رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
أنبا موسى.. طوباك
الراهب القمص بطرس البراموسي من أشهر وأعظم قديسي التوبة، الذي كان قويًّا في كل شيء، وفي توبته كمثل شرَّه، في قوَّة شخصيته واتخاذه القرار بالتوبة كمثل ما أخذه في الرب من بيت سيده وأصبح أقوى الأشرار. شخصية عجيبة تحيِّر الأذهان على مدى العصور، وتبقى نبع متدفق للتأملات في نعمة الله الفيَّاضة التي تعمل داخل قلب الإنسان مهما كانت شروره وأفعاله الرديئة. هي باعِث للأمل وعدم اليأس، هي سيرة شخصية صامدة عبر العصور تفوح منها رائحة زكية تغلَّبَت على رائحة نتن الخطية، هي سيرة تشرح باستفاضة حياة التوبة وكيف تجذب الإنسان العاتي الشرير وتحوِّله إلى قديس بار، يسطر اسمه وسيرته بأحرف من ذهب في صفحات تاريخ الكنيسة. هذا الاسم العظيم تحوِّل من رعب المنطقة الذي إذا سمع اسمه رعاة الأغنام فرّوا هاربين تاركين قُطعانهم ونسائهم للنهب والسبي والقتل والإذلال والإهانة، إلى اسم منارة لكل مَنْ هو شارد وبعيد ويائس من توبته.. هو يقول لكل خاطئ: لا تيأس، فمراحم الله غير متناهية.. فقط اطلب معونته وعمل الروح القدس يشعل قلبك نحو الأفضل والتغيير.. انظر ما قيل عن موسى العاتي الشرير: "قاتل، سارق، زاني، حب العالم الفاني". قبل أن موسى صاحب الجلد والوجه الأسود قبل توبته قتل حواتي مائة نفس، وكانت حياته كلها سلبًا ونهبًا للقوافل المارة على الطرق الكبيرة، وكان له بين زملائه صيت في الوقاحة، والجرأة في السرقة والقتل، حتى أن زملائه -الذين قبل أنهم كانوا ما يقرب من سبعين لصًّا- اتخذوه رئيسًا عليهم بالتزكية.. فتخيلوا أيها الأحباء كم يكون شر رئيس سبعون لصًّا؟! كيف تكون سطوته وجبروت شخصيته لكي يحكم كل هؤلاء الأشرار القتلة، قاطعي الطرق، سارقي الأموال والمجوهرات، قاتلي الأبرياء والأغنياء والأطفال والنساء؟! وقيل عنه أيضًا أنه كان قويًّا في جسده، فارع الطول، كبير البنية، وكان يفرط في الأكل والشرب والسُّكْر، جبَّارًا عاتيًا، مستبيحًا لكل الشرور دون أي وجدود لضمير، بعيدًا عن كل ما يُسَمَّى أو يندرج تحت الرحمة. لكن مراحم الله التي تسعى نحو الإنسان: "لاَ يَتَبَاطَأُ الرَّبُّ عَنْ وَعْدِهِ كَمَا يَحْسِبُ قَوْمٌ التَّبَاطُؤَ، لكِنَّهُ يَتَأَنَّى عَلَيْنَا، وَهُوَ لاَ يَشَاءُ أَنْ يَهْلِكَ أُنَاسٌ، بَلْ أَنْ يُقْبِلَ الْجَمِيعُ إِلَى التَّوْبَةِ" (2 بط 3: 9). وهو الذي لا يشاء موت الخاطئ مثلما يرجع وتحيا نفسه، ومن خلال سعيه نحو الخطاة أعلن لنا فرح السماء العظيم بخلاص البشر: "أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ هكَذَا يَكُونُ فَرَحٌ فِي السَّمَاءِ بِخَاطِئٍ وَاحِدٍ يَتُوبُ أَكْثَرَ مِنْ تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ بَارًّا لاَ يَحْتَاجُونَ إِلَى تَوْبَةٍ.. هكَذَا، أَقُولُ لَكُمْ: يَكُونُ فَرَحٌ قُدَّامَ مَلاَئِكَةِ اللهِ بِخَاطِئٍ وَاحِدٍ يَتُوبُ" (لو 15: 7، 10). بدأ عمل الروح القدس يُنير الظُّلمة القاتمة داخل قلبه حينما سمع عن رهبان برية شيهيت وطهارة سيرتهم، فتطلَّع إلى الشمس التي لا يعرف غيرها إلهًا وقال له: "أيتها الشمس، إن كنتِ أنتِ الإله فعرِّفيني". وكأنه يقول داخل نفسه المتمررة من علقم الخطية وسمومها: "أيها الإله الذي لا أعرف عرِّفني ذاتَك".. ومن خلال الاستعداد القلبي بدأ الله ونعمته تعمل معه وفيه، فلم يتركه الله دون إجابة، وبدأت مراحم الله أن تدركه في الوقت المناسب. وقد سأل الأخوة شيخًا مختبرًا قائلين له: قيل عن أنبا موسى الأسود أنه بينما كان متقلِّبًا (عائشًا) مع أصحابه قُطَّاع الطرق في أفعالهم القبيحة، أدركته فكرة صالحة فذهب إلى البرية، فإذا كان هذا من عمل نعمة الله، فلماذا لم يتم قبل ذلك الوقت؟ فقال الشيخ: "كل فضيلة هي من نعمة الله كما قال الرب "بِدُونِي لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئًا" (يو 15: 5). إلا أن فِعل النعمة يكمل باختيار الإنسان إرادة الإنسان، وهي لا توقظ الإنسان إلا عندما يعلم الله أن فكره قد مال إلى الخير، وذلك حِفظًا لحرية إرادته، وحينئذٍ توقظه النعمة. فإذا اختار الخير يكمل فيه عمل النعمة كما حدث لإبراهيم. لقد تذكَّر موسى رهبان برية شيهيت الذين سمع عنهم وعن قداستهم من قبل، وكان صيته الإجرامي "رعب المنطقة" واصِل إليهم، ولعل مما هو غير معروف أن بعضًا من هؤلاء قد يكون دائم الصلاة من أجل توبته ورجوعه، وهذا هو عمل الراهب الخفي أن يصلي من أجل خلاص الجميع، مَنْ يعرفهم ومن لا يعرفهم، يكون متشبهًا بخالقه الذي أوضح لنا بفرح السماء بتوبة الخاطئ. هذه الصلوات الغير معروفة والغير معروف مصدرها قد سمعها الله وحرَّك قلب موسى العاتي الشرير إلى التوبة. لقد ذهب موسى إلى رهبان شيهيت حاملًا سيفه ليستكشف أحوالهم، فكان من لطف الله وصلاحه أن تَقابَل مع أول مَنْ قابله هو القديس إيسيذورس الطويل البال (الطويل الأناة) المتأني على كل الخطاة مثل خالقه. فقد ذُكِرَ عن الأنبا إيسيذورس أن الآباء حينما كانوا يجدون أخًا مُتعبًا من مرض روحي صعب شفاءه وعدم استجابتهُ لهم ولنصائحهم، كانوا يرسلونه إلى الأب إيسيذورس فيعالجه بطول أناته ومحبته وإرشاده، حتى يستجيب ويُشفى من مرضه القاتل ويُرْجِعهُ إلى أبيه الروحي مرة ثانية.. لقد ذُهِلَ القديس إيسيذورس من منظره المُرعب فسأله قائلًا: ماذا تريد يا أخي هنا؟ فأجابه: سمعت أنك عبد الله الصالح، لذلك هربت وأتيت إليك لكي يخلصني الإله الذي خلَّصَك، وظلَّ يطلب منه بإلحاح وخشوع قائلًا: أريد أن أكون معك، ولو أنني صنعت خطايا كثيرة وشرورًا عظيمة.. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
طوباك يا قوى ف التوبة يا أنبا موسى |
مديح طوباك يا أنبا شنوده |
طوباك يا موسى طوباك قد نلت رضا مولاك |
طوباك يا أنبا بولا |
مديح طوباك يا أنبا بولا |