رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
يسوع والشربعة
آ17. لا تظنُّوا أنّي جئت لأحلَّ، أي لأُبطل أو أرذل أو أتعدّى الناموس. وكان اليهود يفهمون بهذا الاسم أسفار موسى الخمسة أو الأنبياء، يعني باقي أسفار العهد العتيق كما كان يسمِّيها اليهود. ما جئت لأحلَّ بل لأكمِّل. والأمر واضح في الوصايا الطبيعيَّة والأدبيَّة. فإنَّ المسيح لم ينسخ شيئًا من هذه، بل أبانها كثيرًا بشرحه لها، وكمَّلها وجمَّلها بإضافته إليها المشورات الإنجيليَّة وأسرار العهد الجديد والنعم الوافرة المساعدة على حفظها. وأمّا الوصايا الطقسيَّة فأكملها بنفسه إذ اختُتن وقُدِّم إلى الهيكل إلخ، وعوَّض بالمثل عنها بعقوبات روحيَّة، وأكمل نقص الشريعة الموسويَّة بتبريرنا بالإيمان وأسرار الشريعة الجديدة، وهذا لم تصنعه شريعة موسى. * * * آ18. الحقَّ أقولُ لكم: إنَّ السماءَ والأرضَ تزولان. كأنَّه يقول الأحرى والأسهل أن تزول السماء والأرض وتتغيَّر الأجرام الكبيرة والصلدة في الكون كلِّه، وياء واحدة أو خطٌّ واحد لا يزول من الناموس. فالمسيح من حيث إنَّه تكلَّم بالسريانيَّة قال: يُودٌ واحدة كما قرأت السريانيَّة والعبرانيَّة. غير أنَّ المترجم اليونانيّ ترجم ذلك فقال: يوطا واحدة، واتَّبعته العربيَّة القديمة. واليود واليوطا في السريانيَّة واليونانيَّة أصغر حروف الهجاء. وقوله خطّ واحد لا يراد به تهجئة واحدة، لأنَّ التهجئات لم تكن وجدت حينئذٍ في العبرانيَّة والسريانيَّة بل أوجدها الربِّيّون. بعد ذلك، فيراد به إذًا جزء صغير من حرف من الناموس. حتّى يكون كلُّه، أي كلُّ ما كتب عنّي وعن الكنيسة والأسرار في الناموس والأنبياء. ثمَّ كلُّه، أي كلُّ ما أمر أو وعد به في الشريعة. كأنَّه يقول: من الضرورة أن يخضع جميع الناس للشريعة. فمن يتمِّموها طوعًا ينالوا الجزاء الموعود به للمطيعين، ومن يخالفوها يتمِّموا باحتمال العقوبات المفروضة على المخالفين. وأمّا زوال الوصايا الطقسيَّة، فهذا تنبَّأت عليه الشريعة الموسويَّة نفسها بأنَّه عتيد أن يكون بعد مجيء المسيح، كما برهن الرسول بتواتر في رسالته إلى العبرانيِّين. آ19. من حلَّ، أي تجاوز وخالف أحد هذه الوصايا، أي وصايا الشريعة الإلهيَّة، الصغار. لا يعني أنَّ جميع وصايا هذه الشريعة صغيرة، بل يريد أنَّه يهلك من خالف واحدة منها ولو صغيرة، بحيث تكون من الوصايا الملزمة إلزامًا ثقيلاً كالمتضمَّنة بالوصايا العشر، لا الصغيرة الملزمة بخفَّة كوصيَّة لا تكمَّ الثور بالدراس ولا تطبخ الجدي بلبن أمِّه. أو إنَّه سمّاها صغارًا، لا بحسب حقيقة الأمر، بل بموجب رأي الكتبة والفرّيسيّين في بعض وصايا ملزمة إلزامًا ثقيلاً، كانوا يعلمون أنَّها صغيرة، كنظر رجل إلى امرأة ليشتهيها أو اشتهائه لها. فإنَّ الفرّيسيّين كانوا يحتسبون ذلك مُنهىً عنه بوصيَّة صغيرة أو لا وصيَّة تنهى عنه. وعلَّم الناس هكذا، أي كما أعلِّم أنا، فيهلك لمخالفته الوصيَّة ولو علَّم الناس كما أعلِّمهم أنا. كذا فسَّر مار إيرونيموس*. والأصحُّ على ما فسَّر أغوسطينوس* وفم الذهب* أنَّ المعنى: مَنْ حلَّ إحدى هذه الوصايا وعلَّم الناس هكذا أي أن يحلُّوها هم كما حلَّها هو، فهذا يُدعى حقيرًا. يعني يُعتبَر في حكم الله والقدّيسين دنيئًا وكأنَّه آخر الناس وعرضة للاحتقار، وبالتالي غير أهل لأن يكون في ملكوت السماء. ولذا فسَّر فم الذهب* وتاوافيلكتوس* قوله حقيرًا في ملكوت السماء، بمعنى أنَّه لا يكون شيئًا في هذا الملكوت، أي لا يدخله. والواو التي في قوله وعلَّم هي بمعنى أو فالمعنى أنَّ من حلَّ إحدى هذه الوصايا أو علَّم الناس هكذا يدعى حقيرًا. فيكفيه ليدعى حقيرًا أن يحلَّ وصيَّة من هذه، أو أن يعلِّم الناس حلَّها ولا يطلب أن يحلَّ ويعلِّم معًا. فإذًا، إذ رسم المسيح الشريعة الإنجيليَّة لم يضادّ الشريعة القديمة الموسويَّة، بل فسَّرها وكمَّلها. ولم يقاوم موسى مذيعها، بل قاوم الكتبة والفرّيسيّين مفسِّريها تفسيرًا فاسدًا. كلُّ من يعمل ويعلِّم، فهذا يدعى عظيمًا في ملكوت السماء، أي يدعى معلِّمًا وأبًا عظيمًا، وبالمعنى الأدبيّ أنَّ من أراد أن يسلك طريقًا مستقيمًا في التعليم يلزمه أن يعمل أوَّلاً ما يكون عتيدًا أن يعلِّمه. وقال مار لوقا* إنَّ المسيح ابتدأ يعمل ويعلِّم، أي كان أوَّلاً فقيرًا متَّضعًا منكبًّا على التأمُّلات، ثمَّ أخذ يعلِّم. فليقتدِ به من دعي إلى أن يعلِّم الناس. آ20. إنَّني أقول لكم إن لم يزد برُّكم، أي حفظكم للشريعة، على برِّ الكتبة والفرّيسيّين لا تدخلوا ملكوت السماء. إنَّ الكتبة والفرّيسيّين كانت العامَّة تعتبرهم علماء وأتقياء، إلاَّ أنَّهم كانوا يزيغون عن البرِّ القويم كثيرًا. أوَّلاً لترويضهم الأفعال الخارجة أكثر من الأميال الباطنة.وثانيًا لتحريفهم معنى الشريعة بتفسيرها. ثالثًا لإقامتهم البرَّ بالطقوس وتواتر الغسل أكثر ممّا بروح القداسة. |
|