبرة الرسل مع يسوع التي توضحت على ضوء القيامة بعد حلول الروح القدس.
- خطب بطرس الرسولية جميعها وما تتضمّنه من الدعوة إلى تعرف الإيمان بيسوع القائم، الإعتماد وحياة الجماعة المسيحية الأولى، مجمع أورشليم وانفتاح الكنيسة على الوثنيين.
- سيرة بولس- اهتداءه- اسفاره ورحلاته الأربع مع رسوم وخرائط.
ولا داعي إلى الإسترسال في عرض تفاصيل ما يتعلق في كتب مرحلة الأعدادي بما جاء في سفر أعمال الرسل.
ولكن لا بُدَّ أن أَذكر أن الفصول المتعلقة بالأسرار في الثالث الأعدادي مُشبَّعة بإستشهادات مُستمدَّة من أعمال الرسل. مثلاً التوبة التي تسبق المعمودية (2: 38) التحضير للمعمودية كما فعل فيليبس مع الوزير الحبشي (8: 26- 39). اعطاء الروح القدس بسر التثبيت (8: 14). توزيع الوظائف لخدمة الكنيسة- اختيار الشمامسة السبع، وتعرُض هذه الكتب سِير القديسيين الأوائل نذكر منهم ما يردُ ذكرُه في الأعمال كسيرة بولس وبطرس واستشهاد اسطفانوس.
أمّا في المرحلة الثانوية فلم يرد ذكر لأعمال الرسل إلاّ بشكل عابر: عمل الروح القدس في الكنيسة: (رحلة بولس وبرنابا) وهناك أيضاً مواضيع تدخُل في صُلب أعمال الرسل: انطلاقة الكنيسة يوم العنصرة إنتشارُها في العالم (14: 24- 28).
إهتداء القديس بولس- تأسيس الجماعات المسيحية من خلال رحلاته وأسره (28: 30- 31).
الكتب المتبعة في المراكز فهي:
- سلسة كتب جمعية حلب للتعليم المسيحي.
- كتاب "الانجيل كنزنا": للصف الثاني- اصدار لجنة التربية المسيحية في دمشق.
- كتاب "يسوع" للصف الثالث "وانتم نور العالم" للصف الخامس للأب جاك الكبوشي في دير الزور.
- "يسوع صديقنا ومعه نسير"، عرّبه الأب كميل حشيمة.
- "اتعرف إلى يسوع" للصف الأول الاعدادي. من اعداد لجنة التربية المسيحية في سوريا.
لا تحتل أعمال الرسل مركز الصدارة في هذه الكتب. إنما تتضمن بعض النقاط: العنصرة- عمل الروح القدس في الكنيسة- سر المعمودية- حياة الجماعة الأولى- كسر الخبز (الافخارستيا).
كلمة تقييمية:
بعد هذا العرض الموجز وانطلاقاً من خبراتنا في الحقل التعليمي نُقيّم بكلمة مضمون ومنهج الكتب الرسمية الموحدة والمقررة في جميع المدارس. من الناحية العقائدية، لا ينقُصها شيء، فهي كاملة.
أمّا من الناحية الروحية والحياتية، فهي تحتاج إلى اسلوب حيوي تطبيقي، ذلك بأنها غالباً ما تقتصر على سرد معلومات تحتاجُ إلى توضيح وشرح، إذ تبدو هذه الكتب وكأنها موجهة إلى المعلمين أكثر منهم إلى التلاميذ.
يُضاف إلى ذلك أن معظم المعلمين في المدارس الرسمية في سوريا غير مؤهلين ويملأن نصابهم بساعات إضافية في التعليم الديني.
(فمن المفضل ان يكون هناك كتاب للتلميذ وآخر للمعلم). بالإضافة إلى التعليم المسيحي في المدارس تهتم الكنيسة أيضاً بالتربية المسيحية في مراكزها الرعوية في جميع الأبرشيات. والقائمون على هذه المراكز من كهنة وراهبات وعلمانيين مُؤهلين يحُاولون ان يُكمِّلوا ما ينقص في المدارس أي التطبيق الحياتي وإستعمال الوسائل التربوية الفاعلة (M. Active)
ومن الجدير بالذكر أنه تُقام في مختلف المناطق دورات تدريبية للتعليم المسيحي لتكوين المربين وغالباً ما تدور حول أعمال الرسل ولاسيّما أعمال بولس وبطرس.
ثانياً: أهمية أعمال الرسل
في التربية المسيحية (اتحدث عنها انطلاقاً من خبرتي) من خلال تعمقنا بسفر أعمال الرسل نستطيع أن نأخذ بعض الثوابت في المضمون وفي الطريقة، التي تبقى صالحة لكل زمان ومكان في التعليم المسيحي.
أ- الثوابت في الإيمان.
ب- الطريقة المُشبعة عند الرسل من خلال نشأة الكنيسة وبشكل خاص في الخطب.
أ- الثوابت في الإيمان:
الثابت الأساسي لمسيرة الكنيسة هو حضور يسوع الدائم ولو كان بطريقة مختلفة عن قبل الموت والقيامة.
يسوع هو محُرك ومحيي الكنيسة بقوة الروح وهو الذي يدفعُها دائماً للنمو بسِّر محبته ونشر ملكوته.
علامات وثمار هذا الحضور الدائم للمسيح كثيرة في أعماله الرسل وأيضاً في أيامنا هذه، إنه الحي في قلب حياتنا الرسولية، إنه الشمس التي لا تغيب، لكن الأهم: هو كيفية مساعدة الطلاب في التربية المسيحية ليكتشفوا كجماعة وكأفراد علامات هذا الحضور ويتفاعلوا معه.
ب- هدف التربية المسيحية
* لإعلان الكلفة علينا ان نساعد كل شخص على ان يلتقي شخصياً بالمسيح، ولا يبقى يسوع صورة خيالية كساحرٍ يشفي أو كفيلسوف يطرح مبادىء للتفتيش عن الحقيقة ولا يجب ان يكون كمُصلح اجتماعي أو أخلاقي ولا حتى نبي يدافع عن الحقيقة وصوته يختفي بعد الموت، انه الحياة فينا، هو الحقيقة في أعماق أعماقنا.
هدف التربية المسيحية إذاً هو مُرافقة الطالب لكي يتعرَّف إلى يسوع من خلال الكتاب المقدس، يكتشف حضوره من خلال حياته وحياة الكنيسة ويختبر سّر بنوّته بالله ضمن الجماعة المسيحية حتى يكتسب قناعاته من خلال هذه المسيرة.
* نستخلص من أعمال الرسل بعض العناصر التي تساعد الطالب المسيحي كي يكتشف حضور الله ليعيش حياته المسيحية:
* جماعة تصلي وتنتظر: 1: 14 و2: 4-24.
* جماعة تسمع الكلمة وتواظب على التعليم وكسر الخبز (الافخارستيا).
* خطب بطرس وبولس واسطفانس التي هي تعليم مباشر وتفسير حول بُشرى الخلاص للشباب بشكل خاص ولكل المؤمنين.
* هدفنا في التربية المسيحية، وفي لقاءاتنا مع الشبيبة: ايصال الكلمة لتُعاش ضمن جماعات.
ب- مقارنة بين أسلوب بطرس وأسلوب المربي المسيحي:
الطريقة المُتَّبعة عند الرسل هي أيضاً طريقتنا التربوية في إعلان البُشرى:
من خلال الخطب نستشِّف بعض الطرق لإيصال الكلمة.
سأركز على خطبة بطرس الأولى، وأقارن بين أسلوبه واسلوب المربي المسيحي في إحياء اللقاء الديني.
اسلوب بطرس في اعلان اسلوب المربي المسيحي في
البشرى يوم العنصرة احياء اللقاء الديني
1- المُعجزة التي جرت على 1- يبحث المربي عن نقطة
أيدي الرسل يوم العنصرة انطلاق (حدث معينّ) تجعل الشباب
تركت تساؤلاً لدى المستمعين لهم، (أو الأولاد) يتساءلون عن فحوى
فالبعض نظر باندهاش: ما يريد أن يُوصله لهم عن
"ما معنى هذا؟" والبعض الآخر المسيح، فينظرون باندهاش.
نظر بسخرية "انهم سُكارى".
2- أسْتغلَّ بطرس الاندهاش 2- ينطلق المربي من تساؤلات
ومواقفهم من الرسل ليُعلن لهم وحاجات الشبيبة الداخلية ليجذبهم
قيامة المسيح. للتفتيش عن الحقيقة ومن خلال
"المسيح الذي صلبتموه هذا اللقاء يخلُق فيهم حُب
قد أقامه الرب" اللقاء بشخص يسوع الذي ينتظرهم.
3- انطلق بطرس من فهم اليهود 3- ينطلق المربي من واقع الحياة
وتعلقهم بأقوال الأنبياء الإجتماعية والعلمية وخبراتهم
(يوئيل وداود) ليُعرِّفهم بيسوع الشخصية لكي يوصل إليهم "كلمة الحقيقة".
4- إستطاع بطرس ان يربط 4- يحاول المربي ان يربط بين
بين المسيح المنتظر ويسوع حياة الشاب: تمنياته وتطلعاته
الناصري محقق الوعود. وبين لقائه بيسوع (اي الإيمان).
ما لا يستطيع ان يتممه، يتممه
بقوة يسوع.
"حينئذ لتكن لكم الحياة وتكون بوفرة".
5- كلمة بطرس كان لها صدى كبير في قلوب 5- التطبيق الحياتي:
المستمعين سائلين: العودة إلى الواقع
"ماذا علينا أن نفعل؟" (نظرة يسوع).
عندها طرح عليهم بطس امكانية المربي يوجه الطلاب كي يأخذوا القرارات
تغيير حياتهم والدخول في الجماعة. العملية بكل حُرية لتجسيد الكلمة
"توبوا وآمنوا". في حياتهم اليومية.
الطريقة التي تؤثر اكثر في قلوب الطلاب هي شهادة المربي المسيحي.
فبقدر ما يسعى المربي في حياته الشخصية ان يعيش ما يُريد إيصاله للطالب بقدر ما تكون شهادته مُثمرة فيعكس الإنجيل من خلال أقواله وتصرفاته الشخصية.
تمنيات ختامية
فاليوم نحن بأقصى الحاجة ان نتجنَّد جميعنا من إكليريكيين وعلمانيين لإعطاء هذا العمل الرسولي حقَّه في حياتنا الكنسيّة.
ولنا امنية ثانية ان يدخل سفر أعمال الرسل وما يتضمنه من موضوعات إيمانية وحياتية ورعوية في مناهج التعليم الديني في مراكزنا الرعوية والكنسيّة، لان أعمال الرسل هي برنامج حياة فمن يتعمق بوقائعها تتغيرّ حياته ويندفع إلى التوبة والإيمان بيسوع المسيح والإلتزام الرسولي