لقد أرسل نوح الحمامة من عنده ليرى هل قَلَّت المياه عن وجه الأرض «فلم تجد الحمامة مَقرًا لرِجلها فرجعت إليهِ إلى الفُلك».
وهنا نرى الفرق الكبير بين الغراب والحمامة؛ فالأول وجد مكانًا لرِجله فوق الجثث الكثيرة التي كان يتغذى بها وهو فاقد الشعور برائحتها الكريهة، أما الحمامة فما كانت لتقترب إلى تلك الجثث لأنها لا تطيق رائحتها النتنة، كما أنها لا تستطيع أبدًا أن تتغذى من لحمها لأنها طاهرة، لا يمكن أن تتغذى بالجثث النجسة.
لهذا لم تجد الحمامة مقرًا لرجلها.
نعم، وكيف كان يتسنى لها أن تجد مقرًا لرِجلها وسط مياه الطوفان، أو بالحري في مكان الدينونة وعالم الموت؟ وهل يستطيع المؤمن الحقيقي أن يجد مقرًا لرجله في عالم مقضي عليه بالهلاك الأبدي، وفي أرض لا تنبعث منها سوى رائحة الموت؟