رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
كتاب أسئلة حول الصليب - أ. حلمي القمص يعقوب لماذا تغيَّرت النظرة التشاؤمية للصليب؟ س2: لماذا تغيَّرت النظرة التشاؤمية للصليب؟ ج: كان الصليب أقسى وأحقر أنواع الإعدام، وكان المصلوب ملعون بحكم الشريعة لأنه مكتوب: "ملعون كل من عُلّق على خشبة" وكان الصليب أداة للعار والفضيحة لأعتى المجرمين، وللعبيد الثائرين المتمردين، وحفل تاريخ البشرية بآلاف المذنبين الذين صُلبوا سواء من العبيد أو الأحرار.. من الفقراء أو الأمراء.. من الجهلة أو المفكرين، ومع ذلك فإن صلب أي منهم لم يغير النظرة التشاؤمية للصليب، ولم يغير شيئًا من مجرى التاريخ.. نعم. لقد انتشرت الصلبان في العالم القديم ونشرت معها الهلع والفزع والرعب في قلوب الملايين، ومات المصلوبون وهم يصبُّون اللعنات على صالبيهم.. فهل تغيرَّت هذه النظرة التشاؤمية للصليب؟ نعم. لقد تغيّرت بسبب صليب واحد، وهو صليب اللَّه الديان، الإله المتأنس من أجل خلاص البشرية جمعاء، وقد غيَّر هذا الصليب مجرى التاريخ تغييرًا جذريًا، وقلَب النظرة للصليب، فبعد أن كان أداة للعار والفضيحة واللعنة والألم، صار الصليب مشرقًا وضَّاءً بنور المسيح نور العالم، وصار نبع الخير والبركات والخلاص والسلام والرضى والفرح والشجاعة والجراءة، فأحبَّه الشهداء بل عشقوه وتمسّكوا به، فالقديس أندراوس الذي عُلّق عليه وأتته الفرصة للخلاص منه فرفضها بشدة، والقديس بطرس طلب أن يُصلَب ولكن ليس كسيده بل منكس الرأس، ولم يرعب الصليب العريس الغض تيموثاوس وعروسه العصفورة الصغيرة مورا.. حقًا لقد رُفِع يسوع الناصري على خشبة الصليب، وسار من خلفه جيش زحّاف من حملة الصلبان. كل منهم يحمل صليبه برضى وشجاعة وفرح رجالًا ونساءً.. كبارًا وصغارًا.. كل منهم يحمل صليبه ثم يحمله صليبه فيرفعه عاليًا عاليًا إلى الأقداس ليُكلَّل بأكاليل الغار والمجد والفخار، والمصلوب يموت على صليبه وشفتاه تتمتمان بكلام البركة لصالبيه تشبُّهًا بسيده.. حقًا بعد أن كان الصليب أداة للعار والدمار واللعنة والمذلة والهوان تحوَّل إلى صولجان الملك الذي يضم به قطيعه إلى ملكوته، فصار مكرمًا جدًا يعلو منارات الكنيسة وتيجان الملوك، ي به قد صُلِبَ العالم لي وأنا للعالم" (غل 6: 14) وقال الآباء: "نفس بلا صليب كعروس بلا عريس". ويقول القديس يوحنا الذهبي الفم: "إن علامة الصليب التي كان الناس يفزعون منها قبلًا. صار كل واحد يتنافس عليها حتى صارت في كل مكان بين الحكام والعامة بين الرجال والنساء. بين المتزوجين وغير المتزوجين. بين الأسرى والأحرار. الجميع يضعونها في كل موضع كريم ومكرَّم ويحملونها يوميًا، وكأنها منقوشة على جباههم كما على عمود. نراها على المائدة المقدَّسة وفي رسامة الكهنة، ونراها متألقة فوق جسد المسيح في العشاء السري. وفي كل مكان يمكن للإنسان أن يلاحظه. يُحتفى بها في البيوت. في الأسواق في الصحاري. وفي الطرق العالية فوق الجبال. في شقوق الأرض. فوق التلال، وفوق البحار. في السفن في الجزر. في العربات في الثياب. فوق الأبنية الذهب والفضية. على أجسام الأشخاص الذين بهم أرواح نجسة.. في الحرب والسلم. نهارًا وليلًا. في تجمعات النساك. وهكذا يتنافس الجميع في البحث عن هذه الهبة العجيبة والنعمة التي لا يُعبَّر عنها"(11). ويتعجّب نيافة المتنيح الأنبا يؤانس من ذاك الصليب الذي كان نتيجة عمل وحشي بربري فصار مصدرًا للقوة والنصرة فيقول: "كيف يكون عملًا وحشيًا بربريًا، وضع نهاية مخزية وحزينة لحياة الرب يسوع، يصبح قوة ونصرة وإعلانًا عن محبة اللَّه الفائقة للبشر؟!.. وكيف صار الصليب ـ وهو رمز قديم لوحشية الإنسان ـ ذا تأثير حضاري واسع استطاع أن يغير وجه العالم حينما جدَّد الخليقة؟!"(12). |
|