منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 07 - 02 - 2022, 07:25 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,276,003

مَا مِن نَبيٍّ يُقبَلُ في وَطنِه



مَا مِن نَبيٍّ يُقبَلُ في وَطنِه






أَيُّها الإخوةُ والأخواتُ الأحبّاء، نَحنُ اليوم في الأحدِ الرّابعِ مِن الزّمنِ العادي، في الفَصلِ الرّابع من بشارةِ القِدّيسِ لُوقا. وَفيه مَشهدٌ مِن مَشاهِدِ الصّراعِ الدّائرِ بينَ المسيحِ مِن جِهة، وبَينَ اليهودِ بِفِئاتِهم مِن جهةٍ أُخرى. واليوم سِجالُه كانَ مَع أَبناءِ وَطَنِه، أي في النّاصرةِ حَيثُ نَشأ، وحيثُ هو مَعروفٌ للنّاسِ هناك عَلى أَنّه ابنُ يوسف.

وَما لَفَتَ انتِباهي هو استخدامُ يَسوع لحادِثَتين اِثنَتين، تَمّ فِيهمَا عَمَلُ خَلاصٍ لأشخاصٍ من غير شَعب إسرائِيل، ومِن خارجِ وَطنِهم! وفي هذا درسٌ لهؤلاء بِأنَّ اللهَ لَيسَ حِكرًا لَهم، ولا هُم يملِكونَه أو يَستَحوِذونَ عَليه، بَل هو إلهُ الجميعِ وربُّ الكُل، لا يُحَدُّ في مَكانٍ ولا في زَمان، يصنَعُ الخيرَ للنّاسِ أجمَعين، فهم جميعًا خلائِقُه.

فَفي الحادِثةِ الأولى عَملُ خلاصٍ تَمَّ لامرأةٍ وَثَنيّةٍ مِن صَرفت صَيدا. وَصرفتُ مَدينةٌ سَاحِليّةٌ فِينيقيّة قَديمة، تَقع في مُنتَصفِ الطّريقِ بينَ مَدينَتي صورَ وَصَيدا الُّلبنانِيتَين. ذُكِرَت في العهد القديم، في سفر الملوك الأوّل. وَتَأتي أَهمِّيتَها مِن هَذا الفِعلِ الخلاصي، الّذي قامَ به نَبيُّ اللهِ إيليّا، لأجلِ هَذه الأرملةِ الفَقيرة (1ملوك 7:17-24).

هَذِه المرأةُ العَظيمةُ في ثِقَتِها وَعَطائِها، لم تَكُن مِن شَعبِ إسرائيل، الّذي يُفتَرضُ أَنّهُ يعرِفُ الرّبَّ ويحفَظُ رُسومَه وأحكامَه. هذهِ المرأة الوَثَنيّة، نَالَت نِعمةَ استضافةِ إيليّا رَجُلِ الله في بَيتِها، واثِقةً بِكَلامِه وَوعدِه لها، مُطعِمَةً إيّاهُ مِن زَادِها وَزَادِ ابنِها، بالرّغم من الفَقرِ والمجاعةِ الّتي ضَرَبت الأرضَ في ذلِك الزّمان: و "جَرّةُ الدّقيقِ لَم تَفرُغ، وقَارورةُ الزّيتِ لا تَنقُص" (1ملوك 14:7). فَنَالَت هي وابنُها رحمةً ونجاةً.

قَلِيلونَ هُم الّذينَ يُشارِكون خَيراتِهم وَمُقَدّراتِهم مَع غيرِهم، في أَيّامِ الخيرِ والشَّبَع. فَكيفَ يكونُ الحال في أَيّامِ الجوعِ والعَوز؟! مَا حَدثَ في الأيّامِ الأولى من أَزمةِ كورونا، وما رَافَقَها من مَظاهر غيرِ مُعتادَة، خيرُ دَليلٍ على ما أقول. كُنتَ تَرى النّاسَ يَتَهافتونَ على سيّاراتِ وحافلاتِ توزيعِ الخُبز، وَيَتزاحَمون على الأسواقِ والدَّكَاكين! كلٌّ يُريدُ تَأمينَ حَاجَتِه، وبشكلٍ أَنانيّ يَتخطّى المعقول وَيفوقُ الّلازم، دونَ أَدنَى شعورٍ مع الغيرِ، خُصَوصًا مَن هُم بِحاجةٍ فِعلًا!

حادثةُ إيليّا مع هذهِ المرأة تُعطينا درسًا في الشّعورِ مع الآخرين، والالتِفاتِ إلى الْمُستَضعَفين، فُهُنَاكَ غَيرُنا على هَذا الكوكَب. هذهِ المرأة هي عنوانٌ للبذلِ الكامِل، وَالعَطَاءِ غيرِ المشروط، والمشاركَةِ إبّان الْمِحنِ، والتّكافلِ وقتَ الشّدائِد. هَذه الحادِثَة تُعَلّمُنَا أَنّنا لَسنا بالضّرورةِ محورَ الكونِ، ولَسنا دائِمًا مَركِزَ الأحداث، ولَسنا النَّجمَ الّذي حولَه تَدورُ الكواكِب، فُهناكَ نجومٌ لامِعةٌ أُخَر، وَبَعضُها يَفُوقُنا لَمَعانَنًا!

اللهُ لَيسَ بيروقراطِيًّا، ويرفض كلَّ سِيَاسة تقومُ على الانغلاقِ والتَّعصبِ والانحياز. فَقد نَراهُ يَصيرُ عِندَ غيرِنا، نحن الّذينَ نَعتَقِدُ أنَّهُ لَنا فَقط، فنحنُ الأجدَرُ به وَبِنِعَمِه، دون غيرِنا! فَكَمَا أنّ كثيرًا من الأراملِ الإسرائيليّاتِ وُجِدنَ في أيّامِ إيليّا، ولم يُرسَل سِوى إلى أَرملةٍ غَريبةٍ بَعيدة، كَذَلِكَ الله قادِرٌ أن يَنظُرَ إلى غيرِنا، وأن يختارَ غيرَنا، وأن يَصنعَ لِغَيرِنا وَبِغيرنا المعجزاتِ والعَظائِم. حتّى لأولئِكَ الّذين نحتَقِرُهم وَنَزدَريهم وننظرُ إليهم باستعلاءٍ وفوقيّة مَقيتة!

أَتى التّلاميذُ مرَّةً إلى المسيحِ (فارعين دارعين)، لأنَّ رجُلًا كانَ يَطردُ الشّياطينَ باسمِهِ، فَأَرادوا أن يمنعوه، لأنّهُ لَيسَ مِنهم! فَماذا كَانَ ردُّ المسيح: "لا تَمنَعوه، فَمَن لَم يَكُن عَليكم كانَ مَعَكُم" (لوقا 49:11-50). هَذه العَقليّة المنغلِقة بل الإقصائيّة، لِكُلّ مَن لا يخضَع للمقاييسِ والمواصفاتِ الّتي وَضَعناها. أَلَا نُعاني مِن هَكذا عَقلِيَّات في كَنَائِسِنا ورعايانا وَأُسلوبِ إدارتِنا للأمور والمؤسَّسات؟! خُصوصًا عِندَما نُحوّلِها لِمَراكز طَائِفيّة وَمَنَاطقيّة وعشائريّة ضَيّقة ومُنكَمِشة!

تُعلِّمُنا الحياةُ دُروسًا، وَأَحيانًا بشكلٍ قَاسي يكسِرُ كِبرياءَنا، بِأَنَّ هُناكَ مَن هو أَفضل مِنّا، وقد يكون من خارجِ دائِرتِنا، وَلَهُ من المواهِب مَا يَفوقُ مَواهِبَنا، وَيَستطيع أن يُنجِزَ أضعافَ ما نُنجِز، وأن يَضطَلِعَ بِأعمالِنا بكل تواضعٍ وبساطة دون غُرور. الكنيسةُ بيتُ الجميع وهي للجميع، للبعيد كَما للقريب! أَلَم تَسمَعوا يومًا نجاة الصّغيرة وهي تُغنّي قائلةً: ((القريب منك بعيد، والبعيد عنك قريب))؟! الكنيسةُ لَيست بيتًا خاصًّا بِفئة أو طبقة أو جماعة أو عَشيرة. فَكَم من الكنائِس والرّعايا وَجَدت نموَّهَا وخَيرَها وازدِهارَها في غَيرِ بَنيها؟

أُذكّرُكم بكلام المسيح حينَ قال: "سَوفَ يأتي أُناسٌ كثيرون من المشرِقِ والمغرب، فَيُجالِسونَ إبراهيمَ وإسحقَ ويعقوب، على المائِدةِ في مَلكوتِ السّموات. وأَمّا بَنو الملكوتِ، فَيُلقَونَ في الظُّلمَةِ البرّانيّة" (متّى 11:8-12).

لِذلك يأتي المسيحُ (أَبناءَ وطنِه) بحادثةِ شِفاء نُعمان السّوري، لِيؤكِّدَ لهم جَدّيةَ ما يقول. فَهَذا النّعمانُ كَانَ مِن بلادِ سوريا، أي مرّةً أُخرى، من غيرِ آل إسرائيل، وقائِدًا لِجيش بَنهَدد الثّاني مَلكِ أرام (2ملوك 1:5-14). كَانَ أَبرَصًا كَغيرِه مِن البُرصِ في إسرائيل أَيّامَ النّبيّ أَليشاع، ومع ذلك نالَ هذا الغريبُ الشِّفَاءَ وليسَ هُم!

وَكأنَّ المسيحَ يُريدُ أن يصِلَ بِنا ومَعنا إلى نَتيجةٍ مَفادُها، أَنّ الله لَيسَ امتياز لأحد وليسَ مادّة تُحتَكر! دَعونا نُفَكّر بِصدقٍ: مَن أَنا حتّى أَدَّعي بأنّني احتكِرُ الله، وَبِأنّني صاحبُ امتيازٍ وَفَضلٍ على الله وكَنيستِه؟ اللهُ يَمُن على الجميع، ولا أَحَد يَتَمَنَّنُ عَلَيه! كُلُّنا عَمَلةٌ في حَقلِ الرّب، وهذا فَضلٌ ونعمةٌ مِنهُ عَلينا، أنّه اختارَنا لنكونَ عملةً نافِعينَ في كَرمِه! رُبّما نُمارِسُ الزّعامةَ والشِّيخَةَ في كُلِّ مَكان، ولكنَّ الرّجُلَ العاقِل، يخلَع (عِقالَه/ مَرير)، سَاعةَ يَدخُلُ في حَضرَةِ ربِّ المجد، تواضُعًا واِعترافًا مِنهُ بأنَّ السّلطانَ والمجَد والجَاهَ كُلّه لله فَقط.

بَعدَ أن أنهَى يسوعُ كلامَه، لَم يُصَفِّق له النّاسُ مُؤيّدين مُهنِّئين، بل ثار ثائِرُهم لأنّ كلامَه زَلزَلَهم وحَرقَ رؤوسَهم، فَأَرادوا أن يَتَخلّصوا منه انتِقامًا! كُلّ إِنسانٍ يقول الحق، يُلاقي الغَضبَ والسّخطَ مِن كَثيرين! كُلّ إنسانٍ يقولَ كلامًا يُخالِفُ الأغلبيّة، ويتّخِذُ مَوقِفًا مُغايِرًا، يَجِدُ أَيادٍ كَثيرة امْتَدَّت لِتُقَيِّدَهُ، مُحاوِلةً أن تَخنُقَ صوتَه! كُلّ إنسانٍ يسيرُ عَكس التّيار، يجدُ التّيارَ كُلَّه قَد تجنَّدَ لِجَرفِه والقضاءِ عَليه! كُلّ إنسانٍ يريد أن يُصلِحَ منظوماتِ فساد، يجد العَسسَ قَد هَبّوا لِقَمعِه!

هذا الموقِف العِدائي من طَرفِ النّاس، يُعيدُنا إلى الفَصلِ الأوّل من بِشارة يوحنّا: "جاء إلى بَيتِهِ، فَمَا قَبِلَهُ أَهلُ بَيتِه" (يوحنّا 11:1). عدمُ القُبول وملاقاةُ العَداوَة، جزءٌ أَساسي من رسالةِ المسيحي الصّحيح، وتأكيدٌ على صِحّةِ رسالِته. نَعم، لأنَّ القبولَ التَّام هو نِفاقٌ، وَدَليلٌ على أَنَّكَ مَسيحي مُزيّف، تُحِبُّ صَداقةَ العالم الْمَبني على الخِداعِ والْمَظاهِر، والمحكوم بالكَذبِ والباطِل، وتُجامِلُ في سَبيلِ رِفعةٍ فانية ومَجدٍ رَخيص، في دَارٍ لَن تبقى، وَلَنَا في ذلِك أَمثلة كَثيرة!



الأب فارس سرياني - الأردن

رد مع اقتباس
 


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
وأَضاف: الحَقَّ أَقولُ لكم: ما مِن نَبِيٍّ يُقبَلُ في وَطنِه


الساعة الآن 11:47 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024