رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الراهب القمص بطرس البراموسي
المسيحية والبتولية لقد تميزت المسيحية عن غيرها من الديانات الأخرى في فكر البتولية.. * وحياة البتولية هذه تعني عدم الزواج، وهي ليست حياة العفة.. فحياة العفة والطهارة مطلوبة من الكل (بتوليين ومتزوجين). * أما حياة البتولية.. فيسلك فيها مَنْ لا يريد الارتباط بزوج أو زوجة.. فهو يريد أن يعطي كل حياته للسيد المسيح (الرهبان والراهبات)، ويخدم السيد المسيح بكل قوته وحياته (المكرسين والمكرسات). والبتولية قد عُرفت قديمًا بين بعض الديانات الوثنية لدى شعوب الحضارات القديمة.. أمثال المصريين والهنود والصينيين، وأيضًا عُرفت بين شعب الله في العهد القديم.. فكان البعض يحيون حياة البتولية مثل: "إيليا النبي".. ولكنها في المسيحية أخذت مفهوم سامٍ.. فبدت تتألق بين الفضائل جميعها.. فهي أسمى الفضائل وأجملها لأنها تهيئ للإنسان أن يرتبط بعريس نفسه السماوي السيد المسيح. فالسيد المسيح هو المثل الأعلى لنا (المسيحيين).. فقد عاش بتولًا.. ووُلد أيضًا من عذراء بتول (السيدة العذراء الدائمة البتولية). * فنجد السيد المسيح نفسه يتكلّم عن البتولية في حديثه عن الخصيان الذين خصوا أنفسهم لأجل ملكوت السماوات.. "قالَ لهُ تلاميذُهُ: "إنْ كانَ هكذا أمرُ الرَّجُلِ مع المَرأةِ، فلا يوافِقُ أنْ يتزَوَّجَ!". فقالَ لهُمْ: "ليس الجميعُ يَقبَلونَ هذا الكلامَ بل الذينَ أُعطيَ لهُم، لأنَّهُ يوجَدُ خِصيانٌ وُلِدوا هكذا مِنْ بُطونِ أُمَّهاتِهِمْ، ويوجَدُ خِصيانٌ خَصاهُمُ الناسُ، ويوجَدُ خِصيانٌ خَصَوْا أنفُسَهُمْ لأجلِ ملكوتِ السماواتِ. مَنِ استَطاعَ أنْ يَقبَلَ فليَقبَلْ" (مت19: 10-12). * وأيضًا عندما سألوه الصدوقيين عن المرأة التي تزوجت من سبعة أخوة... ففي القيامة لمَنْ تكون زوجة من السبعة.. فكان رده واضحًا عليهم قائلًا: "لأنَّهُمْ في القيامَةِ لا يُزَوّجونَ ولا يتزَوَّجونَ، بل يكونونَ كمَلائكَةِ اللهِ في السماءِ" (مت22: 30)، (لو20: 35).. ويقصد بذلك أن حالة عدم الزواج (البتولية) تشبه حياة الملائكة. ويؤكد هذا الفكر القديس "كبريانوس الشهيد" في إحدى رسائله لبعض العذارى قائلًا لهن: "لقد ابتدأتن الآن وأنتن في هذه الحياة في التمتع بما سيكون لكّن في السماء بعد القيامة. لأنكّن بحفظكن بكارتكن قد تشبهتن بالملائكة". * ونجد مُعلمنا بولس الرسول مَثلًا آخر واضح في حياة البتولية.. فقد تحدث عنها راجيًا أن يكون الجميع مثله متمتعين بحياة البتولية قائلًا: * "ولكن أقولُ لغَيرِ المُتَزَوجينَ وللأرامِلِ، إنَّهُ حَسَنٌ لهُمْ إذا لَبِثوا كما أنا" (1كو7: 8). * "فأُريدُ أنْ تكونوا بلا هَم. غَيرُ المُتَزَوّجِ يَهتَمُّ في ما للرَّب كيفَ يُرضي الرَّبَّ، وأمّا المُتَزَوّجُ فيَهتَمُّ في ما للعالَمِ كيفَ يُرضي امرأتَهُ" (1كو7: 32-33). * "إذًا، مَنْ زَوَّجَ فحَسَنًا يَفعَلُ، ومَنْ لا يُزَوّجُ يَفعَلُ أحسَنَ" (1كو7: 38). ففي هذه الآيات يوضِّح أهمية البتولية.. بل أن البتولية أحسن من الزواج (مَنْ لا يُزَوّجُ يَفعَلُ أحسَنَ).. ولم يقصد هنا أن الجميع يعيشون حياة البتولية، ولكنها في مرتبة أحسن من مرتبة من يتزوج. فلا يستطيع الكل أن يعيشوا حياة البتولية.. فالطرق كثيرة وكل منَّا يسلك حسب ميوله وحسب اشتياقات قلبه وإمكانياته الروحية. * ونرى مُعلمنا يوحنا الرائي يوضِّح لنا مركز البتولية في السماء فيقول: "ثُمَّ نَظَرتُ وإذا خَروفٌ واقِفٌ علَى جَبَلِ صِهيَوْنَ، ومَعَهُ مِئَةٌ وأربَعَةٌ وأربَعونَ ألفًا، لهُمُ اسمُ أبيهِ مَكتوبًا علَى جِباهِهِمْ. وسَمِعتُ صوتًا مِنَ السماءِ كصوتِ مياهٍ كثيرَةٍ وكصوتِ رَعدٍ عظيمٍ. وسمِعتُ صوتًا كصوتِ ضارِبينَ بالقيثارَةِ يَضرِبونَ بقيثاراتِهِمْ، وهُمْ يترَنَّمونَ كتَرنيمَةٍ جديدَةٍ أمامَ العَرشِ وأمامَ الأربَعَةِ الحَيَواناتِ والشُّيوخِ. ولم يَستَطِعْ أحَدٌ أنْ يتعَلَّمَ التَّرنيمَةَ إلاَّ المِئَةُ والأربَعَةُ والأربَعونَ ألفًا الذينَ اشتُروا مِنَ الأرضِ. هؤُلاءِ هُمُ الذينَ لم يتنَجَّسوا مع النساءِ لأنَّهُمْ أطهارٌ. هؤُلاءِ هُمُ الذينَ يتبَعونَ الخَروفَ حَيثُما ذَهَبَ. هؤُلاءِ اشتُروا مِنْ بَينِ الناسِ باكورَةً للهِ وللخَروفِ. وفي أفواهِهِمْ لم يوجَدْ غِشٌّ، لأنَّهُمْ بلا عَيبٍ قُدّامَ عَرشِ اللهِ" (رؤ14: 1-5). وهنا نجد كلامًا في غاية الوضوح عن عِظم وامتياز البتولية والبتوليين.. فهو يظهرهم هنا أنهم ملازمون للمسيح (الخروف)، فهم يتبعونه حيثما ذهب، وأيضًا ينفردون عن غيرهم في معرفة الترنيمة التي لا يستطيع أحد أن يرددها غيرهم (حياة التسبيح المستمرة).. والسبب في ذلك: "إنهم لم يتنجسوا مع النساء لأنهم أبكار". هكذا سارت موجة شديدة من الحماس للبتولية على مر العصور، وتغلغلت في صدور المؤمنين بعمق، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى.. فتغنى بها آباء الكنيسة، وتباروا في مدحها.. ليس عن اصطناع ومغالاة بل عن حب وعمق وممارسة وتقدير لأهميتها.. فقد عاشها الآباء الأولين بعمق. فنجد القديس "أمبروسيوس" أسقف ميلان.. يكتب ثلاث كُتب عن البتولية لأخته مرسللينا، ويقول فيها: "ليست البتولية مستحقة المديح من حيث أنها توجد في الشهداء، بل لأنها هي نفسها تصنع الشهداء. ومَنْ الذي يستطيع أن يدرك بفهمه البشري ذاك الذي لا تحويه الطبيعة في قوانينها؟ أو مَنْ يقدر أن يشرح في أسلوب مألوف ذاك الذي فوق مستوى الطبيعة؟ لقد استحضرت البتولية من السماء ما يمكنها من أن نحاكيه على الأرض". وبعد أن وصف البتوليين كملائكة الله استكمل كلامه قائلًا: "وما قلته ليس كلامي طالما أن الذين لا يتزوجون ولا يزوجون هم كملائكة السماء.. فلا تعجب إذن إذا ما قورنوا بالملائكة الملتصقين برب الملائكة. مَنْ يقدر إذن أن ينكر أن هذا النهج من الحياة له نعمة في السماء؟ ولم نجده بسهولة على الأرض إلاَّ بعد أن نزل الله أخذًا جسدًا بشريًا". فهل ترى أيها الحبيب في الرب.. أن حياة البتولية هي بتولية الجسد فقط.. أم يشترك فيها بتولية الفكر والحواس؟ فكر معي!! * كيف يسلك الإنسان في حياة البتولية في هذا العالم الشرير، وهذا المجتمع المليء بالمعاثِر والشهوات!! * هل يلزم ذلك منَّا جهادًا مستمرًا ونموًا روحيًا دائمًا.. أيًا كان كل واحد منَّا راهبًا أو راهبة أو مكرسًا أو مكرسة أو علمانيًا؟ فلنتمسك بالمسيح.. ونطلب معونته لتآزرنا في جهادنا وحياتنا على الأرض.. لكي نكون كملائكة الله في السماء. ولإلهنا كل المجد والإكرام من الآن وإلى الأبد آمين. |
|