الكنز والدرّة
آ44. ويُشبِهُ ملكوتُ السماء كنزًا مُخفًى في حقلٍ وجدَهُ إنسانٌ فخبَّأه. يعني تركه مخفًى في الحقل الذي وجده فيه. فالمخلِّص بيَّن بأمثال الزارع والزرع وحبَّة الخردل ماهيَّة الإنذار الإنجيليّ وفاعليَّته، ويبيِّن بهذا المثل ومثل الدرَّة التابع عظمة اعتباره حتّى تحسن مقابلتُه بخسارة جميع الأموال الزمنيَّة، ويراد بملكوت السماء المشبَّه هنا بالكنز ما يراد به في الأمثال الماضية، أي الإيمان والتعليم الإنجيليّ، كما فسَّر أمبروسيوس* وأوتيميوس* وغيرهما، وإن ارتأى إيلاريوس* وغيره أنَّه يراد به المسيح. وقوله "فخبَّأه" هو زينة للمثل، وإن ارتأى إيرونيموس* وبيدا* أنَّه يشار به إلى إخفاء التعليم في القلب والاحتفاظ عليه لئلاّ يُفقد. وقوله: ومن فرحه مضى فباع كلَّ شيء له واشترى ذلك الحقل. لا ينتج منه أنَّ الإنسان ينبغي أن يبتاع التبشير والتعاليم الإنجيليَّة بالأموال الدنيويَّة، لأنَّ المسيح قال سابقًا: مجّانًا أخذتم مجّانًا أعطوا، بل المراد بذلُ الجدِّ والجهد بامتلاكه.
آ45. وأيضًا يُشبهُ ملكوتُ السماوات إنسانًا تاجرًا يَتطلَّب الجواهرَ الكريمة. إنَّ ملكوت السماء يشبَّه بالدرَّة الثمينة لا بالإنسان التاجر، كما شبَّه قبلاً بالكنز لا بواجده. ولكنَّ المعنى أنَّه يحدث في طلب المُلك السماويّ ما يحدث لتاجر يتطلَّب الجواهر الثمينة، وقد ورد مثلُ هذا في آ24 السابقة.
آ46. فوجدَ دُرَّةً ثمينةً مَضى فباعَ كلَّ مالَه واشتراها. وتفسير هذا المثل كالمثل السابق بتمامه، فالاختلاف في المادَّة فقط، أي بأنَّه يشبَّه هناك بكنز وهنا بدُرَّة. وملكوت الله أثمن من كلِّ كنز ودُرّ.