رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
وأَمَّا ذلكَ اليومُ أَو تِلكَ السَّاعة فما مِن أَحَدٍ يَعلَمُها: لا المَلائكةُ في السَّماء، ولا الِابنُ، إِلاَّ الآب. تشير عبارة "ذلكَ اليومُ" إلى يوم المجيء الثاني ونهاية العالم وهو اليوم الوارد ذكره في آيات 24-27. وأما عبارة "وأَمَّا ذلكَ اليومُ أَو تِلكَ السَّاعة فما مِن أَحَدٍ يَعلَمُها" فتشير إلى تأكيد يسوع على امتيازات الله الآب؛ وهذا يتطابق مع الأدب الرؤيوي في الدين اليهودي، حيث أنَّه لا يستطيع أن يُحدِّد تاريخ نهاية العالم سوى الله وحده. فموعد عودة المسيح في المجد لا نعرفه بالتحديد، إنما هو مخفي في علم الآب السماوي ومشورته. وأراد يسوع بهذا الكلام أن يوجه أنظار تلاميذه إلى عدم الانشغال بمعرفة الأزمنة والأوقات، إنما بالاستعداد والسهر المستمر وترقب مجيئه. وإذا كانت نهاية العالم قريبة فماذا يفعل المؤمن؟ هل يجب أن يبقى مكتوف الأيدي أم يبقى ساهراً وعاملا ومنتبها إلى علامات الملكوت في حياته وفي التاريخ كي تصبح هذه العلامات حقيقة وواقعاً في قلب العالم. أمَّا عبارة "فما مِن أَحَدٍ يَعلَمُها" فتشير إلى يوم عودة يسوع الذي لا يعرفه إلاّ الآب السماوي وحده. لذلك البحث عن معرفة نهاية العالم هو عائق للإيمان، لا مساعد له. فالمطلوب هو الاستعداد ليوم الرب وليس الحساب متى يكون يوم الرب. أما عبارة "لا المَلائكةُ" فتشير إلى الذي الأمر الذي لم يُعلنه الله لملائكته لا حقَّ للتلاميذ أن يتوقعوا معرفته. أمَّا عبارة "ولا الِابنُ" فتشير إلى بنوة يسوع الإلهية الفريدة وعلاقته بالآب. وأمِّا أنه لا يعرف تلك السَّاعة فذلك من باب تجاهل العارف وليس نقصا أو حرماناً، لأنه لم يكن من مضمون رسالة يسوع على الأرض أن يُعلن للناس عن زمن مجيئه. ومن اجل ذلك قال للرسل "لَيَس لَكم أَن تَعرِفوا الأَزمِنَةَ والأَوقاتَ الَّتي حَدَّدَها الآبُ بِذاتِ سُلطانِه " (أعمال الرسل 1: 7). على أن الآب كشف للابن عن كل يتوجب معرفته للقيام برسالته الخلاصية "قد سَلَّمَني أَبي كُلَّ شَيء، فما مِن أَحَدٍ يَعرِفُ الابنَ إِلاَّ الآب، ولا مِن أَحدٍ يَعرِفُ الآبَ إِلاَّ الابْن ومَن شاءَ الابنُ أَن يَكشِفَه لَه" (متى 11: 27). ولم يذكر هذه العبارة سوى مرقس الإنجيلي، وفيها سر عظيم هو حقيقة التجسُّد الإلهي. فمن يسلمون بحقيقة اتحاد طبيعة المسيح البشرية بطبيعته الإلهية لا يرون فيها ما يعثرهم. إذ يتكلم يسوع تارة باعتبار كونه إنسانا كما تكلم عن موت لعازر بقوله " أَينَ وَضَعتُموه؟" (يوحنا 11: 34)، وطورا باعتبار كونه الله كما تكلم عند إقامة لعازر بقوله " يا لَعازَر، هَلُمَّ فاخرُجْ" (يوحنا 11: 43). أمَّا لوقا الإنجيلي فلم ترد هذه الآية في إنجيله حيث لا مكان للجهل عند يسوع المسيح الذي قام من بين الأموات. واكتفى بالقول "لَيَس لَكم أَن تَعرِفوا الأَزمِنَةَ والأَوقاتَ الَّتي حَدَّدَها الآبُ بِذاتِ سُلطانِه" (أعمال الرسل 1: 7). ويُعلق القديسأمبروسيوس "أن السيد المسيح هو الديان وهو الذي قدَّم علامات يوم مجيئه لذا فهو لا يجهل اليوم". وأمَّا القديس أوغسطينوس فيقول"أن السيد المسيح لا يجهل اليوم، إنما يعلن أنه لا يعرفه، معرفة من يبيح به. معرفة الابن هو معرفة الآب نفسه وحكمته، فهو ابنه وكلمته وحكمته. لكن ليس من صالحنا أن يخبرنا بما ليس في صالحنا أن نعرفه". ويقول القديس هيلاري أسقف بواتييه "إن السيد المسيح فيه كنوز المعرفة، فقوله إنه لا يعرف الساعة إنما يعني إخفاءه كنوز الحكمة التي فيه". أما عبارة " إِلاَّ الآب " فتشير إلى يوم الدينونة العامة هو سر يحتفظ به الآب لنفسه، وان علينا أن نتوقّع دائما ذلك اليوم وفي أي ساعة. على كل حال، التوكيد هنا ليس على عدم معرفة الرب يسوع، بل على حقيقة أنه لا أحد يعلم ذلك الوقت، إلاَّ الله الآب وهو سيعلن ذلك متى يشاء. وفي هذا الصدد تعلم الكنيسة " الآب وحده يعرف الساعة واليوم، وهو وحده يقرر حدوثها. وسيُعلن بابنه يسوع المسيح كلمته الأخيرة على التاريخ كله " (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، بند 1040). |
|