رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
اكسبوهم بالاتضاع الناس لا يحبون الشخص الذي يتعالى عليهم، ويحدثهم من فوق، كأنه في مستوي أسمى من مستواهم، بل يحبون الإنسان المتضع، الذي لا يشعرهم بأنه أعلي منهم. لذلك في كسب الناس إياك من هذا التعالي الذي ينفر الناس، ويبعدهم عنك. في عظاتك ابتعد عن أسلوب عرض المعلومات والتباهي بالمعرفة، إنما ركز علي ما يلزمهم في حياتهم الروحية. ولا تستخدم ألفاظًا أو تعبيرات لا يفهمونها، بقصد أن تظهر أنك تفهم ما لا يفهمون..! إنما كن متضعًا في أسلوبك بسيطًا في تعبيرك، تشرح أعمق المعاني في أسهل الألفاظ. إياك أن تحول الدين إلي فلسفة. وتذكر قول القديس بولس الرسول "وأنا لما أتيت إليكم أيها الأخوة، أتيت ليس بسمو الكلام أو الحكمة.." (1كو2: 1). "وكلامي وكرازتي لم يكونا بكلام الحكمة الإنسانية المقنع، بل ببرهان الروح والقوة" (1كو2: 4). إنك في خدمتك، لست تبني نفسك، بما تقوله من كلام، إنما أنت تبني الآخرين. لذلك كن متواضعًا في خدمتك، ولا تجعل هذه الخدمة مجالًا للذات، فليس في ذلك ربح للناس.. والذين هدفهم (الذات) قد يجعلون مركز اهتمامهم في عظاتهم هو اللغة أو المعلومات، وليس التأثير الروحي.. أو قد يكون هدفهم هو إعجاب الناس بكلامهم، وليس قيادة الناس إلي التوبة. كذلك فإن رابح النفوس الحكيم، ليس واجبه فقط هو أن يربح المخدومين وإنما أيضًا أن يربح زملاءه في الخدمة. الخادم المتواضع، لا يغطي علي غيره، بل يعطيه فرصة ليعمل هو أيضًا. وهو لا يكتسح غيره من الخدام، بل يتذكر قول الرسول ط مقدمين بعضكم بعضًا في الكرامة" (رو12: 10). وإذا كان في لقاء لا يأخذ الجلسة كلها لحسابه الخاص، بل يعطي مجالًا لغيره لكي يتكلم. ولا يقاطعه، ولا يحقر رأيه، ولا يحاول أن يثبت أنه أعمق فكرًا أو أكثر معرفة، بل يمتدح ما يقوله زملاؤه من الخدام – ولو كانوا تلاميذه. وتكون له فضيلة حسن الإصغاء. فيحبه الناس لإصغائه.. وعندما يتكلم، لا مانع من أن يقول أعجبني رأي فلان في كذا. ومن النقط الجميلة ما قاله فلان، وأنا أوافق فلانا علي رأيه، وقد استفدت كثيرًا مما قاله فلان".. وهكذا يعجب الناس بطريقة كلامه، كما يعجبون بإصغائه. والخادم الحكيم المتواضع، لا يتجاهل أحدًا، ولا يستصغر أحدًا، بل يحترم الكل. فيحبه الناس في تواضعه. السيد المسيح تواضع فدخل بيت زكا العشار، وأعطي مقامًا لمتى العشار بأن جعله رسولًا. ودخل بيوت الخطاة وسمح للمرأة الخاطئة أن تلمس قدميه وتمسحهما بشعرها. بل أعطي أهمية للأطفال أيضًا. لذلك أحبه الكل، وربح الكل. وقادهم بمحبته وتواضعه إلي الملكوت. وداود النبي بعد انتصاره علي جليات، وبعد تعيينه رئيسًا علي رجال الحرب، أمكنه أن يكسب جميع الناس بسبب عدم تعاليه عليهم. وكانوا "يحبونه لأنه كان يخرج ويدخل أمامهم" (1صم18: 16). والخادم المتواضع الحكيم يربح الناس أيضًا بتنازله إلي ضعفاتهم.. ومن أمثلة تنازل السيد المسيح لضعفات الناس، أنه زار نيقوديموس ليلًا وسرً، إذ كان نيقوديموس خائفًا من اليهود. فلم يجبره الرب علي إعلان صلته به مادام لم يكن قد وصل إلي احتمال ذلك. وبهذا ربحه إليه، وأعلن انتماءه فيما بعد.. تنازل الله أيضا لضعف المجوس. وكانوا يرصدون النجوم، فأظهر لهم قوة سمائية في هيئة نجم عجيب في تحركاته وفي اتجاهه، وفي سيره ووقوفه. وبهذا جذبهم إلي الإيمان. فلما آمنوا، لم يرشدهم عن طريق نجم، وإنما أوحي إليهم في حلم(مت2: 12). كذلك تنازل الله للبشرية كلها بتجسده وربحهم بذلك. إن الذي يتنازل لضعف الناس يربحهم.. أما الذي يتعامل معهم من برجه العالي، فلا يمكن ان يصل إلي قلوبهم ولا إلي أفكارهم. لا تكن كالفيلسوف الذي لا يتكلم إلا بأسلوب معقد، ولا يتنازل ليبسط معلوماته للناس، فلا يجتمع حوله سوي نفر قليل من مريديه وحوارييه ومن يمكنهم فهمه. ولا تكن كذلك الأديب الذي عاتبه أحدهم بقوله "لم لا تقول ما يُفهم". فأجابه في عظمة، "ولم لا تفهم ما يُقال". احتمل قصر فهم الناس، وإن جادلوك في تعليمك فلا تثر عليهم ولا تنتهرهم. الخادم الحكيم المتواضع، لا يحسب أن كلامه منزه عن الجدل والنقاش والحوار. ولا يحاول أو يفرض رأيه علي الناس. ولا يعتبر أن مناقشته في كلامه أهانه له، وإنما بكل محبة وبكل اتضاع يجيب. ولا يضيق صدره مطلقًا بأية معارضة لرأيه، كما لو كانت كلماته عقائد! إن فرض الرأي لا يقنع أحدًا. وبالتالي لا يربح أحدًا. والذي يفرض رأيه في أمور الخدمة، ينفر الكل منه.. والخادم الذي يعيش في خدمته وفي تعاليمه مع زملائه أو مخدوميه، بأسلوب الأمر والنهي، وبأسلوب السلطة والإرادة، لا يمكن أن يربح العاملين معه. فإما أن ينفر الكل منه ويصل إلي الانفرادية في العمل، أو يتحول محيط الخدمة إلي مجال للصراعات التي تفقد الخدمة روحانيتها. طريق الإقناع والتفاهم، قد يكون أطول بكثير من طريق السلطة أو القوة، ولأنه أكثر ثباتًا، وأعمق تأثيرًا. وهو الأسلوب الروحي الذي يتسم بالوداعة والاتضاع، وهو أيضًا أسلوب حكيم، لأنه يؤدي إلي نتائج عملية سليمة.. حتى إن كنت علي حق بالتمام، وغيرك علي باطل بالتمام، أصبر واحتمل، حتى تقنع هذا الغير، ولا تظن انك بالعنف يمكن أن تتجاهله وتقضي علي رأيه في الخدمة. الخادم الحكيم يربح الناس بالاحتمال، وبطول الأناة وسعة الصدر.. يحتمل في سبيل ربح الناس كل كلمة جارحة، وكل صد يحتمل رفض الناس له، ويحتمل جدلهم ومناقشاتهم.. بل يحتمل تهكمهم أيضًا عليه من أجل الرب، من أجل خلاص النفس لأنه إن لم يحتمل، قد يخسر مواقف، وقد تفشل خدمته..! الخادم المتواضع يربح أقل الناس فهمًا، وأكثرهم عنادًا، وذلك بكياسته ولباقته، وعدم تعاليمه، وعدم توبيخه للناس، وحرصه علي مشاعر الكل.. أما الخادم الحكيم، أو غير المتواضع، أو الخادم الضيق الصدر، فإنه لثقته بذكائه أو بعلمه أو بمركزه، قد لا تعجبه أفكار وتصرفات الناس. فيكثر من توبيخهم حتى يخسرهم. وينتهر هذا، وينتقد ذاك، ويكلم ثالثًا بكلمة شديدة، أو ينصح بأسلوب جارح، أو بهزء وسخرية. ويعلق تعليقات قاسية علي طريقة تفكير غيره ومدي فهمه. هكذا يخسر الكل، لمقارنته في داخل قلبه بين ذكائه وضعف تفكيرهم..! كثيرون لهم عقول كبيرة، وفي نفس الوقت لهم قلوب صغيرة ونفسيات أصغر..! ولذلك يفشلون في الخدمة، لا بسبب العقل أو المعرفة، إنما بسبب القلب المحب لذاته، وبسبب النفس التي تضيق بسرعة، أو بسبب الأعصاب المتوترة. وفي كل ذلك لا تسعفهم عقولهم بحلول، لأن حالتهم النفسية لم تعط فرصة للعقل الكبير أن يتصرف. فقامت الأعصاب بقيادة الموقف. اربح الله فتربح الناس كن إنسانًا روحيًا، قبل أن تدخل الخدمة لتعلم الناس الروحيات. اعرف الطريق الموصلة إلي الله، لكي يمكنك أن تقود غيرك غليه. اربح الله أولًا، حينئذ تربح نفسك ثابتة في الله. وإن ربحت نفسك، ستربح الناس، بالقدوة قبل التعليم. كما أنك ستعرف الأسلوب الحكيم، الذي يمكنك به أن تكسب محبة الناس لك، ومحبتهم لله.. وإن كنت تربح الله ولم تربح نفسك فانتظر ولا تغامر بالخدمة، لئلا يعيروك قائلين: أيها الطبيب اشف نفسك أولًا! حينما تخرج الخشبة من عينك، ستبصر جيدًا، وتعرف كيف تخرج القذى من عين أخيك (مت7: 5). |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
إنك تمتنع عن ممارسة هذا في الكنيسة التي تتوسل عنك لدى الله فتربح لنفسك |
ملكوت الله لا يُقتنى بذهب أو فضة إنما بالاتضاع |
اربح الناس بالحكمة |
أربح الله أولاً فتربح كل الناس |
اربح الله أولاً فتربح كل الناس |