رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الفصح والحياة الجديدة
5: 6- 8 الفصحُ قريبٌ. من أجل هذا انطلق بولس من عادة إزالة كلِّ خمير من البيوت، لئلاّ يبقى إلاّ الفطير. كما انطلق من الكلام عن حمل الفصح ليصل إلى من هو حملنا، يسوع المسيح. تماهى المؤمنون مع المسيح، حين ماتوا وقاموا معه. فماذا ينتظرون لكي يجعلوا حياتهم في خطّ حياته، فيُزيلوا الخميرَ العتيق الذي يحمل معه الفساد لكي تتّسم حياتُهم بالنقاوة والقداسة؟ ونقرأ النصّ: (6) لا يحسن بكم أن تفتخروا! أما تعرفون أن قليلاً من الخمير يخمّر العجين كله؟ (7) فتطهّروا من الخميرة القديمة لتصيروا عجيناً جديداً لأنكم فطير لا خمير فيه. فحملُ فصحنا ذُبح، وهو المسيح. (8) فلنعيّد إذاً، لا بالخميرة القديمة ولا بخميرة الشرّ والفساد، بل بفطير النقاوة والحقّ. في هذه الآيات القليلة (آ 6 -8 ) التي تشكّل معترضاً في هذه الرسالة الكبيرة، يقدّم الرسول شميلةً عن المعطيات الجوهريّة في السرّ المسيحيّ، وعن المتطلّبات التي تُفرَض على حياة المعمّدين. 1- سياق النصّ بعد أن تحدّث بولس عن الانقسامات في كورنتوس (1: 10- 14: 21)، عاد إلى بعض الشكوك قبل أن يجيب على أسئلة تتعلّق بالحياة الخلقيّة أو الليتورجيّة (ف 7- 15). أما في ف 5، فينتقل إلى وضع خطير (5: 1): زنى لا مثيل له حتّى عند الوثنيّين. الكل يتكلّمون عنه، ولا يجرؤ أحد في الجماعة أن يتّخذ الموقف الواجب اتّخاذه، وهو طرْدُ المذنب من الجماعة (آ 2). بما أنهم لم يفعلوا، فبولس سيُصدر الحكم ويبرّر حكمَه بقول استعمله أيضاً في الرسالة إلى غلاطية (5: 9) من أجل تحذير مماثل: "تعرفون أن قليلاً من الخمير يخمّر العجين كله". وإذ ذكر في 1 كور الخميرَ في إطار فصحيّ (16: 8: سأبقى إلى عيد الخمسين أو العنصرة)، توسّع في تفسير استعاري لطقوس الفصح اليهوديّ، ونقلها إلى مستوى خلقيّ لكي يُسند توبيخَه للمؤمنين: كيف تسمحون بأن يفسدكم مثلُ هذا "الخمير"؟ أ- الخلفيّة اليهوديّة الفصح اليهوديّ هو نتيجة الدمج بين احتفالين: طقسُ ذَبْح الحمل الذي يعود إلى عالم البدو، واستعمال الخبز الفطير (الذي لا خمير فيه) في بداية حصاد الشعير، الذي هو الحصاد الأول في الربيع. وارتبط الطقسان باكراً بحدث واحد من أحداث تاريخ الخلاص، هو الخروج من مصر (خر 12: 1- 28؛ 23: 15؛ تث 16: 1- 7). ولكن احتفظ كلُّ طقس بخاصيّته رغم العلاقات الوثيقة بينهما (رج لو 22: 7). فالخبز الفطير كان يذكِّر العبرانيين بالانطلاق على عجل لأنهم لم يستطيعوا أن يأخذوا معهم سوى عجين فطير (تث 16: 3). وها نحن نعود إلى المشناة (مجموعة التقاليد. دُوّنت في القرن الثاني بعد المسيح)، حول الفصح، لنفهم كيف كانوا يحتفلون بالأيام الفصحيّة في زمن العهد الجديد. أولاً: البحث عن الخمير وذبح الحملان تفرض التوراة أن يُستبعد من البيوت كلُّ أثر للخمير (خر 12: 15؛ 13: 7). فاستبعد المعلّمون في ما بعد كل ما فيه خمير، وحدّدوا كيف يفعلون. منذ مساء 13 نيزان (= أذار- نيسان، كانوا يحتفلون بالعيد ليل 14- 15 نيزان)، يجب على ربّ البيت أن يبحث، على ضوء السراج (صف 1: 12) في كل زوايا البيت. وأن لم يُتِح له الوقتُ، يقدر أن يفعل حتى الساعة السادسة (أي الظهر) من 14 نيزان، وهي الساعة الأخيرة لحرق بقايا الخبز الخمير، حتى لو كان ذلك اليوم سبتاً، كما قال بعض المعلّمين. ويبدأ طقس الفصح اليهوديّ "بالمباركات" التي تُقال قبل البحث وبعده، فتعلن المباركةُ الأخيرة أن كل فتات مخمَّر لم يقع تحت نظرنا. في عشيّة 14 نيزان (خر 12: 6؛ لا 23: 5) يذبحون، في الهيكل، الحملان المعدّة للعشاء الفصحيّ، الذي يؤكل بعد غروب الشمس. حسب المشناة، يبدأ ذبح الحملان في الساعة الثامنة (الثانية بعد الظهر)، ولا يُسمح ذبحُها قبل الظهر. وهذا الذبح يدلّ على بداية عيد الفطير. ويجب، مهماكلّف الأمر، أن لا تلمس ذبيحةُ الفصح الخبزَ الخمير. أما العبارة المستعملة فهي «ذبح الفصح» (خر 12: 21؛ تث 16: 2، 5، 6)، كما استعملها بولس هنا. ثانياً: عيد الفطير خلال أسبوع كامل (15- 21 نيزان) لا يأكلون سوى الخبز الفطير الذي يحتلّ مكانة كبيرة في العشاء الفصحيّ بسبب التفسير (كانت هناك فقاهة) الذي يُعطى عنه (خر 13: 3- 12). ويتطلّب صنعُ هذا الخبز عنايةً خاصة لكي نتجنّب امكانيّة وجود كل خمير. والامتناع عن الخبز الخمير بمناسبة العيد الذي يبدأ السنة الجديدة (خر 12: 2)، يرمز إلى الرغبة في التخلّي عن كل عنصرٍ نجس قد يُفسد السنة الآتية. لا يؤخذ شيء من السنة السابقة. ووجهةُ التجديد هذا، الخاصة بعيد الربيع، كانت معروفة في زمن يسوع، حيث رأى فيلون الاسكندراني في الفطير "رمز حياة نقيّة". مهما يكن من أصل الخبز الفطير، فالأقدمون الذين استعملوا عجيناً عتيقاً، «ليطلع» العجين الجديد، اعتبروا أن الخمير محتقر. شابهوا بين مسيرة التخمير ومسيرة التعفّن، فاعتبروا الخمير نجساً وفاسداً. عرفت الأناجيل هذا التفسير للخمير كقوّة فساد خفيّة (مر 8: 15؛ مت 16: 12؛ لو 12: 1)، فحاول عدد من الشرّاح أن يجعلوا تنبيهات يسوع في إطار فصحيّ، ولا نجد سوى مرة واحدة في الأناجيل، حديثاً عن دور الخمير الجيّد وعمله السريّ والسريع في مثَل عن ملكوت السماوات (مت 13: 33). استعمل المعلّمون صورةَ الخمير ليدلّوا على ميول القلب الشرّيرة، ولا سيّما تلك التي تمنعنا من أن نُتمّ إرادةَ الله. وهناك أقوال تُشبِّه عودةَ المهتدي الجديد إلى الوثنيّة "بعودة إلى الخمير". أما المهتدون الجدد فيُدعون "فطيراً". في سياق التحرير من مصر، مثّل الخميرُ نجاسات الأصنام (يش 24: 14؛ حز 20: 8؛ 23: 8) وكلَّ الرذائل التي اقتلع الربّ شعبَه منها. ب- السياق المباشر فكّر بولس في تأثير الخمير الذي لا يُقاوَم حين ذكر أن قليلاً من الخمير يكفي لكي يخمّر العجين كله. هو ما أراد أن يقول إن خطيئة الزاني أمر بسيط. بل قدّم برهاناً مع "بالأحرى"، فبيّن أن الجماعة كلها مهدّدة بالفساد، واغتاظ من رخاوة ردّة الفعل عندها. فكلّ كنيسة حيّة، وكل جسم معافى، يجب عليه أن يردّ على الشرّ الذي يظهر فيه ويوقف العدوى. تجاوزت نظرةُ الرسول وضعَ خاطئ (لا يسمّيه) وخطيئةٍ محدّدة، ليصل إلى الجماعة كلها. أما موقع إرشاده ففي إطار أوسع من تعليمه عن الجسد السريّ (12: 4- 30). لم نعد فقط أمام عمل تنظيميّ في إطار جماعة من الجماعات، بل أمام الكنيسة في كلّ العصور. فهل يستطيع مسيحيّو كورنتوس، ومدينتُهم اشتهرت بمجونها، أن يقولوا إنهم أمام حالة منعزلة في كنيستهم، حالة لا تشكّك أحداً ؟ لقد نسوا التأثّر الذي يُحدثه الفسادُ مهما كان قليلاً. هم لم يوافقوا على الخطيئة التي اقتُرفت، ولكنهم رووا الخبر الذي اعتبروه غيرَ مهمّ، وما رأوا أنه يهدّد قداسة الجماعة وقوّة الشهادة فيها من أجل نشر الانجيل، أنه يهدّد وجودها. فالذنب الذي لا ينال عقابَه، يخسر الكثير من فظاعته، والحسّ الأدبيّ يضعف، والحدود الواضحة بين الخير والشرّ تُمّحى في ضباب من المساومة والمداهنة تهدّد الضعفاء بالسقوط. لا نستطيع أن نكون في الوقت عينه للمسيح ولبليعال (2 كور 6: 15). هذه الحالة العكرة تهيّئ الطريق للكارثة والانهيار. لقد عرف بولس الاطارَ الخلقيّ الذي يعيش فيه المسيحيون (روم 1: 18 ي). فوجب عليهم أن لا يساوموا ويكشفوا القناع عن كل شرّ يهدّد الصحّة الروحيّة في الجماعة. فكلُّ فرد هو خليّة في الجسم، ويمكن أن يبدأ الهريان منه (عب 12: 15). كل عضو يُلزم الجسدَ كله، بأعماله، سواء كانت شراً أو خيراً، لأن للفساد عدواه. إذن، دعا بولس الكورنثيّين إلى ردّة فعل جذريّة، يفرضها عليهم وضعُهم كمسيحيّين. أما إرشاده فيتوسّع في المراحل الثلاث من الاحتفال بالفصح اليهوديّ. 2- الخمير في العجين أ- الخميرة القديمة "تطهّروا من الخميرة القديمة...". إن اقترابَ عيد الفصح والاشارة إلى الخمير (آ 6 ب)، جعلا الرسول يتوسّع، بشكل متوازٍ، في مختلف عناصر الطقس اليهوديّ، ووضْعِ الجماعة في كورنتوس، فما اكتفى بالقول: "إنزعوا الخمير"، بل أضاف "القديم" كما كان يفعل اليهود. وإذ فعل، فكر بالزاني الذي يجب أن يُستبعَد (5: 2، 13) لأن مَثلَه يمكن أن يجلب آخرين فيعودوا إلى حياتهم الوثنيّة السابقة. غير أن هذه "الخميرة العتيقة" ترمز إلى كل خطيئة، إلى كل فساد خلقيّ، إلى كل ما يمكن أن يتجمَّع من عادات وثنيّة عند الأفراد وفي الكنيسة. هذا ما رآه الذهبيّ الفم: توافقت الجماعة مع الخاطئ (رج روم 1: 32)، فما تدخّلت، بل أغلقت عينيها ورفضت أن تعمل بعد أن تخدّر قلبُها الذي لم يُعطَ بعدُ كلُّه للمسيح (3: 3: أنتم جسديون). هذا الموقف المتساهل يكشف وجود خمير خطِر يدعوهم بولس لكي يتطهّروا منه: يجب أن لا يكون هناك نجسٌ يمكن أن "يخمّر" الجماعة التي يجب أن تبقى عجيناً لا فساد فيه. إن المقابلة بين "القديم" و "الجديد" التي نجدها للمرّة الأولى عند القديس بولس، تجعلنا نتذكَّر موضوعاً بولسياً هاماً: الانسان الجديد (أف 4: 24). الخليقة الجديدة (2 كور 5: 17). فالخمير القديم هو الانسان القديم مع رذائله وفساده (روم 6: 6؛ أف 4: 22؛ كو 3: 9) قبل أن يجعل منه العمادُ عجيناً جديداً، انساناً جديداً "خُلق حسب الله في البرّ وقداسة الحقّ" (أف 4: 24؛ رج كو 3: 10). انساناً يقدر أن يخدم الله "في جديد الروح لا في عتيق الحرف" (روم 7: 6). إذن، نحن أمام جديد، لا على المستوى الأزمانيّ، أي إن حالة تلي حالة أخرى، بل على المستوى الكياني: لا يبقى شيء من القديم، فهو نجس وكاذب (أف 5: 1- 20). فالمسيحيّ كائنٌ جديد بواسطة سرّ المعموديّة. فلا تتضمّن حياتُه أيَّ تصرّف يعود إلى وضعٍ ألغيَ أو طريقةٍ حياة عفّاها الزمن. ب- الخبز الفطير إذا كانت الجماعة قد دُعيت إلى أن تتطهَّر من الخميرة العتيقة، فلأن المسيحيّين خبز فطير. فعليهم أن يصيروا ما هم عليه في المسيح. أن يكونوا بكل حياتهم ما يجب عليهم أن يكونوا. هم أشجار صالحة، فيجب أن يُثمروا ثماراً صالحة (مت 7: 17) ينتظرها منهم السيّد الذي خلقهم من جديد (لو 13: 6- 9). لا يجهل الرسولُ ما كانوا عليه في الماضي، ولكنهم "تطهّروا، تقدّسوا، تبرّروا" (6: 11). إذن، ينبغي عليهم أن يكونوا أمناء لنعمة الحياة الجديدة التي نالوها بالعماد، ساعةَ ماتوا عن الخطيئة (روم 6: 2- 4)، ويجعلوا في واقع حياتهم مثالاً يستطيعون أن يصلوا إليه، بالقوّة الكامنة فيهم. "كونوا... لأنكم ...". فعلى المؤمنين أن يحقّقوا دعوتَهم إلى القداسة (1: 2). فبولس متطلّب في تعليمه، وهو يدعو المسيحيّ في أعمق أعماقه. إنه متفائل، وتفاؤله يستند إلى قدرة الله وعظمة مواهبه. هذا ما تقتضيه حالتُنا الجديدة. 3- فصحنا أ- فصح المسيحيين "المسيحُ فصحُنا ذُبح". ها هو بولس يقدّم السبب الأساسيّ لما سبق، وللخاتمة في آ 8. فصحُنا، أي الحمل الفصحي، حملُنا ذُبح، وهو المسيح! إذا كان المسيحيّ كائناً جديداً، فلأن المسيح خلّصه من سلطان الخطيئة، كما كان دمُ العمل الفصحيّ، في مصر، أداة خلاص بني اسرائيل (1بط 1: 18- 19). كان التقليدُ اليهوديّ قد جعل دوراً هاماً لحملان الفصح الأول، ولاحظ الشرّاح أن "الحمل" في الكتابات اليوحناويّة هو النموذج المعارض لذاك الحمل الفصحي الأول. لقد حقّق يسوع المدلولَ الكامل للدور الذي لعبه دمُ الحملان في مصر. فهو الحمل الاسكاتولوجيّ (حمل نهاية الأزمنة) الذي يحمل التحرير النهائيّ للبشريّة كلها. ولفظ "فصحنا" يقابل بين الفصح المسيحيّ والفصح اليهوديّ، بين المسيح والحمل الذي يدلّ على العهد القديم. لا يقول الرسول فقط إنه ذُبح "كحمل فصحيّ"، بل إنه الحمل الفصحيّ لاسرائيل الجديد. استعمل بولس الفعل في صيغة تدلّ على أننا أمام حدث تاريخيّ محدّد وفريد تسجّل إلى الأبد في ماضي التاريخ. وتضحيةُ المسيح تدشّن عهداً جديداً للبشريّة، وتجعل هذا العهد ممكناً. وخبرُ أبناء الله المفتدَين، صار امتداداً لا حدود له "لساعة" يسوع وفصحه (يو 13: 1)، كما اجتذبت قيامتُه وتمجيدُه المسيحيَّ لكي يعيش متّحداً بالمسيح السماويّ، ومشدوداً إلى الصلاة (كور 3: 1- 7). هذا يعني أيضاً أننا إن أردنا أن نحيا حياة متجدّدة، فهذا لا يتمّ بقوانا الخاصة، بل حين نستقي "من الينبوع المفتوح... لغفران الخطايا والنجاسة" (زك 13: 1؛ رج يو 19: 34)، ومن تقدمة يسوع الحاضرة إلى الأبد. ب- المسيح، الحمل الفصحيّ نترك جانباً الجدال حول الطابع الفصحيّ (أو اللافصحي) للعشاء الأخير، ولكن المراجع المسيحيّة تتّفق على القول بأن موت المسيح "يُتمّ" الفصح القديم. نحن هنا أمام أقدم إعلان عن مِثْل هذا اليقين في نص بيبليّ، وهو الوحيد الذي يقدّم لنا يسوع على أنه الحمل الفصحيّ. فإن أخذنا بالتسلسل الزمني حسب إنجيل يوحنا، فالمسيح صُلب ليلة عيد الفطير (18: 28؛ 19: 14، 31)، ساعة كانوا يذبحون، في الهيكل، حملانَ الفصح. ويرى يوحنا في واقع يقول إنه لم تنكسر رِجلُ يسوع (19: 36) تحقيقَ فريضة طقسيّة حول الحمل الفصحيّ (خر 12: 46). وقد يكون لمحطةٍ أزمانيّة يوردُها يوحنا مدلولٌ مماثل: فالمشهد الرئيسيّ الذي فيه تقرّر مصيرُ يسوع تمَّ "حوالي الساعة السادسة" (19: 14)، التي هي المهلة الأخيرة لإزالة الخمير من البيوت. هل عنى الانجيل أنه ساعة تطهّر اسرائيل طقسياً واستعدّ للعيد، عُيّنت التقدمةُ الفصحيّة للذبح، وتأسّست العبادة "في الروح والحقّ" التي أعلنها يسوع للسامرية "حوالي الساعة السادسة" أيضاً (4: 6، 24). ج- فتطهّروا يبدو بولس وكأنه يقول: ألم تتطهّروا بعد من الخميرة، بعد أن تمّت الذبيحة! لقد بدأ الفصحُ، لأن الحمل ذُبح وأنتم ما زلتم مع خميرتكم العتيقة! كانت الفريضة التي تمنع كل خبز خمير، خطيرة جداً، مع أنهم كانوا يحتفلون بفصح هو صورة عن الفصح الحقيقيّ. واعتبر خر 12: 15 أن من يتجاوز هذه الفريضة يُقطع من الشعب. أما المشناة ففرضت الجلد. وبالنسبة إلى المسيحيّ، لقد تمّت الذبيحةُ مرّة واحدة (عب 9: 28؛ 10: 1، 10، 4)، ذبيحةُ الحمل الحقيقيّ، وهذا يفرض واجباً مماثلاً يفرض علينا طهارة روحيّة. فإن أراد بولس أن يشدّد قبل كل شيء على أن الفصح ذُبح، فابراز اسم "المسيح" في نهاية الجملة يدلّ على أن عينيه مسمّرتين على ربّه المذبوح، وهو الذي لا يعرف يسوع إلاّ مصلوباً (2: 2). ففي نظره، ليس الفصحُ حدثاً بقدر ما هو شخص حيّ وينبوع خلاص للجميع 1(1: 3) بعد أن وهب لهم حياتَه (غل 2: 20). 4- العيد إذا كان المسيحيون فطيراً، وإن كان فصحهم ذُبح، فلا يبقى عليهم سوى أن يحتفلوا بالعيد: فدمار الخميرة القديمة وذبح الحملان لدى اليهود كانا يدلاّن على بداية سبعة أيام عيد الفطير. ولكن بعد أن صار المسيحيون في حالة الفطير إلى الأبد، وبعد أن ذُبح المسيح مرّة واحدة، فحياةُ المسيحيين هي فصحٌ دائم، عيد دائم. أ- نحتفل بالعيد لسنا مدعوين هنا فقط لنحتفل بعيد محدّد، بعيدِ الفصح الذي كان قريباً، أو بعيدِ العنصرة. فالرسول يدعونا إلى عيدٍ لا نهاية له، عيد روحي وليتورجيّ تُدشّنه ذبيحةٌ. لهذا يجب أن نقيم في حالة عيد، في فرح مستمرّ (فل 4: 4) بعد أن أغدِقت علينا عطايا الله. سيقول الذهبي الفمّ: «بالنسبة إلى المسيحيّ الحقيقيّ، كلُّ يوم هو عيدُ الفصح. وبما أن المعموديّة تغطّس المسيحيين في سرّ الربّ الفصحيّ (روم 6: 1ي)، فوضعُهم يصوَّر كوضع فصحيّ، كوحدة مستمرّة وحياتيّة مع المسيح الذي مات وقام. فكل عبارة العهد القديم تجد غايتها في ذبيحة المسيح، وجميع "الأعياد" تهيّئ عيد أعراس الحمل. منذ الآن، إن احتفلنا بأعياد مختلفة، فالسرّ الفصحيّ نفسه حاضر دائماً في لحمة الزمن المسيحيّ ليحوّله ويقدّسه. والاحتفال بالعيد ليس تذكُّر حدث من الماضي، بل عيشَ هذا الحدث من جديد لاكتناه عبرته الروحيّة بحيث يكون لها صداها في حياتنا اليوم". والبرهان الأوضح عن قيامة يسوع الناصريّ، هو أنه بعد أن صار "روحاً محيياً" (15: 45)، أتاح لانسان اليوم أن يعيش وكأنه قام، منذ الآن، من بين الأموات (كو 3: 1- 4). يجب على الحياة المسيحية كلّها أن يكون لها طابعُ العيد، طابع الفرح. فمع القيامة يبدأ عهد «الفداء الأبديّ» (عب 9: 12)، والزمنُ الذي يشعّ فيه فرحُ النجاة من الشرّ والخطيئة. والحنين إلى عيد لا ينتهي يجد غايتَه في ليتورجيا سماوية حول الحمل (رؤ 15: 1 ي). ولكن منذ الآن تُرسل إلينا الدعوةُ: فماذا ننتظر لكي نقيم في الفرح! ب- الحياة الجديدة وضعُ المسيحيين "الفصحيّ" يفرض عليهم أن يتخلّصوا من الخميرة القديمة، من كل "شرّ وفساد" (آ 9): أي يجب أن نبتعد عن الشرّ بكلّ أشكاله مهما كانت دقيقة وخادعة. وبعد التطهّر من الشرّ، هناك السير في قداسة يعبّر عنها الرسولُ "بفطير الطهارة والحقّ". فالمسيحيّ هو ابن النور (أف 5: 8). لهذا يكون نقياً، شفافاً كالزجاج أمام الله. والحقّ الذي تتحدّث عنه الرسالة هو الحقّ في المعنى الخلقيّ، الحقّ كموقف نفسي وكتصرّف يليق بالمؤمنين. وهذا الحقّ الذي يجب أن نعمله (يو 3: 21)، الذي يجب أن نسلك فيه (3 يو 3- 4)، هو توافق بين أعمالنا والكيان الجديد الذي تقبّلناه في العماد. خاتمة اختلفت المسيحيّةُ عن الديانات القديمة التي فصلت المعرفة الدينيّة (أو التدرّج الطقسيّ) عن الاستقامة الأخلاقيّة، فجعلت الأسبقيّة للحياة الخلقيّة على شعائر العبادة، حسب الأنبياء في العهد القديم. بل إن المسيحيّة رسمت شميلةَ الحياة الخلقيّة والحياة الأسراريّة: فينبوع قداسة الحياة هو في الليتورجيا التي تتطلّب من جهتها تصرّفاً يتوافق مع الإيمان (مت 15: 8). ففصلُ السلوك اليوميّ عن المعتقد الإيماني، تجربةٌ مستمرّة. لهذا كان عيدُ الفصح هو الذي يمنحنا نقاوة تتجدّد يوماً بعد يوم، بعد أن يُزيل كلَّ خمير يُفسِد طيّات النفوس الخفيّة وعمقَ الجماعات التي تنسى بعض المرات أنها تعيش كلّ يوم عيد الفصح، وتعيّده "بفطير النقاوة والحقّ". |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
انسكاب الروح والحياة الجديدة |
بولس والحياة الجديدة |
القيامة والحياة الجديدة |
المسيح والحياة الجديدة |
القيامة والحياة الجديدة |