رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الراهب القمص بطرس البراموسي
المواجهة البعض لا يحبون المواجهة أيًّا كانت مع النفس أو مع الآخرين أو مع الله، فدائمًا تجدهم هاربين، حتى من مواجهة المواقف. فيتعلَّلون بعلل كثيرة، وحجج واهية أنهم لا يريدون التحقق من الأمور، حتى لا يسببون أي إحراج لِمَنْ يواجهونه. وقد يكون ذلك هروبًا لأنهم هم المخطئين في حق غيرهم أو في حق أنفسهم، فالمواجهة تُعَبِّر عن الشجاعة والصراحة والوضوح.. فتجدون مَنْ هو على حق بالمواجهة لإثبات الحق وتوضيح ما هو صادِق في كلامه، ومَنْ هو على عكس ذلك. وإذا تركنا نقطة مواجهة البعض لآخرين، ندخل إلى بُعد أعمق وهو مواجهة الإنسان لنفسه: في جلسة هادِئة بعيدة عن صخب الحياة ومصادِر الإزعاج. عندما يجلس الإنسان يفحص نفسه فحصًا جيدًا ومدققًا، لكي يضع يديه على كل ما هو خطأ ويجب إصلاحه، فيطبق المبدأ الآبائي الذي يقول: "احكم يا أخي على نفسك، قبل أن يحكموا عليك". يواجِه نفسه واضِعًا أمام عينيه الآية التي تقول: "أَنْتَ بِلاَ عُذْرٍ أَيُّهَا الإِنْسَانُ.." (رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 2: 1)، فمواجهة الإنسان لنفسه تكون صادِقة ومفيدة عندما لا يبرر لنفسه خطأً، ولا يلتمس لنفسه الأعذار، ولا يجادِل فيما هو خطأ، ويعترِف بكل تصرف خاطئ صدر منه إن أخطأ فيه، فهذا هو قِمة الشجاعة وقوة الشخصية. فليس العيب أن الإنسان يخطئ، فكلنا بشر خطاه، ولكن العيب في الإصرار والاستمرارية في الخطأ.. هذه المواجهة الصادقة والشخصية الصادِقة وجدناها واضحة في الابن الأصغَر الذي أخد مال أبيه أنفقه في عيشٍ مسرفٍ، في بذخ الخطية ومائها الذي لا يروي عطش ظمآن، ولا يُشْبِع جائِع، هو شبع وهمي وقتي سُرعان ما يتحوَّل إلى جوع شديد وعطش مميت، بِفَقْدَهُ للفضيلة والحياة الروحية التي كان يحياها، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وقف مع نفسه وقفةً صادِقةً، وكانت النتيجة قرارًا رجوليًا قائلًا: "أَقُومُ وَأَذْهَبُ إِلَى أَبِي وَأَقُولُ لَهُ: يَا أَبِي، أَخْطَأْتُ إِلَى السَّمَاءِ وَقُدَّامَكَ" (إنجيل لوقا 15: 18). رجع إلى نفسهُ، وعرف كل ما صدر منه من أخطاء في حق نفسه وحق أبيه وحق الله، رجع إلى عقلهُ الذي سباه الشيطان، وتقوَّت إرادتهُ الضعيفة التي انساقَت إلى الخطيئة وقال: "أَخْطَأْتُ". وأخذ قرارًا دون تردد بالرجوع إلى حِضْن الآب الذي كم اشتاق أن يَرْتَمي فيه بعد ذوقه مرارة الخطية.. وجدنا أيضًا نتيجة إيجابية وواضِحة في مواجهة النفس في المرأة السامرية، التي كانت هارِبة من مواجهة المجتمع بسبب سلوكها الخاطئ، وكون لها أزواج كثيرة لِتَتَمَتَّع بالخطية. كانت تذهب في الوقت الذي لا يتواجَد فيه الآخرين لتستقي الماء من البئر، حيث كانت لا تستطيع مواجهة المجتمع الذي يعرف عنها كل ما تفعله. كانت تمشي والخطية ورائها، والكل يشيرون لها بإصبع الاتهام والاحتقار، إنها امرأة تسلك في الخطية دون خجل، ولذلك كانت دائِمًا هارِبَةً من الناس بل ومن نفسها، وبالتالي من معرفة الله. إلى أن جاء السيد المسيح "الَّذِي يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ" (رسالة بولس الرسول الأولى إلى تيموثاوس 2: 4)، وبدأ معها حديثه اللطيف دون إهانة أو تجريح أو تأنيب، قائِلًا لها: "أَعْطِينِي لأَشْرَبَ" (إنجيل يوحنا 4: 7). وبِتَبادُل الكلام والحديث وجدت المرأة السامرية أنها لا بُد أن تواجِه نفسها أمام فاحِص القلوب، رأت أنه نبي.. ثم بلطف المسيح ومحبته استطاع أن يعطيها الشجاعة لكي تواجِه خطاياها وتقر وتقول: "لَيْسَ لِي زَوْجٌ" (إنجيل يوحنا 4: 17)، وأوضَح لها أنه يعرف أنه كان لها خمسة أزواج، والذي معها الآن ليس هو زوجها.. وكانت النتيجة أنها آمنت بالسيد المسيح، ودخلت المدينة الهارِبة من مواجهة سكانها لتعلن لهم إيمانها بالسيد المسيح وتدعوهم لكي يروه. "فَتَرَكَتِ الْمَرْأَةُ جَرَّتَهَا وَمَضَتْ إِلَى الْمَدِينَةِ.. «هَلُمُّوا انْظُرُوا إِنْسَانًا قَالَ لِي كُلَّ مَا فَعَلْتُ. أَلَعَلَّ هذَا هُوَ الْمَسِيحُ؟»" (إنجيل يوحنا 4: 28، 29). فلنتعوَّد أن نواجه أنفسنا لكي نصلح أخطاءنا اليومية. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
المواجهة الاخيرة |
ظننت القوة في المواجهة فقط |
سوف تساعدك القطط على المواجهة |
في المواجهة مع الوصية |
العقبات تتطلب المواجهة |