رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
اللَّقلَق «طوبى للرجل الذي لم يسلك في مشورة الأشرار، وفي طريق الخطاة لم يقف، وفي مجلس المستهزئين لم يجلس» هل تعلم: أن اللَّقلق من الطيور التي تُسمَّى القواطع (الجوارح)، ويبلغ ارتفاعه 120سم. وله منقار أحمر طويل مسنن بأسنان متجهة إلى الوراء تسهيلاً له لقبض فريسته والاحتفاظ بها. وساقان حمراوتان طويلتان أيضاً، وريش أبيض وجناحان أسودان لامعان. فعندما يفرد جناحيه يبلغ ما بين طرفيهما أحياناً نحو مترين . وقد رأى النبي زكريا «امرأتين خرجتا والريح في أجنحتهما، ولهما أجنحة كأجنحة اللقلق» (زك 9:5). ويقتات على الجرذان والسحالي وصغار الحيوانات والضفادع والأسماك، وإذا تعذر وجود هذه أمامه، اقتات على الجيف والقاذورات. يطالعنا الكتاب عن بعض خصائص وطباع هذا الطائر، فهو بحسب الناموس يعتبر من الطيور النجسة (لا19:11)، وأنه يسكن شجر السرو (مز17:104)، ومن سفر إرميا نفهم أنه من الطيور المهاجرة (إر7:8)؛ يقضي الشتاء في أواسط أفريقيا وجنوبها (حيث الجو الدافئ)، ثم ينتقل في الربيع إلى أوربا وفلسطين وسوريا ولبنان. ومن هذه المعلومات يُمكننا أن نستخلص بعض الدروس الروحية والعملية:
ونجد تصويراً لذلك في الإنسان المضروب بالبرص، فهو بحسب الشريعة نجس، ولذلك عندما يقابل أحداً عليه أن يصرخ محذراً «نجس، نجس»، لئلا يقترب إنسان منه ومن ثم يتنجس! أليس أمراً خطيراً أن تصل حالة الإنسان إلى ذلك؟! وماذا نتوقع من اللَّقلق وتلك هي طبيعته (النجاسة)، سوى أن نراه لا يأكل غير القاذورات! ألا يُذكرنا هذا بالابن الأصغر الذي بعدما ترك بيت أبيه وبذَّر ماله بعيش مسرف، اشتهى أن يملأ بطنه بالخرنوب (طعام الخنازير؛ والتي هي أيضاً بحسب الشريعة حيوانات نجسة) (لو15)، وهو الذي اعتاد يوماً على طعام أبيه الطيب والفاخر!!
وهكذا أيضاً الإنسان البعيد عن الله، إنه يحمل في جنبات قلبه الغدر والبطش. بماذا يصف يعقوب ولديه وهو يراهما بحسب الطبيعة؟ «شمعون ولاوي أخوان، آلات ظلم سيوفهما. في مجلسهما لا تدخل نفسي. بمجمعهما لا تتحد كرامتي. لأنهما في غضبهما قتلا إنساناً، وفي رضاهما عرقبا ثوراً. ملعون غضبهما فإنه شديد، وسخطهما فإنه قاسٍ» (تك5:49-7). وجدير بالملاحظة أننا عادة نجد أن هاتين الصفتين "النجاسة والشراسة" مجتمعتان معاً، وهذا ما يؤكده الرسول بولس وهو يصف الناس بحسب الطبيعة: «مملوئين من كل إثم وزنا وشر وطمع وخبث (وهنا نجد النجاسة) مشحونين حسداً وقتلاً وخصاماً ومكراً وسوءاً (وهنا نجد الشراسة)» (رو29:1). وأيضاً في قوله: «حنجرتهم قبر مفتوح، بألسنتهم قد مكروا. سم الأصلال تحت شفاههم. وفمهم مملوء لعنة ومرارة (النجاسة). أرجلهم سريعة إلى سفك الدم. في طرقهم اغتصاب وسحق. وطريق السلام لم يعرفوه (الشراسة)» (رو3: 13-17). وفي الواقع أن سبب ارتباط هاتين الصفتين معاً هو أن مصدرهما واحد؛ وهو الشيطان. إنه لا يعرف سوى النجاسة، كما أنه كان «قتَّالاً للناس من البدء» (يو44:8). من أجل ذلك نجد أن السمة العامة لكل العبادات الوثنية - والتي هي في الحقيقة عبادة موجهة للشيطان - هي اجتماع النجاسة والشراسة معاً . ألا نأسف كثيراً ونحن نرى ما آلت إليه البشرية في انحرافها عن الله؟ إن الإنسان الذي خلقه الله ليمجده، «لمجدي خلقته و جبلته و صنعته» (إش43: 7). والذي يجد فيه كل لذته وسروره «لذاتي مع بني آدم» (أم 31:8). ما يعبر عن النجاسة في العبادة الوثنية هي أنها دائماً ترتبط بالزنا (قارن عد 1:25-3 مع رؤ 14:2)، بل بما هو أردأ؛ بالشواذ الذين كرسوا أنفسهم للنجاسة (2مل 5:23-7). أما القسوة فقد تمثلت في إحراق الأطفال لإرضاء الآلهة!! وكم حذّر الكتاب من ذلك (لا 1:20-4؛ تث 10:18). واليوم نرى هذا الثنائي الشيطاني (النجاسة والقسوة) في اجتماعات عبدة الشيطان، إذ تُقدم في احتفالاتهم الأضحية البشرية، لا سيما الأطفال. كما تُمارس كل الممارسات النجسة تحت تأثير العقاقير. ها قد انحدر كثيراً عما قصده الله له، وأصبح ويا للحسرة، أكثر مشابهة بالحيوانات، وانطبقت عليه كلمات النبي «الإنسان في كرامة لا يبيت. يُشبه البهائم التي تُباد» (مز49: 12).
إن شجر السّرو له استخدامات متنوعة، ويذكر لنا الكتاب المقدس أربعة استخدامات له على الأقل:
وفي هذه الاستخدامات الأربعة نجد ما يُقدمه العالم للإنسان البعيد عن الله عسى أن يُشبع رغائبه، وبذلك يحفظه في حالة البعد عن الله. فالمراكب .. تُستخدم في التجارة، يقول يعقوب عن ابنه زبولون: «عند ساحل البحر يسكن، وهو عند ساحل السفن، وجانبه عند صيدون» (تك49: 13). وصيدون تُعتبر من أقدم مدن العالم، ولقد كانت مدينة غنية نظراً لموقعها الجغرافي كميناء. كما أن السفن أو المراكب كان لها دورٌ كبيرٌ في غِنى وتعاظم الملك سليمان حيث كانت تأتي من ترشيش «حاملة ذهباً وفضة وعاجاً وقروداً وطواويس» (1مل10: 22). والبيوت .. تكلمنا عن حالة الاستقرار والأمان اللذان هما رغبة كل إنسان بعيدٍ عن الله وحياته ليست سوى مزيجاً من القلق والاضطراب. ماذا فعل قايين بعدما سمع حكم الله الرهيب «تائهاً وهارباً تكون في الأرض» (تك 12:4)؟ لقد سعى جاهداً لبناء مدينة يسكن فيها، وكان هو أول إنسان شيّد مدينة، ودعاها باسم ابنه حنوك (تك4: 17). لقد حاول أن يجد أمنه وسلامه في مدينة ذات أسوار، ولكن ماذا يقول الكتاب في هذا الصدد: «باطنهم أن بيوتهم إلى الأبد، مساكنهم إلى دور فدور. ينادون بأسمائهم في الأراضي. والإنسان في كرامة لا يبيت. يشبه البهائم التي تباد» (مز49: 11، 12). وآلات الطرب .. تكلمنا عن محاولة الإنسان الفاشلة في أن يهدئ من روعه ويُسَكِّن ضميره الهائج عن طريق موسيقى تشنف آذانه وتدغدغ نفسيته القلقة. وهذا عين ما فعله نسل قايين، فلقد كانوا هم أول من أدخلوا فن الموسيقى في العالم، وأول من صنعوا الآلات الموسيقية (تك4: 21). وهل يمكن حقاً أن يحظى الأشرار بسلام؟ إن الكتاب يعلن صراحة «لا سلام، قال الرب للأشرار» (إش48: 22). وأخيراً نجد في آخر استخدامات السرو صنع الرماح وآلات الحرب .. وهذه هي النتيجة الطبيعية المتوقعة لإنسان نجس يعيش بالانفصال عن الله محاولا أن يجد كل كفايته في هذا العالم الموضوع في الشرير. فما كان يطمحه من غنى ورجاء في عالم المال والثراء، وما كان يبتغيه من هدوء وراحة بال في مكان يستقر ويأنس فيه، وما كان يتشوق إليه من طرب ينعشه ويرفع من معنوياته. إذ به يجد نفسه قد دخل في حروب وصراعات دامية محركها الرئيسي ذاك الذي هو «قتّال للناس من البدء» (يو8: 44).
إنه يستطيع بغريزته الطبيعية تمييز فصول السنة، فقبل أن يأتي الشتاء بزمهريره وأمطاره الغزيرة يهاجر جماعات جماعات إلى أواسط أفريقيا وجنوبها - كما سبق وذكرنا - حتى لا يتعرض لهذا الجو غير المحتمل .. إنه «يعرف ميعاده»! ويا لها من صفة جميلة بل وهامة، ويا ليت الإنسان يتصف بها. ولكن بالأسف فإن الخلائق العجماء تكون أحكم من الإنسان ذو الروح العاقلة في كثير من الأحيان، وهذا ما قاله إرميا: «اللَّقلق في السماوات يعرف ميعاده ... أما شعبي فلم يعرف قضاء الرب! ... خزي الحكماء. ارتاعوا وأُخذوا. ها قد رفضوا كلمة الرب، فأية حكمة لهم؟» (إر8: 7-9). وأيضاً يقول الحكيم: «لأن الإنسان أيضاً لا يعرف وقته. كالأسماك التي تُؤخذ بشبكة مهلكة، وكالعصافير التي تُؤخذ بالشَرك، كذلك تقتنص بنو البشر في وقت شر، إذ يقع عليهم بغتة» (جا9: 12). فبينما «يقولون سلام وأمان، حينئذ يفاجئهم هلاك بغتة، كالمخاض للحبلى، فلا ينجون» (1تس5: 3). فسيأتي يومٌ وغضب الله سينصب على كل إنسان ما زال يعيش في خطاياه. «لأن غضب الله معلن من السماء على جميع فجور الناس وإثمهم» (رو1: 18)، ولكن سيأتي يومٌ، وما أرهبه يوماً .. سينصب فيه جام غضب الله على الأرض، عندما يصرخ الملاك بصوت عظيم «ويلٌ! ويلٌ! ويلٌ للساكنين على الأرض» (رؤ8: 13). يا ليتنا نتحذّر من الآن ونهرع إلى المسيح لنحتمي فيه قبل فوات الأوان .. قبل أن يدركنا الغضب، حينئذ يكون الرب: «حصناً للمسكين، حصناً للبائس في ضيقه، ملجأ من السيل، ظلاً من الحر» (إش25: 4). عندئذ نرنم مع الرسول بولس: «إذاً لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع» (رو8: 1). |
|