رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
زيارة المجوس
1. فلمّا وُلد يسوع في بيت لحم يهوذا. معنى بيت لحم محلُّ الخبز، وأضافها إلى يهوذا تمييزًا عن بيت لحم أخرى كانت في الجليل في أرض سبط زابلون. وبيت لحم يهوذا تسمّى أيضًا أفراته. في أيّام هيرودس الملك، أي ملك اليهوديَّة سنة 36 لمُلكه وهي السنة التي قبل الأخيرة لنهاية ولايته. هذا على رأي ساليانوس* وسكاليجر* وغيرهما. وارتأى بارونيوس* أنَّ المسيح وُلد سنة 20 لهيرودس والأبولنسيّ* سنة ،30 وساويروس سولبيسيوس* سنة ،33 وغيرهم غير ذلك. وهيرودس هذا هو أوَّل أولاد أنتيبطرس ويسمّى العسقلانيّ والكبير، وقد أقامه الديوان الرومانيّ أوَّل ملك على اليهوديَّة بعد إخضاعها كما روى يوسيفوس* في ك14 في القدميّات* رأس 18. وهيرودس أنتيباس الذي قطع رأس يوحنّا وألبس المسيح لباس الازدراء، هو ابن هيرودس العسقلانيّ هذا. وهيرودس أغريفا الذي قتل يعقوب الرسول أخا يوحنّا كما في أع 12، هو ابن أريستوبولس ابن العسقلانيّ. وهيرودس أغريبّا الصغير الذي حمل بولس موثوقًا دعواه أمامه كما في أع 25. آ 23 هو ابن أغريفا المذكور أعلاه. وذكر الإنجيليّ زمان هيرودس الملك الأجنبيّ إشارة إلى حلول الزمان الذي ينبغي أن يأتي فيه المسيح بحسب نبوءة يعقوب في تك 49: 10: إذ زال القضيب من يهوذا وانتقل إلى الأجانب. وإذا بمجوس وافوا من المشرق، أي من أرابيا السعيدة من بلد سبأ التي هي شرقيَّة بالمقابلة. إلى أورشليم. كما قال يوستينُوس* وترتليانوس* وكبريانوس* وإبيفانيوس* وغيرهم ذكرهم بارونيوس* وفرنسيس* لوقا والسواريّ* واتَّبعوا رأيهم. وذاك يطابق نبوءة المرتِّل في مز 72 ملوك العرب وسبأ يقدِّمون الهدايا. وقد كانت ملكة سبأ التي أتت إلى سليمان بهدايا تشبه هدايا هؤلاء مثالاً لهم. هذا هو الرأي الكلّيّ القرب للتصديق، وإن ارتأى إكليمنضوس الإسكندريّ* وفم الذهب* وغيرهم أنَّهم أتوا من فارس، وغيرهم أنَّهم أتوا من بلاد الكلدان. وقد دعاهم مجوسًا لأنَّ اليونان والكلدان والفرس والعرب والسريان كانوا يدعون الحكماء والفلكيّين بهذا الاسم كما روى بلينيوس* ك 25 رأس 2. ومعنى اسمهم المتأمِّلين والمتبصِّرين. ومن حيث إنَّه مع كرور الزمان قد تداخل كثير من المجوس بعهود مع الشياطين، فصار هذا الاسم يدلُّ على السحَراء والمعزِّمين ومن أشبههم. وكان المجوس الذين أتوا إلى أورشليم ثلاثة وكانوا ملوكًا (وإن سخر كلفينوس* بذلك) بموجب التقليد العامّ، أعني أمراء أو ولاة كعادة كلام الكتاب المقدَّس. وقد دعاهم مجوسًا لا ملوكًا، لأنَّ معرفة مولد المسيح من مطلع الكوكب تخصُّ الحكماء لا الملوك. وكانت أسماؤهم ملكون وكسبار وبغدسار على ما روى بيدا* ولوشيوس دكستر* في تاريخ سنة 70 للمسيح، الذي ذكر مع غيره أنَّ هؤلاء المجوس أنذروا بالمسيح فقتلهم عبدة الأوثان وفازوا بإكليل الشهادة. وروى صاحب التأليف الناقص أنَّ توما الرسول سافر بعد قيامة المسيح إلى بلد هؤلاء المجوس وعمَّدهم وجعلهم رفقاءه بالإنذار. وارتأى بعضهم أنَّ أحدهم كان حبشيًّا، ولا أرفض هذا الرأي بحيث يُفهَم بالحبشة لا الحبشة الغربيَّة بل الشرقيَّة أي أرابيا وبلاد سبأ كما دُعيَت امرأة موسى التي كانت من مدين في جهات أرابيا حبشيَّة. 2. قائلين: أين يوجد ملك اليهود المولود. حديثًا أي ذاك الماسيّا الموعود به والمنتظر حتّى الآن خاصَّة عند اليهود إذ عرفنا بتوكيد أنَّه ولد، لأنَّنا رأينا نجمه، أي النجم الدالّ على مولده، في المشرق وأتينا لنسجد له. قولهم في المشرق يحتمل معنيين: الأوَّل هو أنَّهم إذ كانوا في المشرق رأوا نجمه في المغرب فوق اليهوديَّة ليرشدهم إلى محلِّ المسيح. كذا ارتأى بروكوبيوس* في آ24. والثاني وهو الأحسن أنَّهم رأوا النجم في المشرق ورافقهم إلى اليهوديَّة في مسيرهم كلِّه حتّى بلغوا أورشليم كما ارتأى فم الذهب* ومار توما* وغيرهما، وإن ارتأى يانسانيوس* وفرنسيس لوقا* وغيرهما أنَّ النجم ثبت في المشرق. وقد عرف المجوس ذلك من تقليد القدماء أنَّ الماسيّا ملك الملوك لا يولد من اليهود فقط بل يظهر مولده بمطلع نجم خاصّ، وهذا تنبَّأت عليه السيبلَّة أريترا* (التي كانت في بلاد الكلدان القريبة منهم)، وتنبَّأ عليه مصرَّحًا بلعام الذي عاش في مؤاب بلاد العرب. ولذا من المحتمل أيضًا أنَّ عامَّة اليهود كانت تعلم أنَّه يُشرق نجم جديد عند مولد المسيح كما كتب لهم موسى في سفر العدد. وقد عرف المجوس أنَّ النجم الذي رأَوه هو هذا النجم من مطلعه الجديد وهيئته غير المعتادة وضيائه العجيب، إذ كان يضيء مع شروق الشمس في النهار. ثمَّ عرفوه بإنارة الله عقولهم ومنحه الفهم للناظرين كما قال القدّيس لاون*. وهل كان ذلك النجم نجمًا سماويًّا حقيقة؟ أجيب أنَّه لم يكن كذلك بل كان حادثًا كحوادث الجوّ ظهر بشكل النجوم ذات الذنب، وكوّنه ملاك من مادّة هوائيَّة لمّاعة، وكان الملاك يحرِّكه (كعمود السحابة والنار الذي كان يرشد اليهود في طريق أرض الميعاد)، أوَّلاً من المشرق إلى المغرب ضدَّ حركة الكواكب الخاصَّة، ثمَّ من الشمال نحو بيت لحم بين المشرق والتيمن، وكان يسير معهم إذ يسيرون ويثبت حين يجلسون، كما سيجيء في آ9 من هذا الفصل. والنجم المُشرق من يعقوب بالمعنى الرمزيّ هو المسيح كما في آ24. وكوكب السماء والخلاص بالمعنى الأدبيّ هو الإيمان والفطنة ووصايا الله ومشورات المسيح والتنوير الداخل والدعوة الإلهيَّة إلى التقوى والأعمال السامية والحال الأكثر كمالاً، ثمَّ مريم العذراء الكلّيّ طهرها كما أحسن بتفسير ذلك براديوس** وسلميرن**. 3. فإذ سمع هيرودس الملك بمولد الملك الجديد الذي كان يظنُّه عدوًّا له، اضطرب جدًّا، خشية أن ينزعه المسيح من المُلك الذي كان هيرودس دخيلاً عليه. وجميع أورشليم اضطربت معه لأنَّ كثيرين فيها كانوا من حزب هيرودس، ولأنَّ الكتبة والأحبار كانوا منعكفين على ملذّاتهم، ولأنَّ الباقين كانوا أكثر انعكافًا على شهواتهم، فخافوا واضطربوا من عقاب المسيح لهم. وكان هيرودس، لخوفه من فقده المُلك، أبدى قساوات مريعة على كلِّ من يمكن أن يعترضه به. فقتل هيركانوس الحبر والوريث الشرعيّ للملك ثمَّ أريستوبولس ابن ابن هيركانوس، ثمَّ مريمينا ابنة هيركانوس امرأته، ثمَّ إسكندرة أمّها، وإسكندر وأريستوبولس ابنيه من مريمينا المذكورة، وأنتيبطرس ابنه من امرأة أخرى حتّى قال فيه أوغسطوس قيصر الذي منه الإجازة لقتل المذكورين: "أحبُّ أن أكون خنزيرًا لهيرودس لا ابنًا له". ولاختشائه هذا من فقدان المُلك قتل كثيرين من الأطفال الأبرياء ليقتل المسيح بينهم كما سيجيء. 4. فجمع هيرودس كلَّ رؤساء الكهنة، أي رؤساء العائلات الكهنوتيَّة الأربع والعشرين. وكتبةَ الشعب، أي العلماء الذين يدعوهم لوقا متواترًا علماء السنَّة، وهم الذين كانوا يهتمُّون بكتابة الأسفار المقدَّسة وتلاوتها وتفسيرها، وكان من جملة هؤلاء كثير من الفرّيسيّين، ومن هؤلاء الرؤساء والكتبة ووجوه العائلات المتقدِّمة كان مؤلَّفًا مجمع اليهود الكبير وكان يرئسه عظيم الأحبار. فهؤلاء جمعهم هيرودس، واستخبرَهم أين يولدُ المسيح؟ 5. فقالوا باتِّفاق تامّ: في بيتَ لحم يهوذا. وأثبتوا ذلك من نبوءة ميخا 5: 2 بقولهم: هكذا مكتوبٌ في النبيّ: 6. وأنتِ يا بيتَ لحم يهوذا لستِ بصغيرة في ملوكِ يهوذا، فمنكِ يخرجُ المَلكُ وهو يرعى شعبي إسرائيل. ولكنَّ النبيَّ قال وأنت يا بيت لحم أفراته. فبيت لحم هذه تسمّى أفراته أيضًا كما أنَّ النبيّ قال: أنت صغيرة، والإنجيليّ يقول: لست بصغيرة ،وتوفيق ذلك هو بأنَّ معنى كلام النبيّ كأنَّه يقول: إنَّك يا بيت لحم صغيرة إذا نُظر إلى أسوارك وسكّانك وبنائك، ولكنَّك لست بصغيرة إذا نُظر إلى أنَّه منك يخرج الملك... وقرأ بعضهم قول النبيّ بالاستفهام، أي هل أنت صغيرة؟ وقد كان مولد المسيح في بيت لحم أمرًا مشهورًا عند اليهود كما روى يو 7: 42. أليس الكتاب يقول إنَّ المسيح يأتي من زرع داود من بيت لحم قريته؟ 7. حينئذٍ، أي حينئذٍ صرخ المجمع برأيه. دعا هيرودس المجوس سرًّا. ليلاً يظهر لليهود يوم مولد المسيح ومجانبة للسجس. وتحقَّق منهم بالجدِّ والتدقيق الزمان الذي ظهر لهم فيه النجم، أي الوقت الذي ابتدأ يظهر لهم فيه مفتكرًا بما كان حقيقة، أي أنَّ النجم ظهر وقت مولد المسيح. ثمَّ إنَّ رغبة هيرودس في اكتتام الأمر على اليهود، أعاقته عن أن يرسل أحد أتباعه يرافق المجوس ليختبر كلَّ شيء في بيت لحم بحجَّة تقديم الخدامة لهم في الطريق. وأرسلهم إلى بيت لحم قائلاً لهم: امضوا فنقِّبوا على الصبيّ باجتهاد. فإذا وجدتموه تعالوا أطلعوني لأمضي أنا أيضًا وأسجد له. وقد كان ذلك مكرًا ثعلبيًّا من هيرودس، فلرغبته في أن يجعل المجوس يمتثلون كلامه ويثقون به ليظهر أنَّه يريد السجود للمسيح وهو يريد قتله. 9. فلمّا سمعوا من الملك هيرودس، انطلقوا نحو بيت لحم. وإذا بالنجم الذي رأَوه في المشرق يتقدّمهم حتّى أتى فقام فوق حيث الصبيّ. يظهر أنَّ النجم اختفى عن المجوس إذ دخلوا أورشليم ليضطرُّوا أن يسألوا رؤساء الكهنة والكتبة عن محلِّ مولد المسيح ويعلموهم أنَّه وُلد. ثمَّ لأنَّ هيرودس وتبعته المنافقين لم يكونوا أهلاً لرؤية نجم كذا ولو رأوا لاستدلّوا به على مكان مولد المسيح وقتلوه. 10. فلمّا شاهدوا، أي المجوس، النجم فرحوا فرحًا عظيمًا جدًّا. 11. ودخلوا البيت. ارتأى إبيفانيوس* في أرطقة 51، وملدوناتوس* وفرنسيس لوقا* وغيرهم أنَّ المسيح نُقل من المغارة التي ولد فيها إلى بيت أحد السكّان، وهناك سجد له المجوس. وإلى هذا أشار الإنجيليّ بقوله: دخلوا البيت. ولكن ارتأى الأكثرون أنَّ المراد بالبيت هنا المغارة. فإنَّ العبرانيّين كانوا يدعون كلَّ منزل ومحلّ، وإن كان للبهائم، بيتًا، إذ من المحقَّق أنَّ العذراء اضطرَّها ازدحام الشعب المتواصل ليكتبوا أسماءهم، أن تلبث إلى يوم سجود المجوس الذي هو اليوم الثالث عشر بعد الميلاد، في المغارة المصاقبة المدينة التي وَلدت فيها. وقد سمح الله بذلك لإظهار ثبات المجوس وإيمانهم، وليعلِّموا هم وغيرهم أنَّ مُلك المسيح يقوم بالفقر والاتِّضاع واحتقار العالم، لا بالغنى والفخفخة. كذا فسَّر يوستينوس* وفم الذهب* وأوغسطينوس* ومار توما* وغيرهم. فوجدوا الصبيَّ مع مريمَ أمِّه. لا ذكر هنا لمار يوسف، إمَّا لأنَّه كان غائبًا في المدينة أو الحقل ليُعدَّ ما يلزم للعذراء وللمسيح، وكان ذلك بتدبير الله، لئلاّ يظنَّه المجوس أبًا طبيعيًّا ليسوع، وإمّا إن كان حاضرًا، فُيفهم تحت اسم مريم امرأته. فخرُّوا ساجدين له وفتحوا ذخائرهم وقدَّموا له، أي للمسيح، لا صدقة يحتاجها كما زعم بعضهم، بل القرابين، بحسب عادة العرب وسائر الشرقيّين الذين كلَّما ذهبوا للسجود للملك كانوا يقدِّمون له هدايا يشهدون بها أنَّهم خاضعون لهم مع مالهم. ارتأى بيدا* أنَّ أحد هؤلاء الملوك قدَّم ذهبًا، والثاني لبانًا، أي بخورًا، والثالث مرًّا. والأصحّ تبعًا لإمبروسيوس* وغريغوريوس* والأبولنسيّ* وغيرهم أنّ كلاًّ منهم قدَّم ذهبًا ولبانًا ومرًّا. فبلاد العرب مخصبة جدًّا بالذهب كما شهد حز 27: 22، وبلينيوس* ك 12 رأس 14. ولكي يقرّوا بالذهب الذي يدفع جزية للملوك أنَّهم عرفوا المسيح ملكهم، وباللبان أنَّهم عرفوه إلهًا لأنَّ اللبان يقدَّم لله، والمرّ أنَّه عتيد أن يموت لكون أجسام الموتى تحنَّط بالمرّ لئلاّ تنتن. كذا فسَّر القدّيسون إيريناوس* ولاون* وأنسلموس* وغيرهم ضدَّ إراسموس* الذي أنكر كون المجوس عرفوا لاهوت المسيح. 12. وأُوحي لهم في الحلم ألاّ يرجعوا إلى هيرودس، لئلاّ يعلم محلَّ يسوع فيقتله. فرجعوا إلى بلدهم في طريق آخر، غير طريق أورشليم. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
زيارة المجوس |
زيارة المجوس |
زيارة المجوس |
زيارة المجوس |
زيارة المجوس |