وكانَ الشُّعبُ يَنتَظِر، وكُلٌّ يَسأَلُ نَفسَه عن يوحَنَّا هل هو الـمَسيح.
تشير عبارة "وكانَ الشُّعبُ يَنتَظِر" إلى انتظار الشعب اليهودي إلى المسيح المُخلّص، لأنه لم يكن هناك نبي في إسرائيل لفترة تزيد على أربعمائة عام. واعتقد كثيرون أن النبوءة ستعود إلى الظهور مع مجيء المسيح (يوئيل 2: 27)؛ فكانت جرأة يوحنا وتبشيره بحماس، وجواباته المُقنعة وسلطانه على قلوب الناس حملهم أن يتسألوا: أليس هو المسيح المنتظر؟ أمَّا عبارة "كُلٌّ يَسأَلُ نَفسَه عن يوحَنَّا " إلى تساؤل أفراد الشعب عن هوية يوحنا المعمدان ما إذا كان هو المسيح المنتظر "إِذ أَرسَلَ إِلَيه اليَهودُ مِن أُورَشَليمَ بَعضَ الكَهَنَةِ واللاَّوِيّينَ يَسأَلونَه: مَن أَنتَ؟" (يوحنا 1: 19). أمَّا عبارة " الـمَسيح" في الأصل اليوناني Χριστός (معناها الممسوح بالزيت من اجل خدمة معينة: الملك (1صموئيل 16: 10) والكاهن (خروج 40: 13-15) فتشير إلى "المشيح" المنتظر المخلص وليس مسيحا مثل سائر المسحاء بل "المسيح". وفي المسيحية، المسيح هو الكلمة المُتجسِّد وابن الله. ولكن اليهود كانوا ينتظرون مسيحا آخر يُطغى عليه الوجه الوطني والعسكري والسياسي والقومي، كما يبدو ذلك واضحا لدى اتهامات اليهود ليسوع المسيح أمام بيلاطس "وَجَدْنا هذا الرَّجُلَ يَفتِنُ أُمَّتَنا، ويَنهى عَن دَفْعِ الجِزيَةِ إلى قَيصَر، ويَقولُ إِنَّه المسيحُ المَلِك" (لوقا 23: 2)؛ أمَّا عبارة "هل هو الـمَسيح" فتشير إلى تلاميذ يوحنا الذين ظلوا زمناً طويلا يتساءلون هل معلمهم هو المسيح المنتظرالذي تتكلم عنه النبوءات. لعلَّ السببفي ذلك ما رأوه فيه من تقشُّف شديد في أكلِه وشُربه وملبسه وقوة كلماته وحزمه في تبكيته الخطأة (متى 3: 4-7)، فظنَّوه أنه قادر أن يُخلِّصهم من الرومان. ويُعلق العلامة أوريجانوس "من المؤكَّد أن يوحنا كان إنسانًا غريبًا يستحق إعجابًا شديدًا من كل الناس، فقد كانت حياته مختلفة تمامًا عن بقيّة الناس". ومن الواضح أن يوحنا المعمدان كان نبيَّاً عظيما، وكان الشعب واثقاً أن المسيح الذي طالما انتظروه قد جاء. لكن يوحنا المعمدان أوضح قائلا" لَستُ المَسيح، بل مُرسَلٌ قُدَّامَه " (يوحنا 3: 29)، واكَّد مرة أخرى قائلا " لَمَّا أَوشَكَ يوحَنَّا أَن يُنهِيَ شَوطَه قال: مَن تَظُنُّونَ أَنِّي هو؟ لَستُ إِيَّاه. ها هُوَذا آتٍ بَعدي ذاكَ الَّذي لَستُ أَهلاً لأَن أَفُكَّ رِباطَ حِذائِه" (أعمال الرسل 13: 25). يا حبّذا لو تحلّينا بروح يوحنا المعمدان لنبشّر الأجيال الناشئة، بحياتنا وأمثالنا وأقوالنا، من هو يسوع!