احتقار مديح الناس والزهد فيه:
الإنسان الزاهد في المديح، يزهد في كل ما يعرفه عنه الناس من خير. فهو لا يريد أن يكون ممدوحا منهم لأنه يعتبر أن مديح الناس إياه والكرامة التي يقدمونها له هي خسارة. بل هو يريد أن تكون الكرامة الوحيدة التي له عند الله مرددا قول السيد المسيح "مجدًا من الناس لست أقبل" (يو41:5). وقوله
"مجدني أنت أيها الأب عند ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم" (يو5:17). مريدًا أن يمجد من الله وليس من الناس. فما هو المجد الذي كان لك أيها الأخ عند الأب قبل كون العالم؟ مجدك الحقيقي هو أنك صورة الله ومثاله. مجدك الحقيقي هو في علو شخصيتك من الداخل، وفي نقاوة قلبك، وفي فكرة الله عنك.
أما المجد الذي تأخذه من الناس فهو زائف وربما يكون عن جهل، لان الذين يمدحونك لا يعرفون حقيقتك وهم يحكمون حسب الظاهر، لا يقرأون أفكارك، ولا يعرفون مشاعرك وإحساساتك الداخلية ولا خطاياك الخفية.. ومديح الناس لا يوصلك إلى ملكوت الله لان الله فاحص القلوب والكلى ولا يعتمد في حكمه على أفكار الناس.
وبعض الناس يمدحون بسبب المجاملة، والبعض بسبب التشجيع، والبعض بسبب أدبه الخاص، والبعض يمدح لغرض معين في نفسه، والبعض يمدح بسبب التملق. والمسكين الذي يحب المديح يهمه أن يمدح كيفما كان الأمر، ويلذ له أن يصدق كل ما يقال فيه من خير سواء عن حق أو عن باطل.
ومديح الناس يضر الكثيرين ويضللهم. لذلك ينبغي لك أن تصادق من يوبخك ويوجهك، أما إذا مدحك الناس، فتذكر خطاياك ونقائصك، واعترافاتك المتعبة لك، والأخطاء البشعة التي وقعت فيها في حياتك. فعند ذلك يخف ألم المديح.