يسوع يشفي صبياً
آ14. ولمّا جاؤوا إلى الجمع، تقدَّمَ إليه رجلٌ وجثا على ركبتيه. وزادت اللاتينيَّة: أمامه. وروى لوقا (9: 37): ولمّا كان الغد وهم منحدرون من الجبل استقبله جمع كبير. ومنه يظهر أنَّ الأعجوبة الآتي ذكرها حدثت في اليوم الذي بعد التجلّي. قائلاً: ارحمْني يا ربّ إنَّ ابني يقع برؤوس الأهلَّة ويتعذَّب، ومرّاتٍ كثيرةً يقعُ في النار وكثيرًا في الماء. وروى مرقس (9: 17): "يا معلِّم جئتك بابني وفيه روح أبكم". أي يجعله أبكم. "وحيثما يُدركه يَصرعه فيُزبد ويصرُّ بأسنانه حتّى ييبس". ومن ذلك يظهر أنَّ صرع هذا المبتلي*** كان من الشيطان.
آ15. وقدَّمته لتلاميذك وما قدروا على أن يشفوه. إنَّ الأب ينسب ذنبه بقلَّة إيمانه إلى الرسل كعادة الناس، والسبب الحقيقيّ لعدم إبرائه يورده المسيح في آ20-21.
آ16. فأجابَ يسوع قائلاً: أيُّها الجيلُ الغيرُ المؤمن والمعرقلُ حتّامَ أكونُ معكم وحتّامَ أحتملُكم؟ قدِّمْه لي إلى هنا. ارتأى إيرونيموس* أنَّ قول المخلِّص هذا موجَّه إلى الرسل التسعة، الذين لبثوا مع الجمع إذ كان الثلاثة معه في التجلّي، لأنَّ التسعة هم الذين حاولوا إبراء المصاب فلم يقدروا. والأحسن ما ارتآه إيرونيموس* وإيلاريوس* وفم الذهب* وغيرهم، وهو أنَّ كلامه موجَّه لأبي المصاب ولليهود والكتبة، كما يتلخَّص: أوَّلاً، من مر 9: 19 حيث روى: فأجاب يسوع قائلاً له أي لأبي المصاب. ثانيًا، من قوله آ24: إنّي مؤمن فأعن ضعفَ إيماني. وإن كان في الرسل أيضًا إيمان أقلُّ من اللازم لإخراج هذا الشيطان، ولذلك وبَّخهم المسيح، كما في آ20 الآتية هنا. وزاد مرقس: "فلمّا أتوه به ورآه الروح، صرعه وسقط على الأرض مضطربًا مزبدًا. فسأل يسوع أباه كم من الزمان عرض له هكذا. فأجابه: من صبائه، ومرّات كثيرة يلقيه في النار وفي الماء ليهلكه، لكن مهما استطعت أعنّي وارحمني. فقال له يسوع: إن تستطع أن تؤمن فكلُّ شيء يمكن للمؤمن. فصرخ أبو الصبي قائلاً وهو يبكي: إنّي مؤمن فأعن ضعف إيماني".
آ17. فازدجرَه يسوعُ فخرجَ الشيطانُ وشُفيَ الفتى من تلك الساعة. وزاد مرقس أنَّ الشيطان صرخ كثيرًا ورضَّضه وخرج وصار كالميت. وقال الكثيرون إنَّه قد مات، فأخذ يسوع بيده وأقامه. فيظهر من ذلك أنَّ هذا الشيطان كان قويًّا وخبيثًا جدًّا، ولذا لم يتمكَّن الرسل من طرده، بل كان محفوظًا للمسيح.
آ18. فدنا حينئذٍ التلاميذُ من يسوعَ وحدَه وقالوا له: لماذا نحنُ ما أمكنَنا شفاؤه؟
آ19. فقال لهم يسوع: منْ أجلِ عدمِ إيمانِكم. فقد كان في الرسل إيمان، ولكن طرد شيطان قويّ كهذا كان يلزم له أعظم إيمان. الحقَّ أقول لكم: لو يكونُ فيكم أمانةٌ كحبَّةِ الخردلِ وتقولون لهذا الجبل، أي جبل طابور على ما فسَّر الأبولنسيّ*، انتقلْ من هنا لانتقلَ ولا يَعسُرُ عليكم شيء. هذا هو الإيمان بالعجائب الذي لا يختلف عن الإيمان المبرَّر، كما يزعم الكلفينيّون*، بل هو نفسه. فإنَّ الإيمان واحدٌ كما قال الرسول في أف 4: 50. وأمّا تشبيهه هنا للإيمان بحبَّة الخردل، فوجه التشبيه فيه، هو حرارة حبَّة الخردل مع صغرها، أي يشار بذلك إلى حرارة الإيمان. كذا فسَّر أوريجانوس* وبيدا*. وارتأى ملدوناتوس* أنَّ وجه التشبيه هو صِغر حبَّة الخردل، أي أنَّ المقصود هو أنَّ الإيمان، وإن كان قليلاً، فينقل الجبال. كما شبه الإيمان بحبَّة الخردل في 13: 31 من هذه البشارة أيضًا.
آ20. وهذا الجنسُ لا يَخرجُ إلاّ بالصومِ والصلاة. زعم بعضهم أنَّ المراد بقوله: "هذا الجنس"، جنس الأبالس كلِّهم. وزعم غيرهم أنَّ المراد به الشياطين الذين يعذِّبون برؤوس الأهلَّة. ويلوح أنَّ السيِّد تكلَّم في نوع الشياطين الأقوى والأشدّ مضرَّة وقحة من غيره. ووجه خروجه بالصوم والصلاة هو أنَّ الصوم والصلاة يرفعان الإنسان فوق الجسد، فيصير شبيهًا بالملاك وأقوى من الشيطان.