معنى كلام اليهود: لم نُسْتَعْبَد لأحد قط
سؤال:
"وتعرفون الحق، والحق يحرركم، أجابوه: إننا ذرية إبراهيم، ولم نُستعبد لأحد قط، كيف تقول أنت إنكم تصيرون أحرارًا؟" (يو32:8-33). فكيف يقول اليهود هنا أنهم لم يكونوا عبيدًا قط؟!
الإجابة:
واضح أنهم لم يدركوا حديث يسوع المسيح عن "الحرية"، فحسبوا دعوته لهم للتمتع بالحرية إهانة كبرى، لأنهم أبناء إبراهيم الحر، الذي يدعو الله "خليلي" (سفر إشعياء 8:41). كان اليهود يفتخرون بأنهم نسل هذا الأب العظيم. يقول الربّي اكييبا Akiba Rabbi الذي مات حوالي 135م: [يُنظر حتى إلى أفقر الأشخاص في إسرائيل كأحرار، هؤلاء الذين فقدوا ممتلكاتهم، لأنهم أبناء إبراهيم وإسحق ويعقوب. كل الأمة تعتز بهذه الكرامة الخاصة بانتسابها لهؤلاء الآباء العظماء لا بكثرة ممتلكاتهم]. هذا هو شعور اليهود في عصر المسيح.
ظنوا أن انتسابهم لإبراهيم بالجسد يحررهم!
كيف تجاسروا وقالوا: "لم نُستبعد لأحد قط"؟ ألم يُستعبدوا للمصريين وقام موسى بتحريرهم؟ ألم يُستعبدوا عدة مرات لأمم مجاورة في أيام القضاة؟ ألم يُستعبدوا لبابل مدة سبعين عامًا؟ وأخيرًا يدفعون الجزية لقيصر الروماني؟
ففي هذه اللحظة بالذات ربما لا يكونوا عبيدًا بالمعنى الحرفي، ولكنهم ليسوا أحرارا تمامًا كذلك! فلماذا يتعين عليهم أن يستأذنوا هيرودس وبيلاطس لصلب المسيح، إن لم يكونوا تحت حكم الرومان؟!.
هكذا هو افتخار اليهود: "نحن ذرية إبراهيم"، "نحن إسرائيليون". نهم لم يشيروا قط إلى أعمالهم البارة. لهذا صرخ فيهم يوحنا قائلًا: "لا تقولوا لنا إبراهيم أبًا" (مت9:3). ولماذا لم يفحمهم المسيح إذ كثيرًا ما استعبدهم المصريون والبابليون وأمم كثيرة؟ لأن كلماته لم يقدمها لينال كرامة لنفسه، وإنما لأجل خلاصهم، لنفعهم، فكان يضغط عليهم بهذا الهدف... إنه لم يرد أن يظهر أنهم كانوا عبيدًا للناس بل للخطية، التي هي عبودية خطيرة، لا يقدر أن يحررهم منها سوى الله وحده.
يقولون أنه مادام نحن ذرية إبراهيم، فلا يمكن أن نصير عبيدًا، ومادام لا يمكن أن نصير عبيدا، فلم نكن عبيدًا لأحد في يوم من الأيام! فهم بهذا "المنطق" المزعوم يضعون أماهم عهد إبراهيم في (سفر التكوين 1:12-3).
وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: "كل شخصٍ: يهودي أو يوناني، غني أو فقير، صاحب سلطة أو في مركز عام، الإمبراطور أو الشحاذ، "كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية". إن عرف الناس عبوديتهم يرون كيف يقتنون الحرية."
فهم في كلا الأمرين لم يكونوا أحرارًا! لا حرية الجسد ولا حرية الروح!! "فبالنسبة للحرية في هذه الحياة، أين هو الحق عندما تقولون: "لم نُستعبد لأحدٍ قط"؟ ألم يُبع يوسف (تكوين 28:37)؟ ألم يذهب الأنبياء القديسون إلى السبي (ملوك ثان 24؛ سفر الخروج 1:1)؟ مرة أخرى أليست هذه الأمة عندما كانت تصنع اللبن في مصر خدمت حكامًا عنفاء ليس في ذهب وفضة بل في صنع الطوب (خر14:1)؟ إن كنتم لم تُستعبدوا قط لأحد يا أيها الشعب الجاحد، فلماذا يذكركم الله باستمرار أنه خلصكم من بيت العبودية (خروج 3:13؛ سفر التثنية 6:5)؟... كيف تدفعون الجزية للرومان، والتي من خلالها أقمتم فخًا لتصطادوا الحق فيه عندما قلتم: "هل يجوز أن نعطي الجزية لقيصر؟" وذلك حتى إن قال يجوز ذلك تتهمونه بسرعة أنه يسئ إلى حرية نسل إبراهيم، وإن قال لا يجوز تشتكونه أمام ملوك الأرض بكونه يمنع الجزية لمثل هؤلاء؟" (من أقوال القديس أغسطينوس).